"ولاد الشمس" مسلسل مصري يتسلل بخفة لمناقشة قضايا الحرية والثورة
حكاية شيقة عن مواجهة بين أربعة شباب ومدير دار للأيتام.
الثلاثاء 2025/03/18
ShareWhatsAppTwitterFacebook

مفتاح وولعة صديقان دوما في مواجهة كل ظلم
انطلاقا من حكاية في دار للأيتام عبّر مسلسل "ولاد الشمس" عن مشكلات وقضايا أكبر وأهم تصيب الأوطان، بهدوء وإبداع وبشخصيات جاءت كنماذج عن المجتمعات التي تخوض صراعات ضد حكام دكتاتوريين، معتمدا نهاية سعيدة تمنح المشاهدين جرعة من الأمل والتفاؤل بمستقبل أفضل.
القاهرة- يبدو للمشاهد أن المسلسل المصري “ولاد الشمس” الذي عرض في موسم رمضان، يناقش حياة الأطفال الأيتام ومجهولي الأبوين الذين ينشأون في دور رعاية، وهذا صحيح وتم تقديمه بدقة شديدة وصدق، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فقد تسلل العمل ليتماس بشكل فني مع قضايا الحريات ومآل الثورات، ما شهدته أوطان عربية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
اختتم عرض مسلسل “ولاد الشمس” الذي أذيع في النصف الأول من رمضان على شاشة قناة “أون” ومنصة “واتش إت” المصريتين، وتبادل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بعد إذاعة الحلقة الأخيرة منه التعليقات على المسلسل والإشادة به، بعد أن حظي بمتابعة جماهيرية كبيرة.
تدور أحداث العمل داخل دار لرعاية الأيتام يملكها شخص يُظهر الحنو على الأطفال، مع وجود أربعة شباب تخطى عمرهم السن القانونية للبقاء في الدار، لكنه يسمح لهم باستمرار الإقامة مقابل معاونته في أعمال غير مشروعة كتوزيع المواد المخدرة، للإنفاق على الأطفال الصغار.
الحنو على الصغار

مسلسل “ولاد الشمس” بطولة أحمد مالك وطه دسوقي ومحمود حميدة وفرح يوسف وفيلكس ودنيا ماهر ومعتز هشام ومينا أبوالدهب وجلا هشام ومريم الجندي، ومن تأليف مهاب طارق وإخراج شادي عبدالسلام.
يجد الأطفال داخل الدار الحنان الحقيقي من الشباب الأربعة الذين يعملون على تيسير حياتهم بالفعل، وتدليلهم بشراء الأطعمة التي يحبونها لهم، كما يقومون بتربيتهم ومتابعة تعليمهم، ويصرون على إبعادهم عن المشاركة في الأعمال غير المشروعة التي يزج صاحب الدار بالشباب في أتونها بحجة توفير التمويل للإنفاق على الأطفال.
يظهر مدير الدار كحاكم دكتاتور، يدعي محبة الأطفال الأيتام الذين يظهرون كشعب مغلوب على أمره، لا يملك قراره، ينادون المدير بـ”بابا ماجد”، فهو ذو سلطة أبوية في مجتمع الدار، رغم أنه باحث عن مجده الشخصي ومصالحه المادية بالفساد والجريمة، يعاقب من يخالفون أوامره بالبقاء دون طعام في غرفة التأديب بالقبو، بينما يستخدم الأطفال/ الشعب ومحبته المزعومة تجاههم كمنديل للزينة يحرص على وضعه دائما بشكل ظاهر في جيب سترته.
أدى الفنان محمود حميدة دور ماجد مدير الدار ببراعة، ولمحة كوميدية يعكسها التناقض الشديد بين أقواله وأفعاله، ليثبت أن أدوار الشر لا تستلزم صراخا وتعبيرات مخيفة، فالأشرار في الحياة يظهرون غالبا كبشر عاديين، يبررون أفعالهم الإجرامية والظالمة بشعارات كثيرة، منها السعي إلى المصلحة العامة، لاسيما إن كانوا في مجتمعاتهم حكاما.
وجاءت شخصيات الشباب الأربعة لتمثل اتجاهات نفسية ومجتمعية موجودة في الحقيقة لاسيما في جيل الشباب. هناك ولعة الذي جسده الفنان أحمد مالك، وهو شاب يمتلك القوة البدنية ويمارس رياضة الملاكمة، مندفع في قراراته وحبه، شخصيته كما اسمه نار تتأجج بسهولة فيكبح جماحها زملاؤه، وهو رغم ذلك شديد الحنو على أطفال الدار، والأهم أنه رغم مضي العمر يحتفظ بصورة قديمة لأمه، يسأل الناس في الشوارع عنها لعلهم يتعرفون عليها ويرشدونه إليها، ويصر على الأمل في أنه يوما ما سيجدها، كأنما يبحث عن وطن.
أدى أحمد مالك دور ولعة بإتقان شديد، وجاء أداؤه طبيعيا للغاية عندما يبكي أو يضحك مداعبا رفاقه الذين يحبهم. وأبرز هؤلاء الرفاق وأقربهم إلى قلبه مفتاح، صديق العمر، الشخصية الثانية التي أداها طه دسوقي بنفس درجة الإتقان والبساطة، وقدم الثنائي نموذجا لعلاقة صديقين لا يفترقان، ولا يفرق بينهما شيء وإن مرت علاقتهما بمطبات، ليبدو مفتاح هو صوت العقل الذي يجيد توجيه اندفاع ولعة، فيفتح في طريقهما معا السبل نحو تحقيق الأحلام لأجل الأطفال الأيتام.

قدم معتز هشام شخصية قطايف الشاب المثقف الوحيد بين الأصدقاء الأربعة، فقد قرأ الكتب الستة والثلاثين الموجودة في الدار بالكامل، وهو يبدو كما يشير اسمه مثل الحلوى التي يحبها الكل، ويقبلون عليها كالثقافة والفن، فينصتون إلى ما يقول من استشهادات ينقلها من الكتب وإن بدت محفوظات يرددها في مواقف لا تعبر عنها، كحال الثقافة السطحية وترديد الشعارات الذي يقوم به بعض المثقفين من الشباب، ورغم هذا فإن مدير الدار لم يحتمل وجوده بعد أن حاول كشف فساده، فاضطر إلى قتله، كما يقتل الحكام الدكتاتوريون الثقافة والفنون كي لا تفضحانهم.
الصديق الرابع ألمظ قام بأداء دوره الممثل فليكس، وعبرت شخصيته عن شريحة من الشباب لا ترى أملا في بلادها، فتصر على مغادرتها دون اشتباك مع قضاياها، مثلما فعل ألمظ الذي غادر الدار لفترة لكنه ما لبث أن عاد إليها، بعد أن أدرك عدم قدرته على الحياة خارجها، فرجع إليها كما يعود المغترب إلى وطنه.
هؤلاء يفضلهم الحكام
جاء اختيار الشخصيات التي تعاون المدير في إدارة أمور الدار، ليكشف نوعية من يستخدمهم الحاكم الدكتاتوري في معاونته، عبر خداعهم أو استغلال حاجتهم.
في هذا الإطار لفت الممثل مينا أبوالدهب الأنظار بأدائه شخصية عبيد قصير القامة الذي يثق به المدير ويعتمد عليه، بعد أن نجح في إيهامه بأنه مدير مثالي يعمل لأجل مصلحة الأطفال، وصدقه عبيد بالفعل حتى بدا كعبد له، فساعده على الهرب عندما ثار الشباب ضده، رغم أنه يحبهم ويعتبرهم مع أطفال الدار جميعًا أبناءً له.
هناك أيضا أمينة التي لعبت دورها دنيا ماهر، وبدت في البداية مخلصة للمدير. كيف لا وقد دخلت إلى الدار للعمل بها وهي شابة صغيرة فقيرة لا تملك بدائل أخرى في الحياة حتى أنها طلبت أن تعمل مقابل طعامها وإقامتها فقط دون أجر؟ لكن أمينة لم تكن مثل عبيد عندما تكشف لها فساد المدير/الحاكم وإجرامه، انحازت بأمانة مع نفسها وضميرها إلى مجموعة الشباب الراغبين في الإطاحة به وسجنه.
يتوقف المشاهد المدقق عند اللثغة في لسان طباخ الدار، أحد معاوني “بابا ماجد” المدير، فضلا عن قصر قامة عبيد ولثغة لسانه أيضا، ليدرك طبيعة الشخصيات التي يختارها الحكام الدكتاتوريون لتكون سندهم وبطانتهم.
إنهم يفضلون الأقزام، هكذا أراد المسلسل أن يقول، دون تنمر أو تقليل من شأن قصار القامة أو من يعانون اعوجاج اللسان، لكنها رؤية فنية عبر عنها صناع المسلسل بعمق وإجادة، فدائما هناك شيء ناقص لدى من يقربهم الحاكم الظالم الذي لا يريد أن تكون هناك شخصيات قوية أو مستقلة بجواره.
ولا تتوقف ألاعيب الحكام لتشتيت شمل معارضيهم عند زرع الفتن للتفريق بينهم، لذلك استغل المدير وضاعة أخلاق سعاد حبيبة مفتاح قبل أن يكتشف حقيقتها، ولعبت دورها جلا هشام. أغراها المدير بالمال الذي تعشقه كي تسعى للتقرب من ولعة صديق مفتاح في محاولة لشق الصف بينهما.

تعرض مسلسل “ولاد الشمس” أيضا لدور الصحافة الذي يمكن أن تلعبه لكشف فساد الحاكم، من خلال شخصية الصحافية تهاني التي أدتها مريم الجندي، واستطاعت بالتنسيق مع قطايف المثقف سرقة ملف يكشف تلاعب المدير، إلا أنها بسبب فساد رئيس التحرير واجهت الإقصاء.
ارتباك الثوار
ثار الشباب أخيرا ضد المدير، وتمكنوا من سجنه في القبو كما كان يسجن مخالفي أوامره، وصعدوا إلى غرفته في الطابق الثاني من الدار، في مشهد بدا متماهيا مع مشاهد حقيقية رآها المواطن العربي عند اقتحام قصور رؤساء مخلوعين، إذ فوجئوا كما تكشف جمل الحوار في المسلسل بالنعيم الذي يعيش فيه بينما يترك الأطفال في الأسفل في ضنك وجوع، دون عناية حقيقية بصحتهم أو تعليمهم.
صار واجبا على الشباب أن يديروا بأنفسهم أمور الدار، ليبدو عليهم عندئذ الارتباك، والعجز عن اتخاذ القرار بسبب قلة المال، فيضطرون للعودة إلى العمل في توزيع المواد المخدرة، بهدف توفير الطعام للأطفال، ويسألهم المدير المسجون حينئذ عما تغير، ها هم يعملون مثلما عمل، فما الفرق؟
السؤال منطقي، لكن هذا لا يستمر، يقرر الشباب التوقف عن هذا العمل إلى الأبد، ويلجأون إلى طريق القانون لمحاكمة المدير/ الحاكم الظالم، ليبدأ بعدها طريق جديد لاستغلال مواهب وطاقات الأطفال (الشعب)، والاستفادة منها ماديا لتحسين أحوالهم، لكن هذا لا يحدث إلا بعد أن يُقتل أغلى الأصدقاء خلال المواجهة/ الثورة ضد الظلم.
على مدى الرحلة، في خضم الصراع، أمور كثيرة تتكشف، إذ يعثر ولعة أخيرًا على أمه/ وطنه، التي يتضح أنها لم تمت، ولم تلقِ به أو تتنكر له، إنما خدعها المدير بادعاء أن ابنها/ المستقبل قد رحل إلى الأبد، مات في حادث سيارة، كما يتضح أن ملكية الدار ترجع إلى ولعة نفسه وليس المدير، فالأوطان ملك أبنائها وليس الحكام.
أبدع الكاتب مهاب طارق في نسج حكاية محكمة الصنع ومتماسكة، قدمها بمهارة ودقة فنية المخرج شادي عبدالسلام، وجاءت أغنية شارة المسلسل “صاحبي يا صاحبي” بصوت الفنان بهاء سلطان لتعبر عن تماسك جبهة النبلاء الحالمين بأوطان أفضل، بجمال وشجن.
يثور السؤال، لماذا الشمس؟ إنه اسم الدار، وهو الاسم الذي يستخدمه الأطفال الأيتام للإجابة عن السؤال المر الذي يواجهونه دائما عمن يكون آباؤهم، فيعتبرون أنهم “ولاد الشمس”، وهم أيضًا أبناء النور والحرية، الدفء والحياة، كما أراد المسلسل أن يقول أو يحلم لأجل الأوطان.
ShareWhatsAppTwitterFacebook

محمد شعير
كاتب مصري
حكاية شيقة عن مواجهة بين أربعة شباب ومدير دار للأيتام.
الثلاثاء 2025/03/18
ShareWhatsAppTwitterFacebook

مفتاح وولعة صديقان دوما في مواجهة كل ظلم
انطلاقا من حكاية في دار للأيتام عبّر مسلسل "ولاد الشمس" عن مشكلات وقضايا أكبر وأهم تصيب الأوطان، بهدوء وإبداع وبشخصيات جاءت كنماذج عن المجتمعات التي تخوض صراعات ضد حكام دكتاتوريين، معتمدا نهاية سعيدة تمنح المشاهدين جرعة من الأمل والتفاؤل بمستقبل أفضل.
القاهرة- يبدو للمشاهد أن المسلسل المصري “ولاد الشمس” الذي عرض في موسم رمضان، يناقش حياة الأطفال الأيتام ومجهولي الأبوين الذين ينشأون في دور رعاية، وهذا صحيح وتم تقديمه بدقة شديدة وصدق، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فقد تسلل العمل ليتماس بشكل فني مع قضايا الحريات ومآل الثورات، ما شهدته أوطان عربية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
اختتم عرض مسلسل “ولاد الشمس” الذي أذيع في النصف الأول من رمضان على شاشة قناة “أون” ومنصة “واتش إت” المصريتين، وتبادل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بعد إذاعة الحلقة الأخيرة منه التعليقات على المسلسل والإشادة به، بعد أن حظي بمتابعة جماهيرية كبيرة.
تدور أحداث العمل داخل دار لرعاية الأيتام يملكها شخص يُظهر الحنو على الأطفال، مع وجود أربعة شباب تخطى عمرهم السن القانونية للبقاء في الدار، لكنه يسمح لهم باستمرار الإقامة مقابل معاونته في أعمال غير مشروعة كتوزيع المواد المخدرة، للإنفاق على الأطفال الصغار.
الحنو على الصغار

مسلسل “ولاد الشمس” بطولة أحمد مالك وطه دسوقي ومحمود حميدة وفرح يوسف وفيلكس ودنيا ماهر ومعتز هشام ومينا أبوالدهب وجلا هشام ومريم الجندي، ومن تأليف مهاب طارق وإخراج شادي عبدالسلام.
يجد الأطفال داخل الدار الحنان الحقيقي من الشباب الأربعة الذين يعملون على تيسير حياتهم بالفعل، وتدليلهم بشراء الأطعمة التي يحبونها لهم، كما يقومون بتربيتهم ومتابعة تعليمهم، ويصرون على إبعادهم عن المشاركة في الأعمال غير المشروعة التي يزج صاحب الدار بالشباب في أتونها بحجة توفير التمويل للإنفاق على الأطفال.
يظهر مدير الدار كحاكم دكتاتور، يدعي محبة الأطفال الأيتام الذين يظهرون كشعب مغلوب على أمره، لا يملك قراره، ينادون المدير بـ”بابا ماجد”، فهو ذو سلطة أبوية في مجتمع الدار، رغم أنه باحث عن مجده الشخصي ومصالحه المادية بالفساد والجريمة، يعاقب من يخالفون أوامره بالبقاء دون طعام في غرفة التأديب بالقبو، بينما يستخدم الأطفال/ الشعب ومحبته المزعومة تجاههم كمنديل للزينة يحرص على وضعه دائما بشكل ظاهر في جيب سترته.
أدى الفنان محمود حميدة دور ماجد مدير الدار ببراعة، ولمحة كوميدية يعكسها التناقض الشديد بين أقواله وأفعاله، ليثبت أن أدوار الشر لا تستلزم صراخا وتعبيرات مخيفة، فالأشرار في الحياة يظهرون غالبا كبشر عاديين، يبررون أفعالهم الإجرامية والظالمة بشعارات كثيرة، منها السعي إلى المصلحة العامة، لاسيما إن كانوا في مجتمعاتهم حكاما.
وجاءت شخصيات الشباب الأربعة لتمثل اتجاهات نفسية ومجتمعية موجودة في الحقيقة لاسيما في جيل الشباب. هناك ولعة الذي جسده الفنان أحمد مالك، وهو شاب يمتلك القوة البدنية ويمارس رياضة الملاكمة، مندفع في قراراته وحبه، شخصيته كما اسمه نار تتأجج بسهولة فيكبح جماحها زملاؤه، وهو رغم ذلك شديد الحنو على أطفال الدار، والأهم أنه رغم مضي العمر يحتفظ بصورة قديمة لأمه، يسأل الناس في الشوارع عنها لعلهم يتعرفون عليها ويرشدونه إليها، ويصر على الأمل في أنه يوما ما سيجدها، كأنما يبحث عن وطن.
أدى أحمد مالك دور ولعة بإتقان شديد، وجاء أداؤه طبيعيا للغاية عندما يبكي أو يضحك مداعبا رفاقه الذين يحبهم. وأبرز هؤلاء الرفاق وأقربهم إلى قلبه مفتاح، صديق العمر، الشخصية الثانية التي أداها طه دسوقي بنفس درجة الإتقان والبساطة، وقدم الثنائي نموذجا لعلاقة صديقين لا يفترقان، ولا يفرق بينهما شيء وإن مرت علاقتهما بمطبات، ليبدو مفتاح هو صوت العقل الذي يجيد توجيه اندفاع ولعة، فيفتح في طريقهما معا السبل نحو تحقيق الأحلام لأجل الأطفال الأيتام.

قدم معتز هشام شخصية قطايف الشاب المثقف الوحيد بين الأصدقاء الأربعة، فقد قرأ الكتب الستة والثلاثين الموجودة في الدار بالكامل، وهو يبدو كما يشير اسمه مثل الحلوى التي يحبها الكل، ويقبلون عليها كالثقافة والفن، فينصتون إلى ما يقول من استشهادات ينقلها من الكتب وإن بدت محفوظات يرددها في مواقف لا تعبر عنها، كحال الثقافة السطحية وترديد الشعارات الذي يقوم به بعض المثقفين من الشباب، ورغم هذا فإن مدير الدار لم يحتمل وجوده بعد أن حاول كشف فساده، فاضطر إلى قتله، كما يقتل الحكام الدكتاتوريون الثقافة والفنون كي لا تفضحانهم.
الصديق الرابع ألمظ قام بأداء دوره الممثل فليكس، وعبرت شخصيته عن شريحة من الشباب لا ترى أملا في بلادها، فتصر على مغادرتها دون اشتباك مع قضاياها، مثلما فعل ألمظ الذي غادر الدار لفترة لكنه ما لبث أن عاد إليها، بعد أن أدرك عدم قدرته على الحياة خارجها، فرجع إليها كما يعود المغترب إلى وطنه.
هؤلاء يفضلهم الحكام
جاء اختيار الشخصيات التي تعاون المدير في إدارة أمور الدار، ليكشف نوعية من يستخدمهم الحاكم الدكتاتوري في معاونته، عبر خداعهم أو استغلال حاجتهم.
في هذا الإطار لفت الممثل مينا أبوالدهب الأنظار بأدائه شخصية عبيد قصير القامة الذي يثق به المدير ويعتمد عليه، بعد أن نجح في إيهامه بأنه مدير مثالي يعمل لأجل مصلحة الأطفال، وصدقه عبيد بالفعل حتى بدا كعبد له، فساعده على الهرب عندما ثار الشباب ضده، رغم أنه يحبهم ويعتبرهم مع أطفال الدار جميعًا أبناءً له.
هناك أيضا أمينة التي لعبت دورها دنيا ماهر، وبدت في البداية مخلصة للمدير. كيف لا وقد دخلت إلى الدار للعمل بها وهي شابة صغيرة فقيرة لا تملك بدائل أخرى في الحياة حتى أنها طلبت أن تعمل مقابل طعامها وإقامتها فقط دون أجر؟ لكن أمينة لم تكن مثل عبيد عندما تكشف لها فساد المدير/الحاكم وإجرامه، انحازت بأمانة مع نفسها وضميرها إلى مجموعة الشباب الراغبين في الإطاحة به وسجنه.
يتوقف المشاهد المدقق عند اللثغة في لسان طباخ الدار، أحد معاوني “بابا ماجد” المدير، فضلا عن قصر قامة عبيد ولثغة لسانه أيضا، ليدرك طبيعة الشخصيات التي يختارها الحكام الدكتاتوريون لتكون سندهم وبطانتهم.
إنهم يفضلون الأقزام، هكذا أراد المسلسل أن يقول، دون تنمر أو تقليل من شأن قصار القامة أو من يعانون اعوجاج اللسان، لكنها رؤية فنية عبر عنها صناع المسلسل بعمق وإجادة، فدائما هناك شيء ناقص لدى من يقربهم الحاكم الظالم الذي لا يريد أن تكون هناك شخصيات قوية أو مستقلة بجواره.
ولا تتوقف ألاعيب الحكام لتشتيت شمل معارضيهم عند زرع الفتن للتفريق بينهم، لذلك استغل المدير وضاعة أخلاق سعاد حبيبة مفتاح قبل أن يكتشف حقيقتها، ولعبت دورها جلا هشام. أغراها المدير بالمال الذي تعشقه كي تسعى للتقرب من ولعة صديق مفتاح في محاولة لشق الصف بينهما.

تعرض مسلسل “ولاد الشمس” أيضا لدور الصحافة الذي يمكن أن تلعبه لكشف فساد الحاكم، من خلال شخصية الصحافية تهاني التي أدتها مريم الجندي، واستطاعت بالتنسيق مع قطايف المثقف سرقة ملف يكشف تلاعب المدير، إلا أنها بسبب فساد رئيس التحرير واجهت الإقصاء.
ارتباك الثوار
ثار الشباب أخيرا ضد المدير، وتمكنوا من سجنه في القبو كما كان يسجن مخالفي أوامره، وصعدوا إلى غرفته في الطابق الثاني من الدار، في مشهد بدا متماهيا مع مشاهد حقيقية رآها المواطن العربي عند اقتحام قصور رؤساء مخلوعين، إذ فوجئوا كما تكشف جمل الحوار في المسلسل بالنعيم الذي يعيش فيه بينما يترك الأطفال في الأسفل في ضنك وجوع، دون عناية حقيقية بصحتهم أو تعليمهم.
صار واجبا على الشباب أن يديروا بأنفسهم أمور الدار، ليبدو عليهم عندئذ الارتباك، والعجز عن اتخاذ القرار بسبب قلة المال، فيضطرون للعودة إلى العمل في توزيع المواد المخدرة، بهدف توفير الطعام للأطفال، ويسألهم المدير المسجون حينئذ عما تغير، ها هم يعملون مثلما عمل، فما الفرق؟
السؤال منطقي، لكن هذا لا يستمر، يقرر الشباب التوقف عن هذا العمل إلى الأبد، ويلجأون إلى طريق القانون لمحاكمة المدير/ الحاكم الظالم، ليبدأ بعدها طريق جديد لاستغلال مواهب وطاقات الأطفال (الشعب)، والاستفادة منها ماديا لتحسين أحوالهم، لكن هذا لا يحدث إلا بعد أن يُقتل أغلى الأصدقاء خلال المواجهة/ الثورة ضد الظلم.
على مدى الرحلة، في خضم الصراع، أمور كثيرة تتكشف، إذ يعثر ولعة أخيرًا على أمه/ وطنه، التي يتضح أنها لم تمت، ولم تلقِ به أو تتنكر له، إنما خدعها المدير بادعاء أن ابنها/ المستقبل قد رحل إلى الأبد، مات في حادث سيارة، كما يتضح أن ملكية الدار ترجع إلى ولعة نفسه وليس المدير، فالأوطان ملك أبنائها وليس الحكام.
أبدع الكاتب مهاب طارق في نسج حكاية محكمة الصنع ومتماسكة، قدمها بمهارة ودقة فنية المخرج شادي عبدالسلام، وجاءت أغنية شارة المسلسل “صاحبي يا صاحبي” بصوت الفنان بهاء سلطان لتعبر عن تماسك جبهة النبلاء الحالمين بأوطان أفضل، بجمال وشجن.
يثور السؤال، لماذا الشمس؟ إنه اسم الدار، وهو الاسم الذي يستخدمه الأطفال الأيتام للإجابة عن السؤال المر الذي يواجهونه دائما عمن يكون آباؤهم، فيعتبرون أنهم “ولاد الشمس”، وهم أيضًا أبناء النور والحرية، الدفء والحياة، كما أراد المسلسل أن يقول أو يحلم لأجل الأوطان.
ShareWhatsAppTwitterFacebook

محمد شعير
كاتب مصري