Nabil Saleh
٣ يونيو، الساعة ١٢:٤٥ - 2022م ·
الأيدي الماهرة
أنا المواطن الأزلي: السمان يخدعني، بائع المازوت يلهفني، وسائق التكسي أيضاً.. اللحام يجرمني، الكومجي، رجل المرور، صاحب المصبغة، مصلح الالكترونيات، الوقت، التعب، الهموم، وعندما أحتاج إلى معاملة رسمية فإني أفتح جيوبي للموظف المسؤول.. يا سلام عالهبش: تاجر الجملة يحلب تاجر المفرق والأخير يستثمرني بمساعدة فتيات الإعلان، وأنا أنسرق سعيداً!
أنا المواطن الأزلي: العدو يسرق أرضي وطمأنينتي، والنظام..العالمي يسرق حريتي ومستقبلي.. الله في السماء والضباع على الأرض وأنا الأرنب الوديع أحفر مزيداً من الجحور لأحتمي من خوفي… الظلام صار طمأنينتي الوحيدة كلما سمعت عواء الذين فوقي: عووو… الغابة مخيفة فعلاً.
أنا الأرنب الوديع ذهبت إلى طبيب الأسنان ليهيئ لي أنياباً صناعية.. نشلني طبيب الأضراس وخرجت من عيادته بلا أسنان حتى! تزوجت عصفورة جميلة فسلخت فروي وارتدته معطفاً لكي تذهب إلى السينما.. ذهبنا إلى السينما وشاهدنا فيلماً محلياً عنوانه: «عملية تبادل» أبطاله أربعة لصوص محترفين بينهم امرأة جميلة سرقت بنكاً ببراعة، ثم جاء زميلها وسرقها ببراعة أيضاً. زميل زميلها لطش زميله وأخفى النقود لكن البطل الرابع عثر عليها بعدما فتح خزنة زميله الإلكترونية بواسطة سماعة طبيب، وهكذا بدأت الأيدي الماهرة تتبادل كيس المال إلى أن ملّت اللصة الحسناء من هذه اللعبة فاستعادت نقودها المسروقة، أقصد نقود البنك وألقتها في نهر المدينة!؟ ثم وضعت في خزنتها رزماً من أوراق الصحف بدلاً من النقود! زميلها الثاني سرق الخزنة خزنتها، وبعدما فوجئ بأوراق الجرايد اتصل بها مستغرباً منها هذه «الخيانة!» فشرحت له الموضوع بالقول: ما الفرق بين أن نسرق أوراق النقد أو أوراق الجرايد طالما أننا نتداول المبلغ ذاته فيما بيننا؟ المهم هو إظهار البراعة يا عزيزي! وفي نهاية الفيلم صفقنا طويلاً، أنا وزوجتي وجمهور الأرانب لهذا الفيلم الواقعي وخرجنا مبسوطين… ولكن إلى أين خرجنا؟ إلى شوارع ودكاكين التبادل طبعاً.. وكانت زوجتي، أقصد عصفورتي، ترتدي جلدي، عفواً ترتدي فروي فوق جلدها، وكنت سعيداً بإخراج ما في جيبي إلى كل المنتفعين بعرقي، ولم أكن أحتج أو أعترض على شيء أبداً، اللهم سوى شيء بسيط كان يثيرني عندما كان يصرّ جميع سارقيّ دائماً على الحديث عن الضمير والشرف!؟ فأتذكر أمثولة جدتي المرحومة وقت كانت تقول في مثل هذه المواقف: أفصح ما تكون العاهر عندما تتحدث عن العفاف!!
نبيل صالح - جريدة تشرين 1994/11/6
٣ يونيو، الساعة ١٢:٤٥ - 2022م ·
الأيدي الماهرة
أنا المواطن الأزلي: السمان يخدعني، بائع المازوت يلهفني، وسائق التكسي أيضاً.. اللحام يجرمني، الكومجي، رجل المرور، صاحب المصبغة، مصلح الالكترونيات، الوقت، التعب، الهموم، وعندما أحتاج إلى معاملة رسمية فإني أفتح جيوبي للموظف المسؤول.. يا سلام عالهبش: تاجر الجملة يحلب تاجر المفرق والأخير يستثمرني بمساعدة فتيات الإعلان، وأنا أنسرق سعيداً!
أنا المواطن الأزلي: العدو يسرق أرضي وطمأنينتي، والنظام..العالمي يسرق حريتي ومستقبلي.. الله في السماء والضباع على الأرض وأنا الأرنب الوديع أحفر مزيداً من الجحور لأحتمي من خوفي… الظلام صار طمأنينتي الوحيدة كلما سمعت عواء الذين فوقي: عووو… الغابة مخيفة فعلاً.
أنا الأرنب الوديع ذهبت إلى طبيب الأسنان ليهيئ لي أنياباً صناعية.. نشلني طبيب الأضراس وخرجت من عيادته بلا أسنان حتى! تزوجت عصفورة جميلة فسلخت فروي وارتدته معطفاً لكي تذهب إلى السينما.. ذهبنا إلى السينما وشاهدنا فيلماً محلياً عنوانه: «عملية تبادل» أبطاله أربعة لصوص محترفين بينهم امرأة جميلة سرقت بنكاً ببراعة، ثم جاء زميلها وسرقها ببراعة أيضاً. زميل زميلها لطش زميله وأخفى النقود لكن البطل الرابع عثر عليها بعدما فتح خزنة زميله الإلكترونية بواسطة سماعة طبيب، وهكذا بدأت الأيدي الماهرة تتبادل كيس المال إلى أن ملّت اللصة الحسناء من هذه اللعبة فاستعادت نقودها المسروقة، أقصد نقود البنك وألقتها في نهر المدينة!؟ ثم وضعت في خزنتها رزماً من أوراق الصحف بدلاً من النقود! زميلها الثاني سرق الخزنة خزنتها، وبعدما فوجئ بأوراق الجرايد اتصل بها مستغرباً منها هذه «الخيانة!» فشرحت له الموضوع بالقول: ما الفرق بين أن نسرق أوراق النقد أو أوراق الجرايد طالما أننا نتداول المبلغ ذاته فيما بيننا؟ المهم هو إظهار البراعة يا عزيزي! وفي نهاية الفيلم صفقنا طويلاً، أنا وزوجتي وجمهور الأرانب لهذا الفيلم الواقعي وخرجنا مبسوطين… ولكن إلى أين خرجنا؟ إلى شوارع ودكاكين التبادل طبعاً.. وكانت زوجتي، أقصد عصفورتي، ترتدي جلدي، عفواً ترتدي فروي فوق جلدها، وكنت سعيداً بإخراج ما في جيبي إلى كل المنتفعين بعرقي، ولم أكن أحتج أو أعترض على شيء أبداً، اللهم سوى شيء بسيط كان يثيرني عندما كان يصرّ جميع سارقيّ دائماً على الحديث عن الضمير والشرف!؟ فأتذكر أمثولة جدتي المرحومة وقت كانت تقول في مثل هذه المواقف: أفصح ما تكون العاهر عندما تتحدث عن العفاف!!
نبيل صالح - جريدة تشرين 1994/11/6