جدل مصري حول رواية تتحدث عن مرحلة البلوغ عند الفتيات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • جدل مصري حول رواية تتحدث عن مرحلة البلوغ عند الفتيات

    جدل مصري حول رواية تتحدث عن مرحلة البلوغ عند الفتيات


    قصة "أنا بنت" تطرح ملف اختيار الأسرة لما يقرأه الأطفال من أدب.
    الخميس 2025/02/13
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    كيف نخاطب الناشئين والأطفال عن أجسادهم (لوحة للفنانة سارة شمة)

    تجاوز أطفال اليوم حدود المعارف القديمة وبات العالم مفتوحا أمامهم بفضل شبكة الإنترنت، وهو ما يفرض تحديات تربوية أكبر على كل القائمين على تنشئة الطفل بداية من العائلة، وليس كتاب أدب الطفل بمعزل عن ذلك، ولكن السؤال هو كيف يكون تجديد الخطاب الموجه للطفل في عالم يميزه الانفتاح.

    القاهرة - عند الكتابة للطفل ثمة خيط رفيع يفصل بين أهمية تناول قضية حساسة، وبين طريقة الطرح التي تُقدم. فأمور مثل الجنس، والعلاقة بين الولد والبنت، وما يمر به المراهقون من تغيرات جسدية وهرمونية ونفسية، وقضايا مثل المثلية الجنسية، والتحرش، وموقف الدين، تُعتبر لدى الكثير من الآباء “تابوهات” أو محرمات وخادشة للحياء، ويقع الكاتب في حالة الاقتراب منها أو معالجتها في مرمى النيران.

    ورغم أن الأطفال والمراهقين منفتحون حاليا على التكنولوجيا، وشبكة الإنترنت مباحة أمامهم، إلا أن هناك بعض الأسر لديها تحفظات على ما يتم تقديمه لأولادهم من خلال القصص والروايات، ويرفضون الطريقة الصريحة، ويصفونها بـ”الفجة”.


    محمد فتحي يونس: حالة حوار إيجابية ومطلوبة في مثل هذه الموضوعات


    وخلال فاعليات معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي اختتمت دورته الـ54 أخيرا أثارت رواية “أنا بنت” تأليف ناهد السيد، وصادرة عن دار أرجوحة للنشر والتوزيع، جدلا واسعا، حيث تطرقت إلى مرحلة البلوغ لدى بطلة الرواية، ومرت خلالها بتغيرات فسيولوجية، وميول عاطفية، وتناولتها المؤلفة كمذكرات كتبتها الطفلة بنفسها، ووصفت فيها حالها.
    سؤال وإجابات متعددة


    انقسمت الآراء حول الرواية، فقسم يرى أن التناول كان صريحا للغاية، ونشرت إحدى الأمهات مقاطع من الرواية عبر حسابها على أحد الغروبات المهتمة بأدب الأطفال على موقع فيسبوك، رافضة تماما المحتوى، ورأى آخر يدافع عن الكتاب، باعتباره كسر “تابو” من “تابوهات” المجتمع، ولو كان التناول من بعيد.

    طرحت “العرب” عددا من التساؤلات حول كيفية تناول القضايا الحساسة في أدب الطفل، ولماذا يخشى الأهل التطرق إليها؟ وما مصير الضجة حول الرواية؟ على عدد من الكتاب والمهتمين، للتوصل إلى صيغة جيدة يمكن اتباعها في أدب الطفل.

    يقول محمد فتحي يونس، ناشر وصاحب دار أرجوحة لكتب الأطفال الصادرة عنها رواية “أنا بنت” محل الخلاف، “ليست ضجة، هي حالة حوار مطلوبة في مثل هذه الموضوعات، وإيجابية، ونحاول أن نبني عليها ونعترف، هل نحن قريبون من تفكير أبنائنا وبناتنا المراهقين أم لا؟ وهل مستعدون لمعرفة كيف يفكر أقرانهم لنتدخل بحكمة ونصح وإرشاد ضرويين في التربية أم نعتبر الكلام في القضايا الشائكة اتهاما ننفيه عن أبنائنا وبناتنا، وكأنها سُبة موجهة إلينا وإلى تربيتنا.”

    ويضيف لـ”العرب” أن “هذه وجهة نظرنا التي اخترنا أن نطرح فيها الموضوع ونتعلم الحوار، ليس معنى الحوار أنني صحيح دائما، بل معناه احترام آراء الآخرين ومراجعة آرائي إذا اتضح أنها خاطئة، ويسري ذلك على القارئ والمؤلف ودار النشر.”


    عفاف طبالة: عجيب رفض المجتمع الحديث عن الإعجاب بين الولد والبنت


    ويؤكد فتحي على وجهة النظر التي تبنتها الدار عند نشر الرواية قائلا “لسنا من الحماقة كي نكتب كتابا للأطفال واليافعين تتصادم مع قيمنا وأدياننا، ورواية ‘أنا بنت’ جاء محتواها ليتماشى مع تقاليد المجتمع، والدين الإسلامي، وموضوعاتها يتم تدريسها في الفقه بالأزهر الشريف، ونحن نحترم كل الآراء، وأعتبر الكتاب (أي كتاب) بعد صدوره بات ملكا لقارئه، وليس لكاتبه أو ناشره، فقد رأى البعض أن الكتاب مهم وبداية طريق للحديث العلمي المهذب وغير المتحفظ مع أبنائنا وبناتنا في التربية الجنسية، والقارئ الحقيقي للكتاب سيجده يدعو الفتيات المراهقات إلى الرجوع إلى الأب والأم وعدم الخجل منهما واحترام القيم الدينية في كل شيء.”

    ولا ينفي الناشر وكاتب أدب الطفل وجود قواعد عند الكتابة يجب اتباعها، وهناك تناول يختلف باختلاف الشريحة العمرية، ورواية “المتبرعات” مثلا، صدر لها تصنيف عمري متبع في العالم أجمع، لذلك فطريقة التناول هي المعيار، وتلعب طبيعة القارئ دورا مهما في الأمر، وهو ما حدث مع بداية نشر الكتاب، فالقارئ المتحفز والمتحفظ يرفض بعض ما ذهبت إليه رواية “أنا بنت”، والعكس صحيح.

    اللافت أن هناك مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي تهتم بأدب الطفل، فكان لزامًا طرح سؤال، هل يمكن أن يفرض الأهل ذائقتهم على دور النشر والمؤلفين لاختيار موضوعات بعينها لأطفالهم وطريقة معالجتها؟

    يوضح يونس لـ”العرب” أن في زمن السوشيال ميديا والمجموعات ذات النفوذ القوي والمتابعات الكثيفة، يمثل اتجاه أغلبها لفرض محتوى معين لك دائما، يقول “هل نكتب في الموضوعات كما يجب أن تكون أم وفق ما يطلبه الأهل؟ في النهاية لن ترضي الناس ولا نكتب نصوصا مقدسة، ونرحب بكل النقد على أرضية حوار غائب في حياتنا اليومية، ولولا الاجتهادات العظيمة لأسماء كبيرة ولامعة في أدب الطفل، مثل الدكتورة عفاف طبالة، وأحمد قرني، ورانيا حسين أمين، لخسرنا الكثير في هذا الإطار، فمرحلة المراهقة تتطلب طرح قضايا حقيقية تمس مشاعر وسلوك هذه المرحلة الصعبة، في زمن شديد الاختلاف عن الزمن الذي عشناه كآباء.”


    آلاء عرفة: الحديث للأطفال بألفاظ صحيحة في الجنس ليس محظورا


    ويشير إلى أن كسر التابوهات لا يجب أن يكون غاية، لكن تصحيح المفاهيم والتصدي للمناطق الرمادية في التربية، وفي حياة أبنائنا هو المهم، وقد يوفق البعض ولا يوفقون، لكن يظل الأساس هو الوعي.

    تختلف طريقة التناول لقضايا الطفل من مؤلف إلى آخر، وكل كاتب له مطلق الحرية في اختيار طريقة المعالجة، وقد تختلف حسب قناعاته ورؤيته للطرح الذي يراه سليما.

    تكشف الدكتورة عفاف طبالة لـ”العرب” أنها لا تكتب للطفل خارج سياق المجتمع، ولا تحبذ الكتب التي تتناول موضوعا واحدا، مثل التحرش، فيكون المحتوى كاملا عن ذلك، وتميل في أعمالها إلى تناول قضية حساسة بشكل عابر، يتم تمريرها للطفل ببساطة ولطف، دون أن يكون الكتاب كله عن هذه القضية، كما حدث مع بطل روايتها “هروب صغير” الذي تعرض للتحرش، فكان الأمر لا يتعدى مشهدا واحدا، وفي رواية “البيت والنخلة” تطرقت إلى علاقة الإعجاب بين الولد والبنت وعمرهما 13 عاما، بشكل بسيط.

    تعجبت عفاف طبالة من كون المجتمع يرفض الحديث عن الإعجاب بين الولد والبنت، ويتناسى المشاعر التي تحدث في هذه المرحلة العمرية، ومررنا بها جميعا، وفي نفس الوقت أصبحت شبكة الإنترنت مفتوحة للكبار والصغار، رافضة “الفجاجة” في تناول الموضوعات التي تهم الطفل.

    وتذكر كاتبة الأطفال وأدب اليافعين عفاف طبالة أن الكتب التي يقرأها الأطفال، الأهل هم من يختارونها غالبا، ولذلك فالمسألة بسيطة، لأن المحتوى الذي لا يُعجب الأسرة عليها ألا تشتريه لصغارها.
    قضايا حساسة



    ندى عصفور: القضايا الحساسة في أدب الطفل يجوز تناولها بشرط الوعي


    هناك مجموعة من الأسئلة الخادشة للحياء، والقضايا الحساسة التي تشغل البال في عمر المراهقة. هل على الأهل التعامل معها والرد عليها بشكل واضح، ويقومون باختيار ما يقرأه أطفالهم؟

    تقول كاتبة الأطفال آلاء عرفة لـ”العرب” هناك تنوع في الإصدارات التي تغطي كل القضايا وتمس الجيل الحالي بتطوراته وميوله المختلفة عن أجيال سابقة، والجنس قضية شائكة، فالكتب لن تحرض الأطفال على ممارسته خارج إطاره الشرعي، والقرآن الكريم به الكثير من الآيات التي تتحدث عن العلاقة بين الجنسين.

    وتسرد موقفا وهي طفلة، حيث أشارت إلى أنها بكل عفوية سألت أمها ما معنى آية “هن لباس لكم وأنتم لباس لهن”، وآية “نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم”، وتقول “لم أتلق إجابة منها، لكني مستعدة جدًا للرد على هذا السؤال إذا سألتني إحدى بناتي، ولن أتهرب، فلا حرج من تفسير كلام الله، وعليه فالحديث في الجنس ليس محظورا، ويجب اختيار الألفاظ الصحيحة والمناقشة مع الطفل واليافع بطريقة تتناسب مع سنه وفكره، وعدم تركه للتفسير حسب خياله بلا شرح من منظور ديني وطبي واجتماعي.”

    وتوضح “لا مانع من الكلام عن التربية الجنسية”، لافتة إلى كتاب أنتجته دار مرح بعنوان “حديث النحل والطيور” قدم مقدمة للتربية الجنسية بطريقة علمية مبسطة، وأن التكاثر أمر فطري في جميع المخلوقات، وهو كتاب تحب أن تقدمه للأطفال في سن معين، ويوجد كتاب صادر عن الهيئة العامة للكتاب بعنوان “كم أنا محظوظ”، عن التزاوج وكيف تبدأ الأسرة ومن أين يأتي الأطفال، فلا بد من معرفة كيفية التقديم، فالموضوع يحتاج إلى حكمة وفهم للمتلقي، فالأطفال تختلف شخصيتهم في البيت الواحد.

    وتذكر آلاء عرفة في حديثها لـ”العرب”، “عند الكتابة للطفل لا أحدد موضوعات محظورا تناولها، لكن يجب الحذر عند كتابتها، ومنها الجنس والدين، فقبل أن أكتب قصة دينية أراجع الكثير من المصادر وأقرأ ما كُتب عنها، وأعرض القصة على مختصين، لأن الأمر خطير أن أذكر معلومة ليست مثبتة دينيا، ويجب الكتابة بحرص ليكون الأثر إيجابيا.”


    شيماء نبيل: نشر قضايا تهم المراهقين كالثقافة الجنسية والتحول أمر خطير


    وتتابع “عند تناول الجنس في القصص، تجب مراعاة كيف تتم كتابته في مجتمع محافظ، له دين وثقافة من المهم مراعاتهما عند اختيار الألفاظ والوصف، مع مراجعة علمية ونفسية.”

    وثمة اتفاق على وجود قسم من القراء يميل للتحفظ في تناول النصوص الأدبية الحساسة لعدم فتح عيني الطفل على أمور لا يجب أن يعرفها بشكل صريح، وللكاتب الحرية فيما يكتب وللقارئ الحرية في قبول الكتاب والشراء أو الرفض.

    تشير ندى عصفور، كاتبة للطفل وأم، إلى أنه يجوز تناول قضايا حساسة في أدب الطفل، لكن لا بد وأن يكون الكاتب واعيا ومتخصصا، فكل مرحلة عمرية للطفل لها متطلبات وسمات، ومن المهم التعامل معها بحرص، لأن سوق القصص المصورة كبير، ويستهدف الكثيرين، صغارا أو في عمر المراهقة.

    وتؤكد ندى عصفور، وهي أخصائية تعديل سلوك للأطفال أيضا، لـ”العرب” أن بالنسبة للقضايا الحساسة أو الخادشة للحياء، هناك الكثير من المدارس وعت بذلك، وبدأت بعمل مبادرات لتدريس الثقافة الجنسية بشكل غير مبتذل، وبما يتناسب مع كل فئة عمرية، وهي كأم لديها ابنة في عمر المراهقة تتابع معها المراجعات التي تمت كتابتها عن الرواية أولا، ثم تشير عليها وتجعلها تختار تحت رقابتها من بعيد، أما طفلها الصغير فهي من تختار له ما يناسه.

    لكن شيماء نبيل، وهي كاتبة أدب للطفل، تقول لـ”العرب” إن نشر قضايا تهم المراهقين، مثل الثقافة الجنسية، وحرية التحول الجنسي، وانتشار العلاقات المحرمة، أمر خطير أن يتم تناوله، ولن يقدم شيئا ذا أهمية إذا تم تقديمه في رواية أو قصة.

    ولم تنف شيماء أهمية الثقافة الجنسية، على أن يتم التنويه بأن الكتاب يتحدث عن ذلك، وتكون معالجة القضية بشكل غير مبتذل، فلو أن المراهق لم يتعرض إلى مثيرات حسية من قبل، كيف أقدم له رواية تتحدث عن ذلك بجرأة؟ وهي كأم تختار ما يقرأه بناتها، وتتابع ما يتم عرضه من قصص، وتقرأها قبل أن تقدمها لهن.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    نجوى درديري
    كاتبة مصرية
يعمل...
X