الإنسان يصارع الزمن ويتناحر من أجل السلطة في رواية "لون آخر للغروب"
الرّواية تتضمّن حكايتَين متوازيتَين ومتقاطعتَين في آن واحد.
الثلاثاء 2025/02/11
ShareWhatsAppTwitterFacebook

روائية فككت الزمن وأثره في الأنفس
عمان - تقوم الفكرة الأساسية في رواية "لون آخر للغروب" للكاتبة الأردنية هيا صالح، على صراع الإنسان مع الزمن، وهو الصراع الذي أوجد مفهوم السّلطة والتناحُر عليها، لتندلع الحروب تلو الحروب عبر تاريخ البشرية كما جاء على الغلاف الأخير للرواية.
وتستند الرواية التي صدرت طبعتها الثانية عن “الآن ناشرون وموزعون” مؤخرا، إلى بنية “رواية داخل رواية”، متناولة الكيفية التي يتم من خلالها التفاعل بين أطراف عملية التلقي للمنتَج الأدبي (الكاتب والقارئ والمتن)، وبيان التشابكات بين هذه الأطراف التي تجعل من عمليتي الكتابة والقراءة نسيجاً متكاملاً، ولعل هذا ما تشير إليه الساعة التي تتحرك عقاربها في كل فصل من فصول الرواية في إشارةٍ إلى زمن التلقي.
وتتضمّن الرّواية التي فازت بجائزة كتارا للرواية العربية (2018) حكايتَين متوازيتَين ومتقاطعتَين في آن واحد؛ بطلُ الحكاية الأولى نجيب وهو كاتبٌ تُجرى له عمليّةُ زراعة قلب، فتصبح حياتُه أشبهَ برحلةٍ غرائبيّة للبحث عن الحقيقة، ليكتشفَ أنّ الحقيقةَ ليست واحدة، إذ تتعدّد بتعدُّد الشّظايا للوحِ زُجاجٍ مكسور. أما الحكاية الثانية فتتمحور حولَ “وفاء” بطلةِ الرّواية التي يكتبُها بطلُ الحكاية الأولى، والتي تقع في حُبّ فنّانٍ هارب من الحرب.

وجاءت المقاطع التي تعبّر عن حال الكاتب ضمن سردٍ بضمير الراوي كلّي العلم، راصدةً التحولات التي عصفت بحياة نجيب وهو كاتب مُستَأجر يكتب للآخرين، وذلك بعد أن وقعت جرائم قُتل فيها كلّ مَن قام بالكتابة لهم، فحامت حوله الشكوك وكاد أمره ينكشف.
ولكن ما ينقذ نجيب من حالة التيه والتخبُّط التي يعيشها هو وقوعه في حب بطلة الرواية التي يكتبها، والتي تغير مجرى تفكيره فيقرر أن يتوقف عن الكتابة للآخرين وأن ينجز كتابه الخاص الذي يحمل اسمه: “كانت الشمس قد بدأت تتوارى قُبيل الغروب، وفيما كان الجميع يتابعون المشهد كاملاً، كان نجيب يكتفي بتتبُّع خيوط الضوء وهي تنسحب إلى أعلى، وعندما شارفت الشمس على المغيب تماماً كانت غمامة ثقيلة قد هبطت فوق صدره.”
وفي نهاية المطاف يبدو أن الكاتب نجيب قد استعاد توازنه حين أكمل الفصل الأخير من رواية “وفاء”، وكأنما كان من خلال تلك الكلمات التي اختطها على الورق يختط لروحه المتعبة طريقاً للخلاص، فيما جسدت شخصية الممرضة “سلام” تجلياً واقعيًّا لحضور روح والدته فيه.
أما وفاء فهي امرأة تعيش منذ طفولتها صراعات مريرة بسبب وفاة والدتها وهي لا تزال طفلة، وبسبب قسوة والدها وطريقته في السيطرة على حياتها وإجبارها على الزواج من رجل لا تحبه، تنقاد إلى تجربة جديدة تبدو من خلال سياق الرواية حلمية وغير واقعية، كأنما هي التي ابتدعت تلك الشخصية وبنتها وفق هواها.
ولا يكتشف القارئ أن وفاء شخصية ورقية إلّا في آخر الرواية حين تتحرر من الزمن وتحقق خلودها؛ إذ الخلود في جوهره كما تكشف الرواية تحدٍّ للزمن.
الرواية التي صدرت طبعتها الثانية عن "الآن ناشرون وموزعون" مؤخرا تستند إلى بنية "رواية داخل رواية"
ويبدو الزمن والخوف منه واضحين في معجم الرواية وأسلوبها، حيث تقول في إحدى مقاطعها مثلا “سأخبرك -يا صديقي- عن الخوف الذي يسيطر عليَّ هذه الفترة.. عن قلقي من فكرة الزمن.. في صغري، كان عليَّ أن أطور عقلي بحيث يمكنني تلقِّي المعلومات وحفظها في وقت قياسي، كما اعتدت إنجاز أعمالي المتعددة والمتنوعة في أقل زمن ممكن، وكان هدفي قضاء وقت أطول مع أصدقائي، والتخلُّص من الملل الرهيب الذي تُسببه بلاهة التعوُّد على الأشياء، بحيث يمكنني الاستمتاع بما أراه كأنني أراه للمرة الأولى.”
وتتابع “كان الملل عدوِّي الأول.. كنت كل صباح أصرخ وأنا أقف أمام زهرة القرنفل المزروعة منذ سنوات في حديقة منزلنا وأردد: (يا إلهي! زهرة قرنفل، ما أجملها)! ينظر أبي لي ببلادة ويقول: (ألا تراها كل يوم؟ فلمَ تصرخ؟!). لم تكن كلماته تعنيني؛ إذ عندما أعود من المدرسة ظُهرًا أقف أمامها مرة أخرى، وتنتابني الدهشة من جديد وأنا أُدقق بتفاصيل صغيرة تركها الزمن على جسد الوردة وإنْ بحجم خطوط بُنية باهتة تُحيط بورقة من ورقاتها؛ فمن المستحيل أن يمر الزمن على شيء من دون أن يترك بصمة تدل على هذا المرور.”
يُذكر أن هيا صالح مولودة عام 1977 في الأردن، حصلت على شهادة الثانوية العامة في عام 1994، وعلى درجة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من جامعة آل البيت في عام 1999. أصدرت عشرات الأعمال الإبداعية، وتنوعت إصداراتها بين الروايات والقصص والنصوص المسرحية والترجمات والدراسات النقدية والمؤلفات الموجهة للأطفال والناشئة. وتُرجم عدد من إصداراتها إلى اللغات الإنجليزية والتركية والإيطالية.
نالت العديد من الجوائز والتكريمات في المحافل الدولية حيث مُنحت جائزة الدولة الأردنية التشجيعية في مجال أدب الطفل في عام 2017، وفازت بجائزة أفضل كتاب عربي للطفل عن قصة “سيرة حياة ورقة”، من مهرجان الشارقة القرائي للطفل في عام 2013، وجائزة الإبداع الأدبي من مؤسسة ناجي نعمان للثقافة (بيروت)، عن قصتها “شامة الصغيرة في ورطة كبيرة”، سنة 2013، كما فازت روايتها “شقائق النعمان” بجائزة اتصالات في حقل كتاب العام لليافعين في عام 2020. وأنعم عليها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بميدالية اليوبيل في عام 2024.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الرّواية تتضمّن حكايتَين متوازيتَين ومتقاطعتَين في آن واحد.
الثلاثاء 2025/02/11
ShareWhatsAppTwitterFacebook

روائية فككت الزمن وأثره في الأنفس
عمان - تقوم الفكرة الأساسية في رواية "لون آخر للغروب" للكاتبة الأردنية هيا صالح، على صراع الإنسان مع الزمن، وهو الصراع الذي أوجد مفهوم السّلطة والتناحُر عليها، لتندلع الحروب تلو الحروب عبر تاريخ البشرية كما جاء على الغلاف الأخير للرواية.
وتستند الرواية التي صدرت طبعتها الثانية عن “الآن ناشرون وموزعون” مؤخرا، إلى بنية “رواية داخل رواية”، متناولة الكيفية التي يتم من خلالها التفاعل بين أطراف عملية التلقي للمنتَج الأدبي (الكاتب والقارئ والمتن)، وبيان التشابكات بين هذه الأطراف التي تجعل من عمليتي الكتابة والقراءة نسيجاً متكاملاً، ولعل هذا ما تشير إليه الساعة التي تتحرك عقاربها في كل فصل من فصول الرواية في إشارةٍ إلى زمن التلقي.
وتتضمّن الرّواية التي فازت بجائزة كتارا للرواية العربية (2018) حكايتَين متوازيتَين ومتقاطعتَين في آن واحد؛ بطلُ الحكاية الأولى نجيب وهو كاتبٌ تُجرى له عمليّةُ زراعة قلب، فتصبح حياتُه أشبهَ برحلةٍ غرائبيّة للبحث عن الحقيقة، ليكتشفَ أنّ الحقيقةَ ليست واحدة، إذ تتعدّد بتعدُّد الشّظايا للوحِ زُجاجٍ مكسور. أما الحكاية الثانية فتتمحور حولَ “وفاء” بطلةِ الرّواية التي يكتبُها بطلُ الحكاية الأولى، والتي تقع في حُبّ فنّانٍ هارب من الحرب.

وجاءت المقاطع التي تعبّر عن حال الكاتب ضمن سردٍ بضمير الراوي كلّي العلم، راصدةً التحولات التي عصفت بحياة نجيب وهو كاتب مُستَأجر يكتب للآخرين، وذلك بعد أن وقعت جرائم قُتل فيها كلّ مَن قام بالكتابة لهم، فحامت حوله الشكوك وكاد أمره ينكشف.
ولكن ما ينقذ نجيب من حالة التيه والتخبُّط التي يعيشها هو وقوعه في حب بطلة الرواية التي يكتبها، والتي تغير مجرى تفكيره فيقرر أن يتوقف عن الكتابة للآخرين وأن ينجز كتابه الخاص الذي يحمل اسمه: “كانت الشمس قد بدأت تتوارى قُبيل الغروب، وفيما كان الجميع يتابعون المشهد كاملاً، كان نجيب يكتفي بتتبُّع خيوط الضوء وهي تنسحب إلى أعلى، وعندما شارفت الشمس على المغيب تماماً كانت غمامة ثقيلة قد هبطت فوق صدره.”
وفي نهاية المطاف يبدو أن الكاتب نجيب قد استعاد توازنه حين أكمل الفصل الأخير من رواية “وفاء”، وكأنما كان من خلال تلك الكلمات التي اختطها على الورق يختط لروحه المتعبة طريقاً للخلاص، فيما جسدت شخصية الممرضة “سلام” تجلياً واقعيًّا لحضور روح والدته فيه.
أما وفاء فهي امرأة تعيش منذ طفولتها صراعات مريرة بسبب وفاة والدتها وهي لا تزال طفلة، وبسبب قسوة والدها وطريقته في السيطرة على حياتها وإجبارها على الزواج من رجل لا تحبه، تنقاد إلى تجربة جديدة تبدو من خلال سياق الرواية حلمية وغير واقعية، كأنما هي التي ابتدعت تلك الشخصية وبنتها وفق هواها.
ولا يكتشف القارئ أن وفاء شخصية ورقية إلّا في آخر الرواية حين تتحرر من الزمن وتحقق خلودها؛ إذ الخلود في جوهره كما تكشف الرواية تحدٍّ للزمن.
الرواية التي صدرت طبعتها الثانية عن "الآن ناشرون وموزعون" مؤخرا تستند إلى بنية "رواية داخل رواية"
ويبدو الزمن والخوف منه واضحين في معجم الرواية وأسلوبها، حيث تقول في إحدى مقاطعها مثلا “سأخبرك -يا صديقي- عن الخوف الذي يسيطر عليَّ هذه الفترة.. عن قلقي من فكرة الزمن.. في صغري، كان عليَّ أن أطور عقلي بحيث يمكنني تلقِّي المعلومات وحفظها في وقت قياسي، كما اعتدت إنجاز أعمالي المتعددة والمتنوعة في أقل زمن ممكن، وكان هدفي قضاء وقت أطول مع أصدقائي، والتخلُّص من الملل الرهيب الذي تُسببه بلاهة التعوُّد على الأشياء، بحيث يمكنني الاستمتاع بما أراه كأنني أراه للمرة الأولى.”
وتتابع “كان الملل عدوِّي الأول.. كنت كل صباح أصرخ وأنا أقف أمام زهرة القرنفل المزروعة منذ سنوات في حديقة منزلنا وأردد: (يا إلهي! زهرة قرنفل، ما أجملها)! ينظر أبي لي ببلادة ويقول: (ألا تراها كل يوم؟ فلمَ تصرخ؟!). لم تكن كلماته تعنيني؛ إذ عندما أعود من المدرسة ظُهرًا أقف أمامها مرة أخرى، وتنتابني الدهشة من جديد وأنا أُدقق بتفاصيل صغيرة تركها الزمن على جسد الوردة وإنْ بحجم خطوط بُنية باهتة تُحيط بورقة من ورقاتها؛ فمن المستحيل أن يمر الزمن على شيء من دون أن يترك بصمة تدل على هذا المرور.”
يُذكر أن هيا صالح مولودة عام 1977 في الأردن، حصلت على شهادة الثانوية العامة في عام 1994، وعلى درجة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من جامعة آل البيت في عام 1999. أصدرت عشرات الأعمال الإبداعية، وتنوعت إصداراتها بين الروايات والقصص والنصوص المسرحية والترجمات والدراسات النقدية والمؤلفات الموجهة للأطفال والناشئة. وتُرجم عدد من إصداراتها إلى اللغات الإنجليزية والتركية والإيطالية.
نالت العديد من الجوائز والتكريمات في المحافل الدولية حيث مُنحت جائزة الدولة الأردنية التشجيعية في مجال أدب الطفل في عام 2017، وفازت بجائزة أفضل كتاب عربي للطفل عن قصة “سيرة حياة ورقة”، من مهرجان الشارقة القرائي للطفل في عام 2013، وجائزة الإبداع الأدبي من مؤسسة ناجي نعمان للثقافة (بيروت)، عن قصتها “شامة الصغيرة في ورطة كبيرة”، سنة 2013، كما فازت روايتها “شقائق النعمان” بجائزة اتصالات في حقل كتاب العام لليافعين في عام 2020. وأنعم عليها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بميدالية اليوبيل في عام 2024.
ShareWhatsAppTwitterFacebook