رسالة شارلي شابلن إلى ابنته: "العري آفة عصرنا"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رسالة شارلي شابلن إلى ابنته: "العري آفة عصرنا"

    رسالة شارلي شابلن إلى ابنته: "العري آفة عصرنا"


    شارلي شابلن: الفقر والتسول والجوع أهون من أن يبقى الإنسان منحطا بلا شعور.
    الاثنين 2025/02/17
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    قصة المهرج الذي يغني في أسفل مسارح لندن

    ابنتي جرالدين، الدنيا التي تعيشين فيها هي دنيا الفن والموسيقى. ما إن تهبطي بجسدك من مسرح شانزليزيه الضاجة، انسي الأثرياء المادحين أولئك. واسألي عن حال ذاك السائق الذي يقلك إلى البيت. اسألي عن حال زوجه وإن كانت مرضعة ولم يكن معها ما يرتديه ابنها، دسي في جيب السائق نقودا بخفاء…

    سأنهي رسالتي بهذه العبارات. ابقي إنسانة، نظيفة، بقلب واحد. لأن الفقر والتسول والجوع أهون من أن يبقى الإنسان منحطا بلا شعور.

    ابنتي جرالدين، أنا بعيد عنك، لكن صورك لا تفارق مقلتي ولو للحظة. أين أنت؟ في باريس؟ على خشبة الشانزليزيه الشامخة؟ أعلم ذلك وأستمع للحن قدميك في صمت هذا الليل البهيم. سمعت بأنك الليلة تمثلين دور بنت السلطان الجميلة التي سباها التتار.

    جرالدين، كوني في التمثيل نجمة فتألقي. لكن ما إن تتناهى لمسمعك أصوات النظارة، وتسبقك الرائحة الثملة الآتية من زهورهم المرمية نحوك فتمنحك اليقظة؛ اجلسي واقرئي رسالتي. أنا والدك. حان دورك ليرفعك إلى عنان السماء حثيث الجمهور. حلقي في السماء. لكن عودي أحيانا إلى الأرض وألقي نظرة على حياة الناس؛ الناس الجائعين الراجفة أقدامهم وهم يمثلون. أنا كنت أحدهم.

    ابنتي جرالدين، لم تعودي تعرفينني جيدا. يا للقصص العديدة التي قرأتها لك في الليالي البعيدة دون أن أقص عليك حكايتي التي تستحق الاستماع كذلك.

    فتلك قصة المهرج الذي يغني في أسفل مسارح لندن ويستلم الصدقات؛ هي قصتي، أنا تذوقت نكهة الجوع، حملت آلام الدهر، والأسوأ من ذلك وجع المهرج المتسكع الذي تلاشى كبرياؤه أمام صدقة ذلك العابر بازدراء. مع كل ذلك لا أزال حيا، ولم يعد لي البوح للأحياء قبل مماتهم. سيرافق اسمك اسمي: “شابلن”.



    ابنتي جرالدين حاولي أن تسقلي أحيانا الباص أو المترو وتتجولي في المدينة وتشاهدي الناس: تعرفي على الأرامل واليتامى وقولي ولو لمرة واحدة: أنا منهم كذلك. الفن قبل أن يمنح جناحين للإنسان سيكسر قدميه. ما إن تشعري بأنك أعلى من الجمهور اتركي المسرح فورا واستقلي تاكسي لتصلي حاشية باريس. أنا أعرف ذلك المكان جيدا. سترين ممثلين يشبهونك؛ إذ مثلوا أدوارهم قبل قرون أفضل منك وأذهل وأكثر كبرياء. لكن لم يكن هناك شيء عن ضوء الشانزليزيه المدهش.

    ابنتي جرالدين، بعثت لك صكا أبيض لتكتبي المبلغ الذي تشائين وتتصرفي به مثل ما يحلو لك. لكن ما إن تصرفي فرنكين عليك أن تعلمي بأن الفرنك الثالث ليس لك. فهو نصيب ذلك البائس الضائع الذي بحاجة ماسة إلى هذا الثالث. لست بحاجة إلى البحث عنه، ستعثرين على البؤساء الضائعين.

    في كل مكان، فاتحتك بأمر النقود لأنني أعي ما يحمله من طاقة هذا المخادع والشيطان الذي بلا روح. إنني عشت طويلا في السيرك وكم انتابني القلق للسائرين على الحبال الرفيعة المرتعشة. لكن الحقيقة سيسقط الناس السائرون على الأرض المستحكمة والمسطحة قبل السائرين على الحبل.

    ابنتي جرالدين، أبوك الذي يحكي معك، ربما ذات ليلة يغريك بريق أثمن ماسة هذا العالم. وفي تلك الليلة يكون الحبل الضعيف تحت قدميك. ويكون سقوطك لا محالة له. يوم يخدعك وجه جميل لإقطاعي لا أبالي…

    ابنتي لا أحد يستحق في هذا العالم كي تكشفي له ظفرا من أصابع قدمك. العري آفة عصرنا. باعتقادي جسدك هو للشخص الذي انتزع روحه لك. لدي كلام كثير لك. لكنني أنهي رسالتي من حيث بدأت: كوني إنسانة، نظيفة وبقلب واحد. لأن الفقر والتسول والجوع أهون بكثير من الشخص الذي يبقى منحطا بلا شعور. “أبوك شارلي شابلن”.
يعمل...
X