رائد نوري الراوي رسام كاريكاتير عراقي بمسيرة مميزة
هناك من شكك في قدراتي الفنية وأبي معلمي الأول.
الخميس 2025/03/20
ShareWhatsAppTwitterFacebook

ريشة تعبر عن أفكار مهمة
بقدر ما أن الكاريكاتير فن مبهج فإنه أيضا فن دقيق وصعب يتطلب موهبة كبيرة وعقلا يفكر بعمق في الراهن اليومي وما يهز الحياة من أحداث كبيرة، وهذا ما أدركه رائد الراوي الذي نشأ في ظل أب فنان واطلع على تجارب كبار الفنانين ليصبح مع تراكم التجارب أحد أهم رسامي الكاريكاتير في العراق.
بغداد - منذ طفولته والعراقي رائد نوري مثير للجدل والدهشة والإعجاب والتميز، في رسوماته التي تمسكك من معصمك وتجبرك على الوقوف عندها مليا. حاول أن ينال العلا منذ بداية ارتقائه أول درجة من سلم الإبداع، في مسيرته الفنية المتفردة في عالم فن الكاريكاتير. يمتلك أسلوبا فنيا لطيفا جدا، يتسم باختصار أفكار خياله الخاص ووضوحها والبساطة في الخطوط الانسيابية، والابتعاد قدر الإمكان عن التعليق بالكلمات، فهو لا يميل نهائيا بل ولا يفكر في وضع أي كلمة للتعليق على رسوماته، إنما يكتفي بالملمح البصري للجميع.
هذه التجربة القصيرة التي قدمها في الصحافة العراقية، كانت مثيرة جدا للجميع، وقد تأثر بها العديد من فناني العراق الشباب الذين ساروا على منوالها!
وبرز الفنان رائد نوري، بشكل سريع وشاخص، في الصحافة العراقية والمعارض الكاريكاتيرية. وطوال تجربته الفنية القصيرة التي قدمها في العراق، قدم تجربة كاريكاتيرية متميزة جدا، إذ ارتقت خطوطه المختزلة جدا إلى لغة عالمية فريدة، حيث يعتمد في رسوماته على تجريدها من كل التفصيلات الفنية، ولكنه يحملها في الوقت نفسه أكبر وأعمق أفكاره التي تنفذ إلى بصيرة العقل وشغاف القلب دون استئذان. نعم في وقت قياسي جدا استطاع أن ينال شهرة كبيرة لم ينلها فنان شاب مثله!
حرصت أن أبدأ سيرة نوري الشخصية التفصيلية منذ خطواته الأولى لنلمس صوفيته العميقة في عشقه لعالم فن الكاريكاتير، وهي كفيلة بأن يتربع بها على ما اكتسبه من مجد كبير. وهو يستحق أن تكون سيرته مطرزة بماء الذهب، بما قدمه من تميز يفتخر العراق به كثيرا.
رائد وفلسفة الكاريكاتير
◙ رائد نوري تأثر برسوم بسام فرج ومؤيد نعمة وبعد مشاركاته الخارجية بدأ يبحث عن أسلوب فني خاص به
إذا كان المثل الصيني يقول إن الكاريكاتير يعادل ألف كلمة، فإن كل رسمة للفنان رائد تعادل مجلدا كاملا من دراسة بحثية معمقة. هكذا أرى تجربة رائد في رسوماته، التي تتسم بالتقشف العميق في الخطوط البسيطة، المعدودة، ذات الاختزال الكبير، التي هي من صلب جسد رسم الصورة/ الفكرة الكاريكاتيرية التي تقدم للناس على طبق من ذهب.
يذكر رائد تأثره بوالده الفنان نوري الراوي وبداياته، فيقول “في صغري كنت أشاهده وهو يرسم، وللحقيقة أقول، إنه أول من أعطاني أقلام التلوين وكنت بعمر خمس سنوات فقط، إذ كنت أرسمُ آنذاك خطوطا لا أتذكر معناها أو مغزاها!” وتابع “لقد كان بيتنا عبارة عن كرة يجتمع فيها خيرة الرسامين
والفنانين والسياسيين والشعراء والأدباء العراقيين، وإذ تسعفني الذاكرة، فإني أتذكر من تلك الأسماء منير بشير وحافظ الدروبي وراكان دبدوب وخالد الرحال. ومرت الأيام، وبدأ والدي يحثّني على الرسم، وكنت نادرا ما أسمع منه تعليقات كانت بسيطة في محتواها، على أن أروع اللحظات كانت تلك التي تكون بحضور أصدقائه الفنانين أو الشخصيات الكبيرة وكان يقول لي ‘رائد جيب أعمالك وراويها للفنانين’، وفي الحقيقة لم تكن في العالم نشوة كتلك التي كانت تتملك روحي الصغيرة آنذاك.”
ويواصل “مع وفرة الكتب والمجلات الفنية الكثيرة في بيتنا، أحببت رسوم مايكل أنجلو كثيرا، وبدأت مسيرتي بعمل تخطيطات للوجوه (معظمهم أصدقائي)، ومع الأيام تملكت نوعا من الفكاهة انعكست على الرسوم، وفعلا صرت أعمل مجلات صغيرة لأبناء الطرف وأسميتها ‘الصباح’، ولا بد من القول إن أخي أحمد الذي كان متعدد المواهب في الرسم والخط والتصوير وكتابة الشعر، ساعدني كثيرا في إخراج المجلة. ومع نهاية عقد الستينات صرت أرسم الكاريكاتير.”
تأثر رائد نوري بعد ذلك برسوم بسام فرج ومؤيد نعمة، وبعد مشاركاته الخارجية العديدة واطلاعه على أساليب وتجارب الفنانين من الاتحاد السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا وبولندا والتي كانت تتميز بالبساطة، بدأ يبحث جادا عن أسلوب فني خاص به يختاره في تجربته الفنية، وكان هذا الأسلوب البصري العالمي.
كانت أمنية رائد أن يواصل دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة، إلا أن والده أقنعه بأنه فنان ولا حاجة إلى الأكاديمية، فقدم أوراقه للجامعة المستنصرية ودرس فرع “علم النفس” وكان هذا الفرع خير مساعد في أفكاره، كون الإبداع عموما هو عملية نفسية ثم يأتي دور الخيال والتقنية.
ما حز في نفس فناننا كثيرا أنه “كان هناك البعض ممن شكك في قدراتي الفنية، فصار ينشر الإشاعات على أنّ ‘والده يساعده!’ وكان هذا الأمر يضايقني كثيرا، لا بل إن مسألة السير في ‘ظّل الكبار’ عملية متعبة جدا، وتحتاج إلى جهد إضافي لإثبات شخصيتك! ولم أكن من السعداء آنذاك لورود اسمي مقرونا باسم والدي، إذ كنت أسعى لإثبات شخصيتي
والتحليق عاليا بانفراد، فصرت أكتب اسمي رائد الراوي فقط، لكن بعد مضي كل هذه العقود والسنين والجراح وما جنيناه من سنوات الغربة، صرت أحن إلى ذلك الاسم، وإلى أبي بالذات، وكم أشعر بالفخر بأني قد ورثت عنه طريق الفن التشكيلي الصعب. لقد رحل عنّا، وترك إرثاً وأثراً كبيرين، وهو يستحق الذكر الطيب مني دوما.”
مسيرة حافلة
◙ فنان يعتمد في رسوماته على تجريدها من كل التفصيلات الفنية ولكنه يحمّلها في الوقت نفسه أعمق أفكاره
ولد الفنان رائد نوري أحمد الراوي في بغداد بمنطقة الأعظمية في عام 1955، درس الابتدائية في مدرسة “الحارثية”، ثم المتوسط في “المنصور”، ثم الإعدادية في المدرسة “العربية”، وحصل على بكالوريوس في “التربية وعلم النفس” من الجامعة المستنصرية في عام 1976.
نشر له أول رسم كاريكاتيري في مجلة “ألف باء” في العدد 175 السنة الرابعة 15 يناير 1971. وحاول العمل منذ ذلك التاريخ في مجلتيْ “مجلتي”و”المزمار” لولعه الشديد بالرسم للأطفال مع الفنانين العاملين في المجلة، لكن صغر سنه حال دون ذلك، ثم حاول مع صديقه الراحل نبيل محمود الذي كتب له سيناريو رسمه لـ”مجلتي” و”المزمار” ولكنه لم يفلح إلا بلقاء قصير نشر لهما في العدد 115 بتاریخ 15 مارس 1973. بعد ذلك عمل رساما على مبدأ القطعة في المجلتين ونشرت له أولى رسوماته في العدد 59 مطلع أكتوبر 1974. ثم نشر أول رسم كاريكاتيري في جريدة “التآخي” في عددها 1730 في 2 أكتوبر 1984، وقد استمر يعمل في الجريدة لمدة ستة أشهر دون أجر وترك العمل بعد ذلك.
ساهم في معرض للكاريكاتير أقيم في أكاديمية الفنون الجميلة عام 1984، وشارك فيه عبدالرحيم ياسر وضياء الحجار وعلي المندلاوي ومنصور البكري وعمار سلمان. كما حاول النشر في مجلة الإذاعة والتلفزيون فلم يلق الاهتمام المناسب رغم وجود أصدقاء له في المجلة، ونشر له رسم واحد فقط في العدد 132 الصادر في 20 مارس 1985. كما نشر له في بعض ملاحقهم الورقية لبرامج الإذاعة والتلفزيون، ليترك العمل بعد شهر لنفس الأسباب السابقة في جريدة “التآخي”.
شارك مع مجموعة من فناني الكاريكاتير في تأسيس أول تجمع لرسامي الكاريكاتير العراقيين، كما شارك مع مؤيد نعمة وبسام فرج ونزار سليم في معرض کابروفو الدولي للدعابة والهزل في بلغاريا عام 1975.
وبدعوة من الصحافي الأديب صادق الصائغ بدأ العمل في مجلة “ألف باء”، العدد 490 الصادر في 10 مارس 1976، براتب 40 ديناراً، ثم رفع راتبه الشهري المقطوع من رئيس التحرير حسن العلوي إلى 50 دينارا. رسم أول صفحتين في العدد 400 من مجلة “ألف باء”. ونشر له کاريكاتیر بالصدفة في جريدة “الجمهورية” وذلك لحاجتهم إلى زاوية في العدد 2662 الصادر في 4 يونيو 1976.
شارك في معرض للكاريكاتير تحت شعار “الفن العراقي والإنتاجية” الذي أقيم على “المتحف الوطني للفن الحديث” عام 1977، وفي معسكر “البساط الأخضر” في العام نفسه.
◙ رائد نوري شارك مع مجموعة من فناني الكاريكاتير في تأسيس أول تجمع لرسامي الكاريكاتير العراقيين
ساهم بصفته أحد الرسامين الجدد في “مجلتي” و”المزمار” ضمن معرض متجول للملصقات الجدارية بمناسبة أعياد تموز حيث أقيم على سياج حديقة الأمة في ساحة التحرير. وعام 1978 عاد إلى العمل في مجلة “ألف باء” بعد فترة انقطاع بسبب التحاقه بالخدمة العسكرية، ثم انقطع عن العمل بسبب انتقاله إلى الخدمة العسكرية في الشمال.
شارك في المهرجان الدولي للكاريكاتير في بلجيكا عام 1979 وكان بعنوان “رجل يريد أن يضحك” مع رحيم ياسر ومؤيد نعمة. وفي العام نفسه شارك في معرض الكاريكاتير العربي في دمشق. كما أنجز مع الفنان عبدالرحيم ياسر فيلماً للرسوم المتحركة بعنوان "الشجرة" في مهرجان فلسطين.
بدأ العمل في جريدة "الجمهورية" عام 1979. وكانت له زاوية أسبوعية في ملحق الجريدة بعنوان "ظواهر" عالج فيها الظواهر المدانة في المجتمع. حصل على شهادة تقديرية في المعرض العربي للكاريكاتير في دمشق عام 1997، وجائزة تقديرية من الحكومة العراقية عام 1980.
في العام ذاته قرر أن يزور أحد أصدقائه الدارسين في الولايات المتحدة، وشاءت الظروف أن تندلع الحرب العراقية - الإيرانية، ليستقر نهائيا هناك للدراسة والعمل الفني في التصميم والطباعة، فضلا عن تدريسه لمادة الرسم في إحدى كلياتها. وفي عام 1989 شارك في معرض الكاريكاتير الذي أقامته مجلة "المجلة" في لندن. وشارك في مهرجان الكاريكاتير العراقي الأول في هولندا في عام 2005.
زار العراق عام 2004، ثم عام 2007، كما شارك في معرض جماعي للكاريكاتير أقيم في جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين عام 2010. وشارك مع والده في معرض بعمان عام 2010. نشر أول كتاب كاريكاتيري عن "الأقدام البشرية" وبعض الأمثال الشعبية عنها عام 2017. فاز بمسابقة عالمية عن عمله لجدارية عملاقة في مطار شارلت الدولي في ولاية نورث كارولينا عام 2018.
ShareWhatsAppTwitterFacebook

علي إبراهـيم الدليمي
كاتب عراقي
هناك من شكك في قدراتي الفنية وأبي معلمي الأول.
الخميس 2025/03/20
ShareWhatsAppTwitterFacebook

ريشة تعبر عن أفكار مهمة
بقدر ما أن الكاريكاتير فن مبهج فإنه أيضا فن دقيق وصعب يتطلب موهبة كبيرة وعقلا يفكر بعمق في الراهن اليومي وما يهز الحياة من أحداث كبيرة، وهذا ما أدركه رائد الراوي الذي نشأ في ظل أب فنان واطلع على تجارب كبار الفنانين ليصبح مع تراكم التجارب أحد أهم رسامي الكاريكاتير في العراق.
بغداد - منذ طفولته والعراقي رائد نوري مثير للجدل والدهشة والإعجاب والتميز، في رسوماته التي تمسكك من معصمك وتجبرك على الوقوف عندها مليا. حاول أن ينال العلا منذ بداية ارتقائه أول درجة من سلم الإبداع، في مسيرته الفنية المتفردة في عالم فن الكاريكاتير. يمتلك أسلوبا فنيا لطيفا جدا، يتسم باختصار أفكار خياله الخاص ووضوحها والبساطة في الخطوط الانسيابية، والابتعاد قدر الإمكان عن التعليق بالكلمات، فهو لا يميل نهائيا بل ولا يفكر في وضع أي كلمة للتعليق على رسوماته، إنما يكتفي بالملمح البصري للجميع.
هذه التجربة القصيرة التي قدمها في الصحافة العراقية، كانت مثيرة جدا للجميع، وقد تأثر بها العديد من فناني العراق الشباب الذين ساروا على منوالها!
وبرز الفنان رائد نوري، بشكل سريع وشاخص، في الصحافة العراقية والمعارض الكاريكاتيرية. وطوال تجربته الفنية القصيرة التي قدمها في العراق، قدم تجربة كاريكاتيرية متميزة جدا، إذ ارتقت خطوطه المختزلة جدا إلى لغة عالمية فريدة، حيث يعتمد في رسوماته على تجريدها من كل التفصيلات الفنية، ولكنه يحملها في الوقت نفسه أكبر وأعمق أفكاره التي تنفذ إلى بصيرة العقل وشغاف القلب دون استئذان. نعم في وقت قياسي جدا استطاع أن ينال شهرة كبيرة لم ينلها فنان شاب مثله!
حرصت أن أبدأ سيرة نوري الشخصية التفصيلية منذ خطواته الأولى لنلمس صوفيته العميقة في عشقه لعالم فن الكاريكاتير، وهي كفيلة بأن يتربع بها على ما اكتسبه من مجد كبير. وهو يستحق أن تكون سيرته مطرزة بماء الذهب، بما قدمه من تميز يفتخر العراق به كثيرا.
رائد وفلسفة الكاريكاتير

إذا كان المثل الصيني يقول إن الكاريكاتير يعادل ألف كلمة، فإن كل رسمة للفنان رائد تعادل مجلدا كاملا من دراسة بحثية معمقة. هكذا أرى تجربة رائد في رسوماته، التي تتسم بالتقشف العميق في الخطوط البسيطة، المعدودة، ذات الاختزال الكبير، التي هي من صلب جسد رسم الصورة/ الفكرة الكاريكاتيرية التي تقدم للناس على طبق من ذهب.
يذكر رائد تأثره بوالده الفنان نوري الراوي وبداياته، فيقول “في صغري كنت أشاهده وهو يرسم، وللحقيقة أقول، إنه أول من أعطاني أقلام التلوين وكنت بعمر خمس سنوات فقط، إذ كنت أرسمُ آنذاك خطوطا لا أتذكر معناها أو مغزاها!” وتابع “لقد كان بيتنا عبارة عن كرة يجتمع فيها خيرة الرسامين
والفنانين والسياسيين والشعراء والأدباء العراقيين، وإذ تسعفني الذاكرة، فإني أتذكر من تلك الأسماء منير بشير وحافظ الدروبي وراكان دبدوب وخالد الرحال. ومرت الأيام، وبدأ والدي يحثّني على الرسم، وكنت نادرا ما أسمع منه تعليقات كانت بسيطة في محتواها، على أن أروع اللحظات كانت تلك التي تكون بحضور أصدقائه الفنانين أو الشخصيات الكبيرة وكان يقول لي ‘رائد جيب أعمالك وراويها للفنانين’، وفي الحقيقة لم تكن في العالم نشوة كتلك التي كانت تتملك روحي الصغيرة آنذاك.”
ويواصل “مع وفرة الكتب والمجلات الفنية الكثيرة في بيتنا، أحببت رسوم مايكل أنجلو كثيرا، وبدأت مسيرتي بعمل تخطيطات للوجوه (معظمهم أصدقائي)، ومع الأيام تملكت نوعا من الفكاهة انعكست على الرسوم، وفعلا صرت أعمل مجلات صغيرة لأبناء الطرف وأسميتها ‘الصباح’، ولا بد من القول إن أخي أحمد الذي كان متعدد المواهب في الرسم والخط والتصوير وكتابة الشعر، ساعدني كثيرا في إخراج المجلة. ومع نهاية عقد الستينات صرت أرسم الكاريكاتير.”
تأثر رائد نوري بعد ذلك برسوم بسام فرج ومؤيد نعمة، وبعد مشاركاته الخارجية العديدة واطلاعه على أساليب وتجارب الفنانين من الاتحاد السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا وبولندا والتي كانت تتميز بالبساطة، بدأ يبحث جادا عن أسلوب فني خاص به يختاره في تجربته الفنية، وكان هذا الأسلوب البصري العالمي.
كانت أمنية رائد أن يواصل دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة، إلا أن والده أقنعه بأنه فنان ولا حاجة إلى الأكاديمية، فقدم أوراقه للجامعة المستنصرية ودرس فرع “علم النفس” وكان هذا الفرع خير مساعد في أفكاره، كون الإبداع عموما هو عملية نفسية ثم يأتي دور الخيال والتقنية.
ما حز في نفس فناننا كثيرا أنه “كان هناك البعض ممن شكك في قدراتي الفنية، فصار ينشر الإشاعات على أنّ ‘والده يساعده!’ وكان هذا الأمر يضايقني كثيرا، لا بل إن مسألة السير في ‘ظّل الكبار’ عملية متعبة جدا، وتحتاج إلى جهد إضافي لإثبات شخصيتك! ولم أكن من السعداء آنذاك لورود اسمي مقرونا باسم والدي، إذ كنت أسعى لإثبات شخصيتي
والتحليق عاليا بانفراد، فصرت أكتب اسمي رائد الراوي فقط، لكن بعد مضي كل هذه العقود والسنين والجراح وما جنيناه من سنوات الغربة، صرت أحن إلى ذلك الاسم، وإلى أبي بالذات، وكم أشعر بالفخر بأني قد ورثت عنه طريق الفن التشكيلي الصعب. لقد رحل عنّا، وترك إرثاً وأثراً كبيرين، وهو يستحق الذكر الطيب مني دوما.”
مسيرة حافلة

ولد الفنان رائد نوري أحمد الراوي في بغداد بمنطقة الأعظمية في عام 1955، درس الابتدائية في مدرسة “الحارثية”، ثم المتوسط في “المنصور”، ثم الإعدادية في المدرسة “العربية”، وحصل على بكالوريوس في “التربية وعلم النفس” من الجامعة المستنصرية في عام 1976.
نشر له أول رسم كاريكاتيري في مجلة “ألف باء” في العدد 175 السنة الرابعة 15 يناير 1971. وحاول العمل منذ ذلك التاريخ في مجلتيْ “مجلتي”و”المزمار” لولعه الشديد بالرسم للأطفال مع الفنانين العاملين في المجلة، لكن صغر سنه حال دون ذلك، ثم حاول مع صديقه الراحل نبيل محمود الذي كتب له سيناريو رسمه لـ”مجلتي” و”المزمار” ولكنه لم يفلح إلا بلقاء قصير نشر لهما في العدد 115 بتاریخ 15 مارس 1973. بعد ذلك عمل رساما على مبدأ القطعة في المجلتين ونشرت له أولى رسوماته في العدد 59 مطلع أكتوبر 1974. ثم نشر أول رسم كاريكاتيري في جريدة “التآخي” في عددها 1730 في 2 أكتوبر 1984، وقد استمر يعمل في الجريدة لمدة ستة أشهر دون أجر وترك العمل بعد ذلك.
ساهم في معرض للكاريكاتير أقيم في أكاديمية الفنون الجميلة عام 1984، وشارك فيه عبدالرحيم ياسر وضياء الحجار وعلي المندلاوي ومنصور البكري وعمار سلمان. كما حاول النشر في مجلة الإذاعة والتلفزيون فلم يلق الاهتمام المناسب رغم وجود أصدقاء له في المجلة، ونشر له رسم واحد فقط في العدد 132 الصادر في 20 مارس 1985. كما نشر له في بعض ملاحقهم الورقية لبرامج الإذاعة والتلفزيون، ليترك العمل بعد شهر لنفس الأسباب السابقة في جريدة “التآخي”.
شارك مع مجموعة من فناني الكاريكاتير في تأسيس أول تجمع لرسامي الكاريكاتير العراقيين، كما شارك مع مؤيد نعمة وبسام فرج ونزار سليم في معرض کابروفو الدولي للدعابة والهزل في بلغاريا عام 1975.
وبدعوة من الصحافي الأديب صادق الصائغ بدأ العمل في مجلة “ألف باء”، العدد 490 الصادر في 10 مارس 1976، براتب 40 ديناراً، ثم رفع راتبه الشهري المقطوع من رئيس التحرير حسن العلوي إلى 50 دينارا. رسم أول صفحتين في العدد 400 من مجلة “ألف باء”. ونشر له کاريكاتیر بالصدفة في جريدة “الجمهورية” وذلك لحاجتهم إلى زاوية في العدد 2662 الصادر في 4 يونيو 1976.
شارك في معرض للكاريكاتير تحت شعار “الفن العراقي والإنتاجية” الذي أقيم على “المتحف الوطني للفن الحديث” عام 1977، وفي معسكر “البساط الأخضر” في العام نفسه.
◙ رائد نوري شارك مع مجموعة من فناني الكاريكاتير في تأسيس أول تجمع لرسامي الكاريكاتير العراقيين
ساهم بصفته أحد الرسامين الجدد في “مجلتي” و”المزمار” ضمن معرض متجول للملصقات الجدارية بمناسبة أعياد تموز حيث أقيم على سياج حديقة الأمة في ساحة التحرير. وعام 1978 عاد إلى العمل في مجلة “ألف باء” بعد فترة انقطاع بسبب التحاقه بالخدمة العسكرية، ثم انقطع عن العمل بسبب انتقاله إلى الخدمة العسكرية في الشمال.
شارك في المهرجان الدولي للكاريكاتير في بلجيكا عام 1979 وكان بعنوان “رجل يريد أن يضحك” مع رحيم ياسر ومؤيد نعمة. وفي العام نفسه شارك في معرض الكاريكاتير العربي في دمشق. كما أنجز مع الفنان عبدالرحيم ياسر فيلماً للرسوم المتحركة بعنوان "الشجرة" في مهرجان فلسطين.
بدأ العمل في جريدة "الجمهورية" عام 1979. وكانت له زاوية أسبوعية في ملحق الجريدة بعنوان "ظواهر" عالج فيها الظواهر المدانة في المجتمع. حصل على شهادة تقديرية في المعرض العربي للكاريكاتير في دمشق عام 1997، وجائزة تقديرية من الحكومة العراقية عام 1980.
في العام ذاته قرر أن يزور أحد أصدقائه الدارسين في الولايات المتحدة، وشاءت الظروف أن تندلع الحرب العراقية - الإيرانية، ليستقر نهائيا هناك للدراسة والعمل الفني في التصميم والطباعة، فضلا عن تدريسه لمادة الرسم في إحدى كلياتها. وفي عام 1989 شارك في معرض الكاريكاتير الذي أقامته مجلة "المجلة" في لندن. وشارك في مهرجان الكاريكاتير العراقي الأول في هولندا في عام 2005.
زار العراق عام 2004، ثم عام 2007، كما شارك في معرض جماعي للكاريكاتير أقيم في جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين عام 2010. وشارك مع والده في معرض بعمان عام 2010. نشر أول كتاب كاريكاتيري عن "الأقدام البشرية" وبعض الأمثال الشعبية عنها عام 2017. فاز بمسابقة عالمية عن عمله لجدارية عملاقة في مطار شارلت الدولي في ولاية نورث كارولينا عام 2018.
ShareWhatsAppTwitterFacebook

علي إبراهـيم الدليمي
كاتب عراقي