طوقان (ابراهيم)
Tukan (Ibrahim-) - Tukan (Ibrahim-)
طوقان ( إبراهيم ـ)
(1905ـ 1940م)
إبراهيم بن عبد الفتاح بن داود الآغا طوقان، شاعر فلسطيني وطني، من شعراء القرن العشرين، أُطلِق عليه عدة كُنى من خلال مقالاته، فقيل: «شاعر الجامعة ـ شاعر الوطن ـ بلبل فلسطين الصداح ـ الأديب النابغ الأستاذ ـ شاعر فلسطين الألمعي ـ شاعر الحب والثورة ـ أبو جعفر». ينتمي إلى آل طوقان الذين ارتحلوا من بادية الشام في أيام حكم المماليك، واستقروا في نابلس؛ التي يُطلق عليها اسم: جبل النار لما أبدته من مقاومة بطولية لجيش نابليون. وأمه فوزية بنت أمين عسقلان.
ولد في نابلس لأسرةٍ ميسورة، وله تسعةُ إخوة منهم الشاعرة فدوى طوقان، وأشار إبراهيم نفسه إلى أنه وُلد: «مركباً على مرض وضعف» لأن أمه كانت مريضة لمّا حملت به. درس المرحلة الابتدائية في المدرسة الرشادية الغربية، ثم انتقل إلى القدس لمتابعة الدراسة في مدرسة المطران، وفيها بدأ ينظم بواكير شعره، ونشرت له أول قصيدة سنة 1923، وفي هذا العام سافر إلى بيروت ليلتحق بالجامعة الأمريكية التي حصل منها على الإجازة في العلوم. وبعد نحو عام من وصوله إلى الجامعة دخل المشفى، ثم نظم قصيدته «ملائكة الرحمة» فأعلن بها عن شاعريته في بيروت التي لقي فيها مجموعة من النابهين الذين صار لهم شأن فيما بعد، منهم: عمر فروخ وحافظ جميل ووجيه البارودي وجميعهم شعراء. وفي هذه الفترة أحب ماري الصفوري التي نظم معظم قصائد غزله فيها، دون أن يفضي ذلك إلى زواجهما. وفي بيروت برزت موهبته الشعرية، ولقيت عناية من الناقد سعيد تقي الدين والشاعر بشارة الخوري (الأخطل الصغير).
عاد إبراهيم إلى نابلس، ثم انتقل إلى القاهرة للعلاج والعمل في الصحافة، ورجع ثانية إلى نابلس ليدرّس في مدرسة النجاح، ولما احتدمت الصدامات بين العرب واليهود، وأُعدِم ثلاثة من المجاهدين سنة 1930 ألقى قصيدته «الثلاثاء الحمراء» فكانت إعلاناً بميلاد شاعر كبير. ثم عاد إلى بيروت مدرّساً في الجامعة الأمريكية، فلقي فيها مرغريتا الأندلسية التي كتب فيها: «غادة إشبيلية». رجع بعد ذلك إلى فلسطين ليصارع المرض الذي منعه من متابعة التدريس، وقد لازمه منذ الصغر. ولما تأسست إذاعة القدس سنة 1936 اختير مديراً للبرنامج العربي فيها، فأبدع في عمله، وتزوج من زميلة إعلامية اسمها سامية بنت قاسم عبد الهادي، وعمل نحو خمس سنوات أُقِيل بعدها، فغضب ورغب في الخروج من فلسطين، ووجد عملاً في العراق، فذهب إلى بغداد، ولكن المرض اشتد عليه هناك، فرجع إلى القدس ليعالج في المشفى الفرنسي، وفارق الحياة بعدها بقليل.
كان إبراهيم طوقان ذكياً فطِناً نابهاً لمّاحاً، ممتلئاً حيويةً ونشاطاً، يمتلك حافظةً قوية أعانته على حفظ الكثير منذ صغره، ملولاً من مرضه الذي لازمه منذ ولادته في أذنه وأمعائه، فانقلب إلى الإكثار من شرب الخمر والبحث عن الملذات. تأثر بعدد من أساتذته منهم: الشيخ إبراهيم أبو الهدى الخماش، والشيخ فهمي أفندي هاشم، والأستاذ نخلة زريق. وكان ناثراً جيداً إلى جانب شاعريته، وثمة رسائل كثيرة أرسلها إلى أخته فدوى، وإلى أصدقائه مثل عمر فروخ، تكشف عن موهبةٍ في النثر أيضاً، كما أنه ألّف قصة وأذاعها لما كان في إذاعة القدس بعنوان «عقد اللؤلؤ» يقال إنها أحد أسباب إقالته.
جمع إبراهيم شعره في ديوان، ويبدو أنه تخيّر فيه ما يريد أن يعرضه على الناس، وأبعد عنه شعراً كثيراً مما كان من مساجلاته مع الشعراء أو مما لا يريد نشره، إمّا لما فيه من عبث أو لمضمونه السياسي أو لأمور أخرى، وقد أكد ذلك أخته فدوى وصديقه عمر فروخ. وقد طُبع ديوانه أول مرة في دار القدس ببيروت سنة 1975، رُتّبت فيه القصائد ترتيباً تاريخيّاً، ثم في دار العودة ببيروت 1988، ثم طُبعت الأعمال الشعرية الكاملة له في مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري في الكويت 2002.
تناول في شعره موضوعات عدة برز فيها الاتجاه الوطني والسياسي الذي عبّر فيه عن قضايا الشعب الفلسطيني في مواجهة المحتل الإنكليزي ومخططات اليهود الرامية إلى الاستيلاء على فلسطين، وتقاعُسِ الكثيرين عن فهم ما يدور حولهم وكأنهم يشاركون في الجريمة التي تُنفّذ ببطء، من ذلك أبياته (إلى بائعي الأرض):
باعوا البلادَ إلى أعدائهم طمَعاً
بالمال لكنما أوطانَهُم باعوا
قد يُعذَرون لوَ انَّ الجوعَ أرغمهم
والله ما عطشوا يوماً ولا جاعوا
وبُلغةُ العار عند الجوع تلفظُها
نفسٌ لها عن قبول العار ردّاع
تلك البلادُ إذا قلتَ: اسمُها«وطن»
لا يفهمون ودون الفهم أطماع
كما أن له شعراً قوميّاً تناول فيه معظم قضايا الأقطار العربية في عصره، من ذلك أبياته المنبّهة إلى ما ينتظر الأمة من كيد الأعداء:
أمامَك أيها العربيُّ يومٌ
تشيبُ لهوله سودُ النواصي
وأنت كما عهدتُك لا تُبالي
بغير مظاهر العبَث الرِّخاص
مصيرُك بات يلمسُه الأداني
وسار حديثُه بين الأقاصي
فلا رحبُ القصورِ غداً بباقٍ
لساكنها ولا ضيقُ الخِصاص
لنا خصمان ذو حَول وطَول
وآخرُ ذو احتيالٍ واقتناص
تواصَوا بينهم فأتى وبالاً
وإذلالاً لنا ذاك التواصي
مناهجُ للإبادة واضحاتٌ
وبالحُسنى تُنفّذ والرصاص
كما عُرف بغزلياته في اتجاهاتها المختلفة، ومنها:
سلامٌ عليكِ ولو شَفّني
من الوجد واليأس ما شفّني
أُداري غرامَك جهدَ الحليم
فما يستريحُ وما أنثني
وقلبي كما يشتهيه الهوى
لغير جمالِكِ لم يُذعن
خفوقٌ ولو شئتِ سكّنتِه
ولو شاء غيرُك لم يسكن
وله شعر اجتماعي، وفي الرثاء، والأناشيد، وبعض المداعبات.
وقد جمع بعض شعره ونثره وأدبه المتوكل طه في كتاب بعنوان: «من أوراق الشاعر إبراهيم طوقان» نشر مع ديوانه في مؤسسة جائزة البابطين.
علي أبوزيد
ـ محمد حسن عبد الله، إبراهيم طوقان حياته ودراسة فنية في شعره (مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، الكويت 2002).
ـ عمر فروخ، شاعران معاصران (المكتبة العلمية، بيروت 1954).
ـ فدوى طوقان. أخي إبراهيم (شركة الطباعة اليافية، فلسطين 1946).
Tukan (Ibrahim-) - Tukan (Ibrahim-)
طوقان ( إبراهيم ـ)
(1905ـ 1940م)
إبراهيم بن عبد الفتاح بن داود الآغا طوقان، شاعر فلسطيني وطني، من شعراء القرن العشرين، أُطلِق عليه عدة كُنى من خلال مقالاته، فقيل: «شاعر الجامعة ـ شاعر الوطن ـ بلبل فلسطين الصداح ـ الأديب النابغ الأستاذ ـ شاعر فلسطين الألمعي ـ شاعر الحب والثورة ـ أبو جعفر». ينتمي إلى آل طوقان الذين ارتحلوا من بادية الشام في أيام حكم المماليك، واستقروا في نابلس؛ التي يُطلق عليها اسم: جبل النار لما أبدته من مقاومة بطولية لجيش نابليون. وأمه فوزية بنت أمين عسقلان.
ولد في نابلس لأسرةٍ ميسورة، وله تسعةُ إخوة منهم الشاعرة فدوى طوقان، وأشار إبراهيم نفسه إلى أنه وُلد: «مركباً على مرض وضعف» لأن أمه كانت مريضة لمّا حملت به. درس المرحلة الابتدائية في المدرسة الرشادية الغربية، ثم انتقل إلى القدس لمتابعة الدراسة في مدرسة المطران، وفيها بدأ ينظم بواكير شعره، ونشرت له أول قصيدة سنة 1923، وفي هذا العام سافر إلى بيروت ليلتحق بالجامعة الأمريكية التي حصل منها على الإجازة في العلوم. وبعد نحو عام من وصوله إلى الجامعة دخل المشفى، ثم نظم قصيدته «ملائكة الرحمة» فأعلن بها عن شاعريته في بيروت التي لقي فيها مجموعة من النابهين الذين صار لهم شأن فيما بعد، منهم: عمر فروخ وحافظ جميل ووجيه البارودي وجميعهم شعراء. وفي هذه الفترة أحب ماري الصفوري التي نظم معظم قصائد غزله فيها، دون أن يفضي ذلك إلى زواجهما. وفي بيروت برزت موهبته الشعرية، ولقيت عناية من الناقد سعيد تقي الدين والشاعر بشارة الخوري (الأخطل الصغير).
عاد إبراهيم إلى نابلس، ثم انتقل إلى القاهرة للعلاج والعمل في الصحافة، ورجع ثانية إلى نابلس ليدرّس في مدرسة النجاح، ولما احتدمت الصدامات بين العرب واليهود، وأُعدِم ثلاثة من المجاهدين سنة 1930 ألقى قصيدته «الثلاثاء الحمراء» فكانت إعلاناً بميلاد شاعر كبير. ثم عاد إلى بيروت مدرّساً في الجامعة الأمريكية، فلقي فيها مرغريتا الأندلسية التي كتب فيها: «غادة إشبيلية». رجع بعد ذلك إلى فلسطين ليصارع المرض الذي منعه من متابعة التدريس، وقد لازمه منذ الصغر. ولما تأسست إذاعة القدس سنة 1936 اختير مديراً للبرنامج العربي فيها، فأبدع في عمله، وتزوج من زميلة إعلامية اسمها سامية بنت قاسم عبد الهادي، وعمل نحو خمس سنوات أُقِيل بعدها، فغضب ورغب في الخروج من فلسطين، ووجد عملاً في العراق، فذهب إلى بغداد، ولكن المرض اشتد عليه هناك، فرجع إلى القدس ليعالج في المشفى الفرنسي، وفارق الحياة بعدها بقليل.
كان إبراهيم طوقان ذكياً فطِناً نابهاً لمّاحاً، ممتلئاً حيويةً ونشاطاً، يمتلك حافظةً قوية أعانته على حفظ الكثير منذ صغره، ملولاً من مرضه الذي لازمه منذ ولادته في أذنه وأمعائه، فانقلب إلى الإكثار من شرب الخمر والبحث عن الملذات. تأثر بعدد من أساتذته منهم: الشيخ إبراهيم أبو الهدى الخماش، والشيخ فهمي أفندي هاشم، والأستاذ نخلة زريق. وكان ناثراً جيداً إلى جانب شاعريته، وثمة رسائل كثيرة أرسلها إلى أخته فدوى، وإلى أصدقائه مثل عمر فروخ، تكشف عن موهبةٍ في النثر أيضاً، كما أنه ألّف قصة وأذاعها لما كان في إذاعة القدس بعنوان «عقد اللؤلؤ» يقال إنها أحد أسباب إقالته.
جمع إبراهيم شعره في ديوان، ويبدو أنه تخيّر فيه ما يريد أن يعرضه على الناس، وأبعد عنه شعراً كثيراً مما كان من مساجلاته مع الشعراء أو مما لا يريد نشره، إمّا لما فيه من عبث أو لمضمونه السياسي أو لأمور أخرى، وقد أكد ذلك أخته فدوى وصديقه عمر فروخ. وقد طُبع ديوانه أول مرة في دار القدس ببيروت سنة 1975، رُتّبت فيه القصائد ترتيباً تاريخيّاً، ثم في دار العودة ببيروت 1988، ثم طُبعت الأعمال الشعرية الكاملة له في مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري في الكويت 2002.
تناول في شعره موضوعات عدة برز فيها الاتجاه الوطني والسياسي الذي عبّر فيه عن قضايا الشعب الفلسطيني في مواجهة المحتل الإنكليزي ومخططات اليهود الرامية إلى الاستيلاء على فلسطين، وتقاعُسِ الكثيرين عن فهم ما يدور حولهم وكأنهم يشاركون في الجريمة التي تُنفّذ ببطء، من ذلك أبياته (إلى بائعي الأرض):
باعوا البلادَ إلى أعدائهم طمَعاً
بالمال لكنما أوطانَهُم باعوا
قد يُعذَرون لوَ انَّ الجوعَ أرغمهم
والله ما عطشوا يوماً ولا جاعوا
وبُلغةُ العار عند الجوع تلفظُها
نفسٌ لها عن قبول العار ردّاع
تلك البلادُ إذا قلتَ: اسمُها«وطن»
لا يفهمون ودون الفهم أطماع
كما أن له شعراً قوميّاً تناول فيه معظم قضايا الأقطار العربية في عصره، من ذلك أبياته المنبّهة إلى ما ينتظر الأمة من كيد الأعداء:
أمامَك أيها العربيُّ يومٌ
تشيبُ لهوله سودُ النواصي
وأنت كما عهدتُك لا تُبالي
بغير مظاهر العبَث الرِّخاص
مصيرُك بات يلمسُه الأداني
وسار حديثُه بين الأقاصي
فلا رحبُ القصورِ غداً بباقٍ
لساكنها ولا ضيقُ الخِصاص
لنا خصمان ذو حَول وطَول
وآخرُ ذو احتيالٍ واقتناص
تواصَوا بينهم فأتى وبالاً
وإذلالاً لنا ذاك التواصي
مناهجُ للإبادة واضحاتٌ
وبالحُسنى تُنفّذ والرصاص
كما عُرف بغزلياته في اتجاهاتها المختلفة، ومنها:
سلامٌ عليكِ ولو شَفّني
من الوجد واليأس ما شفّني
أُداري غرامَك جهدَ الحليم
فما يستريحُ وما أنثني
وقلبي كما يشتهيه الهوى
لغير جمالِكِ لم يُذعن
خفوقٌ ولو شئتِ سكّنتِه
ولو شاء غيرُك لم يسكن
وله شعر اجتماعي، وفي الرثاء، والأناشيد، وبعض المداعبات.
وقد جمع بعض شعره ونثره وأدبه المتوكل طه في كتاب بعنوان: «من أوراق الشاعر إبراهيم طوقان» نشر مع ديوانه في مؤسسة جائزة البابطين.
علي أبوزيد
مراجع للاستزادة: |
ـ عمر فروخ، شاعران معاصران (المكتبة العلمية، بيروت 1954).
ـ فدوى طوقان. أخي إبراهيم (شركة الطباعة اليافية، فلسطين 1946).