أحمد شرجي: ما نقدمه مسرح لا يختلف عما يقدم في بلدان العالم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أحمد شرجي: ما نقدمه مسرح لا يختلف عما يقدم في بلدان العالم

    أحمد شرجي: ما نقدمه مسرح لا يختلف عما يقدم في بلدان العالم


    الاهتمام بصناع التجربة المسرحية يخلق اتجاهات مسرحية مختلفة.
    الأربعاء 2025/02/12
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    باحث يدعو إلى تحرير المسرح العربي من التقليد

    في كتابه "المسرح العربي من الاستعارة إلى التقليد" يعبّر المسرحي العراقي الدكتور أحمد شرجي عن مواقف صادمة من المسرح العربي حيث يرى أنه لم يقدم مسرحا جديدا وإنما هو إلى اليوم يعيد إنتاج المسرح الغربي، مع اختلاف اللغة فقط، حيث يرى أن المسرح في الأساس تجارب ذاتية وجدت الدعم في الغرب في حين تتجاهل الدول العربية كل المبادرات الفردية المتميزة.

    يجمع المسرحي العراقي د.أحمد شرجي في كتابه “المسرح العربي من الاستعارة إلى التقليد” عددا من القراءات والأبحاث من خلال رؤيته كممثل ومخرج وناقد، مستندا في ذلك إلى سنوات طويلة من العمل مع أساطين المسرح في بلده العراق مثل جواد الأسدي وصلاح القصب ويوسف العاني، ومع متخصصين ومبدعين مهمين في العمل المسرحي عربيا وأوروبيا في علاقة مباشرة مع أبرز تجربتين مسرحيتين في كل من المغرب وهولندا، فضلا عن تجارب مسرحية عربية وأوروبية أخرى، متناولا إشكالية التأصيل والهوية في المسرح العربي.
    خصوصية عربية


    يقول شرجي “كثيرا نسمع ما يردده معظم المسرحيين العرب، من خلال لقاءاتهم الصحفية أو احتفالاتهم وكذلك ورشهم، والأهم من كل ذلك تنظيراتهم، من ضرورة السعي والعمل من أجل إيجاد خصوصية مسرحية عربية، يريدون من ذلك صنع شكل مسرحي آخر بعيدا عن الشكل المسرحي بمسارح العالم.”


    ◙ لا يوجد شيء اسمه مسرح إنجليزي أو هولندي أو بولوني بل هناك أسماء مهمة صنعت لها أشكالا مسرحية خاصة


    ويستدرك متسائلا “ما هو السبيل للوصول إلى هذا الشكل المسرحي المغاير؟ ونذهب معهم بما يطرحون، لكن هل يستطيع هذا الشكل المسرحي المغاير أن يحمل سمات بقائه؟ هل يكون هذا الشكل المسرحي الذي يصرون على ضروروة إيجاده، أن يكون شكلا مسرحيا أزليا وأبديا؟ ولكن هذا التطور الذي يشهده العالم في كل يوم، ألا يترك أثرا على مفاصل الحياة والفن والأدب والطب.. إلخ؟ لماذا يجب علينا دائما خلق عوائق جذرية تحول دون تواصلنا مع الآخر؟”

    يضيف “نستشف من هذا، بأنهم يريدون تأسيس مسرح عربي خالص يبتعد شكله المسرحي عن الشكل المسرحي الغربي، وكذلك مسرحنا العربي يجب أن تتوافر فيه شروط ومقومات بقائه في الساحة المسرحية أولا ومن ثم على الساحة العالمية. نجد في هذا الكلام الكثير من المغالاة والمغالطات، المسرح والفن بشكل عام لا تؤطره الهوية ولا يؤطره بلد، قد ينشأ في بلد ما لكن ليس بالضرورة أن يكون جغرافيا ينتمي إليه، المسرح كما نعرف ويعرف كثيرون نشأ عند الإغريق من خلال احتفالاتهم الدينية، وانتهى عصر التألق الإغريقي عند يوربيدس وإسخيلوس وسوفوكلس، أو كما يسمون بالثالوث المقدس. قد تكون موسكو أهم من أثينا فنيا، وإن كانت تحسب الريادة لأثينا، لكن في موسكو كانت هناك ثورات فنية متكاملة حملت معها سمات بقائها، كان هناك ستانسلافسكي وتيشخوف، داشنكو ومجموعة الشكلانيين الروس، الذي أحدثوا ثورة عظيمة ليست على مستوى المسرح فقط وإنما أيضا على مستوى الشعر قادها مايكوفسكي، وفسفور مايرخولد بالمسرح وكذلك على مستوى التشكيل.”

    ويوضح شرجي أن “مفجر الثورة البصرية بالمسرح الحديث الروسي فسفور مايرخولد، وكل ما نراه ونقرأ عنه الآن من تجارب مسرحية حديثة في العالم ما هو إلا تناسل لتجاربه في الجسد والحركة وتهميش النص الأدبي وإلغاء قدسيته، والتي بدأها بإخراجه مسرحية ‘المفتش العام’ لغوغول، هذا العرض الذي أثار ضجة كبيرة أثناء تقديمه، إثر الصدمة التي صدم بها المشاهد الروسي لنص غوغول لما يحمله هذا النص من إرث كلاسيكي مهم بالذاكرة الجمعية لشعب الاتحاد السوفيتي سابقا.”

    ويتابع “هناك أيضا البولوني كروتوفسكي وعمله المسرحي ‘معمل الـ13 صفا’ الذي عمل أيضا على استثمار جسد الممثل بالعرض المسرحي، وكيفية تطويع هذا الجسد ليكون الأداة الأولى بالعرض المسرحي وارتبطت تسمية المسرح الفقير باسمه، هل كل المسرح البولوني هو كروتفسكي؟ بالتأكيد لا، بل هناك مخرجون مبدعون يقومون بتشكيل تجاربهم في الساحة المسرحية البولونية، لكن وصلت لنا تجربة كروتوفسكي لأنها الأنضج والأكثر إبداعا من الآخرين، كان تميزه من خلال تمرده على القواعد المسرحية المتعارف عليها بالعملية المسرحية.”

    ويؤكد المسرحي العراقي أن “هؤلاء لم يعملوا من أجل هوية قطرية ضيقة، أو من أجل إعلاء شأن أوروبا الشرقية كانت أم الغربية، بل عملوا من أجل أسمائهم فقط، من أجل الوصول ببحوثهم المسرحية نظريا إلى استنتاجات يرونها مجسدة على خشبة المسرح، ومن ثم تجاربهم هي التي شكلت أسماءهم.”

    ويشدد على أنه “لا يوجد شيء اسمه مسرح إنجليزي أو هولندي أو بولوني، بل هناك أسماء مهمة في كل بلد من هذه البلدان صنعت لها أشكالا مسرحية خاصة بها، جعلتها مختلفة عما هو مطروح بكل ساحة من الساحات المسرحية بكل العالم، عندها سمع العالم قبل أن يرى تجربة كروتوفسكي ومايروخولد والآخرين، مثلما سمع هؤلاء المبدعون بالتجربة المسرحية بشرق آسيا، وذهبوا إلى هناك ليروا هذه التجارب، حيث انجذب العديد من الغربيين نحو الشرق، مثل أرتو حين مشاهدته للمسرح الباليني الراقص في باريس عام 1931، كما ساهم المسرح في شرق آسيا في صياغة نظريات وهي في طور التشكيل كما هو الحال عند برتولد برشت عام 1935 حين شاهد الممثل الصيني ماي لان فان، وهو ينهض في مكانه ومن دون تغيير للملابس والإضاءة ويتقمص شخصية نسائية، وهذا ما سماه برشت لاحقا بالتغريب.”
    تجارب فردية ذاتية



    ◙ تجارب نعيشها ونتفاعل معها


    يرى الشرجي أن هذه التسميات وجدناها في سبيل الهروب من التواصل الحضاري والمعرفي مع الآخر، الذي بدا يقلقنا تطوره ويقلقنا اهتمامه بتشكيل تجربته، الآخر الذي نشعر أنه يهددنا بابتكاراته الجديدة. ويقول إن “الساحات المسرحية العربية فيها تجارب مهمة حملت سمات ومقومات بقائها، لكن للأسف لم تهتم جهات بتبنيها، وهذه التجارب متكاملة من الناحية العلمية، أي أنها نظرت لمشروعها المسرحي، وكذلك قدمت تجارب عملية على خشبة المسرح، لتعلن عن وجودها.”

    ويوضح أن تجربة قاسم محمد بالعراق تجربة ثرية بمحاولاتها العملية والنظرية من خلال استخدامه للتراث والموروث بالعمل المسرحي، حيث يمتاز محمد عن مجايليه بالتنظير لكل تجاربه، بل يعمل على كتابة بحث لكل تجربة من تجاربه المسرحية، ولكن المأخذ عليه هو عدم نشره لهذه البحوث. كذلك تجربة روجيه عساف ومسرح الحكواتي بلبنان والتي أقدمت أيضا على نشر بيان بعد نشر بيان عبدالكريم برشيد والاحتفاليين بشهرين.

    ◙ الساحات المسرحية العربية فيها تجارب مهمة حملت سمات ومقومات بقائها، لكن للأسف لم تهتم جهات بتبنيها

    وتجربة المسرح التونسي البصرية التي أنتجها الكثير من المخرجين ومنهم محمد إدريس وفاضل الجعايبي وتوفيق الجبالي وفاضل الجزيري، لكنهم عملوا كذلك على تهميش النص المسرحي العالمي وكتابته من جديد من خلال قراءة مغايرة وباللهجة التونسية وإن كانت استنساخا لتجربة مسرح الشمس للفرنسية آريان مونشكين.

    ويشير الكاتب العراقي إلى أن “تجربة د.صلاح القصب في مسرح الصورة تختلف اختلافا جذريا عن كل ما هو مطروح بالساحة المسرحية العراقية منذ ولادته وإلى حين عودة القصب من دراسته برومانيا، ومشروع القصب يقترب كثيرا من طروحات أرتو ومايرخولد، من خلال اهتمامهم بالجانب البصري على المنطوق الأدبي، وحركة الممثل واستثمار طاقته الجسدية على الخشبة وكذلك لتهميشهم للنص المسرحي، ولا يخضع القصب لسلطة المؤلف، بل العكس هو الصحيح يخضع النص لسلطته الإبداعية ولمشرطه الذي لا يرحم كمشرط الجراح. إن تجربة القصب أثارت ردود فعل عديدة في العراق، لكن صلاح القصب حصن نفسه بأسلحة ليست تقليدية، من خلال إصداره لبيانات مسرحية، يسعى من خلالها للتعريف بتجربة مسرح الصورة، وأيضا قدم تطبيقات مختبرية كعروض مسرحية من أجل تكامل عناصر تجربته المسرحية، وبعد كل هذه السنوات الطوال لايزال القصب يدافع عن تجربته من خلال طروحاته النظرية ومن خلال عروضه المسرحية، تحت تسمية مسرح الصورة.”

    ويخلص شرجي إلى القول “نريد أن نقول بكل هذا، إن المبدع هو الذي يحمل هويته، من خلال ما يقدمه من مقومات لثبات تجربته. والآن بعد كل هذا التاريخ المسرحي بالوطن العربي، ألم يكن الطيب الصديقي هوية جمالية مسرحية مغربية؟ ويوسف إدريس وتجربة مسرح السرداق بمصر وكذلك روجيه عساف وتجربة المسرح الحكواتي وتجربة سعدالله ونوس وإبراهيم جلال وقاسم محمد؟ يجب علينا الاهتمام بصناع التجربة المسرحية، لأن بذلك فقط نستطيع أن نخلق اتجاهات مسرحية مختلفة تفرض أهميتها على الساحات المسرحية المجاورة. فكل ما نقدمه هو مسرح لا يختلف عما يقدم في بلدان العالم المختلفة، والاختلاف في اللغة فقط وأكرر فقط، فلا بد من السعي لتثبيت هذه الفكرة لعلنا نستطيع التخلص من التفكير بالآخر. فكل ما نقدمه هو: مسرح باللغة العربية.”

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    محمد الحمامصي
    كاتب مصري
يعمل...
X