صانعات السينما.. لسن شهرزاد..مقالات نقدية عن مجلة فيلم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صانعات السينما.. لسن شهرزاد..مقالات نقدية عن مجلة فيلم

    صانعات السينما.. لسن شهرزاد
    سامح سامي

    "لو رأتها، تلك المرأة
    الجانحة مع الريح
    وفي عينيها علائم زوبعة قادمة
    وشعرها، منذ الآن، ينتفش في دواماتها،
    لا
    تترددْ
    وخبِّرني، فهي قد تكون ضالتي
    قد تكون من ذهبتُ أبحث عنها في القرى
    والأرياف البعيدة
    حالماً أن أجدها في زقاق
    مقفر، ذات يوم، تحمل طفلا بين
    ذراعيها أو تطل من نافذة
    أو حتى أن أعرف أنها هي
    في ثمّة صوت، في ثمة أغنية على
    الراديو
    أغنية تقول أشياء جميلة
    عن الحزن
    أو الهجرة
    وقد لا تراها
    سوى في جناحي فراشة
    ترفرف لازقة في قار الطريق
    عينيها الملطختين بمكحلة التاريخ العابثة
    نهديها المثقلين يأنداء حزن أمة
    وفاكهتها اليتيمة
    كبضعة أحجار في سلة
    تعود بها من سوق أقفلت دكاكينها تصفر في أخشابها الريح
    على أطراف بلدة
    ولدنا فيها، وحلمنا أحلامنا الصغيرة
    ثم هجرناها"*

    يوافق هذا العدد الـ 25 بالمصادفة حديثنا عن "صانعات السينما"، الذي يصدر وسط تفكير عربي يمكث ثابتا في كهوف ظلامية عديدة، خاصة تصوراته الذهنية عن المرأة، في وجودها من الأساس ثم ما يخلق هذا الوجود من حركة وحقوق وتحديات ومعوقات، وثقافة ذكورية تحمل "السم" في أطباق كثيرة مصنوعة من عسل هش.
    تفكير عربي يبتعد سنوات عن محاولة تنوير واحدة تخرجه من عيوبه الكثيرة، وتعدّل من قوانينه وأحكامه وعاداته التي تعاند مسار الحضارة الإنسانية في أن تحتل المرأة مكانتها وفقا للكفاءة المستحقة وليس "كوتة" هنا أو محاولة دعم فارغة وكلاما طنانا هناك. ذلك التفكير يمتلك أزمات كثيرة في فهم السينما وتذوقها والإيمان بحريتها وقدراتها التي تبدأ بالاستمتاع البسيط حتى التغيير المدهش، فما بالنا لو كانت "سيدة" هي التي تقدم هذه السينما.. لكن السينما في مصر تشهد أزمة سواء مع الصناع الرجال أو الصانعات السيدات، فهي لا تهتم بالفكرة، ولا تلتفت إلى الوعي ولا تهتم بالتعبير عن قضايا الناس في مصر، ويصيبها الملل، خاصة مع الأفلام المستقلة غير الممتعة، إلا أن الأزمة تتجلى بوضوح وتشدد مع أي فريق تقوده امرأة، فالصانعات لسن شهرزاد ولا هن تحت طوع شهريار!
    (2)
    في هذا العدد يعد لقاء بعض صانعات السينما المنشور فيه - محور الكلام المهم.
    المنتجة قسمت السيد ــ المخرجة والمنتجة ندى رياض ــ المخرجة والمنتجة مي زايد ــ المونتيرة سارة عبد الله. Mayye Zayed
    أسماء نسائية لافتة، اجتمعن على مائدة الحوار "أونلاين" تحت إدارة المخرجة عايدة الكاشف، وبتنسيق من المخرجة ميسون المصري مساعدة مدير مشروع سينما الجزويت، وبحضور العديد من المهتمين وسط تفاعل كبير في النقاش والأسئلة.
    فتح الخماسي النسائي ملفات كثيرة ومهمة -حسب الزميلة أماني صالح Amany Saleh- بدءًا من تساؤل مشروع عن علاقة الصانعات بالسينما البديلة، ولماذا يقدمن أعمالهن في إطار السينما المستقلة (تسجيلية أو روائية) في أفلام (قصيرة أو طويلة)، وبقدر ما يبدو الخروج عن السينما التجارية بخلطاتها أو معادلاتها اختيارا شجاعا وطموحا منهن لكنه لا يقلل العبء ولا ينفي الجهد المبذول منهن؛ إذ إن حتى السينما البديلة لا تخلو من مشاكل التمويل والتوزيع وساعات العمل "غير الآدمية"، حسب وصفهن، والتي تتسبب في ترك الكثير من الفتيات للسينما مبكرا.. تكبلهن الظروف الشخصية وتمنعهن الظروف الأسرية فلا يكملن المشوار. هذا اللقاء سوف نتيحه كاملا على شبكات التواصل الاجتماعي.
    النقطة اللافتة في هذا اللقاء هي أن صانعات السينما دائما في قفص الاتهام، إذا كان فيلما جيدا ردد الآخرون "حد عمل لها الفيلم"، على حد قول المخرجة ندى رياض، وإذا كان سيئا كان الحساب مضاعفا و"كأن المخرجة المرأة غير مسموح لها بالخطأ"، بل تلفت مي زايد الانتباه إلى أن مجرد اختيار المخرجة المرأة للموضوع يضعها في ضغوط، سواء قدمت حكايات عن نساء أو لم تقدم ( لا ده عاجب ولا ده عاجب)، بينما من حق المخرج الرجل اختيار شخصية نسائية ويُلاقى الاختيار بالترحيب.
    ظروف العمل في السينما صعبة على الجنسين.. وحتى تتحسن ظروف السينما بما يضمن فرص العمل للجميع فهل دعم الصانعات والاستعانة ببعضهن البعض ضرورة؟
    ــ كان واضحا في حديث صانعات الأفلام هذا الوعي ليس من قبيل تمكين المرأة أو تجنيب اللاحقات ما تعرضت له السابقات من صعوبات بل ثقة في قدرات المرأة وقناعة أن هذه الطريقة تتحدى الشللية وتضخ دما جديدا في الصناعة أسوة بما حدث مع الأسماء البارزة.
    وإذا كان الأمر كذلك فما هو دور الرجل؟
    وهو سؤال مهم لذلك أدعو قراء المجلة - خاصة من الرجال - إلى قراءة تغطية هذا اللقاء والاشتباك معه.
    (3)
    تقول الكاتبة أمل ممدوح Amal Mamdouh في مقالها هنا: "تظل صورة ومكانة المرأة في المجتمع معيارا دائما ومهما لتطوره، وتظل السينما أقوى وسائل انعكاس هذه الصورة، بل وتطويرها، كإحدى وظائف الفن المرتبط دوما بالحالة الطليعية، وقد شغلت قضاياها حيزا أخذ في الاتساع تدريجيا منذ بدايات السينما، ومن المهم رصد ما آلت إيه هذه الصورة من آن لآخر، لذا فلنلقِ معا نظرة على 20 عاما سينمائية مضت، نتأمل كيف ظهرت فيها المرأة، وكيف بدت صورتها وقضاياها، وسنركز هنا على صورتها وقضاياها التي تصدرت تلقائيا، لا على مفهوم سينما المرأة بشكل عام، والذي قد تتنوع مرجعياته ما بين قضايا المرأة الافتراضية مسبقا، أو الصانعات النساء، سنتناول في السطور التالية صورتها فيها، من خلال استعراض نماذج لأنواع سينمائية متعددة، سواء كانت لأفلام تندرج تحت الإنتاج التجاري، تلك التي تنتجها شركات إنتاج وتخضع للرقابة ولمعايير العرض التجاري وتهدف بالتأكيد للربح، وتراهن على الجمهور العام العادي، الذي لا يتنازل غالبا عن خلطة ممتعة بدرجة كبيرة مهما كان المضمون الفني، ويحتاج لسرد أكثر وضوحا وأسهل تلقيا لا يسبب له صدمات ثقافية، أو الأفلام المستقلة، والتي بدأت في الظهور بوضوح مع بداية أفلام الديجيتال، تقريبا في السنوات الأولى من الألفية الثانية، تلك التي تعد ملجأ أمام صناعها لتعبير أكثر حرية عن أفكارهم، وساحة حرة للتجريب الفني، يهربون فيها من المعايير الفنية التقليدية، باحثين فيها عن جمهور نوعي يبحث عنها كذلك ويجيد تلقيها، لا يبحث بدرجة أولى عن المتعة بشكلها المعتاد، تلك الأفلام التي تتميز كذلك بحالة أكثر جرأة وصدقا وأقل تكلفة وأبسط فنيا، لكنها تراهن على الأصدق والأعمق والأجود. سنستعرض بعض أفلام القسمين، التي تتنوع ما بين الروائي والتسجيلي وتشمل صانعات نساء وصناعا رجالا، فلنرَ كيف جاءت فيها صورة المرأة".

    (4)
    مدير التحرير المخرج أحمد أبوالفضل Ahmed Abo EL Fadl له مقال مهم عن سينما الرجال يقول فيه: "بالتأكيد وضع السينما حاليا ليس بخير فى كثير من الجوانب، إذا سألت أحد المهتمين بالسينما أو صانعيها عن وضع السينما الراهن، يمكنك أن تتوقع أن يشتكى من قلة السيناريوهات الجيدة، وسوء حال الرقابة، وقلة دور العرض أو غيابها بالكامل فى المحافظات خارج القاهرة والإسكندرية، ضعف الدعم الحكومى، صعوبة التصوير فى الشارع واستخراج التصاريح، المزاج العام للمشاهد ورغبته فى مشاهدة كل ما هو سريع، سيطرة نجوم الشباك وتدخلهم فى الأعمال الفنية فى غير اختصاصهم وارتفاع أجورهم..إلخ، كلها إجابات يمكن توقعها، وكلها إجابات تحاول استعادة مجد ما للسينما كان موجودا فى وقت ما، فى مصر على الأقل، فى عصور ازدهار سابقة، لكن قد لا تسمع واحدا يخبرك بأنه يتمنى أن تحتوى السينما على تمثيل عادل للنساء، أو قلة عدد صانعات الأفلام أو المنتجات بالنسبة لعدد الرجال، وهذه الأمنيات أو الانتقادات من وجهة نظرى، تطمح إلى تصور أوضاع جديدة علينا تماما، أوضاع أفضل وأكثر عدالة، بل وأكثر صحية من جميع الجوانب الإبداعية والفنية، نحو احتمالات مستقبلية لا نعرفها الآن بدقة لكننا نطمح إليها، لأن حتى السينما فى حقبتها الذهبية فى مصر، إن جاز التعبير، لم تكن «بالذهبية» التى نعتقدها، إذا وضعنا فى اعتبارنا فكرة التمثيل العادل للنساء أمام وخلف الكاميرا".
    أتفق في كثير مع ما يطرحه أبوالفضل، خاصة في شرحه لوضع السينما الآن، أو في "وهم" ما يقال عن زمن الفن الجميل. ومسألة صانعات السينما هو أكبر وأشمل من تمثيل عادل للنساء، المسألة أبعد من "حقوق" أو تمثيل حقوقي الذي عادة يكون تمثيلا شكليا "بلاستيك غير حقيقي". هنا الموضوع يخص ذهن الناس (جمهور أو صناع رجال) ومن ثم ثقافتهم ووعيهم. هنا السؤال الرئيسي: ما هو الحق الذي لم تحصل عليه المرأة؟ بدلا من السؤال التقليدي: ما وضع المرأة؟ والدائرة المغلقة الخاصة بوصف الوضع المتأزم لها؟.
    الأزمة أمام السيدات في مصر هي أزمة ثقافية، أزمة في حريتها، تحديات في عملها، معوقات في تحركاتها، منع وقمع في إعطاء سلطة عليا لها، سواء سلطة مدنية أو سلطة دينية، حيث ظل الرجل لسنوات طويلة -حسب مقال الدكتورة ثناء هاشم Thanaa Hashemالتي تشير فيه إلى كتاب الناقد رؤوف توفيق سينما المرأة- هو بؤرة الإهتمام فى موضوعات الأفلام وهو صاحب القضية ومحرك الأحداث، أما المرأة فهى الحقيبة التى يمسكها بيده، أو العبء الذى يحمله فوق كتفه، أو الوسادة التى يلجأ إليها للراحة أو الترفيه، المرأة هى الدمية الجميلة والتى تقف دائما على الهامش، هامش الفيلم وهامش الحياة أيضا.

    (5)
    أثناء التجهيز لهذا العدد اجتمعت أسرة التحرير بمسرح استوديو ناصيبيان، الذي كان سندا لكل أنشطة جمعية النهضة العلمية والثقافية "جزويت القاهرة"، إلا أنه في أواخر أكتوبر الماضي احترق المسرح بالكامل، وحتى كتابة هذه السطور لا تزال آثار الحريق الكبير على جدران الجمعية. وكلي ثقة في سرعة عودة المسرح مرة أخرى بل أقوى من الأول. المدهش هنا أن أول عرض على أرض المسرح الخربة كان مبادرة رقص ارتجالي من (بنات الجزويت)، خريجات وطلبة مدرسة ناس للمسرح الاجتماعي، وهن أساس الحياة وكل حياة.. يرقصن ويبدعن حلما بعودة نشاط المسرح المحترق، وسط أمل أن هذا الحطام سيبقى ذكرى سعيدة ومشجعة لنا كلنا في استكمال مسيرة المسرح المقام على جزء من أرض مقدسة وهي استوديو ناصيبيان التاريخي، ثاني أقدم استوديو سينمائي في مصر. أهدى هذا العدد إلى هؤلاء الفنانات اللاتي بمبادرتهن ورقصهن لعودة الحياة للمسرح، أعادن ليّ الأمل في استمرار مسيرة المسرح والجمعية. شيماء محمد فوزى
    * قصيدة للشاعر العراقي الكبير سركون بولص
    El Nahda - Jesuit Cairo/جزويت القاهرة
يعمل...
X