"كعكتي المفضلة".. امرأة وحيدة تخوض ثورتها في خريف العمر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "كعكتي المفضلة".. امرأة وحيدة تخوض ثورتها في خريف العمر

    "كعكتي المفضلة".. امرأة وحيدة تخوض ثورتها في خريف العمر


    أول فيلم إيراني يتم إنتاجه في الداخل يتجاوز محظورات الجمهورية الإسلامية.
    الأحد 2025/02/16
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    فيلم عن المشاعر والحميمية والمجتمع

    من ميزة السينما الإيرانية الجديدة قدرتها الكبيرة على التقاطع مع الواقع السياسي الصعب في إيران من خلال أفلام غير سياسية، تقاطع ناقد وجريء وقوي من باب الأفلام الاجتماعية التي يكون تأثيرها أبعد بكثير من الشعارات والصدام، إنها تبني بشكل ساحر وبهدوء لافت وعيا مغايرا، ومن هذه الأفلام فيلم “كعكتي المفضلة”.

    من الأفلام الإيرانية التي نجحت في كسر المحرمات داخل إيران وخارجها فيلم “كعكتي المفضلة” الذي عرض لأول مرة في مهرجان برلين السينمائي في 2024، الفيلم من إخراج الثنائي مريم مقدم وبهتاش صناعيها، اللذين لم يحضرا المهرجان بعد أن تعرضا لحظر السفر من قِبل النظام الإيراني.

    يحكي الفيلم حياة أرملة تدعى ماهين (أداء مبهر للممثلة ليلى فرهادبور) في العقد السابع من عمرها، أمضت سنوات في صمت وعزلة عاطفية. بعد سنوات من الشعور بالوحدة وفقدان زوجها منذ ثلاثين عاما خلال الحرب الإيرانية – العراقية، أطفالها كبروا وهاجروا، بدأت تتساءل عن وحدتها التي أصبحت غير محتملة مع تقدم العمر وآن الأوان لتجاوزها. نراقبها لحظة ذهابها إلى السوق لشراء الفواكه والخضروات، وهي تشاهد المسلسلات التلفزيونية في وقت متأخر من الليل، وتنام حتى الظهر. روتين حياتها كما يتبين من قسمات وجهها الحزين مثال واضح على الوحدة. ماهين هي الانعكاس الحقيقي لجميع الأشخاص الوحيدين الذين يتقدمون في السن وتتعمق وحدتهم.
    الحلم والخيبة


    في المرة الأولى التي نلتقي بها فيها كانت ماهين مستلقية على السرير. تنام وتضع غطاء على عينيها منعا لضوء النهار. يرن الهاتف، ترد “أخبرتك ألا تتصل بي في الصباح،” اعتادت ماهين على التأخر في النهوض في الصباح. إضافة إلى الجلوس أمام التلفزيون لمشاهدة الأفلام التلفزيونية الرومانسية القديمة، لكن “سعادتها الوحيدة” العناية بحديقتها.

    يبدأ الفيلم بمتابعة هذه السيدة المسنة المنعزلة للغاية في منزلها الجميل. اللقطات القريبة لشفاه وعيني ليلي فرهادبور المنكمشة أمام المرآة تكشف قسوة وحدتها. تستقبل صديقاتها في بيتها وتتبادل الأحاديث مع هؤلاء السيدات المسنات والاستمتاع بلقائهن وثرثرتهن، يتبادلن القصص المضحكة حول تغيير أجسادهن وعمليات التجميل أو قصص عن الأمراض المزمنة، ويمزحن على صور تنظير القولون، ويستعدن ذكرياتهن عن ماضيهن، تسألها إحدى الصديقات “لماذا لا تحاولين التعرف على رجل جديد؟ زوجك توفى ودفن منذ ثلاثين عاما وابنتك تعيش في الخارج، يجب عليك أن تحاولي العثور على شريك حياة جديد.”


    الفيلم يركز على موضوعات كالحب في الشيخوخة والوحدة والتحديات التي تفرضها القيود الاجتماعية والثقافية في إيران


    تقف ماهين أمام المرآة وتضع أحمر الشفاه وظلال العيون. وتطلي أظافرها باللون الأحمر وتتذكر حاجة الروح للحديث مع رجل والجسد للمس. منذ أن فقدت زوجها منذ سنوات عديدة، فهي لم تعد تعرف طعم الحب منذ فترة طويلة. تخرج من جدار عزلة المنزل وتغلق الباب خلفها. تبدأ هنا اللحظات الذهبية والسينمائية للفيلم. من حيث تبدأ ماهين ثورتها، ثورة ضد نفسها والمجتمع الذي تعيش فيه. لقد توصلت إلى قناعة مفادها أنه لم يعد لديها الكثير من الوقت للاستمتاع بالحياة بعد الآن، وأن العيش بمفردها ليس خيارها. ولذلك فهي مصممة على إيجاد رفيق لنفسها. لقد حجزت نفسها في منزلها لسنوات عديدة والآن تريد أن تتذوق طعم الحرية.

    جلسة نسائية مع الصديقات القدامى اللواتي جميعهن وحيدات مثل ماهين ويعانين من نفس الآلام، تغير مسار حياة الأرملة المتقاعدة. تقرر ماهين تغيير أسلوب حياتها بعد الكلمات التحفيزية من الصديقات، وتحاول تغيير إيقاع حياتها والخروج من إطارها الروتيني. مع شرارة أمل أضاءت قلبها ودفعتها إلى التحرر من روتينها المتكرر. كانت كلمات التحفيز التي سمعها في الحفلة قد زرعت في ذهنها مثل بذرة صغيرة وترسخت الآن. خطوتها الأولى هي دعوة صديقتها القديمة لنزهة والخروج معها إلى المطعم، ولكن صديقتها تعتذر وتبدأ مغامرتها وحدها. يبدو الأمر كما لو أنها لم تغادر المنزل طوال هذه السنوات الوحيدة، وكانت وجهتها الأولى فندقا قديما يذكرها بأيام شبابها الحلوة. تمشي في شوارع طهران، وتدور على الحدائق، يبدو كما لو أن عينيها قد فتحتا للتو على جمال المناطق المحيطة بمنزلها.

    تصادف خلال جولتها فتاة صغيرة تتجادل مع ضابط شرطة الأخلاق الذي يحاول جرها إلى سيارة الشرطة بسبب خصلة شعر خارجة من الحجاب. تتدخل ماهِين بينهما وتدعم الفتاة دون أيّ تردد. السياسة ليست بعيدة أبدا حتى في الكوميديا، ومهما كان الفيلم من هذا البلد الرازح تحت القيود الدائمة من آيات الله وحيث كل ملذات الحياة مقيدة أو حتى محرمة. هذه الحادثة تخلق لحظة جميلة وإنسانية في الفيلم.

    تقوم ماهين بجولة في شوارع المدينة بسيارة أجرة. في الفندق/المطعم، يوضح مشهد كوميدي عدم دراية كبار السن بالتكنولوجيا وطريقة استخدامها. تطلب ماهين قائمة المشروبات لاختيار ما ترغب في شربه. يجيب النادل أنه يتعين عليها مسح رمز (الكود) المطبوع على الطاولة من خلال تطبيق على هاتفها. تصاب بالحيرة وتحرج وتغير طلبها أخيرا إلى قهوة.

    بعد البحث عن نصفها الآخر تلتقي ماهين برجل سبعيني يدعى فرامرز (قام بأداء دوره بشكل رائع الممثل إسماعيل محرابي) وهو مجند سابق خاض الحرب العراقية – الإيرانية، ويعمل حاليا سائق سيارة أجرة، تطلب منه أن يوصلها إلى بيتها ويعتذر بحجة أن دوره لم يأتِ بعد، وطلب منها الصعود مع تاكسي آخر له الأفضلية، وتجيبه بأنها طلبته بالاسم، وعندما يسألها لماذا تقول له إنها راقبته صباح اليوم في المطعم. يبتسم ويقول لها تفضلي سأوصلك إلى بيتك، وعلى طول الطريق نستمتع بطرافة وحلاوة الحديث بينهما، ثم تدعوه إلى منزلها لسرقة لحظات جميلة في آخر أيام عمرهما، لم يعد لديهما وقت لضياعه “الحياة قصيرة جدا”.

    في بداية دخول فرامرز إلى بيت ماهين هناك إشارات إلى قلقه بشأن موته، وأيضا إيمانه بعدم ثبات الحياة، وبهذه التفاصيل تكون مثل هذه النهاية منطقية ومناسبة لهذه الشخصية. فرامرز لم يستطع بسهولة أن يتخيل أن امرأة لطيفة تعمل كيكة لذيذة من أجله وتشاركه الرقص، تقدم له شرابا معتقا. فجأة انقلبت هذه الليلة الرومانسية التي كانت تحلم بها ماهين إلى ليلة حزينة وصدمة لها، انهمرت فيها دموع ماهين نادبة حظها وحلمها الذي لم يكتمل، مات حلمها الذي ظلت تبحث عنه في ساعة متأخرة من الليل بسبب قرص منشط تناوله فرامرز سرا. ويبدو أن مخرجا الفيلم اختارا هذه الخيبة في النهاية حتى نتمكن من رؤية الحركة الرمزية لماهين، التي تحتفظ بحبها لنفسها إلى الأبد، وتحقق رغبة عابرة، أو تحمي خصوصيتها.
    الجيل المتروك



    ثورة امرأة الحياة الحرة


    السينما الإيرانية الجديدة تمكنت من إعطاء الحياة للإنسانية النابضة والحقيقية، لرغباتها الحميمة وحياتها اليومية، التي غالبا ما يحجبها النظام. السينما الإيرانية الجديدة تقدم بلدا، حيث لا يمتلك الناس مساحات خاصة: النظام يلمّح إلى نفسه في كل مكان، حتى في الأماكن التي يجب أن تكون حميمة وشخصية. بالإضافة إلى مشكلة الحقوق المدنية والرقابة وانتهاك حقوق الإنسان باستمرار، فإن إيران بلد يتقدم في السن بسرعة، بسبب الهجرة الكبيرة للشباب، مما يؤدي بها إلى أدنى معدلات المواليد في الشرق الأوسط بأكمله.

    يؤدي التضخم المرتفع إلى إفقار السكان وتآكل الخدمات العامة غير القادرة على معالجة هذه المشكلة. لذا فإن قصة ماهين معقولة وحقيقية: في جميع أنحاء الفيلم نرى طهران فارغة يسكنها كبار السن في الخلفية، تكون حياة ماهين (ليلي فرهادبور)، وهي أرملة منذ 30 عاما، من زيارات متفرقة من الأصدقاء، ومسلسلات تلفزيونية مع قصص حب مثيرة للدموع، ومكالمات هاتفية مع ابنتها المشتتة والخانقة، التي تعيش في السويد، وتمشي في عزلة. تضاف إلى الشعور بالوحدة حيرة عدم الاعتراف ببلد المرء، الذي تغير، وصعوبة العثور على مكان في المجتمع والدافع للمضي قدما. لهذا السبب، بضغط من صديقاتها، ستعرض ماهين نهجا جريئا، خاصة بالنسبة إلى العالم العربي وعمرها، حيث ستدعو سائق سيارة الأجرة فرامرز (إسماعيل محرابي) إلى منزلها. إنه لقاء مليء بالفرح والغناء والرقص والرغبة والنبيذ المحرم.

    ينجح الفيلم في عرض صورة واقعية عن هموم كبار السن الذين يعتبرون جزءا من فئة من المجتمع تبدو قلوبهم رهيفة وأرواحهم هشة. والآن يرون أنفسهم للمرة الأولى ويا لها من وليمة يصنعونها بهذا اللقاء. ينجح فيلم “كعكتي المفضلة” في تسليط الضوء على وضع الرجال والنساء المسنين والوحيدين في المجتمع الإيراني أو في أيّ مجتمع آخر، كما أن رؤية هذه الشخصيات أمر مثير ومهم بشكل خاص للجمهور الإيراني. ارتباطها بالأغاني الإيرانية القديمة التي تعتبر اختيارات جيدة، والأجواء الإيرانية، والتقاط الأشياء الدقيقة مثل قميص ماهين المتغير واقتراح صنع مصابيح قديمة وجميلة في ساحة المنزل، تجعل من “كعكتي المفضلة” جميلا ومؤثرا للغاية في العمل، وخاصة في هذه اللحظات.

    الميزة العظيمة لهذا الفيلم هي أنه لا يقاوم أبدا وجها لوجه، وأنه يعالج هذا الموضوع دون جعله موضوعا سياسيا

    في الجزء الأول من الفيلم، يتم إدراج المرأة دائما في سياق: المنزل والفندق والحديقة. نراقبها من مسافة بعيدة، كما لو كنا ندرسها. حتى عندما تكون مع صديقاتها، تحافظ الكاميرا على مسافة آمنة. فقط عندما تلتقي بفرامرز، ومع زيادة العلاقة الحميمة، سنقرب منها.

    “كعكتي المفضلة”، بالإضافة إلى كونه فيلما عن المشاعر والحميمية التي تنشأ بين الناس، هو أيضا فيلم عن البيئات: المنزل الكبير لماهين أولا وقبل كل شيء ومساحات طهران، فارغة جدا، مثل فندق ليبرتا، الذي كان يسمى في السابق حياة، حيث يذهب الناس لمشاهدة الحفلات الموسيقية. ولكن ليس هناك فقط العلاقة مع فرامرز، المهم هو الاجتماع مع فتاة في الحديقة (ميليكا بازوكي)، التي كانت على وشك القبض عليها من قبل شرطة الأخلاق، مما يدل على اتحاد الأجيال في الندم على إيران القديمة. ويحمل معه نوعا من الحزن لهذه الأجيال التي قد لا ترى نهاية النظام أبدا، فضلا عن غطرسة السلطات تجاه المرأتين.

    يرفض الفيلم تكرار أنماط قصص الحب السائدة، ومن خلال التركيز على العلاقة بين رجل مسن وامرأة مسنة، المشاهد المثيرة في الفيلم، مثل الاستحمام والرقص والشرب وما إلى ذلك، كلها مصحوبة بمزيج من العناصر التراجيدية والكوميديا في نفس الوقت. تم تصوير الفيلم في العاصمة الإيرانية طهران. وفّرت هذه المدينة ذات الخلفية الثقافية المتنوعة مكانا لرواية القصص الإنسانية والاجتماعية وقد ساعد التصوير في أماكن مختلفة من المدينة، بما في ذلك الحدائق والمقاهي والمنازل التقليدية، على عكس أجواء الحياة اليومية في طهران. وقد أدى اختيار هذه الأماكن إلى خلق جو قريب من الواقع للقصة والشخصيات.

    هذا الفيلم يسلط الضوء على جيل من الإيرانيين الذين تعرضوا للإهمال بشكل خاص خلال هذه الثورة. تشمر ماهين عن ساعديها وتتولى مسؤولية مصيرها. ماهين ليست بطلة فحسب، بل هي أيضا ثائرة إيرانية في عصرنا. لديها خصائص تتكاثر لدى النساء والفتيات من جميع الأعمار هذه الأيام.

    أود أن أشير إلى الأداء الرائع الذي قدمته ليلى فرهادبور، التي تحملت عبء الفيلم من البداية إلى النهاية. إنها تعرف ماهين جيدا وتعرف ما يجري تحت جلدها وتنقل أفراح ماهين ومخاوفها وحبها وحزنها إلى المشاهد، الممثلة كاتبة وصحافية وناشطة إيرانية في مجال حقوق المرأة، ولدت عام 1961 وبدأت حياتها الفنية في عام 2009. أكملت ليلى فرهادبور دراستها في علوم الاتصال والصحافة. وكذلك أشيد بأداء الممثل إسماعيل محرابي في دور فرامرز وهو ممثل مسرحي وسينمائي إيراني.
    لماذا أثار الجدل



    يتناول هذا الفيلم قضايا اجتماعية وثقافية مختلفة، مما أثار الكثير من النقاشات بين الجمهور والنقاد، التي خلقت المزيد من الاهتمام بهذا العمل الفني، وسلطت الضوء عليه كفيلم ذي وجهات نظر اجتماعية. ويعد فيلم “كعكتي المفضلة” أول فيلم إيراني يتم إنتاجه داخل إيران خلال الخمسة وأربعين عاما الماضية، تجاوز الخطوط والمحظورات للجمهورية الإسلامية. مثلا، الممثلات يظهرن غير محجبات، وشرب النبيذ من قبل العجوزين ماهين وفرامرز في هذا الفيلم، وحديث النساء عن احتياجاتهن في الحفلات، أو رقص البطلة (ماهين) على أغنية قديمة محرمة.

    يتناول الفيلم العديد من القضايا الحساسة بالنسبة إلى الحكومة الإسلامية في إيران، يصور عجوزين يتذكران الحياة قبل القيود الاجتماعية التي فرضت بعد الثورة الإيرانية عام 1979. يتحدى “كعكتي المفضلة” الدقيق والمؤثر قواعد الرقابة الصارمة في إيران بتصويره الحميمي للحياة اليومية، وهو أمر كان المخرجان يعرفان أنه محفوف بالمخاطر. وأوضح صناعيها “منذ البداية، كنا نعلم أنه ستكون للأمر عواقب علينا،” مضيفا “لا يقتصر الأمر عليّ وعلى مريم فقط.. الممثلون الآن في المحاكمة، مثلنا، بتهم أقل، لكنهم في القضية نفسها.” إن صنع فيلم في إيران، خلف الأبواب المغلقة تقريبا غاية في الصعوبة، لأنه يتعين عليك إظهار براعة معينة، هو أيضا مقاومة.

    فيلم “كعكتي المفضلة” يقف على أكتاف ثورة “امرأة الحياة الحرة”. أعتقد أن الانتفاضة الأخيرة في شوارع إيران فتحت الطريق أمام مثل هذا التحول وزادت من سرعة تقديمه. الفيلم ليس حركة، لكنه نتاج حركة أكبر واستمرار للنضال الذي بدأ في إيران، حيث يتم اتخاذ موقف ضد شرطة الأخلاق في الحديقة بينما يتم أخذ الفتيات الصغيرات لعدم ارتدائهن الحجاب بشكل كامل أو لظهور خصلة من تحته يعد جريمة.


    الفيلم ينجح في عرض صورة واقعية عن هموم كبار السن الذين يعتبرون جزءا من فئة هشة من المجتمع


    الميزة العظيمة لهذا الفيلم هي أنه لا يقاوم أبدا وجها لوجه، وأنه يعالج هذا الموضوع دون جعله موضوعا سياسيا، وأنه يسمح لشخصياته بالتصرف في مواقف غالبا ما تكون مضحكة ومليئة بالحنان. لا يتناول هذا الفيلم العلاقات الإنسانية فحسب، بل يشير أيضا إلى التحديات الاجتماعية والثقافية في إيران.

    يمكن تقسيم الفيلم إلى ثلاثة أجزاء: الشعور بالوحدة والألفة والتفاعل بين الشخصيتين الرئيسيتين، والجزء الصادم من النهاية، من خلال التركيز على شخصيتين كبيرتين في السن، مليئتين بالحنان، يقدم الزوجان من صانعي الأفلام نظرة على تطور المجتمع والحنين إلى ماضي جميل، وموانع الوقت الحاضر.

    يركز الفيلم على موضوعات مثل الحب في الشيخوخة والوحدة والتحديات التي تفرضها القيود الاجتماعية والثقافية في إيران، ويروي قصة ممتعة بطريقة عاطفية وإنسانية. تم تصوير الفيلم في الأيام الأولى للاحتجاجات من أجل حرية حياة المرأة، التي اندلعت بعد وفاة مهسا أمينى أثناء احتجازها لدى الشرطة في سبتمبر 2022.

    المخرجة مقدم وهي ممثلة أيضا صرحت لوكالة فرانس برس “أردنا أن نروي قصة واقع حياتنا، والذي يتعلق بتلك الأشياء المحرمة مثل الغناء والرقص وعدم ارتداء الحجاب في المنزل، وهو ما لا يفعله أحد في المنزل.” بدوره قال زوجها وشريكها في الفيلم المخرج بهتاش صناعيها “في الأفلام الإيرانية، لـ45 عاما، كنت ترى امرأة إيرانية تستيقظ في السرير وهي ترتدي الحجاب، إنه أمر سخيف لأنه لا يحدث في الواقع في المنازل الإيرانية.”

    وما زاد الطين بلة، الممثلة ليلي فرهادبور (وهي أيضا صحافية ومؤلفة في إيران) تظهر في الفيلم من دون حجاب، وشرحت الممثلة في مؤتمر صحفي أن النساء الإيرانيات في حياتهن اليومية (لا يضعن الحجاب أثناء النوم) أو داخل بيوتهن إلا في الأفلام. وأضافت “أردنا أن يكون هذا الفيلم واقعيا.”

    تواجه ماهين تحديات نابعة من التقاليد والأحكام الاجتماعية، لكنها تحاول بجرأة التغلب على هذه العقبات واستعادة مشاعرها المنسية. يمضي الفيلم بوتيرة بطيئة ودون عجلة من أمره، ويعرض مشاهد من حياة ماهين، وهي امرأة قمعت عواطفها لسنوات وتبذل قصارى جهدها للهروب من الشعور بالوحدة واستعادة قلبها. يقدم مخرجا الفيلم الزوجان، أهمية العلاقات الإنسانية والتجاوب مع كبار السن من كلا الجنسين.

    ومن الجدير بالذكر، أن مخرجا الفيلم أرسلا رسالة إلى منظمي مهرجان برلين السينمائي الدولي بعد منعهما من السفر، وجاء في رسالتهما التي قرأتها الممثلة الرئيسية ليلي فرهادبور “نهدي، بكل حرية وفخر، العرض الأول لهذا الفيلم إلى النساء الحرات والشجاعات في بلدنا، اللواتي كن دائما في طليعة النضالات الاجتماعية والتغيير، ويحاولن كسر جدار المعتقدات الكاذبة المتحجرة التي عفا عليها الزمن، ويضحين بأنفسهن من أجل الحرية.”


    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    علي المسعود
    كاتب عراقي


يعمل...
X