حميد نعسان مثقفو حلب
٤ سبتمبر ٢٠١٨ ·
حي بستان الزهرة 1983/1969
لم يكن في البداية أكثر من تجمع سكني تلقائي لأناس بسطاء جمعتهم الصدفة ، وذات الحال ؛ حيث كان الحي ملحقا اداريا بحيي الفيض العريق ، واقتصاديا بحي الملعب البلدي المجاور له ... وكان الحي المذكور لا يضم في أفضل حالاته أكثر من ثلاثين كتلة سكنية صغيرة ، سعة كل مبنى خمس عشر شقة...وكان معظم سكان الحي الناشىء من العاملين في وزارتي الدفاع والداخلية ، والتربية ، ومن عمال مؤسسات القطاعين العام والخاص ، وطلبة الجامعة ...
كانت أول زيارة لي للحي في صيف عام 1969، حيث كنت عائدا من بلدتي عفرين إلى قطعتي العسكرية، فمررت ببيت أختي الكبرى " أم صبري " والتي كانت من السكان الأوائل في الحي الشعبي ، ولم يخطر لي بانني بعد عدة أعوام سأنضم الى سكان الحي الواعد !.. وبالفعل ، ففي منتصف عام 1974 ، حالما وفقت بعمل في شركة الكرنك للنقل والسياحة ، استأجرت شقة صغيرة في الحي ، وانضممت لساكنيه الكادحين ...
كانت مساحة الحي لا تتعدى مساحة ملاعب السابع من نيسان المجاورة في حي الملعب البلدي ... وكان يحد الحي من الغرب الخط الحديدي المار من حلب إلى اللاذقية ، وحماه وحمص ، ثم دمشق ،والذي كان يفصله عن "طلعة الحريري" ...ومن الشرق حي المشارقة ، وطريق سوق الهال ، " وبناية شدو " العتيدة المتميزة بساكنيها ، يليها في الزاوية الشرقية الشمالية " كازية الباش ومغسلتها " ...أما من الشمال فطريق حلب /دمشق ، وملعب ومسبح السابع من نيسان ...ومن الجنوب ، فحديقة بستان القصر الشاسعة ... وكانت مدرسة " السيدة خديجة الكبرى " ومستودع كتبها المدرسية ، هي الدائرة الحكومية الوحيدة في الحي المذكور !..
عاش سكان الحي البسطاء حياة هادئة ، بمخبز وحيد ، ومحل جزارة ، وفوال ، وصالونا حلاقة وعدة دكاكين ، وقد افتتح الدكتور أحمد الحرح أول عيادة طبية في الحي ، وكانت هناك صيدلية وحيدة في الطابق الأرضي من " بناية شدو " ...وقد عاش أهل الحي حياة ملؤها المحبة ، والتفاهم والاحترام المتبادل ... يعودون من أعمالهم مرهقين نسبيا ، يتناولون وجبات الطعام الخفيفة ، ويأخذون قسطا من الراحة ،ويمضي معظمهم سهرات الصيف على الشرفات ،بسبب الجو الحار نسبيا ... وقد تآلفت أسماعهم مع زمامير القطارات والباصات العابرة ، وتواشيح ومواويل بائعي الخضار ، والخردة ، وأصوات أغاني فيروز صباحا ، وأم كلثوم مساء... وبالرغم من المستوى المعيشي المتوسط لأبناء الحي ، فقد سكن في الحي بعض الشخصيات ذات البعد الإنساني والإجتماعي ، ومنهم : الفنان التشكيلي الحلبي الراحل لؤي كيالي ، الذي عاش الحلقة الأخيرة من مسلسل حياته في الحي المذكور ، إلى أن توفاه الله بحادث حريق مفاجئء !.. وأيضا من الوجوه الرياضية : الأساتذة عمر كيال ، وزكوان عطري ... ومن التربويين الراحلين : نظمي الزوبري ، ومحمد قاصوص/أبو عبدو ، والموجهة التربوية المتقاعدة السيدة نجوى النايف ، والحقوقي المتقاعد أبو مهند عرب ، والمحامي عبدالوهاب خوجة وآخرون .. وأخيرا المهندسون المتميزون الذين أمضوا مراحل دراستهم الأولى ، والأساسية في الحي : د.م إقبال عرب ، وائل علوان ، الأخوان صبري ومحمد منلا علي ، مصطفى هبو ، ومها نعسان ، والعشرات من خريجي الجامعة ، والمعاهد المتخصصة...
أما أشقياء الحي : فكان على رأسهم السمان " أبو بكري" الذي قيل أنه قد أمضى خمس عشرة سنة في السجن قبل أن يفتح دكانه في الحي ، فعندما سأله جيرانه عن كيفية قضاء تلك المدة الطويلة ، أجاب : (بسيطة ... ستة سنين على الجنب اليمين ، وستة على اليسار... وثلاثة إعفاء (ربع مدة) لحسن السيرة والسلوك ، وهيك خلصوا الخمستاعش سنة، وصرنا هون بيناتكن ).... أما السيدة " أم ديبو" ، وهذا كان إسم شهرتها ، اذ كانت تسكن في الطابق الرابع ، ومن عادتها أن تدلق " طشت الماء" من شرفتها إلى الشارع ، وفي حال انسكاب الماء على احد الأشخاص ، تقول ( وحياة الغوالي ، مية نضيفة ياإبني ...ماكان قصدي ...)، وتختفي سريعا ، خلف الستار القماشي لشرفة شقتها !..
ومن طرائف الحي المذكور ، أن شرطيا استأجر دارا في الحي ، ونقل أساس بيته عند المغرب ،فطلبت منه زوجته الذهاب لاحضار طعام العشاء للأطفال ، فخرج من البيت وتأخر بسبب ادائه لفريضة العشاء في المسجد المجاور للحي ، فضل الطريق عن مدخل البناء الذي سكن فيه قبل ساعات ، فما كان منه إلا أن توجه للسمان " أبو بكري " قائلا : ( في شرطي من ساعتين نقل بيتو لعندكن هون بالحارة ... عجب وين صار بيته ؟...) ، وكان أبو بكري محنكا ، وأحيانا خبيثا ، فقال له : (بدينك مو إنتى الشرطي ياللي عم بتسأل عنو ...؟) أجاب الشرطي : أي والله ، أنا المعتر ... ال ........) فضحك جميع الحاضرون ، ماعدا الشرطي ...!..
وفي الختام ، أستطيع أن أقول : أن حي بستان الزهرة كان إسما على مسمى ؛ ففي دائرة لم يتحاوز قطرها المائة متر ، كانت هناك دوحة غناء من الأزهار البشرية ، وعلى رأسها ( الفلة البيضاء ، هالة ، والبنفسجة الزرقاء مها ...والقرنفلة الوردية ، " نهلة " ، والتي لقبها الدكتور طه كيالي بالسيدة الفراشة ، " Lady Butterfly " لإرتدائها في السهرة جلبابا بألوان الفراشة الزاهية ... وكانت هناك في الحي أيضا ، ورود وأشواك ...! كل أولئك تجاوزا الآن سن الستين ، فعليهن منا السلام !!!
Basel O Hariri عبد الواحد جراد
- مكان جميل وناس طيبون وذكرى جميلة فلقد كنا نذهب الى الجامعة سيرا على الاقدام وكان من سكة القطار الى الجامعة خال من العمران اللهم الا بقعة صغيرة للجيش (ورشة تسليح) وغنم سارحة