صبري (اسماعيل)
SabriI (Isma’il-) - SabriI (Isma’il-)
صبري (إسماعيل ـ)
(1270 ـ 1341هـ /1854 ـ 1923م)
إسماعيل صبري باشا: من شعراء الطبقة الأولى في عصر النهضة. امتاز بجمال مقطوعاته وعذوبة أسلوبه. وهو من شيوخ الإدارة والقضاء في الديار المصرية.
تعلم بالقاهرة، ودرس الحقوق بفرنسا، وتدرّج في مناصب القضاء بمصر فعُيِّن نائباً عمومياً، فمحافظاً للإسكندرية، فوكيلاً لنظارة (الحقانية). وكان كثير التواضع شديد الحياء، ولم تكن حياته منظمة كما يُظن في رجل قانوني إداري، وكان يكتب شعره على هوامش الكتب والمجلات وينشره أصدقاؤه خلسة. وكان كثيراً ما يمزق قصائده صائحاً: إنَّ أحسن ما عندي ما زال في صدري، وكان بارع النكتة سريع الخاطر.
وقد أبدى كبار الأدباء والنقاد إعجابهم بإسماعيل صبري، فمصطفى لطفي المنفلوطي قال فيه: أحد شعراء الطبقة الأولى في هذا العصر، ويمتاز بجمال مقطعاته، وعذوبة أسلوبه، إلى ما لا يجاريه فيه مجار، وحسن تصوراته، وخلابة خيالاته. وهو أجود ما يكون إذا نطق بكلمة الحكمة أو أرسل بيت النسيب.
يقول إسماعيل صبري في راحة القبر وهو شعر يُعد من شعر الحكمة:
إنْ سئمت الحياة فارجع إلى الأرْ
ض تنم آمناً من الأوصاب
تلك أمٌ أحنى عليك من الأمٍْ
مِ التي خلفتك للأتعاب
وقال عنه الشاعر خليل مطران: شديد النقد لشعره كثير التبديل والتحويل فيه حتى إذا استقام على ما يريده ذوقه من رقة اللفظ وفصاحة الأسلوب أهمله ثم نسيه.
ومن شعره في وصف الجمال والحسن:
أنت روحانية لا تدّعي
أن هذا الشكل من طين وماء
وانزعي عن جسمك الثوب يبن
للملا تكوينُ سكان السماء
ونظم إسماعيل صبري في موضوعات كثيرة، وعده نعيم اليافي من أصحاب الشعر التقليدي أو الفترة التقليدية.
وقال أحمد عبيد: حاولت في زيارتي مصر أن أظفر منه بترجمته فلم أفلح لأنه كان مريضاً، فعدت إلى الكتب التي تصدى فيها أصحابها للمعاصرين من الشعراء وأكابر الرجال، سواء بالترجمة أو بنقل الآثار. فلم أجد له فيها ما يصح أن يسمى ترجمة، ولعل ذلك ناشئ عن زهده بالشهرة، واعتزاله الناس منذ أمد بعيد... وكان يكنى بأبي الحسين.
وترتبط صوره الشعرية الكلية بالرسم والنقش، والإلحاح فيها على عنصري المكان والبروز، واعتمادها على اللون، وهو يقدم صوره الفنية لذاتها في نطاق السعي وراء التنميق والتزويق، ففي وصفه جمال فتاة يقول:
يا من أقام فؤادي إذ تملكه
ما بين نارين من شوق ومن شجن
جردت كل مليح من ملاحته
لم تتق الله في ظبي ولا غصن
وتظهر أصالة إسماعيل صبري في الشعر الغنائي الذي يتحدث فيه عن نفسه أو عن بعض العواطف الإنسانية، وقد جرى في مدائحه الكثيرة وتهانيه في الدروب المطروقة، وقلد الأقدمين أو استوحاهم معانيه حتى استطاع الشاعر أحمد محرم أن يحرر في أيلول سنة 1934 عدداً خاصاً من مجلة (أبوللو) استنفدَ معظم صفحاته في تتبع المعاني التي أخذها إسماعيل صبري عن القدماء.
ولعل الحب هو أهم موضوع شغل به الشاعر العربي، ولعل مصر لم تعرف في عصرها الحديث إلى نهاية الربع الأول من هذا القرن شاعراً يسيل غزله رقة وعذوبة على نحو ما عرفت ذلك عند إسماعيل، كما يرى شوقي ضيف، فلإسماعيل صبري غزليات تجيش بسيل دافق من العاطفة والوجدان، وقلما تحس فيها بتكلف أو ما يشبه التكلف وإنما تحس بصدق الشعور الذي يأخذ بمجامع القلوب.
وواضح أن إسماعيل صبري أقبل على الشعر إقبال الهاوي، وكان يتذوق الموسيقى وتطرب أذنه للغناء المصري الذي عاصره عند كبار الملحنين مثل محمد عثمان وعبده الحمولي. ولعل هذا التذوق والطرب هما أساس ما يفيض به شعره الوجداني من عذوبة وألحان موسيقية بديعة،وكان يعرف كيف يجمع الألحان الحلوة بعضها إلى بعض، فتأسر النفوس وتجذب القلوب، وكأنما أتيحت له جميع الأدوات لكي يحسن شعره الوجداني، فهو حيناً يرقى بمحبوبته، فيجعلها علوية سماوية أو ملائكية. وحيناً يصور لوعات حبه وحرقة ما يتلظى به قلبه من آلامه ونيرانه.
فكان أحد من أسهموا في الارتفاع بأغانينا الوجدانية عن المعاني المبتذلة، سواء في تصوير المرأة أم في تصوير الحب.
توفي في القاهرة ورثاه كثيرون من الشعراء والكتاب وجمع ما بقي من شعره في «ديوان» بشرح أحمد الزين في القاهرة 1938م.
خلدون صبح
الأدب العربي.
ـ محمد مندور، محاضرات عن إسماعيل صبري (جامعة الدول العربية، معهد الدراسات العربية 1955).
ـ شوقي ضيف، دراسات في الشعر العربي المعاصر (دار المعارف، مصر، د.ت).
ـ أحمد عبيد، مشاهير شعراء العصر (دار صادر، بيروت 1994).
SabriI (Isma’il-) - SabriI (Isma’il-)
صبري (إسماعيل ـ)
(1270 ـ 1341هـ /1854 ـ 1923م)
إسماعيل صبري باشا: من شعراء الطبقة الأولى في عصر النهضة. امتاز بجمال مقطوعاته وعذوبة أسلوبه. وهو من شيوخ الإدارة والقضاء في الديار المصرية.
تعلم بالقاهرة، ودرس الحقوق بفرنسا، وتدرّج في مناصب القضاء بمصر فعُيِّن نائباً عمومياً، فمحافظاً للإسكندرية، فوكيلاً لنظارة (الحقانية). وكان كثير التواضع شديد الحياء، ولم تكن حياته منظمة كما يُظن في رجل قانوني إداري، وكان يكتب شعره على هوامش الكتب والمجلات وينشره أصدقاؤه خلسة. وكان كثيراً ما يمزق قصائده صائحاً: إنَّ أحسن ما عندي ما زال في صدري، وكان بارع النكتة سريع الخاطر.
وقد أبدى كبار الأدباء والنقاد إعجابهم بإسماعيل صبري، فمصطفى لطفي المنفلوطي قال فيه: أحد شعراء الطبقة الأولى في هذا العصر، ويمتاز بجمال مقطعاته، وعذوبة أسلوبه، إلى ما لا يجاريه فيه مجار، وحسن تصوراته، وخلابة خيالاته. وهو أجود ما يكون إذا نطق بكلمة الحكمة أو أرسل بيت النسيب.
يقول إسماعيل صبري في راحة القبر وهو شعر يُعد من شعر الحكمة:
ض تنم آمناً من الأوصاب
تلك أمٌ أحنى عليك من الأمٍْ
مِ التي خلفتك للأتعاب
وقال عنه الشاعر خليل مطران: شديد النقد لشعره كثير التبديل والتحويل فيه حتى إذا استقام على ما يريده ذوقه من رقة اللفظ وفصاحة الأسلوب أهمله ثم نسيه.
ومن شعره في وصف الجمال والحسن:
أنت روحانية لا تدّعي
أن هذا الشكل من طين وماء
وانزعي عن جسمك الثوب يبن
للملا تكوينُ سكان السماء
ونظم إسماعيل صبري في موضوعات كثيرة، وعده نعيم اليافي من أصحاب الشعر التقليدي أو الفترة التقليدية.
وقال أحمد عبيد: حاولت في زيارتي مصر أن أظفر منه بترجمته فلم أفلح لأنه كان مريضاً، فعدت إلى الكتب التي تصدى فيها أصحابها للمعاصرين من الشعراء وأكابر الرجال، سواء بالترجمة أو بنقل الآثار. فلم أجد له فيها ما يصح أن يسمى ترجمة، ولعل ذلك ناشئ عن زهده بالشهرة، واعتزاله الناس منذ أمد بعيد... وكان يكنى بأبي الحسين.
وترتبط صوره الشعرية الكلية بالرسم والنقش، والإلحاح فيها على عنصري المكان والبروز، واعتمادها على اللون، وهو يقدم صوره الفنية لذاتها في نطاق السعي وراء التنميق والتزويق، ففي وصفه جمال فتاة يقول:
يا من أقام فؤادي إذ تملكه
ما بين نارين من شوق ومن شجن
جردت كل مليح من ملاحته
لم تتق الله في ظبي ولا غصن
وتظهر أصالة إسماعيل صبري في الشعر الغنائي الذي يتحدث فيه عن نفسه أو عن بعض العواطف الإنسانية، وقد جرى في مدائحه الكثيرة وتهانيه في الدروب المطروقة، وقلد الأقدمين أو استوحاهم معانيه حتى استطاع الشاعر أحمد محرم أن يحرر في أيلول سنة 1934 عدداً خاصاً من مجلة (أبوللو) استنفدَ معظم صفحاته في تتبع المعاني التي أخذها إسماعيل صبري عن القدماء.
ولعل الحب هو أهم موضوع شغل به الشاعر العربي، ولعل مصر لم تعرف في عصرها الحديث إلى نهاية الربع الأول من هذا القرن شاعراً يسيل غزله رقة وعذوبة على نحو ما عرفت ذلك عند إسماعيل، كما يرى شوقي ضيف، فلإسماعيل صبري غزليات تجيش بسيل دافق من العاطفة والوجدان، وقلما تحس فيها بتكلف أو ما يشبه التكلف وإنما تحس بصدق الشعور الذي يأخذ بمجامع القلوب.
وواضح أن إسماعيل صبري أقبل على الشعر إقبال الهاوي، وكان يتذوق الموسيقى وتطرب أذنه للغناء المصري الذي عاصره عند كبار الملحنين مثل محمد عثمان وعبده الحمولي. ولعل هذا التذوق والطرب هما أساس ما يفيض به شعره الوجداني من عذوبة وألحان موسيقية بديعة،وكان يعرف كيف يجمع الألحان الحلوة بعضها إلى بعض، فتأسر النفوس وتجذب القلوب، وكأنما أتيحت له جميع الأدوات لكي يحسن شعره الوجداني، فهو حيناً يرقى بمحبوبته، فيجعلها علوية سماوية أو ملائكية. وحيناً يصور لوعات حبه وحرقة ما يتلظى به قلبه من آلامه ونيرانه.
فكان أحد من أسهموا في الارتفاع بأغانينا الوجدانية عن المعاني المبتذلة، سواء في تصوير المرأة أم في تصوير الحب.
توفي في القاهرة ورثاه كثيرون من الشعراء والكتاب وجمع ما بقي من شعره في «ديوان» بشرح أحمد الزين في القاهرة 1938م.
خلدون صبح
الموضوعات ذات الصلة: |
مراجع للاستزادة: |
ـ شوقي ضيف، دراسات في الشعر العربي المعاصر (دار المعارف، مصر، د.ت).
ـ أحمد عبيد، مشاهير شعراء العصر (دار صادر، بيروت 1994).