جرجاني (عبد قاهر)
Al-Jurjani (Abd al-Qahir-) - Al-Jurjani (Abd al-Qahir-)
الجرجاني (عبد القاهر ـ)
(400 ـ 471هـ/1009 ـ 1078م)
أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني النحوي المتكلم، ولد في جرجان لأسرة رقيقة الحال، نشأ ولوعاً بالعلم، محبّاً للثقافة، فأقبل على الكتب يلتهمها، وخاصة كتب النحو والأدب، تأثّر بأستاذه أبي الحسين الفارسي النحوي ابن أخت أبي علي الفارسي، وتتلمذ على كتب سابقيه ومعاصريه من النحاة والبلاغيين والنقاد والأدباء والمتكلمين، يأخذ عنهم، ويقف متريثاً أمام أفكارهم وأنظارهم. وكان عبد القاهر شافعي المذهب، متكلماً على طريقة الأشعري، ومع علمه الغزير وإنتاجه القيّم فإنه ظلّ في بلدته، فقيراً معدماً، ينمّ على بؤسه ما له من أشعار تنبض بالسخط على حظ العلماء في زمانه.
كان عصره عصر حروب وفتن ودسائس ومغامرات بين طلاب الملك والسلطان، مصبوغاً بالدماء. ومع ذلك كان العلم واحة السلام والأمن، التي أوى إليها الجرجاني وغيره من العلماء.
له من المؤلفات كتاب «المغني» ويقع في ثلاثين مجلداً، وهو شرح مبسوط لكتاب «الإيضاح» في النحو لأبي علي الفارسي (377هـ)، وكتاب «المقتصد» وهو ملخص للكتاب السابق، ويقع في مجلد واحد، «التكملة» وفيه إضافات هامة لم يذكرها صاحب «الإيضاح»، «الإيجاز» وهو اختصار للإيضاح، كتاب «الجمل في النحو» وهو كتاب لقي عناية من الدارسين قديماً وحديثاً، كتاب «التلخيص» وهو شرح لكتاب الجمل، كتاب «العوامل المئة» وهو كتاب في النحو، كتاب «العمدة» في التصريف، وكتاب «دلائل الإعجاز» وهو من أهم كتبه، وأكثرها قيمة في ميدان النقد الأدبي والبلاغة، عرض فيه نظرية النظم، التي هي نظرية متكاملة في الأدب والنقد، وتمخض عنها منهجه اللغوي التحليلي الموضعي، أقرب المناهج إلى طبيعة أدبنا العربي. تناول في «الدلائل» مباحث الكناية والمجاز والاستعارة والتشبيه البليغ والإيجاز والنظم، وأهم مباحث علم المعاني مما يتناول بنية الجملة العربية، وأحوال المسند والمسند إليه. وقد أثبت في كتابه هذا أن القرآن الكريم معجز ببلاغته وفصاحته، أي بنظمه. ومن هنا فصّل القول في أسرار جمال النظم، متخذاً من الشعر والقرآن مصدراً يستنبط منه فنون البلاغة عامة، ومباحث علم المعاني خاصة. ويمثل هذا الكتاب مرحلة الاكتمال في ثقافة عبد القاهر.
وله أيضاً «أسرار البلاغة» وهو يماثل «الدلائل» في القيمة العلمية، وقد ألفه بعده، وفيه عني بدراسة الأنواع البلاغية للصورة الأدبية من جهة: أنواعها، أقسامها، وظائفها، تشكيلها الجمالي، أثرها في المتلقي وروعتها، فاهتم بدراسة الاستعارة وأنواعها، والتشبيه وأقسامه والتمثيل وتأثيره، بطريقة تحليلية رائعة، وبمنهج يبحث عن الدقائق والأسرار والفروق بين صياغة فنية وأخرى. وقد كانت آراؤه في «الأسرار» أوسع وأدق منها في «الدلائل»، إذ أطال الشرح والعرض والتحليل والتعليل، كي يستخلص القاعدة، متوخياً من ذلك -وقد استطاع- أن يضع نظرية البيان العربي. وبذلك أكد عبد القاهر أنه ناقد جمالي عقلاني، يبحث عن قيمة الصورة البلاغية من خلال البحث في الصياغة التي تفصح عن دقائق النظم وأسرار تشكيل السياق. وهكذا كانت نظرية النظم المحور الذي تدور حوله فكرة الكتابين معاً.
تفرد عبد القاهر بنظرته الجديدة الصائبة للغة، إذ أثبت أن اللغة مجموعة من العلاقات المتفاعلة والمتآزرة داخل السياق، وأن خصائص النظم أمور خفية لا تدرك إلا بالذوق ولا تكتشف إلا بالتحليل والموازنة، فكان منهجه اللغوي نتيجة طيبة لنظريته، وفيه يشترط وجوب التمييز بين الخطأ والصواب، والمفاضلة بين الحسن والقبيح، إضافة إلى الثقافة الغزيرة والدقة، والموضوعية، والذوق الصافي، والبعد عن الأحكام السطحية أو الجاهزة.
وبذلك استطاع عبد القاهر أن يوحِّد بين ركني العمل الفني، اللفظ والمعنى، وأن يقضي على القسمة الجائرة بين التعبير العاري والمزخرف، فوحد بين اللغة والشعر، وبين النحو والبلاغة، ووضح طبيعة الخلق الفني. فبدا ناقداً متميزاً، أعاد للدرس البلاغي حيويته، وحدد خطوات منهج نقدي استمد أصوله وخصائصه من مادة درسه وهي الأدب، فكان أقرب النظريات النقدية والبلاغية العقلية في تراثنا إلى النقد الأدبي الحديث. وقد استحق أن يكون من كبار أئمة العربية والبيان، كما يقول السيوطي في «بغية الوعاة».
أحمد دهمان
ـ ابن العماد، شذرات الذهب (دار المسيرة، بيروت 1979).
ـ القفطي، إنباه الرواة (الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1981).
Al-Jurjani (Abd al-Qahir-) - Al-Jurjani (Abd al-Qahir-)
الجرجاني (عبد القاهر ـ)
(400 ـ 471هـ/1009 ـ 1078م)
أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني النحوي المتكلم، ولد في جرجان لأسرة رقيقة الحال، نشأ ولوعاً بالعلم، محبّاً للثقافة، فأقبل على الكتب يلتهمها، وخاصة كتب النحو والأدب، تأثّر بأستاذه أبي الحسين الفارسي النحوي ابن أخت أبي علي الفارسي، وتتلمذ على كتب سابقيه ومعاصريه من النحاة والبلاغيين والنقاد والأدباء والمتكلمين، يأخذ عنهم، ويقف متريثاً أمام أفكارهم وأنظارهم. وكان عبد القاهر شافعي المذهب، متكلماً على طريقة الأشعري، ومع علمه الغزير وإنتاجه القيّم فإنه ظلّ في بلدته، فقيراً معدماً، ينمّ على بؤسه ما له من أشعار تنبض بالسخط على حظ العلماء في زمانه.
كان عصره عصر حروب وفتن ودسائس ومغامرات بين طلاب الملك والسلطان، مصبوغاً بالدماء. ومع ذلك كان العلم واحة السلام والأمن، التي أوى إليها الجرجاني وغيره من العلماء.
له من المؤلفات كتاب «المغني» ويقع في ثلاثين مجلداً، وهو شرح مبسوط لكتاب «الإيضاح» في النحو لأبي علي الفارسي (377هـ)، وكتاب «المقتصد» وهو ملخص للكتاب السابق، ويقع في مجلد واحد، «التكملة» وفيه إضافات هامة لم يذكرها صاحب «الإيضاح»، «الإيجاز» وهو اختصار للإيضاح، كتاب «الجمل في النحو» وهو كتاب لقي عناية من الدارسين قديماً وحديثاً، كتاب «التلخيص» وهو شرح لكتاب الجمل، كتاب «العوامل المئة» وهو كتاب في النحو، كتاب «العمدة» في التصريف، وكتاب «دلائل الإعجاز» وهو من أهم كتبه، وأكثرها قيمة في ميدان النقد الأدبي والبلاغة، عرض فيه نظرية النظم، التي هي نظرية متكاملة في الأدب والنقد، وتمخض عنها منهجه اللغوي التحليلي الموضعي، أقرب المناهج إلى طبيعة أدبنا العربي. تناول في «الدلائل» مباحث الكناية والمجاز والاستعارة والتشبيه البليغ والإيجاز والنظم، وأهم مباحث علم المعاني مما يتناول بنية الجملة العربية، وأحوال المسند والمسند إليه. وقد أثبت في كتابه هذا أن القرآن الكريم معجز ببلاغته وفصاحته، أي بنظمه. ومن هنا فصّل القول في أسرار جمال النظم، متخذاً من الشعر والقرآن مصدراً يستنبط منه فنون البلاغة عامة، ومباحث علم المعاني خاصة. ويمثل هذا الكتاب مرحلة الاكتمال في ثقافة عبد القاهر.
وله أيضاً «أسرار البلاغة» وهو يماثل «الدلائل» في القيمة العلمية، وقد ألفه بعده، وفيه عني بدراسة الأنواع البلاغية للصورة الأدبية من جهة: أنواعها، أقسامها، وظائفها، تشكيلها الجمالي، أثرها في المتلقي وروعتها، فاهتم بدراسة الاستعارة وأنواعها، والتشبيه وأقسامه والتمثيل وتأثيره، بطريقة تحليلية رائعة، وبمنهج يبحث عن الدقائق والأسرار والفروق بين صياغة فنية وأخرى. وقد كانت آراؤه في «الأسرار» أوسع وأدق منها في «الدلائل»، إذ أطال الشرح والعرض والتحليل والتعليل، كي يستخلص القاعدة، متوخياً من ذلك -وقد استطاع- أن يضع نظرية البيان العربي. وبذلك أكد عبد القاهر أنه ناقد جمالي عقلاني، يبحث عن قيمة الصورة البلاغية من خلال البحث في الصياغة التي تفصح عن دقائق النظم وأسرار تشكيل السياق. وهكذا كانت نظرية النظم المحور الذي تدور حوله فكرة الكتابين معاً.
تفرد عبد القاهر بنظرته الجديدة الصائبة للغة، إذ أثبت أن اللغة مجموعة من العلاقات المتفاعلة والمتآزرة داخل السياق، وأن خصائص النظم أمور خفية لا تدرك إلا بالذوق ولا تكتشف إلا بالتحليل والموازنة، فكان منهجه اللغوي نتيجة طيبة لنظريته، وفيه يشترط وجوب التمييز بين الخطأ والصواب، والمفاضلة بين الحسن والقبيح، إضافة إلى الثقافة الغزيرة والدقة، والموضوعية، والذوق الصافي، والبعد عن الأحكام السطحية أو الجاهزة.
وبذلك استطاع عبد القاهر أن يوحِّد بين ركني العمل الفني، اللفظ والمعنى، وأن يقضي على القسمة الجائرة بين التعبير العاري والمزخرف، فوحد بين اللغة والشعر، وبين النحو والبلاغة، ووضح طبيعة الخلق الفني. فبدا ناقداً متميزاً، أعاد للدرس البلاغي حيويته، وحدد خطوات منهج نقدي استمد أصوله وخصائصه من مادة درسه وهي الأدب، فكان أقرب النظريات النقدية والبلاغية العقلية في تراثنا إلى النقد الأدبي الحديث. وقد استحق أن يكون من كبار أئمة العربية والبيان، كما يقول السيوطي في «بغية الوعاة».
أحمد دهمان
مراجع للاستزادة: |
ـ القفطي، إنباه الرواة (الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1981).