زينب العسال تكتب بمشرط حاد متتبعة خصائص السرد العربي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • زينب العسال تكتب بمشرط حاد متتبعة خصائص السرد العربي

    زينب العسال تكتب بمشرط حاد متتبعة خصائص السرد العربي


    كتاب يخوض رحلة بين الروايات والقصص جامعا بين مختلف الأجيال.
    الأحد 2025/02/16
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    كيف واجه الأدباء الواقع (لوحة للفنان بهرام حجو)

    رسخت أجيال متلاحقة في الأدب العربي خصائص للكتابة السردية سواء في الروايات أو القصص، ومن المهم الاطلاع على مسار تطور الكتابة السردية سواء من الناحية التقنية أو من جانب الموضوعات والقضايا المطروحة، وهي مهمة صعبة تصدت لها الناقدة المصرية زينب العسال مستفيدة من مساراتها البحثية النقدية السابقة في تناول الأدب العربي على اختلاف انتماءاته الجغرافية.

    يمثل كتاب "الكتابة بمشرط حاد دراسات في السرد الفني" مشهدا مصغرا، قوامه أعمال إبداعية صدرت عن اختلاف الجنس والجيل والزمان والمكان، لكنها في المحصلة النهائية محاولة رسم تكوين في بانورامية المشهد الثقافي العربي، حيث تتناول فيه الناقدة زينب العسال أكثر من 20 عملا روائيا وقصصيا لـ18 كاتبا وكاتبة.

    عندما تحدثنا زينب العسال عن هذه الأعمال التي اختارتها ليضمها كتابها النقدي الجديد الصادر عن دار المفكر العربي بالقاهرة، فإننا نتوقع أن نتفاعل مع مشهد نقدي جاد ومؤثر وصحي لكاتبة ذات خبرة نقدية طويلة وعميقة.
    المرأة والأسطورة


    تبدأ هذه المجموعة من الدراسات النقدية في السرد الفني، بيوسف إدريس (1927 – 1991) وسقوط المرأة، حيث تلاحظ الناقدة أن علاقة إدريس بالمرأة – بشكل عام – ملتبسة وغير مفهومة، بدءا بعلاقته بأمه التي أشار إليها الكثير من النقاد، رغم أن إدريس لم يصرح بها، ولكن استشفها النقاد من خلال تحليلاتهم لروايته “البيضاء”.

    ومن العلاقة الملتبسة مع الأم، إلى علاقة إدريس بثورة 23 يوليو، لاحظت العسال أن العلاقة بينهما ظلت متوترة، فإدريس دخل المعتقل وخرج وهو أكثر إيمانا بأن السلطة في مصر لم تكن تملك أيديولوجيا موحدة أو مستقرة تجعلها تتعامل مع المجتمع بشكل تلقائي.

    وتؤكد الناقدة أن إدريس عندما كتب رواية “الحرام” كان يدرك أنه بهذه الرواية يصدم الواقع ويخدشه بعنف، كاشفا ما كان مستورا. فقد جعل من مرض “عزيزة” ومأساتها مأساة فردية تجسد مأساة طبقة بأكملها. وترى أن جذر البطاطا يمثل رمزا مركبا في تلك الرواية.

    كما ترى أن إدريس يحلل شخصية عزيزة بشكل تشريحي، يعززه بالتفاصيل الدقيقة المثيرة حتى يصل في نهاية الأمر إلى هدف يقنع القارئ أشد الإقناع، فلا يشك فيه ولا يتردد في التسليم به، فالشرف والفضيلة مثل المأكل والملبس، كلها أشياء تتاح لبعض الناس، ولا تتاح للآخرين.

    الناقدة زينب العسال تبحر بنا إلى عوالم روائية مختلفة في مصر وبعض البلدان العربية الأخرى مثل ليبيا واليمن وتونس

    وتشير العسال إلى أن فكرة سقوط المرأة كانت قضية جوهرية للعديد من قصص وروايات إدريس، فثمة “العيب”، و”قاع المدينة”، و”حادثة شرف”، و”النداهة”، و”بيت من لحم” وغيرها من القصص والروايات.

    لقد وجدت الناقدة أن في شخصيات إدريس التي حكم عليها بالسقوط، مقدرة فائقة على المقاومة، كانت غالبيتهن مثاليات وديعات، لا تجربة لهن تعصمهن من غواية السقوط، إنه سقوط أقرب إلى الاغتصاب.

    أما رواية “دمية أفروديت” للكاتب شريف عابدين فهي محاولة لإنقاذ العالم، وترى الناقدة أن المتن الأسطوري هو العتبة الرئيسية التي بنيت عليها عمارة هذه الرواية، ومن ثم حرص الكاتب على تعدد المصادر، وتنوعها، ويدل على هذا الزخم الموجود في الهوامش، فهو يبدو كثيفا في الجزء الأول من الرواية، فيصير لدينا نص مواز يتحاور فيه المتن مع الهامش، ويصير الهامش متنا، حينما يشير إلى شخصية أو دلالة أو حادثة وقعت، في ما يمكن أن نطلق عليه “ميتا نص” وهنا يحدث التشويق وجذب المتلقي إلى النسيج الروائي.

    ويتضح من خلال العنوان أن “أفروديت” تشكل الشخصية المحورية التي تأخذ مساحة لا يستهان بها في الرواية، فأيّ حدث فاعل ومؤثر في الأحداث تكون وراءه أفروديت، سواء بالقول أو الفعل أو رد الفعل، ومن هنا كانت حبكة الرواية واضحة وجلية.



    وتوضح الناقدة أنه إذا كانت “دمية أفروديت” نهلت من عالم الأساطير الإغريقية لتقدم أسطورة خاصة بها وبمؤلفها، فإن النهاية تستلهم البناء الحكائي لألف ليلة وليلة، أيقونة التراث العربي الشرقي، وكأن شريف عابدين أراد أن يكتمل التراث الإنساني في أعظم تجلياته، فتنفتح الرواية على هذا التراث الإنساني دون حساسية أو شوفينية، وهو ما جعل القيم الإنسانية، الخيرة والملتزمة، ممثلة في الإلهة “هيرا”.

    وتخلص الناقدة إلى أن تلك الرواية تعنى بإنقاذ العالم من شرور وألاعيب أفروديت العجيبة.

    أما “رحلة ابن فطومة” لنجيب محفوظ (1911 – 2006)، فتتحدث الناقدة عن سيمياء الفضاء الروائي والمعماري لتلك الرواية المحفوظية، حيث تعتمد الرواية على الفضاء المديني الذي يتغير من ترحال الراوي، قنديل بن محمد العنابي، من دار إلى دار، وتوضح الناقدة أن بحثها سوف يتعامل مع النص كفضاء مديني يتجدد داخل النص الروائي كمعمار، وكمجموعة من العلاقات الفضائية، أو المنتجة للفضاء، حيث يصبح الفضاء النصي هو المكان الذي تتوزع فيه العلاقات المهاجرة، وتقوم بينها علاقات متعددة المرجعيات والرؤى والأيديولوجيات، مشكلة مجازات فضائية، وتصبح بصمة حقيقية للحقبة الزمنية.

    تقدم الناقدة في بحثها ملخصا للرواية، ثم تتحدث عن العنوان على المستوى المعجمي، ودلالة اسم فاطمة، وأذكر هنا أن والدة نجيب محفوظ كان اسمها فاطمة، وابنته الصغرى أيضا. وتتحدث الناقدة عن العنوان على المستوى الإيحائي، وتتناول الغلاف كنص مواز، وإشكالية الفضاء المديني، والوظائف السردية للشخصيات، والذاكرة المكانية، وتحديد الفضاء المكاني، وأنه لا حدث إلا في زمن. وتحدثت عن فضاء السجن، وفضاء الفندق، والفضاء المكاني والأيديولوجيا، حيث كان همّ نجيب محفوظ الأول تحقيق الديمقراطية والعدالة والمساواة، ممثلة في علاقة الفرد بالسلطة، سواء كانت سلطة سياسية أو اجتماعية أو دينية، حيث بدأ الهم مصريا، مثلته مرحلة رواياته التاريخية، أعقبتها روايات الواقعية الطبيعية: خان الخليلي، والقاهرة الجديدة، وزقاق المدق، وبداية ونهاية، والسراب، وناقشت أولاد حارتنا، والطريق، والحرافيش، فكرة العلاقة بين الدين والبشر، والقوانين الوضعية والقوانين الإلهية. إنها رحلة بحث مضنية للوصول إلى الحقيقة.

    تشير الناقدة إلى أن رحلة “ابن فطومة” 1983 انضمت إلى سابقتها “أمام العرش” (1983 أيضا) لتكتمل فكرة مناقشة علاقة الدين بحياة الإنسان، أيا يكن الدين، وفكر ما بعد الموت: هل توجد حياة بعد الموت؟ والتصور الديني لما بعد الحياة، عالم اليوتوبيا، ممثلا في “دار الجبل” كوطن أول للإنسان، كما ورد في الأديان السماوية، فضلا عن اليوتوبيا في الأمم.
    التحولات السردية


    الكتاب يبحث في محاولة كسر النوع الأدبي بشدة، وتفاعل الأنواع الأدبية داخل البنية السردية تحت غواية التجريب

    تتوقف الناقدة عند روايتين لوليد علاء الدين: “كيميا”، و”الغميضة” وترى أن الروايتين تنتهكان ستر النوع الأدبي بشدة، وتدفعانك إلى السؤال عن النوع الذي تنتمي إليه “كيميا”، وتتساءل: هل هذه رواية؟ أم بحث استقصائي، أو أدب رحلات، أو يوميات، أو مذكرات، أو سيرة ذاتية، أو أنها بحث دؤوب في كتب التراث، وكتب التاريخ والتراث الصوفي؟

    ثم ترجع ذلك إلى محاولة كسر النوع الأدبي بشدة، وتفاعل الأنواع الأدبية داخل البنية السردية، فغواية التجريب السردي واحدة من السمات التي لعب عليها الكاتب.

    وترى أن “كيميا” ليست زيارة لقبر جلال الدين الرومي، بل هي بحث عن فتاة أغفلتها كتابات الرومي، وصاحبه التبريزي. إنها رواية حياة، وليست رواية موت، رواية بعث للهمم، وغرس للأسئلة، لا مشاهدة لحفلات الدروشة. بينما ترى في رواية “الغميضة” أن أصابع الاتهام تتجه إلى كل سلطة تزيّف وعي الإنسان، وتعمل بطريقة ممنهجة على تشويش الوعي الجمعي وتغييبه.

    وفي رواية “المغامر” ينجح الناقد أحمد صبرة في اقتناص لحظة قصصية في عصر محمد علي، تتمتع بالدرامية والتحولات ذات النتائج الممتدة. إنها مرحلة ثرية جدا لعالم مليء بالدراما والمغامرات والمؤامرات والخيانة والطموح والقتل والحروب والنضال والثورة والأمل واليأس، تذكرنا بما نحن فيه الآن من خطر أبان عن نفسه في إشارات وتصريحات علنية، ومخططات تنفذ على أرض الواقع، وتشهدها مصر ووطننا العربي.

    وعلى الرغم من أن رواية “المغامر” اهتمت بأمانة التتابع السردي التاريخي، فإنها أحدثت داخل هذا التتابع تغيرا في البنية السردية، وصار لدينا خطان متوازيان، حيث تحولت الرواية إلى حكايات متداخلة مرة، ومتجاورة مرة أخرى، مما جعلها ذات صبغة مكتنزة بالتأويلات والدلالات، ومن ثم صار المتلقي متورطا مع كل من الكاتب والناقد في حل الاشتباكات بين التاريخي والمتخيل.



    ولكون المؤلف ناقدا أكاديميا، وتلك هي روايته الأولى، فقد كان هذا يمثل تحديا للناقدة زينب العسال، ورأت أن الكتابة عن عمل الناقد السردي الأول مغامرة ممتعة بالفعل. خاصة أنه كان سخيا في التعامل مع شخصياته، فلم يكتف بتحليل الدواخل والبواعث النفسية والاجتماعية المحيطة، والاقتصادية والأخلاقية للشخصيات الرئيسة، بل نجد اهتماما بالشخصيات المساعدة، والشخصيات الثانوية؛ رجال الأزهر الشريف، الشيخ البكري، زينب البكرية، هوى، خليل، طوسون، نابليون، بائعة الباذنجان المقلي، جنود المماليك، جنود الحملة، وغيرهم.

    وتخلص الناقدة إلى أن أحمد صبرة يحلل شخصياته، ويشرك المتلقي في الاستبطان والاستنتاجات، ويفضح المؤامرات التي حيكت ضد مصر في مرحلة مفصلية من تاريخها عبر عمل سردي فني، يعتمد على حكي جاذب لذائقة المتلقي والناقد معا.

    أما “أيام جبريل القاهرية”، فتبدؤها الناقدة بعبارة “الإسكندرية لم تضع مني” لنتساءل منذ البداية ما علاقة الإسكندرية بأيام جبريل القاهرية؟ لنكتشف أن رواية محمد جبريل هي جزء من سيرته الذاتية على نحو ما، وأن الحديث عن أماكن وشخصيات وقضايا هي سدى هذا الكتاب. ومن 54 شارع إسماعيل صبري في الإسكندرية إلى 18 شارع سليمان عزمي بالقاهرة.

    وتطرح الناقدة وجهة نظر جبريل في قوله: إن نجيب محفوظ أفاد مما قدمه محمد حافظ رجب، فلولاه ما كتب روايته “ثرثرة فوق النيل” وتكشف أن ثمة رسائل كثيرة متبادلة بين جبريل ورجب تروي حكايات وأسرارا، وتشف عن صداقة متينة وصراحة نادرة بين الاثنين.

    ومن الموضوعات الأخرى الشائقة التي عرضها جبريل في هذا الكتاب أن توفيق الحكيم كان يستنسخ من كتبه كتبا أخرى. بمعنى أنه كان ينتقي فصولا من كتبه، ويضمها إلى فصول من كتب أخرى. وتخلص الناقدة إلى أن كتاب جبريل بفصوله وحكاياته وأسراره التي تذاع لأول مرة، إضافة لمبدع يعرف متى يبوح بأسراره.

    وإذا كان نجيب محفوظ من أوائل من لاحظوا أهمية الصوفية وأثرها في الخطاب الروائي، فإن حاتم رضوان استوحى روايته “زاوية الشيخ” من هذه الفئة ممن أطلقوا على أنفسهم متصوفة، فكانوا قوام المادة السردية عند الكاتب. وتحلل الناقدة دلالة اللون الأخضر عند الصوفية، موضحة أن كلمة “شيخ” وردتْ في القرآن الكريم في أربعة مواضع.

    ومن “زاوية الشيخ” إلى المجموعة القصصية “الدرويشة” لصفاء النجار التي تعالج برهافة شديدة قضايا سياسية آنية، وكأنها خلفية الأحداث، ذلك أن القصة عند النجار وليدة رؤية مكثفة ومقطرة للعالم الذي نعيش فيه. ولا يمكن إغفال النزعة الصوفية في هذا المجال، حيث شفت الإشارات الصوفية، وما توحي به عناوين قصص الكاتبة بالارتقاء إلى مدارج من العلو.

    الكاتبات والكتاب العرب طوروا أساليبهم بطرق مختلفة لمقاربة التقلبات والهزات التي شهدتها مجتمعاتهم من زوايا متنوعة

    ثم تتوقف الناقدة عند سلوى بكر ورحلة البحث عن الهوية المصرية من خلال روايتها “كوكو سودان كباشي” التي تمثل إحدى الحفريات السردية التي تذكرنا ببعض الإشارات عن مشكلات يعانيها الوطن العربي في أكثر من بقعة في واقعنا المعاصر، هي بؤرة نازفة لدم سائل منذ عهود ولم يجف بعد.

    وتدرس الناقدة زينب العسال المكان في رواية علاء فرغلي “خير الله الجبل” حيث المكان متحقق كامل المعالم والحدود والملامح، لكنه يتخلق على مهل وروية تثبت عليه كاميرا تلتقط تتابع اللقطات، ويتقاطر عليه البشر والحكايات والأحداث. وهنا المكان يشكل الشخصية، فقد ارتبطت المنطقة باسم الخواجة “خيرالله” اليهودي.

    وترى الناقدة أن تلك الرواية هي ابنة شرعية للمدينة التي تشهد لعنة التعصب، وتزحف على جسد العزبة في تمهل من الخارج عبر مؤسسات دولية تغدق مساعداتها لأهل المنطقة، داعية إلى المحافظة على حقوق الناس، وتحسين بيئتهم. وقد لاحظت العسال أن الرواية تخلو من الصدام بين مسيحيي ومسلمي تلك المنطقة، لكن الخطر يظل قائما.

    في رواية “لعنة ميت رهينة” لسهير المصادفة تتآخى قرية ميت رهينة مع تلك القرى الأسطورية، حيث استيقظت من سباتها الطويل، لتكون شاهدا على العصر. لقد خلقت الكاتبة أسطورتها الخاصة، وأجادت تقديم روافد تخصب تربة الإبداع شأن كل مبدع صادق.

    وترى الناقدة أن الرواية مكتنزة بالتأملات المعرفية والفلسفية والتحليلات الأيديولوجية السياسية والاجتماعية الكاشفة عن تأثير الماضي التاريخي في الحاضر الآني. وأن ميت رهينة لا تشبه إلا نفسها، فقد خلقتها الكاتبة خلقا آخر، صارت قرية أسطورية مثل قرية ماكوندو لغارسيا ماركيز، ربطت فيها الكاتبة بين التاريخي والمعاصر.



    لقد استطاعت الرواية المعاصرة أن تدخل إلى عالم التحليل النفسي وتغوص في اللاشعور، وتتوقف الناقدة عند رواية “على فراش فرويد” لنهلة كرم، حيث تستحضر الساردة عالم النفس النمساوي الشهير سيغموند فرويد (1856 – 1939) وتروي له الأحلام والمواقف، لكنها أبدا لا ترضى بتحليلاته، ودائما ما ترفض وجهة نظره.

    إن الساردة تلعب على مشاعر الأنوثة المكبوتة والذكورة المغلوطة وتجيد إدارتها باقتدار. وتؤكد الناقدة أن الإيروتيكي هنا ليس هدفا بقدر ما هو عرض لإشكالية أكبر وأعمق.

    وتتساءل العسال في حديثها النقدي عن رواية “اللون العشاق” لأحمد فضل شبلول: هل هي رواية أو سيرة غيرية للفنان المصور محمود سعيد (1897 – 1964)، أو سيرة ذاتية، حيث إن غالبية السرد تأتي على لسان الفنان نفسه، أو أننا أمام سيرة لوحته الشهيرة “بنات بحري”؟

    وتشير الناقدة إلى أن في الرواية استبطانا لحركة الفن على مر التاريخ وعلاقته بالفنون والفلسفة، والأبواب الخلفية للحياة السياسية والفنية والإبداعية، فالرواية تمثل وثيقة تؤرخ للفترة التي رسم فيه الفنان لوحته. وترى أن كل شيء – تقريبا – موظف لهذه اللوحة “بنات بحري” وصاحبها الفنان، فمن لا يعرف محمود سعيد وعالمه الفني، سوف يعرفه جيدا بعد قراءة هذا العمل السردي، إذ أننا أمام أبواب معرفية مشرعة على الفنون كافة في أزمنة متعددة، والموضوع يحث المتلقي على أن يستزيد من المعلومات.

    أما رواية “شجرة اللبخ” لعزة رشاد فهي تأكيد بأن الرواية ابنة القرية، والحكي يليق بهؤلاء الذين يكدون طول النهار ويكدحون في غيطانهم، ويجلسون على المصاطب أمام البيوت أو الغرز، أو على شط الترعة يحكون الحكايات.

    أما رواية “ذاكرة التيه” لعزة رشاد فتتمحور حول شخصية واحدة هي الساردة، التي تعيش رافضة ومتمردة منذ كانت طفلة صغيرة، إنها تبحث عن مكان تنطلق فيه أحلامها. وتتساءل الناقدة: هل هذه حال فتاة، أم وطن؟

    وتخلص الناقدة إلى أن إبداع عزة رشاد السردي يرقى في تناول شخصياته وأحداثه إلى مستوى إنساني، تغادر معه الرواية أو المجموعة القصصية دون أن تغادر وجدان القارئ.
    الخطاب الروائي




    ثم تتوقف الناقدة عند البعد الأخلاقي في “غواية روح” لعبير العطار مؤكدة أن هذه الرواية تنجو من وصفها بالبوليسية، لأننا أمام مفاجآت، الهدف منها ليس التشويق بقدر استبطان الشخصيات، وبخاصة شخصية “صلاح” والأم “شهيرة” حيث يدور الصراع بينهما دون هوادة، يشي في لحظات أنه خبا، لكن السرد يقول عكس ذلك. وتؤكد العسال أنه من غير المتصور أن يحل المبدع إشكاليات الواقع، وهي تأخذ على تلك الرواية نهايتها المسرفة في الرومانسية.

    وتدرس الناقدة الخطاب النسائي في ثلاثية الكاتب الليبي أحمد إبراهيم الفقيه (1942 – 2019)، متحدثة عن الراوي وعلاقته بالمرأة، والمرأة الشرقية، والمرأة الأسطورة، والمرأة – السلطة في مدينة عقد المرجان، موضحة أن ثلاثية الفقيه تحتفي بوصف الجسد، وهو ركيزة من أهم ركائزها الجمالية تعبيرا عن تشكيلاتها الدلالية. ولم يكن جسد المرأة في الثلاثية للمتعة واللذة فقط، بل كان نوعا من الاشتباك الثقافي والحضاري. وقد لعبت المرأة دورا مهما لتأكيد أزمة البطل النفسية والوجودية، كما أنها أكدت على الهوية الثقافية للبطل، وبخاصة في علاقاته بنساء الغرب.

    وتأخذ العسال على تلك الثلاثية أن النظرة للمرأة ذكورية، فقد كان الراوي يتخذ المبادأة، وهو الذي ينهيها وقت ما يشاء، ولم يتح الراوي للمرأة أن تعبر عن ذاتها، فلم نسمع صوتها، أو حتى هسيس خلجاتها.

    ثم تتوقف الناقدة عند رواية “حصن الزيدي” للكاتب اليمني محمد الغربي عمران، وتتساءل: ما نوع الصراع في تلك الرواية؟ وتقول: هذه الرواية تلمز – عبر مواقف سردية – على ما حدث عقب اندلاع ثورة سبتمبر 1962 وسيطرة الضابط جمال الذي يأتي على دبابته ليقتحم الحصن، ويصبح حصن الزيدي حصن الثورة، لكن مصيره يظل غائما. الدلالة واضحة لكل من عاش تلك الفترة، فلم يكن اختيار اسم جمال إلا إشارة لأحداث عاشتها اليمن، بل وشهدتها المنطقة العربية، وكان لها ما لها من إرهاصات سياسية وعسكرية.

    وتؤكد الناقدة أن التاريخ اليمني زاخر بالوقائع والأحداث والصراعات التي تجذر لما يعانيه الإنسان اليمني في واقع مليء برهانات يدركها الفنان، ويحذر من استمرارها.

    في آخر رواية تتناولها الناقدة زينب العسال في كتابها النقدي “الكتابة بمشرط حاد” تتوقف عند رواية “العراء” للكاتبة التونسية حفيظة قارة بيبان المطبوعة في مصر، ومن عنوان دراستها عن هذه الرواية أخذتْ عنوان كتابها، فهي تعنون الفصل الخاص بتلك الرواية بـ”العراء .. الكتابة بمشرط حاد لاستئصال أوجاع أمة”، حيث تبدأ الكاتبة روايتها بمشهد النهاية، وهو مشهد تنبثق منه البداية. وتجمع هذه الرواية بين الواقعي/السياسي، والثقافي، والروحي الصوفي، والوثائقي/التاريخي، موضحة أن الكاتبة استخدمت تقنية الكولاج في التأكيد على الحدث الوثائقي، وإعطائه الروح الفاعلة داخل نصها.

    وهكذا أبحرت بنا الناقدة زينب العسال إلى عوالم روائية مختلفة في مصر وبعض البلاد العربية (ليبيا واليمن وتونس)، مؤكدة ما جاء في مقدمتها أن ما قدمته ما هو إلا مشهد مصغر، قوامه أعمال إبداعية صدرت عن اختلاف الجنس والجيل والزمان والمكان، لكنها في المحصلة النهائية محاولة رسم تكوين في بانورامية المشهد الثقافي العربي.

    يذكر أنه قد سبق للعسال أن أصدرت كتبا نقدية عدة منها: أجيال من الإبداع (1977)، وسعيد السحار (1999)، وتقاسيم نقدية (2001)، وتفاعل الأنواع الأدبية في أدب لطيفة الزيات (2003)، والنقد النسائي في الأدب القصصي في مصر (2008)، ومبدعون حتى النهاية (2009)، وعن المرأة وللمرأة (2011)، وغزل البنات – كتابات في السرد النسوي (2019). فضلا عن كتاباتها الإبداعية والأدبية للأطفال.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    أحمد فضل شبلول
    كاتب مصري
يعمل...
X