اضمحلال التأثير الإسلامي - القرن الثالث عشر : عصر التعليم .. السيمياء تنتقل من الشرق الى الغرب
اضمحلال التأثير الإسلامي
في القرن الثالث عشر، تعرضت روح البحث الحر التي تميز بها العلماء المسلمون، لكارثة محتومة على يد قائد عسكري منغولي عرف باسم جنكيز خان، الذي اندفع بقواته من آسيا سنة 1227 ، وأصبح أكبر فاتح عرفه العالم على الإطلاق. كان الرعب هو (خطته)، وكان على من استسلموا له أن يدفعوا إتاوة فقط، أما من لم يستسلموا فقد كانوا هدفا للنهب والسلب والقتل والتدمير. وقد قام أبناؤه بعد وفاته بغزو أوروبا وروسيا . وهاجم الخان الأعظم الثالث الدولة الإسلامية. فبعد أن قضى على الحشاشين في طريقه، اتجه نحو بغداد، وقد عصفت قواته بالمدينة ونهبوها . وقاموا بلف آخر خليفة داخل سجادة وقتلوه تحت سنابك الخيل إذ كانت هناك خرافة تحذر من إراقة دمه).
وحطم الغزو المنغولي المدن العربية الكبرى، ودمر المكتبات والمخطوطات والمدارس. وأصبحت مهمة العرب هي إنقاذ ما يمكن إنقاذه دون أن يطوروا أي جديد . وفي العام 1260 ، تحطمت أسطورة المغول الذين لا يقهرون بعد هزيمة أحد جنرالاتهم، وانتهى عصر من الرعب والإرهاب. غير أنه بحلول هذا الوقت كان الإظلام التام قد أحاق بالفكر العربي، كان العرب - مثل باقي الأمم التي سبقتهم ولحقتهم - قد شيدوا الأسوار العقلية والحقيقية. كانت معارفهم قد حفظت ثم عبرت إلى الغرب في ذلك الحين.
القرن الثالث عشر : عصر التعليم
استمرت الغزوات تجتاح أوروبا خلال القرن الثالث عشر، لكن ما تبقى من الإمبراطورية الرومانية السابقة كان من القوة بحيث يقاوم هذه الغزوات.
كان السكان قليلين، والإقطاع مزدهرا ، لكن المدن الحرة كانت تنمو وتنمو معها مراكز التعليم. أسست الجامعات في نابولي وباريس وأكسفورد وكامبريدج وسيفيليا وسيينا .
كانت جامعات ذلك الوقت من طرازين : جامعات إيطاليا وإسبانيا وجنوب فرنسا التي كانت مملوكة ويديرها الطلاب أنفسهم . كانوا يعينون (ويفصلون) المعلمين ويحددون مرتباتهم. وعلى الجانب الآخر، كانت الجامعات في شمال أوروبا تتكون من اتحادات للمعلمين. وكان لكل كلية الفنون واللاهوت والقانون والطب عميد منتخب. كانت الكلية تقدم العون المالي لإقامة الطلاب الفقراء.
لكن عندما تأكد أن النظام يتحقق كأفضل ما يكون إذا أقام كل الطلاب في الكليات، أصبحت الكليات مراكز للدرس وللإقامة.
كان طلاب ذلك الوقت مثل الطلاب اليوم، فيما عدا سن الالتحاق والذي كان في القرن الثالث عشر يتراوح بين 12- 15 سنة. كانت هناك تقارير تؤكد وجود مواجهات مخمورة بين الطلاب والفتوات المحليين.
وقد ضبط الطلاب في باريس وهم يلعبون النرد في المذبح في نوتردام. كانت جماهير الناس غالبا تشجب الجامعات لأنها مأوى الهرطقة والوثنية والإغراق في الشؤون الدنيوية . وكان يقال إن الطلاب يبحثون عن اللاهوت في باريس، وعن القانون في بولونيا، وعن الطب في مونت بيليه، لكن لا يبحثون في أي مكان عن حياة يرضى عنها الرب (4) .
ومع ذلك، فقد كانت العملية التعليمية تأخذ حيزا حتى وسط هذه الاحتفالات. وكانت وسيلة التعليم هي المحاضرة، حيث كان الطلاب يكتبون مذكراتهم على ألواح من الشمع ليناقشوا ما كتبوه فيما بعد. وتضمنت المناهج في هذه الجامعات الأولى قواعد اللغة والبلاغة والمنطق أو الديالكتيك للحصول على درجة البكالوريوس، أما الدراسة لدرجة الماجستير فكانت تتضمن الحساب والهندسة والفلك والموسيقى. ولم يكن هناك الكثير من التاريخ أو العلوم الطبيعية . كان الرهبان من المنديكانت، أو المجموعات التي تعيش على الصدقات مثل الفرنسيسكان أو الدومنيكان يقومون بالتدريس في الجامعات من أجل لقمة العيش، ومن خلال هذه العملية انتقلت الترجمات العربية من الأديرة إلى عالم القرون الوسطى.
شجبت الكنيسة في البداية أعمال أرسطو المترجمة حديثا، وكانت هناك بعض نقاط الخلاف والجدل مثل مفهوم أرسطو عن العالم السرمدي وفكرة عدم وجود ثواب وعقاب بعد الموت. وبالإضافة لكل ذلك فإن الكنيسة كانت معادية للنزعة العقلية، أي لاستخدام العقل الإنساني بديلا عن الإيمان في البحث عن الإجابات. كان آباء الكنيسة معادين، بوجه خاص، لأعمال أرسطو في العلوم الطبيعية، حتى أنهم حرموا تدريسها ، لكن دراسة هذه العلوم تواصلت (ربما شجع الحظر على دراستها بشكل غير مشروع . وبفضل مجهودات المدافعين عن الدين مثل توما الأكويني - الذي كان يقول إنه لا تعارض بين العقل والإيمان إذا كانا من مصدر إلهي واحد عادت العلوم الطبيعية لتدرس بشكل شرعي، وبحلول منتصف القرن الثالث عشر، أصبحت هذه العلوم متطلبا للحصول على درجة الماجستير في الفنون.
استمرت المعلومات في التدفق نتيجة الاحتكاك بالعرب وبآسيا . لكن المغول كانوا يصبون اهتمامهم على الفوائد الاقتصادية للفتح وليس على قواعد الفكر. كانوا متسامحين مع الديانات المحلية والعادات ما دامت هذه لا تتداخل مع جباية الضرائب. وقد أصبحت التجارة بواسطة الطرق بين الصين وأوروبا وقد شجعوا هذه التجارة فعلا أيسر في العصر المغولي.
وقد كان التجار من البندقية كان ماركو بولو واحدا منهم والتجار المسلمون واليهود يقومون بهذه الرحلات للتجارة ( في 1163 ، كان هناك محفل يهودي في الصين) . وقد وجدت التقنيات الصينية طريقها عبر هذه الدروب مثل استخدام البارود في القنابل والصواريخ. وفي هذا الوقت كانت الهند نشطة تجاريا وسيميائيا ، وكتبت الـ «سوكرانيتي»، حيث أعطيت وصفات عدة لتصنيع البارود . لم يكن السيميائيون المسلمون ينتجون كما في السابق، لكنهم واصلوا عطاءهم للغرب بهدوء عن طريق التجارة والترجمة.
لم يكن تبادل المعلومات يسير بوتيرة منتظمة على الدوام، ففي بداية القرن الثالث عشر قام الصليبيون - تحدوهم دوافع مختلفة من البحث عن الثروة والغيرة الحضارية والحماسة الدينية - قاموا بالهجوم على القسطنطينية ونهبوها وأحرقوها وغنموا منها الغنائم وقتلوا واغتصبوا الكثيرين وداسوا تحت الأقدام كنوز الكتب فيها . لكن الصليبيين من البندقية والذين التحقوا أخيرا بالحملات الصليبية - أدركوا قيمة الكتب فحاولوا إنقاذ البعض منها، لكن معظمها كان قد فقد وانقطعت معه قناة العلم والمعرفة التي كانت تصل الغرب بالشرق ممثلة في القسطنطينية.
ودون النظر في الطريقة التي وصلت بها المعرفة إلى الغرب، فإن الكثير منها كان في حوزة الأكاديميين الجدد في مؤسساتهم الجديدة وتاريخيا قام هؤلاء بالشيء المنطقي المتوقع منهم بدأوا يجمعون ويسجلون كل ما يعرفونه سواء أكان جديدا أم قديما ، وذلك في صورة مكثفة ومريحة. لقد بدأوا كتابة الموسوعات.
اضمحلال التأثير الإسلامي
في القرن الثالث عشر، تعرضت روح البحث الحر التي تميز بها العلماء المسلمون، لكارثة محتومة على يد قائد عسكري منغولي عرف باسم جنكيز خان، الذي اندفع بقواته من آسيا سنة 1227 ، وأصبح أكبر فاتح عرفه العالم على الإطلاق. كان الرعب هو (خطته)، وكان على من استسلموا له أن يدفعوا إتاوة فقط، أما من لم يستسلموا فقد كانوا هدفا للنهب والسلب والقتل والتدمير. وقد قام أبناؤه بعد وفاته بغزو أوروبا وروسيا . وهاجم الخان الأعظم الثالث الدولة الإسلامية. فبعد أن قضى على الحشاشين في طريقه، اتجه نحو بغداد، وقد عصفت قواته بالمدينة ونهبوها . وقاموا بلف آخر خليفة داخل سجادة وقتلوه تحت سنابك الخيل إذ كانت هناك خرافة تحذر من إراقة دمه).
وحطم الغزو المنغولي المدن العربية الكبرى، ودمر المكتبات والمخطوطات والمدارس. وأصبحت مهمة العرب هي إنقاذ ما يمكن إنقاذه دون أن يطوروا أي جديد . وفي العام 1260 ، تحطمت أسطورة المغول الذين لا يقهرون بعد هزيمة أحد جنرالاتهم، وانتهى عصر من الرعب والإرهاب. غير أنه بحلول هذا الوقت كان الإظلام التام قد أحاق بالفكر العربي، كان العرب - مثل باقي الأمم التي سبقتهم ولحقتهم - قد شيدوا الأسوار العقلية والحقيقية. كانت معارفهم قد حفظت ثم عبرت إلى الغرب في ذلك الحين.
القرن الثالث عشر : عصر التعليم
استمرت الغزوات تجتاح أوروبا خلال القرن الثالث عشر، لكن ما تبقى من الإمبراطورية الرومانية السابقة كان من القوة بحيث يقاوم هذه الغزوات.
كان السكان قليلين، والإقطاع مزدهرا ، لكن المدن الحرة كانت تنمو وتنمو معها مراكز التعليم. أسست الجامعات في نابولي وباريس وأكسفورد وكامبريدج وسيفيليا وسيينا .
كانت جامعات ذلك الوقت من طرازين : جامعات إيطاليا وإسبانيا وجنوب فرنسا التي كانت مملوكة ويديرها الطلاب أنفسهم . كانوا يعينون (ويفصلون) المعلمين ويحددون مرتباتهم. وعلى الجانب الآخر، كانت الجامعات في شمال أوروبا تتكون من اتحادات للمعلمين. وكان لكل كلية الفنون واللاهوت والقانون والطب عميد منتخب. كانت الكلية تقدم العون المالي لإقامة الطلاب الفقراء.
لكن عندما تأكد أن النظام يتحقق كأفضل ما يكون إذا أقام كل الطلاب في الكليات، أصبحت الكليات مراكز للدرس وللإقامة.
كان طلاب ذلك الوقت مثل الطلاب اليوم، فيما عدا سن الالتحاق والذي كان في القرن الثالث عشر يتراوح بين 12- 15 سنة. كانت هناك تقارير تؤكد وجود مواجهات مخمورة بين الطلاب والفتوات المحليين.
وقد ضبط الطلاب في باريس وهم يلعبون النرد في المذبح في نوتردام. كانت جماهير الناس غالبا تشجب الجامعات لأنها مأوى الهرطقة والوثنية والإغراق في الشؤون الدنيوية . وكان يقال إن الطلاب يبحثون عن اللاهوت في باريس، وعن القانون في بولونيا، وعن الطب في مونت بيليه، لكن لا يبحثون في أي مكان عن حياة يرضى عنها الرب (4) .
ومع ذلك، فقد كانت العملية التعليمية تأخذ حيزا حتى وسط هذه الاحتفالات. وكانت وسيلة التعليم هي المحاضرة، حيث كان الطلاب يكتبون مذكراتهم على ألواح من الشمع ليناقشوا ما كتبوه فيما بعد. وتضمنت المناهج في هذه الجامعات الأولى قواعد اللغة والبلاغة والمنطق أو الديالكتيك للحصول على درجة البكالوريوس، أما الدراسة لدرجة الماجستير فكانت تتضمن الحساب والهندسة والفلك والموسيقى. ولم يكن هناك الكثير من التاريخ أو العلوم الطبيعية . كان الرهبان من المنديكانت، أو المجموعات التي تعيش على الصدقات مثل الفرنسيسكان أو الدومنيكان يقومون بالتدريس في الجامعات من أجل لقمة العيش، ومن خلال هذه العملية انتقلت الترجمات العربية من الأديرة إلى عالم القرون الوسطى.
شجبت الكنيسة في البداية أعمال أرسطو المترجمة حديثا، وكانت هناك بعض نقاط الخلاف والجدل مثل مفهوم أرسطو عن العالم السرمدي وفكرة عدم وجود ثواب وعقاب بعد الموت. وبالإضافة لكل ذلك فإن الكنيسة كانت معادية للنزعة العقلية، أي لاستخدام العقل الإنساني بديلا عن الإيمان في البحث عن الإجابات. كان آباء الكنيسة معادين، بوجه خاص، لأعمال أرسطو في العلوم الطبيعية، حتى أنهم حرموا تدريسها ، لكن دراسة هذه العلوم تواصلت (ربما شجع الحظر على دراستها بشكل غير مشروع . وبفضل مجهودات المدافعين عن الدين مثل توما الأكويني - الذي كان يقول إنه لا تعارض بين العقل والإيمان إذا كانا من مصدر إلهي واحد عادت العلوم الطبيعية لتدرس بشكل شرعي، وبحلول منتصف القرن الثالث عشر، أصبحت هذه العلوم متطلبا للحصول على درجة الماجستير في الفنون.
استمرت المعلومات في التدفق نتيجة الاحتكاك بالعرب وبآسيا . لكن المغول كانوا يصبون اهتمامهم على الفوائد الاقتصادية للفتح وليس على قواعد الفكر. كانوا متسامحين مع الديانات المحلية والعادات ما دامت هذه لا تتداخل مع جباية الضرائب. وقد أصبحت التجارة بواسطة الطرق بين الصين وأوروبا وقد شجعوا هذه التجارة فعلا أيسر في العصر المغولي.
وقد كان التجار من البندقية كان ماركو بولو واحدا منهم والتجار المسلمون واليهود يقومون بهذه الرحلات للتجارة ( في 1163 ، كان هناك محفل يهودي في الصين) . وقد وجدت التقنيات الصينية طريقها عبر هذه الدروب مثل استخدام البارود في القنابل والصواريخ. وفي هذا الوقت كانت الهند نشطة تجاريا وسيميائيا ، وكتبت الـ «سوكرانيتي»، حيث أعطيت وصفات عدة لتصنيع البارود . لم يكن السيميائيون المسلمون ينتجون كما في السابق، لكنهم واصلوا عطاءهم للغرب بهدوء عن طريق التجارة والترجمة.
لم يكن تبادل المعلومات يسير بوتيرة منتظمة على الدوام، ففي بداية القرن الثالث عشر قام الصليبيون - تحدوهم دوافع مختلفة من البحث عن الثروة والغيرة الحضارية والحماسة الدينية - قاموا بالهجوم على القسطنطينية ونهبوها وأحرقوها وغنموا منها الغنائم وقتلوا واغتصبوا الكثيرين وداسوا تحت الأقدام كنوز الكتب فيها . لكن الصليبيين من البندقية والذين التحقوا أخيرا بالحملات الصليبية - أدركوا قيمة الكتب فحاولوا إنقاذ البعض منها، لكن معظمها كان قد فقد وانقطعت معه قناة العلم والمعرفة التي كانت تصل الغرب بالشرق ممثلة في القسطنطينية.
ودون النظر في الطريقة التي وصلت بها المعرفة إلى الغرب، فإن الكثير منها كان في حوزة الأكاديميين الجدد في مؤسساتهم الجديدة وتاريخيا قام هؤلاء بالشيء المنطقي المتوقع منهم بدأوا يجمعون ويسجلون كل ما يعرفونه سواء أكان جديدا أم قديما ، وذلك في صورة مكثفة ومريحة. لقد بدأوا كتابة الموسوعات.
تعليق