خلال العصور الوسطى في أوروبا (حوالي القرن الرابع عشر الميلادي) اكتسب الأطباء قليلا من المعرفة العلمية من معلميهم العرب. يستخدم الطبيب أعلاه كل قوته لتضميد فك مكسور بإحكام قدر المستطاع. |
اجتاحت أوروبا سلسلة من الأمراض الوبائية خلال العصور الوسطى. وبدأ تفشي مرض الجذام في القرن السادس الميلادي وبلغ ذروته خلال القرن الثالث عشر الميلادي. وفي منتصف القرن الرابع عشر الميلادي تسبب تفشي الطاعون المروع، الذي يعرف الآن باسم الموت الأسود في وفاة ما يقرب من ثلث سكان أوروبا. وخلال فترة القرون الوسطى، أصاب الجدري وأمراض أخرى مئات الآلاف من الناس.
كان تأسيس العديد من المستشفيات وإقامة أول مدرسة طبية جامعية أهم الإنجازات الطبية في أوروبا خلال العصور الوسطى، وأسست مجموعات من النصارى مئات المستشفيات الخيرية من أجل ضحايا الجذام. وفي القرن العاشر الميلادي بدأ العمل في مدرسة طبية بساليرنو بإيطاليا، أصبحت المركز الرئيسي للتعليم الطبي في أوروبا. وخلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين أُنشئت مدارس أخرى مهمة في أوروبا. وخلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، أصبح كثير من هذه المدارس جزءًا من جامعات حديثة النشأة، مثل جامعة بولونيا في إيطاليا وجامعة باريس في فرنسا.
أول دراسة علمية عن التشريح بدأت بكتاب أندرياس فزاليوس عام 1543م حول تركيب الجسم البشري - هذا الرسم من الكتاب يبين الأعصاب الشوكية |
التقدم الجراحي لأمبروا باري (القرن الخامس عشر الميلادي) شمل الخياطة في قطع من القماش ملصوقة على جلد المريض بدلا من الخياطة في الجلد ذاته. |
ظهرت روح علمية جديدة خلال عصر النهضة الأوروبية، وهي الحركة الثقافية الكبرى التي عمت أرجاء أوروبا الغربية من عام 1300م إلى القرن السابع عشر الميلادي تقريبًا. قبل هذه الحقبة الزمنية، حددت معظم المجتمعات ممارسة تشريح الأجسام البشرية من أجل الدراسة العلمية تحديدًا قاطعًا، بيد أن القوانين التي صدرت ضد التشريح قد تراخت خلال عصر النهضة الأوروبية، ونتيجة لذلك، أصبح من الممكن إجراء أول دراسات علمية حقيقية على جسم الإنسان.
خلال أواخر القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلاديين، قام الفنان ليوناردو دافنشي بإجراء تشريحات عديدة لمعرفة المزيد عن تشريح جسم الإنسان، ولقد سجل مشاهداته في سلسلة من الرسوم شملت أكثر من 750 رسمًا، كما قام أندرياس فيزاليوس، وهو طبيب وأستاذ بكلية الطب في جامعة بادُوا بإيطاليا، بإجراء العديد من التشريحات. واستخدم فيزاليوس مشـــاهداته في كتابة أول كتــاب علمي عن علم التشريح البشري سمي حول تركيب الجسم البشري (1543م)، ولقد حل هذا الكتاب محل كتب جالينوس وابن سينا بصورة تدريجية.
أسهم أطباء آخرون إسهامات بارزة في علم الطب في القرن السادس عشر الميلادي، ولقد طور جراح فرنسي عسكري يدعى أمبروا باري في التقنيات الجراحية حتى اعتُبر أبا الطب الحديث. فلقد عارض على سبيل المثال ممارسة كيّ (حرق) الجروح الشائعة بالزيت المغلي لمنع العدوى، واستبدل بها طريقة أقل ضررًا، وذلك بوضع مرهم خفيف، ثم تركه على الجرح كي يلتئم التئامًا طبيعيًا. ولقد ركز فيليبس بارسيلسوس، وهو طبيب سويسري، على أهمية الكيمياء في تحضير الأدوية، واستنتج من كثير من الأدوية التي تحتوي على عدة عناصر أن أحد العناصر قد يبطل فائدة عنصر آخر.