أفلام من السينما الآلمانية
سوفي شول ــ الأيام الأخيرة
Sophie Scholl
( The Final Days )
هذا الفيلم الآلماني ، المُنتج عام 2005 ، يأتي بمثابة تحية لروح الشابة الآلمانية " سوفيا ماگدولينا شول " التي قطع النازيون رأسها و هي في الحادية و العشرين من عمرها ( لعبت دورها " جوليا جينش " ) ، و رأسَي شقيقها " هانس " المولود عام 1918 ( لعب دوره " فابيان هينرش " ) و صديقِهِ " كريستوف بروبست " ( لعب دوره " فلوريان ستيتر " ) ، و ذلك في شهر فبراير / شباط من عام 1943 . و كانوا ــ جميعاً ــ أعضاء في حركة ( الوردة البيضاء ) الطلابية المُقاوِمة للنازية ، و هي حركة سلمية تركّـزَ نشاطُها على الكتابة على الجدران و توزيع المنشورات ــ المضادة للنازية ــ في الأماكن العامة ، بطريقة حَيّرت السلطات النازية في معرفة مَصدرها ، و قد نشطت الحركة للفترة من شهر يونيو / حزيران 1942 لغاية شهر فبراير / شباط 1943 ، عندما ألقي القبض على " سوفي شول " و شقيقها " هانس " و صديقه " كريستوف " و قُطعت رؤوسهم في (سجن ستادلهايم ) في ذات اليوم الذي أدانتهم فيه المحكمة بتاريخ 22 فبراير / شباط 1943 ، و قد تواردت ــ لاحقاً ــ أخبارٌ عن إعدام العشرات من أعضاء الحركة ، فيما أودعت أعدادٌ أخرى السجون .
و قبل ذلك بعام كانت الشابة " سوفي " قد التحقت بجامعة ميونخ لدراسة الفلسفة ، فيما كانت هي الفتاة الوحيدة التي انضمت الى حركة ( الوردة البيضاء ) الطلابية ، و لعل في ذلك سبباً لشهرتها . و قد تحوّلت " سوفي " الى رمز للوطنية الحقة في مواجهة النازية العنصرية المتوحشة التي شوّهت صورة آلمانيا و مرّغتها ــ كما كانت حركة ( الوردة البيضاء ) تراها ــ ما يعني أنْ ليس جميع الآلمان كانوا نازيي النزعة كما سعى " جوزف گوبلز " وزير إعلام " هتلر " الى أن يصوّرَهم للعالم .
عندما انتقلت عائلة " شول " ــ عام 1932 ــ الى مدينة ( أولم ) التي تقع على نهر الدانوب ، كان عُمر " سوفي " أحدَ عشر عاماً ، و لم يمض عام حتى أصبح " أدولف هتلر " ، عام 1933 ، مستشارَ آلمانيا الذي أشاع نزعته النازية ، و من أولى خطواته الإستباقية حشرُ الفتيان و الفتيات في تنظيم موحد تتم تغذيته بنزعة الولاء للنازية ، استغلالاً لغضاضة العمر ، فكان " هانس شول " يقود 160 شاباً من ( شباب هتلر ) و هو في السادسة عشرة من عمره ، و بطبيعة الحال كان من الطبيعي أن تُضم " سوفي " الى تنظيم ( اتحاد الفتيات الآلمانيات ) ، ولكنها اُصيبت بالصدمة عندما تم اعتقال أحد أشقائها عام 1937 بسبب ( نشاط لانظامي ) . هذا الأمر استوقفها عند خللٍ ما و أرخى نابض اندفاعها في سياق الولاء ( الطبيعي ) للنازية المفروضة على البلاد . لذلك فإن " سوفي " عندما دخلت الجامعة عام 1942 ، دخلت و هي في حالة ارتياب و غضب من النازيين ، و في الجامعة احتكت بزملاء شقيقها " هانس " الذي كان يدرس الطب ، و جَمَعَهُم حبُ الفن و الأدب و الفلسفة و التزلج و التنزه و تسلق الجبال ، ولكن الذي وثق صداقاتهم ، هو الريبة من النازية العنصرية التي أدخلت آلمانيا في حرب لا مبرر لها سوى داء العظمة الذي أصاب " هتلر " و الذي سيقود البلاد الى سقوط تاريخي مُدَوٍّ ، الأمر الذي قاد هؤلاء الشبان الى حركة ( الوردة البيضاء ) لتسجيل موقفهم التاريخي ، في سعي لضرب النازية في أسفل جدارها من خلال المنشورات و الكتابة على الجدران .. كنوع من المقاومة السلمية ، خصوصاً و أن " هانس " كان قلقاً مما تعرض و يتعرض له اليهود ، و عندما تمّ استدعاؤه هو و زميله " الكسندر شموريل " ــ كممرضين ــ الى الجبهة الشرقية لمدة ثلاثة أشهر ، عام 1942 ، رأيا بنفسيهما أهوال الحرب التي قاد " هتلر " آلمانيا و العالم اليها ، و شهدا كيف كان الجنود النازيون يعاملون اليهود و الجنود السوڤييت بقسوة و وحشية ، الأمر الذي أنضج لديهما فكرة التصدي و مقاومة توجهات النازية . في البداية شكّل الحركة كلٌ من " هانس شول " و " الكسندر شموريل " ، فانضم اليها " ويلي گراف " و " كريستوف بروبست " ، و ساندهم أستاذ الفلسفة " كورت هبر " .
واقعياً ، اقتصر نشاطُ حركة ( الوردة البيضاء ) على توزيع منشورات في ست وجبات . في البداية ، كانوا يضعونها في صناديق البريد ، مُرسَلَة ًالى أطباء و مثقفين و أساتذة جامعات ، قبل أن يتجرأوا و يوزعونها في أماكن عامة ، ثم تولدت لديهم فكرة الكتابة على الجدران في الظلام ( و هي فكرة " هانس شول " و " الكسندر شموريل " ) ، فتفاجأ الناس في الصباح بعبارة ( يسقط هتلر ) مكتوبة ً على واجهة مستشارية مقاطعة ( با ڤاريا ) ، الأمر الذي دفع السلطات النازية الى استنفار جنوني في البحث عن الفاعلين ، لكن هذه السلطات اصطدمت بعبارة أشد وقعاً : ( هتلر قاتلٌ جماعي ) مكتوبة في عدة أماكن ، كذلك عبارة ( كل كلمة يقولها هتلر هي كذبة ) . هذا فضلاً عن الإستمرار في توزيع المنشورات التي تقارع النازية .
" هانس شول " حرص على استبعاد شقيقته " سوفي " من المجموعة و نشاطها السري ، خوفاً عليها ، ولكنها ما أن اكتشفت أمرهم حتى أصرت على الإنضمام إليهم ، و في ذلك الوقت كان والدهما ، الپروتستانتي ، " روبرت شول " ( 1891 ــ 1973 ) عمدة مدينة فورتمبرگ ، ولكن كان قد تم اعتقاله قبل 6 أسابيع بسبب قوله أن ( هتلر عقابُ الله للبشر ) .
بعد أن توسعت قاعدة الحركة السرية توزعت منشوراتها في برلين و شتوتغارت و كولونيا ، بل أنها وصلت الى ڤيينا عاصمة النمسا التي أخضعها " هتلر " لسلطته . و قد حرضت الوجبة السادسة من المنشورات التي وُزّعت في 15 فبراير / شباط 1943 على بث فكرة إسقاط النازية و إنشاء أورو پا جديدة ، إنسانية ، خالية من النزعة العنصرية . و في 18 من الشهر إياه تم إلقاء القبض على " سوفي شول " و شقيقها " هانس " و زميله " كريستوف " . و في 22 من الشهر صدر حكم الإعدام بحقهم بتهمة ( الخيانة العظمى ) ، و بعد ساعات قُطعت رؤوسهم .
و لعل أمتع ما في الفيلم هي جلسات التحقيق مع " سوفي شول " التي تولاها رجل الغستابو المتخصص بالتحقيقات و الإستجواب " روبرت موهر " ( 1897 ــ 1977 ) ( لعب دوره الممثل الآلماني " جيرالد ألكسندر هيلد " ) ، ففي هذه الجلسات كانت أسئلة الإتهام ذكية جداً و مدروسة و مبنية على شواهد و مطروحة باسترخاء ، و بالمقابل كانت إجابات " سوفي شول " ذكية أيضاً و مبنية على سرعة البديهية . و تكاد جلسات التحقيق هذه تشكل عماد الفيلم . و كانت الممثلة الآلمانية " جوليا جينش " باهرة في أدائها الذي استحقت عنه جائزة مهرجان برلين السينمائي الدولي الفضية .
عندما أصدر رئيس المحكمة " رولاند فرايسلر " ( 1893 ــ 1945 ) حُكمَهُ صاحت " سوفي شول " في وجهه : ( سيأتي يومٌ تُحاكـَمُ فيه في هذا المكان ) ، فيما هتف شقيقها " هانس " : ( عاشت الحرية ) .
و " رولاند فرايسلر " فقيه قانوني ، جيّر فقهه لصالح الرايخ الثالث ، وهو أحد آيديولوجيي النازية . أصبح وزيراً للدولة عام 1934 ، أي بعد عام من تولي " هتلر " منصب مستشار آلمانيا ، و في العام 1942 أوكل اليه منصبُ رئاسة ما سُميت بـ ( محكمة الشعب ) ، و بعد أن كانت عقوبة الإعدام قد اُلغيت عاد " فرايسلر " فأحياها ، و عُرف بكثرة إصداره أحكام الإعدام السريعة ، فضلاً أن إهاناته الشديدة للمتهمين أثناء المحاكمة .
و كان " رولاند فرايسلر " أحد الأشخاص النازيين الخمسة عشر الذين اجتمعوا على طاولة ما سُمّي بمؤتمر ( وانسي ) ــ ضاحية من ضواحي برلين ــ لمناقشة ( الحل النهائي لليهود ) ، فكان الحل هو ( الفناء ) ، و من تلك اللحظة ولدت فكرة ( الهولوكوست ) ، و على أساس هذا ( الحل ) أمر " هتلر " بتسخير السكك الحديد لنقل يهود آلمانيا ، و يهود أي بلد أورو پي يدخله الجيش النازي ، الى معسكر ( أوشفيتس ) في پولندا و الذي أنشأه النازيون خصيصاً لإفناء اليهود و الغجر .
و ما أن انتهت الحرب العالمية الثانية و سقطت النازية حتى سارع الشعب الآلماني الى إحياء ذكرى " سوفي شول و شقيقها و رفاقه في ندوات و برامج إذاعية و تلفزيونية و مقالات و كتيبات ، ولاحقاً أقيم تمثال لـ " سوفي شول " و ظهرت عُملة معدنية تذكارية تحمل اسمها و صورتها و ظهرت في طابع بريدي ، و اُطلق إسمُها على مدارس و شوارع و حدائق و مراكز ثقافية و اجتماعية في مختلف مدن آلمانياً ، تقديراً لشجاعتها و وقفتها البطولية النادرة في وجه أعتى و أقسى طغيان في التاريخ المعاصر ، فيما تم إنشاء معهد ( شول سيبلينجز ) في جامعة لودڤيگ ماكسيميليان في ميونيخ تكريماً لـ " سوفي " و شقيقها " هانس " . و يأتي هذا الفيلم بمثابة تكريم مُضاف لذكرى " سوفي شول " ، و قد اعتمد الإرشيف السري الذي تم العثور عليه عام 1990 .
و كانت قوات الحلفاء التي دخلت برلين و أسقطت النازية قد اعتبرت الوجبة السادسة ــ الأخيرة ــ من منشورات حركة ( الوردة البيضاء ) وثيقة ً أخلاقية صارخة في مناهضة النازية من داخل آلمانيا نفسها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اليكم رابط الفيلم :
https://ok.ru/video/561517300464
هادي ياسين
سوفي شول ــ الأيام الأخيرة
Sophie Scholl
( The Final Days )
هذا الفيلم الآلماني ، المُنتج عام 2005 ، يأتي بمثابة تحية لروح الشابة الآلمانية " سوفيا ماگدولينا شول " التي قطع النازيون رأسها و هي في الحادية و العشرين من عمرها ( لعبت دورها " جوليا جينش " ) ، و رأسَي شقيقها " هانس " المولود عام 1918 ( لعب دوره " فابيان هينرش " ) و صديقِهِ " كريستوف بروبست " ( لعب دوره " فلوريان ستيتر " ) ، و ذلك في شهر فبراير / شباط من عام 1943 . و كانوا ــ جميعاً ــ أعضاء في حركة ( الوردة البيضاء ) الطلابية المُقاوِمة للنازية ، و هي حركة سلمية تركّـزَ نشاطُها على الكتابة على الجدران و توزيع المنشورات ــ المضادة للنازية ــ في الأماكن العامة ، بطريقة حَيّرت السلطات النازية في معرفة مَصدرها ، و قد نشطت الحركة للفترة من شهر يونيو / حزيران 1942 لغاية شهر فبراير / شباط 1943 ، عندما ألقي القبض على " سوفي شول " و شقيقها " هانس " و صديقه " كريستوف " و قُطعت رؤوسهم في (سجن ستادلهايم ) في ذات اليوم الذي أدانتهم فيه المحكمة بتاريخ 22 فبراير / شباط 1943 ، و قد تواردت ــ لاحقاً ــ أخبارٌ عن إعدام العشرات من أعضاء الحركة ، فيما أودعت أعدادٌ أخرى السجون .
و قبل ذلك بعام كانت الشابة " سوفي " قد التحقت بجامعة ميونخ لدراسة الفلسفة ، فيما كانت هي الفتاة الوحيدة التي انضمت الى حركة ( الوردة البيضاء ) الطلابية ، و لعل في ذلك سبباً لشهرتها . و قد تحوّلت " سوفي " الى رمز للوطنية الحقة في مواجهة النازية العنصرية المتوحشة التي شوّهت صورة آلمانيا و مرّغتها ــ كما كانت حركة ( الوردة البيضاء ) تراها ــ ما يعني أنْ ليس جميع الآلمان كانوا نازيي النزعة كما سعى " جوزف گوبلز " وزير إعلام " هتلر " الى أن يصوّرَهم للعالم .
عندما انتقلت عائلة " شول " ــ عام 1932 ــ الى مدينة ( أولم ) التي تقع على نهر الدانوب ، كان عُمر " سوفي " أحدَ عشر عاماً ، و لم يمض عام حتى أصبح " أدولف هتلر " ، عام 1933 ، مستشارَ آلمانيا الذي أشاع نزعته النازية ، و من أولى خطواته الإستباقية حشرُ الفتيان و الفتيات في تنظيم موحد تتم تغذيته بنزعة الولاء للنازية ، استغلالاً لغضاضة العمر ، فكان " هانس شول " يقود 160 شاباً من ( شباب هتلر ) و هو في السادسة عشرة من عمره ، و بطبيعة الحال كان من الطبيعي أن تُضم " سوفي " الى تنظيم ( اتحاد الفتيات الآلمانيات ) ، ولكنها اُصيبت بالصدمة عندما تم اعتقال أحد أشقائها عام 1937 بسبب ( نشاط لانظامي ) . هذا الأمر استوقفها عند خللٍ ما و أرخى نابض اندفاعها في سياق الولاء ( الطبيعي ) للنازية المفروضة على البلاد . لذلك فإن " سوفي " عندما دخلت الجامعة عام 1942 ، دخلت و هي في حالة ارتياب و غضب من النازيين ، و في الجامعة احتكت بزملاء شقيقها " هانس " الذي كان يدرس الطب ، و جَمَعَهُم حبُ الفن و الأدب و الفلسفة و التزلج و التنزه و تسلق الجبال ، ولكن الذي وثق صداقاتهم ، هو الريبة من النازية العنصرية التي أدخلت آلمانيا في حرب لا مبرر لها سوى داء العظمة الذي أصاب " هتلر " و الذي سيقود البلاد الى سقوط تاريخي مُدَوٍّ ، الأمر الذي قاد هؤلاء الشبان الى حركة ( الوردة البيضاء ) لتسجيل موقفهم التاريخي ، في سعي لضرب النازية في أسفل جدارها من خلال المنشورات و الكتابة على الجدران .. كنوع من المقاومة السلمية ، خصوصاً و أن " هانس " كان قلقاً مما تعرض و يتعرض له اليهود ، و عندما تمّ استدعاؤه هو و زميله " الكسندر شموريل " ــ كممرضين ــ الى الجبهة الشرقية لمدة ثلاثة أشهر ، عام 1942 ، رأيا بنفسيهما أهوال الحرب التي قاد " هتلر " آلمانيا و العالم اليها ، و شهدا كيف كان الجنود النازيون يعاملون اليهود و الجنود السوڤييت بقسوة و وحشية ، الأمر الذي أنضج لديهما فكرة التصدي و مقاومة توجهات النازية . في البداية شكّل الحركة كلٌ من " هانس شول " و " الكسندر شموريل " ، فانضم اليها " ويلي گراف " و " كريستوف بروبست " ، و ساندهم أستاذ الفلسفة " كورت هبر " .
واقعياً ، اقتصر نشاطُ حركة ( الوردة البيضاء ) على توزيع منشورات في ست وجبات . في البداية ، كانوا يضعونها في صناديق البريد ، مُرسَلَة ًالى أطباء و مثقفين و أساتذة جامعات ، قبل أن يتجرأوا و يوزعونها في أماكن عامة ، ثم تولدت لديهم فكرة الكتابة على الجدران في الظلام ( و هي فكرة " هانس شول " و " الكسندر شموريل " ) ، فتفاجأ الناس في الصباح بعبارة ( يسقط هتلر ) مكتوبة ً على واجهة مستشارية مقاطعة ( با ڤاريا ) ، الأمر الذي دفع السلطات النازية الى استنفار جنوني في البحث عن الفاعلين ، لكن هذه السلطات اصطدمت بعبارة أشد وقعاً : ( هتلر قاتلٌ جماعي ) مكتوبة في عدة أماكن ، كذلك عبارة ( كل كلمة يقولها هتلر هي كذبة ) . هذا فضلاً عن الإستمرار في توزيع المنشورات التي تقارع النازية .
" هانس شول " حرص على استبعاد شقيقته " سوفي " من المجموعة و نشاطها السري ، خوفاً عليها ، ولكنها ما أن اكتشفت أمرهم حتى أصرت على الإنضمام إليهم ، و في ذلك الوقت كان والدهما ، الپروتستانتي ، " روبرت شول " ( 1891 ــ 1973 ) عمدة مدينة فورتمبرگ ، ولكن كان قد تم اعتقاله قبل 6 أسابيع بسبب قوله أن ( هتلر عقابُ الله للبشر ) .
بعد أن توسعت قاعدة الحركة السرية توزعت منشوراتها في برلين و شتوتغارت و كولونيا ، بل أنها وصلت الى ڤيينا عاصمة النمسا التي أخضعها " هتلر " لسلطته . و قد حرضت الوجبة السادسة من المنشورات التي وُزّعت في 15 فبراير / شباط 1943 على بث فكرة إسقاط النازية و إنشاء أورو پا جديدة ، إنسانية ، خالية من النزعة العنصرية . و في 18 من الشهر إياه تم إلقاء القبض على " سوفي شول " و شقيقها " هانس " و زميله " كريستوف " . و في 22 من الشهر صدر حكم الإعدام بحقهم بتهمة ( الخيانة العظمى ) ، و بعد ساعات قُطعت رؤوسهم .
و لعل أمتع ما في الفيلم هي جلسات التحقيق مع " سوفي شول " التي تولاها رجل الغستابو المتخصص بالتحقيقات و الإستجواب " روبرت موهر " ( 1897 ــ 1977 ) ( لعب دوره الممثل الآلماني " جيرالد ألكسندر هيلد " ) ، ففي هذه الجلسات كانت أسئلة الإتهام ذكية جداً و مدروسة و مبنية على شواهد و مطروحة باسترخاء ، و بالمقابل كانت إجابات " سوفي شول " ذكية أيضاً و مبنية على سرعة البديهية . و تكاد جلسات التحقيق هذه تشكل عماد الفيلم . و كانت الممثلة الآلمانية " جوليا جينش " باهرة في أدائها الذي استحقت عنه جائزة مهرجان برلين السينمائي الدولي الفضية .
عندما أصدر رئيس المحكمة " رولاند فرايسلر " ( 1893 ــ 1945 ) حُكمَهُ صاحت " سوفي شول " في وجهه : ( سيأتي يومٌ تُحاكـَمُ فيه في هذا المكان ) ، فيما هتف شقيقها " هانس " : ( عاشت الحرية ) .
و " رولاند فرايسلر " فقيه قانوني ، جيّر فقهه لصالح الرايخ الثالث ، وهو أحد آيديولوجيي النازية . أصبح وزيراً للدولة عام 1934 ، أي بعد عام من تولي " هتلر " منصب مستشار آلمانيا ، و في العام 1942 أوكل اليه منصبُ رئاسة ما سُميت بـ ( محكمة الشعب ) ، و بعد أن كانت عقوبة الإعدام قد اُلغيت عاد " فرايسلر " فأحياها ، و عُرف بكثرة إصداره أحكام الإعدام السريعة ، فضلاً أن إهاناته الشديدة للمتهمين أثناء المحاكمة .
و كان " رولاند فرايسلر " أحد الأشخاص النازيين الخمسة عشر الذين اجتمعوا على طاولة ما سُمّي بمؤتمر ( وانسي ) ــ ضاحية من ضواحي برلين ــ لمناقشة ( الحل النهائي لليهود ) ، فكان الحل هو ( الفناء ) ، و من تلك اللحظة ولدت فكرة ( الهولوكوست ) ، و على أساس هذا ( الحل ) أمر " هتلر " بتسخير السكك الحديد لنقل يهود آلمانيا ، و يهود أي بلد أورو پي يدخله الجيش النازي ، الى معسكر ( أوشفيتس ) في پولندا و الذي أنشأه النازيون خصيصاً لإفناء اليهود و الغجر .
و ما أن انتهت الحرب العالمية الثانية و سقطت النازية حتى سارع الشعب الآلماني الى إحياء ذكرى " سوفي شول و شقيقها و رفاقه في ندوات و برامج إذاعية و تلفزيونية و مقالات و كتيبات ، ولاحقاً أقيم تمثال لـ " سوفي شول " و ظهرت عُملة معدنية تذكارية تحمل اسمها و صورتها و ظهرت في طابع بريدي ، و اُطلق إسمُها على مدارس و شوارع و حدائق و مراكز ثقافية و اجتماعية في مختلف مدن آلمانياً ، تقديراً لشجاعتها و وقفتها البطولية النادرة في وجه أعتى و أقسى طغيان في التاريخ المعاصر ، فيما تم إنشاء معهد ( شول سيبلينجز ) في جامعة لودڤيگ ماكسيميليان في ميونيخ تكريماً لـ " سوفي " و شقيقها " هانس " . و يأتي هذا الفيلم بمثابة تكريم مُضاف لذكرى " سوفي شول " ، و قد اعتمد الإرشيف السري الذي تم العثور عليه عام 1990 .
و كانت قوات الحلفاء التي دخلت برلين و أسقطت النازية قد اعتبرت الوجبة السادسة ــ الأخيرة ــ من منشورات حركة ( الوردة البيضاء ) وثيقة ً أخلاقية صارخة في مناهضة النازية من داخل آلمانيا نفسها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اليكم رابط الفيلم :
https://ok.ru/video/561517300464
هادي ياسين