"لا يمكن إيقافه".. حكاية المصارع أنتوني روبلز من الواقع إلى السينما
فيلم يجسد عزيمة بطل مصارعة تحدى إعاقته الجسدية.
الاثنين 2025/02/17
ShareWhatsAppTwitterFacebook

بطل تحدى قصوره الجسدي
تستوحي السينما العالمية من القصص الإنسانية وسير المتفوقين والعباقرة مواضيع لأفلام شهيرة، من بينها فيلم “لا يمكن إيقافه” الذي يحكي قصة المصارع أنتوني روبلز الذي لم تمنعه إعاقته الجسدية من تحقيق بطولات مهمة في المصارعة وتحوله إلى نموذج يحفز الشباب على مواجهة أصعب التحديات.
الرباط – يروي فيلم “لا يمكن إيقافه” للمخرج وليام غولدنبرغ قصة المصارع الأميركي المخضرم أنتوني روبلز، الذي وُلد بساق واحدة وتمكن من تحدي كافة الصعوبات ليفوز بالبطولة الأميركية للمصارعة عام 2011 خلال منافسات جامعة ولاية أريزونا.
الفيلم من سيناريو إريك تشامبنيلا وجون هندمان، وبطولة كل من جيرل جيروم، بوبي كانافال، جينيفر لوبيز، مايكل بينا، شون هاتوسي ودون شيدل.
ينطلق الفيلم من قصة حقيقية ويغوص في أعماق البطل، الذي تحول من مجرد خوض منافسة رياضية إلى اختبار للإرادة والهوية، عندما يواجه البطل خصومه والمجتمع وحدوده المفروضة، فيصبح التحدي معركة لإثبات الذات، فالتحدي يتجاوز النزال الرياضي إلى صراع مع نظرة الآخرين، ويتحول النقص الجسدي إلى مصدر قوة تضاهي القوة البدنية، حينما تجسد مشاهد الفيلم صورة أعمق عن العلاقة بين الإنسان والمجتمع وبين التحدي والانتصار وبين الرفض والقبول.

ويوازن السرد السينمائي بين أجواء الرياضة وقوة الدراما العائلية، متجنبا المبالغة العاطفية ومحافظا على إيقاعه بين الحدة الواقعية والإحساس المختلط، فجوهر الأحداث يكمن في النجاح الرياضي المتوقع، لكن تتشابك فيها خيوط من العلاقات الأسرية والتحديات الاجتماعية والمصاعب النفسية، فشخصية والدة أنتوني تظهر كقوة فاعلة تحمل معاركها الخاصة، تواجه العنف والتحيز والحياة القاسية من أجل أبنائها، ونضالها لا يقل شأنا عن نضال ابنها، وهي عنصر محوري في رحلته.
ويستحضر تكوين اللقطات لحظات درامية بلغة سينمائية حية يبدو فيها المستحيل واقعا، حينما تصنع البطولات في تفاصيل الحياة اليومية التي يعشها من لديه حلم تحول إلى هدف لا يمكن تفويته، فالنظرات المشككة والهزائم الصغيرة والضغوط المجتمعية تصنع عراقيل لا تقل عن المصارعة ذاتها، ومشاهد المنافسة تلك تبرز المهارات البدنية، وضغوطا نفسيا قاسية، حيث تتحول كل مواجهة إلى اختبار للإرادة والثقة بالنفس، فعندما يخوض أنتوني أول مباراة، نشاهده وكأنه يقف أمام عالم يتساءل عن أحقيته بالمحاولة، بينما هو شخصية عادية تبدو كقوة خارقة، وفي نفس الوقت كإنسان يمر بلحظات ضعف، وهنا تنكسر الصورة النمطية للأبطال الرياضيين الذين يتجاوزون كل شيء بسهولة. كل خطوة نحو الأمام بالنسبة لأنتوني تكتسب قيمة خاصة، مسجلة انتصارا في سجل الصمود قبل أن تسجل في سجل الرياضة.
تنجح مشاهد الجانب الرياضي بلقطات مصارعة محبوكة، إذ يعاد النظر في مفهوم القوة ذاته، فتتجسد الجسارة في الروح التي ترفض الانكسار، وفي العزيمة التي تتجاوز التوقعات، خاصة اللقطات التي يدعي فيها خصوم أنتوني أن امتلاكه ساقا واحدة يمنحه ميزة غير عادلة، كرؤية نقدية لمعايير التقييم المجتمعي، تاركا سؤالا للغير الذي لا يشبهنا كيف يمكن للإعاقة أن تعتبر تفوقا؟ وكيف يتحول المختلف إلى تهديد؟ فالأسئلة تتجاوز الرياضة، لتطرح تأملا في نظرة المجتمع لمن يخرج عن المألوف، فالنجاح يكمن في الفوز الذي يغير أو يحبط طريقة رؤية الآخرين للأمور.
تفشل جينيفر لوبيز في إقناع المشاهد بدورها كأم حقيقية، رغم الجهد الواضح الذي تبذله في الأداء، فحضورها أمام الكاميرا قوي بلا شك وتحديدا في مشاهد الرقص والغناء، لكن أداءها الدرامي يتسم بالسطحية، وكأنها تؤدي مشاعر الأمومة كدور محفوظ وليس كحالة إنسانية حقيقية، فالمشاهد التي تتطلب انفعالات عميقة أو تفاعلا عاطفيا مع الأطفال باردة وكأنها تحاول اجتياز اختبار تمثيلي أكثر من كونها تعيش اللحظة، أداؤها الجسدي والتعبير الحركي يتناسب مع موهبتها في الغناء والرقص لكنه لا يكفي لصنع شخصية درامية مقنعة، فحتى في المشاهد التي تتطلب انكسارا داخليا أو خوفا أموميا في خصامها مع زوجها ظهرت غير صادقة، ربما يرجع ذلك إلى طبيعة أدائها الذي يعتمد على المظهر الخارجي أكثر من التقمص النفسي للشخصيات.

وأبدع الممثل جيرل جيروم في دور أنتوني روبلز، كونه جسد أداء حقيقيا وقويا نفسيا وأسريا واجتماعيا، فتميز بحضور قوي جعل المشاهد يشعر بما يعيشه هذا الشاب الذي يعاني من إعاقته الجسدية، لكنه يتجاوز ذلك بفضل عزيمته وإصراره. وأثبت جيروم قدرته على التعبير عن مشاعره الدفينة بتفاصيل دقيقة، وجعلنا نعيش مع شخصية أنتوني بكل مصاعبها وآمالها، ونجح في بناء علاقة عاطفية قوية مع المشاهدين، كما تفاعل بانسجام تام مع دون شيدل الذي لعب دور المدرب شون تشارلز، إذ عرضا معا علاقة معقدة تجمع بين التوجيه والتحفيز بكلام وجيز، فشيدل بدوره أبرز شخصية المدرب الذي يشكك في قدرات أنتوني في البداية، ليكتشف لاحقا قوة عزيمته، فحمل كل منهما عبء التوقعات والشكوك، وساهمت الكيمياء بينهما في تقديم مشاهد مقبولة.
واعتمد المخرج على أسلوب إخراجي مريح ركز فيه على استخدام اللقطات المتوسطة والقريبة والمقربة جدا من ملامح وتفاصيل وجه أنتوني وحركات جسده بدقة، خاصة في لقطات الصراع والمبارزة، حيث كانت كل حركة وكل تعبير مهمين ليظهرا جهد البطل وعزيمته من خلال عينيه، وهذا الأسلوب جعل من السهل علينا أن نعيش مع البطل ونشعر بألمه وانتصاراته الصغيرة التي تبنى خلال المعركة التي يخوضها، بينما استخدم المخرج زوايا تصوير علوية وسفلية خلال مشاهد المنافسة ومشاهد اشتغال أنتوني في تنظيف الطائرات، فكانت الزوايا العلوية تظهر البطل في مواقف صعبة، وكأننا ننظر إليه من زاوية تنقل إحساسه بالعجز أو التحدي، لكن الزوايا السفلية منحته القوة والمناعة وهو في ذروة معركته.
وحافظ الفيلم على إيقاع منسجم طوال أحداثه، ونجح في جذب انتباه المشاهد دون أن يشعره بالملل، واعتمد على توازن جيد بين مشاهد الحركة والمشاهد الهادئة التي تبين مسار حياة أنتوني الرياضي والعائلي، فكانت هناك لحظات توتر ومفاجآت لا تترك المشاهد يضيع، فلم يسمح الإيقاع المتوسط للفترات الطويلة من الإثارة بأن تكون مملة أو مكررة، بينما حافظ على انسيابيته من البداية وحتى النهاية، فلم تقطع لقطات الصراع الدرامي الطويلة إلا في اللحظات المناسبة لتوجيه القصة إلى الأمام، وهذا التوازن بين الأحداث المشوقة والهادئة يشد انتباه المشاهد حتى النهاية.

ولد البطل الأميركي أنتوني روبلز مع ساق واحدة فقط لأسباب غير معروفة، لكنه لم يسمح لهذا بأن يعرقل طموحاته الرياضية، ورغم فقدانه لساقه حتى الورك، فقد رفض ارتداء الأطراف الصناعية وبدلا من ذلك قوى جسده من خلال تمارين متنوعة، وفي الصف السادس سجل رقما قياسيا في تمارين الضغط، وأصبح مهتما بالمصارعة منذ الصف الثامن بعد أن تأثر بأحد أقاربه. رغم نقص وزنه في فئة 125 رطلا، أظهر روبلز قوة وعزيمة استثنائية وحصل على العديد من الجوائز منها المركز السادس في ولاية أريزونا وبطولتان على مستوى الولاية، وفي جامعة ولاية أريزونا استمر في تحقيق النجاحات وتوج بالبطولة ثلاث مرات، إضافة إلى حصوله على لقب بطل المصارعة الوطني بعد أن أتم موسما خاليا من الهزائم.
وبعد مسيرته المميزة في المصارعة، عبّر روبلز عن رغبته في أن يصبح متحدثا تحفيزيا للأشخاص الذين يواجهون تحديات مشابهة، واحتفظ بسجل مميز في مسابقات المصارعة والأرقام القياسية. في السنوات الأخيرة أصبح معلقا على بطولات المصارعة وشارك في إنتاج سيرة ذاتية بناء على كتابه الذي يحمل عنوان “لا يمكن إيقافه”.