آريان لطيف يلامس جوهرية لغة الطبيعة متجاوزا المألوف
تجربة فنية معاصرة تحرر الطبيعة من تدخل الإنسان.
الأربعاء 2025/02/12
ShareWhatsAppTwitterFacebook

ريشة تحافظ على جماليات الطبيعة
لا ينضب الفن في كردستان بل يتوالد بأوجه وصور وتجارب فنية متنوعة، كلها متأثرة بجغرافيا المكان وتاريخه وثقافة أهله، تحاول إعادة تصوره وإعادة حكاية سرديته المؤلمة، سردية بطلها الأول الطبيعة التي تبدو سيدة تجارب الفنانين التشكيليين الأكراد ومنهم الفنان الشاب آريان لطيف.
رغم التباين الكبير في إنجاز اللوحة لدى الفنانين الأكراد في كردستان العراق، التباين فيما بينهم، في رؤيتهم، في طريقتهم، وفي تعاملهم مع الفضاء الذي يعومون فيه، إلا أن هناك ما يجمعهم، فطبيعة كردستان تسحر الجميع، ويعشقها الجميع، وتجعل الكل يسكرون بجمالها، ولهذا ليس غريبا أن تجمعهم هذه الطبيعة الخلابة، فأكثرهم إن لم أقل جميعهم لهم جولات وصولات مع هذه الطبيعة التي تبعث الروح في ساكنيها، وعشرات بل المئات من الأعمال أنجزت من قبل فنانيها وإذا قمنا بتوزيعها على مؤسسات إقليم كردستان العراق ومرافقها لحولت جميعها إلى متاحف وغاليريهات ترسل الجمال في عابريه.
ولعل الفنان الذي نحن بصدد الحدث عنه في هذه القراءة له نصيبه من ذلك، فرغم تجربته القصيرة زمنيا إذ مازال فتيا ويافعا، إلا أنه استطاع أن يحجز لنفسه مساحة تليق به، مساحة ليست قليلة، أقصد هنا آريان لطيف ابن مدينة السليمانية والمولود فيها عام 1996.
◙ فنان يعيد تشكيل الأمكنة
تعود بدايات لطيف إلى عام 2014 حين خطا خطوته الأولى، الخطوة التي مدت له جسورا وطيدة مع فضاءات التشكيل وثنايا تحولاتها والتي ستذهب به إلى ما يعزز مكانته، تلك المكانة التي ستجعله يمارس فيها وظيفته الاجتماعية والإنسانية من منظور فني جمالي تخوله متابعة مهامه ليكون صاحب العطاءات الكثيرة والمهمة في حراكنا التشكيلي، بعد أخذه موقعا ملائما لإبداع خصيب يستثمره في خلق جديد يتجاوز المألوف، مستوحيا أسئلة بحثه من ذلك المناخ الذي يلامس جوهرية لغته وهي تحفر في الروح أخاديدها، وتستوعب ما عجز أن يستوعبه نفر كثير من الذين يتعاملون مع وقائع وجودهم الخارجية منها فقط دون الداخلية.
يستوحي الفنان لغته من توسيع أفقه الحواري بحضور عناصرها المتفاعلة مع مكونات البنية لديه، أو قد يبسط ذلك الأفق ويختزله بروح النهضة المتوثبة فيه بحساسات ورهافات جمالية ملفتة، أو بروح اليقظة التي تجري في خلاياه بتأثيراتها الجمالية وقيمها، فالطاقة التشكيلية التي فيه يحتذى بها، إن في مقدرته الفنية التعبيرية العالية للأشياء، أو في مهاراته الخاصة التي تمنح سرده حيوية مؤثرة تعمق من فهمنا لدلالاته الكثيرة لنستعيد معه تفاصيل مشهده البصري وبزوغه، بإضاءته وبما يعمق من فهمنا لزمنه الذي يمتطيه ولا يكف عن إطلاق موجاته بما يلفت الأنظار إليه.
وإذا كان الفنانون التشكيليون الأكراد في كردستان العراق يتلاقون في منابع الإلهام وتفجيراتها، أقصد في رسم طبيعتها التي لا مفر منها، فإنه لا يمكن لفنان تشكيلي أن يعيش في جنان الرب وجمالها، أن يعيش في سهول كردستان وجبالها إلا ويرتشف منها موضوعاته وينشد الوصول إلى مفاتنها، فيتطلع إلى الكشف بريشه وألوانه عن تجلياتها المتعددة، وفي العموم فلكل فنان نصيبه من طبيعة كردستان إن كان عبر المعرفة المباشرة وقنص زوايا منها وترجمتها إلى نصوص بصرية تدهش المتلقي قبل صانعيه أو عبر الكشف المعرفي أو الحدس المعرفي بتعبيراته الكثيرة وصولا إلى مكامن الالتقاء التي تفي بغرضه وتؤدي إلى المطلوب، وهي خطوة تحتاج إلى خطوات عديدة وإن كانت شاقة وصعبة.
وخلاصة ما تقدم أنه بالكاد تجد فنانا من كردستان العراق لم ينهل من طبيعتها، الطبيعة التي ترفع من منسوب حصوله على السعادة حين يغمس ريشه في ألوانها، وفناننا الذي نقف اليوم بين أعماله منهم وأقصد آريان لطيف يتمسك بمصادرها واصطفافه إلى جانبها محايثاً لمكوناتها من دون أن يكون منفصلاً عنها. فهو يهدف من وراء ذلك تبيان أن الإلهام ملكة فطرية على نحو عام، تنمو بالتجربة والممارسة، فكيف إذا كان ملازمة لجمال كردستان وطبيعتها.
◙ طبيعة تسحر كل موهبة فنية
لطيف بالأساس يهدف من حركته مع الفضاءات المفتوحة إلى العودة إلى الفطرة وغسل الروح من كل ما علق بها من شوائب ورواسب، ونتيجة للعلاقة الخاصة بينه وبين طبيعة كردستان فهو يتعامل معها بما يتكامل معها، وبما ينفعل كل منهما في الآخر، وليرى كل منهما إجابة الآخر على السؤال الذي يطرح نفسه وتحديدا لجهة الهدف الذي يمضيان إليه، ويخلصان إلى الاعتقاد بأن على الفنان تأدية وظيفة روحية لها علاقة وطيدة مع طبيعة كردستان شكلا ومضمونا.
إذا نظرنا بعين ثاقبة إلى تشكيلات آريان لطيف وتنوعها عبر الزمان والمكان لا بد أن نتساءل عن المبادئ التي أوجدها، وعن الرؤية التي تربطه بها، والتي ستشكل إشعاعاته المباشرة وغير المباشرة أيضا، فالعلاقة بينه وبين الفن علاقة تمت صياغتها بأبعادها الهائلة وبخصائص لها بيئتها الزمنية والمكانية، فعالمه خلق بصفات فريدة أو خاصة على نحو أقرب، وبتجانس روحي يشعرك أنك في عالم آخر، عالم الفن رغم كل التنوع الموجود فيه من حيث المواد والتقنيات وما شابه ذلك، وقد يذعن حينا حين لا يقدر على تأدية دوره في علاقته مع الوحي، ومع ذلك يمكنه أن يتجاوز ذلك باختزاله للإدراكات الضرورية أو إيجادها كأثر للتغيرات التي ترافق ريشته وألوانه.
نعم يمكنه أن يتجاوز ذلك بما يملكه من طاقة داخلية تنوع تجلياته التي لا يمكن نكرانها، ويتضح لنا ذلك كقارئين غير منحازين، فروح آريان لطيف مشبعة بالمواقف والفضائل، مشبعة بالحب والجمال وبكيفية صنع الأشياء، وهذه كلها تشكل خلفيته وهو يشق طريق الفن.
آريان لطيف يلجأ إلى ما يمكن أن يحمل رسالته، والتي تتلخص في أن الرب أنعم علينا بأجمل الجبال، وأعذب الأنهار، وبأرق النسائم، وأطيب الثمار، فما بالنا لا نحافظ على هذه النعمة؟ لماذا لا نترك هذه الطبيعة في حالها تتكرم علينا وعلى عيوننا وأرواحنا بكل ما بلورته الآلهة لتكون في خدمة أحاسيسنا؟ لماذا لا نترك الطبيعة على سجيتها؟ فإذا كنّا غير قادرين على الحرص عليها وحمايتها، فعلى الأقل لا نتحول إلى ما يعبث بها، الطبيعة تدفع ضريبة جمالها على امتداد التاريخ، والعابث مع الأسف نحن من يطلقون علينا اسم الإنسان.

ShareWhatsAppTwitterFacebook

غريب ملا زلال
كاتب سوري
تجربة فنية معاصرة تحرر الطبيعة من تدخل الإنسان.
الأربعاء 2025/02/12
ShareWhatsAppTwitterFacebook

ريشة تحافظ على جماليات الطبيعة
لا ينضب الفن في كردستان بل يتوالد بأوجه وصور وتجارب فنية متنوعة، كلها متأثرة بجغرافيا المكان وتاريخه وثقافة أهله، تحاول إعادة تصوره وإعادة حكاية سرديته المؤلمة، سردية بطلها الأول الطبيعة التي تبدو سيدة تجارب الفنانين التشكيليين الأكراد ومنهم الفنان الشاب آريان لطيف.
رغم التباين الكبير في إنجاز اللوحة لدى الفنانين الأكراد في كردستان العراق، التباين فيما بينهم، في رؤيتهم، في طريقتهم، وفي تعاملهم مع الفضاء الذي يعومون فيه، إلا أن هناك ما يجمعهم، فطبيعة كردستان تسحر الجميع، ويعشقها الجميع، وتجعل الكل يسكرون بجمالها، ولهذا ليس غريبا أن تجمعهم هذه الطبيعة الخلابة، فأكثرهم إن لم أقل جميعهم لهم جولات وصولات مع هذه الطبيعة التي تبعث الروح في ساكنيها، وعشرات بل المئات من الأعمال أنجزت من قبل فنانيها وإذا قمنا بتوزيعها على مؤسسات إقليم كردستان العراق ومرافقها لحولت جميعها إلى متاحف وغاليريهات ترسل الجمال في عابريه.
ولعل الفنان الذي نحن بصدد الحدث عنه في هذه القراءة له نصيبه من ذلك، فرغم تجربته القصيرة زمنيا إذ مازال فتيا ويافعا، إلا أنه استطاع أن يحجز لنفسه مساحة تليق به، مساحة ليست قليلة، أقصد هنا آريان لطيف ابن مدينة السليمانية والمولود فيها عام 1996.

تعود بدايات لطيف إلى عام 2014 حين خطا خطوته الأولى، الخطوة التي مدت له جسورا وطيدة مع فضاءات التشكيل وثنايا تحولاتها والتي ستذهب به إلى ما يعزز مكانته، تلك المكانة التي ستجعله يمارس فيها وظيفته الاجتماعية والإنسانية من منظور فني جمالي تخوله متابعة مهامه ليكون صاحب العطاءات الكثيرة والمهمة في حراكنا التشكيلي، بعد أخذه موقعا ملائما لإبداع خصيب يستثمره في خلق جديد يتجاوز المألوف، مستوحيا أسئلة بحثه من ذلك المناخ الذي يلامس جوهرية لغته وهي تحفر في الروح أخاديدها، وتستوعب ما عجز أن يستوعبه نفر كثير من الذين يتعاملون مع وقائع وجودهم الخارجية منها فقط دون الداخلية.
يستوحي الفنان لغته من توسيع أفقه الحواري بحضور عناصرها المتفاعلة مع مكونات البنية لديه، أو قد يبسط ذلك الأفق ويختزله بروح النهضة المتوثبة فيه بحساسات ورهافات جمالية ملفتة، أو بروح اليقظة التي تجري في خلاياه بتأثيراتها الجمالية وقيمها، فالطاقة التشكيلية التي فيه يحتذى بها، إن في مقدرته الفنية التعبيرية العالية للأشياء، أو في مهاراته الخاصة التي تمنح سرده حيوية مؤثرة تعمق من فهمنا لدلالاته الكثيرة لنستعيد معه تفاصيل مشهده البصري وبزوغه، بإضاءته وبما يعمق من فهمنا لزمنه الذي يمتطيه ولا يكف عن إطلاق موجاته بما يلفت الأنظار إليه.
وإذا كان الفنانون التشكيليون الأكراد في كردستان العراق يتلاقون في منابع الإلهام وتفجيراتها، أقصد في رسم طبيعتها التي لا مفر منها، فإنه لا يمكن لفنان تشكيلي أن يعيش في جنان الرب وجمالها، أن يعيش في سهول كردستان وجبالها إلا ويرتشف منها موضوعاته وينشد الوصول إلى مفاتنها، فيتطلع إلى الكشف بريشه وألوانه عن تجلياتها المتعددة، وفي العموم فلكل فنان نصيبه من طبيعة كردستان إن كان عبر المعرفة المباشرة وقنص زوايا منها وترجمتها إلى نصوص بصرية تدهش المتلقي قبل صانعيه أو عبر الكشف المعرفي أو الحدس المعرفي بتعبيراته الكثيرة وصولا إلى مكامن الالتقاء التي تفي بغرضه وتؤدي إلى المطلوب، وهي خطوة تحتاج إلى خطوات عديدة وإن كانت شاقة وصعبة.
وخلاصة ما تقدم أنه بالكاد تجد فنانا من كردستان العراق لم ينهل من طبيعتها، الطبيعة التي ترفع من منسوب حصوله على السعادة حين يغمس ريشه في ألوانها، وفناننا الذي نقف اليوم بين أعماله منهم وأقصد آريان لطيف يتمسك بمصادرها واصطفافه إلى جانبها محايثاً لمكوناتها من دون أن يكون منفصلاً عنها. فهو يهدف من وراء ذلك تبيان أن الإلهام ملكة فطرية على نحو عام، تنمو بالتجربة والممارسة، فكيف إذا كان ملازمة لجمال كردستان وطبيعتها.

لطيف بالأساس يهدف من حركته مع الفضاءات المفتوحة إلى العودة إلى الفطرة وغسل الروح من كل ما علق بها من شوائب ورواسب، ونتيجة للعلاقة الخاصة بينه وبين طبيعة كردستان فهو يتعامل معها بما يتكامل معها، وبما ينفعل كل منهما في الآخر، وليرى كل منهما إجابة الآخر على السؤال الذي يطرح نفسه وتحديدا لجهة الهدف الذي يمضيان إليه، ويخلصان إلى الاعتقاد بأن على الفنان تأدية وظيفة روحية لها علاقة وطيدة مع طبيعة كردستان شكلا ومضمونا.
إذا نظرنا بعين ثاقبة إلى تشكيلات آريان لطيف وتنوعها عبر الزمان والمكان لا بد أن نتساءل عن المبادئ التي أوجدها، وعن الرؤية التي تربطه بها، والتي ستشكل إشعاعاته المباشرة وغير المباشرة أيضا، فالعلاقة بينه وبين الفن علاقة تمت صياغتها بأبعادها الهائلة وبخصائص لها بيئتها الزمنية والمكانية، فعالمه خلق بصفات فريدة أو خاصة على نحو أقرب، وبتجانس روحي يشعرك أنك في عالم آخر، عالم الفن رغم كل التنوع الموجود فيه من حيث المواد والتقنيات وما شابه ذلك، وقد يذعن حينا حين لا يقدر على تأدية دوره في علاقته مع الوحي، ومع ذلك يمكنه أن يتجاوز ذلك باختزاله للإدراكات الضرورية أو إيجادها كأثر للتغيرات التي ترافق ريشته وألوانه.
نعم يمكنه أن يتجاوز ذلك بما يملكه من طاقة داخلية تنوع تجلياته التي لا يمكن نكرانها، ويتضح لنا ذلك كقارئين غير منحازين، فروح آريان لطيف مشبعة بالمواقف والفضائل، مشبعة بالحب والجمال وبكيفية صنع الأشياء، وهذه كلها تشكل خلفيته وهو يشق طريق الفن.
آريان لطيف يلجأ إلى ما يمكن أن يحمل رسالته، والتي تتلخص في أن الرب أنعم علينا بأجمل الجبال، وأعذب الأنهار، وبأرق النسائم، وأطيب الثمار، فما بالنا لا نحافظ على هذه النعمة؟ لماذا لا نترك هذه الطبيعة في حالها تتكرم علينا وعلى عيوننا وأرواحنا بكل ما بلورته الآلهة لتكون في خدمة أحاسيسنا؟ لماذا لا نترك الطبيعة على سجيتها؟ فإذا كنّا غير قادرين على الحرص عليها وحمايتها، فعلى الأقل لا نتحول إلى ما يعبث بها، الطبيعة تدفع ضريبة جمالها على امتداد التاريخ، والعابث مع الأسف نحن من يطلقون علينا اسم الإنسان.

ShareWhatsAppTwitterFacebook

غريب ملا زلال
كاتب سوري