ليون تروتسكي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ليون تروتسكي

    نادرةٌ هي الصور الذاتية التي تجسّم، على نحوٍ ما، تفاصيلَ حياة كاملة، مع أنّها لا تعبّر بدقة وبصراحة عن ذلك، بل هي، ربما، تموّه وتخفي وتقصي أكثر ممّا تبيح. ولكن قراءة سيميائية هي قراءة ممكنة دوماً.

    أحبّ هذه الصورة لليون تروتسكي، فهي تجسّد، برأيي، كلّ مآلات حياته اللاحقة حتى مقتله بفأس في الرأس في مكسيكو سنة 1940.
    إنّها صورة شاب حالم بعالم أفضل، بكون يوتوبي تٌحلّ فيه جميع التناقضات، بكونٍ مرجوٍّ. شاب غاضب من السلطان في بلاده وفي كلّ مكان، غاضب من نفسه ومن منشئه في جنوب أوكرانيا البارد والبائس، غاضبٌ من كلّ شيء، غاضبٌ من الإنسان لأنه خذول وجبان مهما بدت شجاعته، غاضب من لينين ومن ستالين ومن جميع أعضاء المكتاب السياسي فهم جميعهم منافقون وسطحيون وانتهازيون، وبرغم أنّه بلشفي حتى العظم إلا أنّه كان يائساً من البلاشفة لأنّهم لم يكونوا ثوريين حقيقيين بل كانوا في أصلهم وفصلهم مجرّد فلاحين نخر الإقطاع والكنيسة روحهم، ولذلك لم يذهبوا في ثوريتهم إلى أقاصيها بل تمرغوا في وحل الدولة وخنعوا للمصير الذي منحتهم إياه. ورغم رقته وهشاشته العاطفية العميقة وولعه بالشعر والجماليات إلاّ أنّه كان يحبّ قتل خصومه وخصوم عقيدته. حمل في عينيه غشاوة فصلته عن رؤية الواقع المعقّد فكانت تغيب عنه أمور كثيرة ولذلك فلتت من بين يديه كلّ الأمور. حمل في وجهه، وفيما وراء وجهه، صورة الفنان في شبابه، صورة الشاعرالفقير المنشأ المولّه بالنساء الأرستقراطيات والعاهرات بآن وعشقه لغموضهنّ وغرابتهن، في بريق عينه تلمع خطابة شيشرون وحكمة الرواقيين وبلاهة العشاق اليائسين. كان وجه تروتسكي الشاب يحمل كلّ بلاغة الثورة العالمية الممكنة وكلّ بلاغة فشلها الحتمي.
    ومكر التاريخ كان له بالمرصاد.
    Sharif Mabrouki
يعمل...
X