إسكندرية مصر - السيمياء .. الإسكندريه والسيمياء
إسكندرية مصر
إسكندرية مصر ميناء يقع غربي مصب النيل عند البحر المتوسط.
وكان طول المدينة القديمة 4 أميال، وكانت مبنية في نسق منتظم تتقاطع فيه الشوارع عموديا على بعضها . وقد استحوذ بطليموس الذي كان نفسه تلميذا لأرسطو بسرعة على السلطة في مصر. وبينما كانت الحروب في بقية أجزاء إمبراطورية الإسكندرية - نهبت المدن وحطمت المكتبات وقتلت العلماء وشتتتهم - بنى بطليموس في الإسكندرية مركزا تعليميا للبحر المتوسط، والشرق الأدنى.
ونما في الإسكندرية الهجين الثقافي الذي كان يهدف إليه الإسكندر توليفة غنية من تقاليد الفلسفة والمعلومات العملية. وامتزج هذان النوعان من التعلم - الفلسفي والتقني - بطريقة لم يتوقعها حتى الإسكندر نفسه. فقد أوجدا نوعا جديدا من التقنية الفلسفية: السيمياء (الكيمياء القديمة - السيمياء).
السيمياء
تشير السيمياء إلى ممارسة سكندرية (*) إلا أن الكلمة في الحقيقة لها أصول عربية، فالجزء «أل» al من الكلمة هو أداة تعريف في العربية وقد اشتقت السيمياء alchemy من الـ «كيميا » وهي كلمة عامة تدل على ممارسة الكيمياء .
(*) كيمياء أو سيمياء لها أصل مصري قديم، والمصطلح نسبة إلى مصر، إذ كان اسم مصر قديما كيمت، أي الأرض السوداء - الطمي الزراعي (المراجع).
وليس من المعروف أصول كلمة كيميا . فبعض المؤرخين يظنون أنها جاءت من كلمة مصرية تعني أسود، أي تربة النيل السوداء، أو بعض أنواع السحر الأسود، أو يمكن أن تعني المسحوق الأسود المستخدم لتكحيل العيون ومقاومة القرص اللاذع للذباب. وقد اقترح زوسيموس - سيميائي من الإسكندرية - احتمالا آخر . فقال إن الكلمة قد أطلقتها الملائكة الذين وقعوا في حب نساء الأرض - على الجنس البشري. ومؤلفا هذا الكتاب لابد أن يرفضا هذا التفسير كمؤرخين لكنهما ككيميائيين يفضلانه. ومع أن كلمة السيمياء قد انبثقت عن الكلمة العامة كيمياء - وتعني تقنية الحرفيين - إلا أنها جاءت لتشير إلى فرع من الكيمياء العملية، الذي نما موازيا لتقنية الحرفيين. وقد كان فرعا في غاية الأهمية، والمشاهدات والتقنية السيميائية كانت تغذي الكيمياء العملية - مثل الطب، وعلم الفلزات والفن - لكن عدا ذلك فإن السيمياء كانت مهمة لأنها كانت اختبارا أوليا للفرضيات. وموضوع العلم هو التفسير والتنبؤ، وقد تنبأ أرسطو بعد تفسيره للمادة بالتحول، أي تغير إحدى المواد إلى مادة أخرى. وهذه كانت الفرضية التي وضعها السيميائيون موضع الاختبار واستمروا في ذلك طوال الألف سنة التالية.
وتباينت آراء السيميائيين بشأن الهدف من التحولات . ففي أكثر الأحيان كان الهدف إنتاج الذهب، ومع ذلك فقد يكون الهدف طبيا أو حتى تحول الكهل إلى شاب أو الجسد الأرضي إلى روح. وقد اختلفت أيضا تقنيات التحول : اتخذ بعض السيميائيين طريقا عمليا وذلك بالذوبان والصهر والاتحاد والتقطير، لكن البعض الآخر استخدم التعاويذ السحرية فقط .
أما معظمهم فقد استخدم الاثنين. كانت الجوائز عظيمة الذهب والحياة الأبدية) . وقد حاول الممارسون بكل الطرق إخفاء وسائلهم ونتائجهم، جاعلين الممارسة مفعمة بالسرية والغموض والحوادث الغريبة في أثناء الليل. وقد أدى هذا إلى جعل إدراك الناس ووعيهم بالسيميائيين أقل من جيد أما المشتغلون الآخرون بالكيمياء المعالجون والتعدينيون والحرفيون فقد كانوا في بعض الأحيان يتعرضون لمتاعب. غير أن السيمياء كانت تمثل الأمل للمشتغلين بالكيمياء في حيرتهم، وقد زودتهم بالحماس ليظلوا أمام النار عندما كان الخزافون والنساجون قد غادروا إلى بيوتهم.
وبالطبع فإنه من منظورنا المستنير، قد تبدو فكرة التحول الشامل فكرة شاذة وغريبة مما يدعونا إلى التشكك في فطنة أسلافنا . ولكن إذا فكرنا بدقة في السيمياء كافتراض أول فإنها لن تكون مجافية للعقل تماما .
لقد اعتقد السيميائيون في التحول لأنهم رأوا التحول في حياتهم كل يوم في الطهي وفي الصباغة وفي وظائف الجسد مثل إنتاج الفلزات من الخامات. وكانوا يعرفون أيضا التحول المذهل لخام كبريتيد الزئبق - الزنجفر (سينابار) - إلى زئبق سائل : كان تسخين الخام يطرد شيئا ما ويترك خلفه بركة من الفلز الفضي . فإذا لم تكن هذه براهين كافية على التحول، إذن يكفي أن يُسخن الفلز ثانية لتتحول البركة إلى جامد أحمر (مادة صلبة حمراء) . ولم يكن ذلك عودة الزنجفر مرة أخرى كما كانوا يظنون، لكنه أكسيد آخر للزئبق له اللون الأحمر نفسه. وفي غيبة معلومات إضافية يصبح التحول مقبولا ظاهريا كأي تفسير آخر.
وأكثر من ذلك، فعندما كان أسلافنا الكيميائيون الأوائل يصنعون مسحوقا أصفر أو ذهبي اللون، لم تكن لديهم أي أسباب للاعتقاد بأن هذا ليس ذهبا ، لذلك كانوا يقررون أنه كذلك. وعندما أصبحت تقنيات التحليل أفضل، تأكدوا أن الناتج ليس ذهبا، ولأنهم ظلوا يعتقدون لأجيال عدة أن العملية تنتج ذهبا فإنهم أخذوا يلقون باللوم على تقنيتهم الخاصة للفشل وليس الوصفة أو التركيبة.
وأخيرا يمكن تفهم الجهد المرهق غير المشكور فيما يبدو للسيميائيين إذا تيقنا من الإغراء الشديد الذي كانوا يتعرضون له كلما اقتربوا، هكذا كان يخيل إليهم من هدفهم فإنتاج فلز أصفر كان تقريبا إنتاجا للذهب. وتبعا لمدى فهمهم فإن المنتج قد يكون ذهباً ، لكنه ليس عالي الجودة مثل المادة التي تستخرج من الأرض. وكان هناك من العاملين من يطعمون أسرهم بصناعة شبيه الذهب، الذي لم يكن إلى حد ما سيئا بحيث يخدع حتى الحرفيين» كما كانوا يقولون (1).
إسكندرية مصر
إسكندرية مصر ميناء يقع غربي مصب النيل عند البحر المتوسط.
وكان طول المدينة القديمة 4 أميال، وكانت مبنية في نسق منتظم تتقاطع فيه الشوارع عموديا على بعضها . وقد استحوذ بطليموس الذي كان نفسه تلميذا لأرسطو بسرعة على السلطة في مصر. وبينما كانت الحروب في بقية أجزاء إمبراطورية الإسكندرية - نهبت المدن وحطمت المكتبات وقتلت العلماء وشتتتهم - بنى بطليموس في الإسكندرية مركزا تعليميا للبحر المتوسط، والشرق الأدنى.
ونما في الإسكندرية الهجين الثقافي الذي كان يهدف إليه الإسكندر توليفة غنية من تقاليد الفلسفة والمعلومات العملية. وامتزج هذان النوعان من التعلم - الفلسفي والتقني - بطريقة لم يتوقعها حتى الإسكندر نفسه. فقد أوجدا نوعا جديدا من التقنية الفلسفية: السيمياء (الكيمياء القديمة - السيمياء).
السيمياء
تشير السيمياء إلى ممارسة سكندرية (*) إلا أن الكلمة في الحقيقة لها أصول عربية، فالجزء «أل» al من الكلمة هو أداة تعريف في العربية وقد اشتقت السيمياء alchemy من الـ «كيميا » وهي كلمة عامة تدل على ممارسة الكيمياء .
(*) كيمياء أو سيمياء لها أصل مصري قديم، والمصطلح نسبة إلى مصر، إذ كان اسم مصر قديما كيمت، أي الأرض السوداء - الطمي الزراعي (المراجع).
وليس من المعروف أصول كلمة كيميا . فبعض المؤرخين يظنون أنها جاءت من كلمة مصرية تعني أسود، أي تربة النيل السوداء، أو بعض أنواع السحر الأسود، أو يمكن أن تعني المسحوق الأسود المستخدم لتكحيل العيون ومقاومة القرص اللاذع للذباب. وقد اقترح زوسيموس - سيميائي من الإسكندرية - احتمالا آخر . فقال إن الكلمة قد أطلقتها الملائكة الذين وقعوا في حب نساء الأرض - على الجنس البشري. ومؤلفا هذا الكتاب لابد أن يرفضا هذا التفسير كمؤرخين لكنهما ككيميائيين يفضلانه. ومع أن كلمة السيمياء قد انبثقت عن الكلمة العامة كيمياء - وتعني تقنية الحرفيين - إلا أنها جاءت لتشير إلى فرع من الكيمياء العملية، الذي نما موازيا لتقنية الحرفيين. وقد كان فرعا في غاية الأهمية، والمشاهدات والتقنية السيميائية كانت تغذي الكيمياء العملية - مثل الطب، وعلم الفلزات والفن - لكن عدا ذلك فإن السيمياء كانت مهمة لأنها كانت اختبارا أوليا للفرضيات. وموضوع العلم هو التفسير والتنبؤ، وقد تنبأ أرسطو بعد تفسيره للمادة بالتحول، أي تغير إحدى المواد إلى مادة أخرى. وهذه كانت الفرضية التي وضعها السيميائيون موضع الاختبار واستمروا في ذلك طوال الألف سنة التالية.
وتباينت آراء السيميائيين بشأن الهدف من التحولات . ففي أكثر الأحيان كان الهدف إنتاج الذهب، ومع ذلك فقد يكون الهدف طبيا أو حتى تحول الكهل إلى شاب أو الجسد الأرضي إلى روح. وقد اختلفت أيضا تقنيات التحول : اتخذ بعض السيميائيين طريقا عمليا وذلك بالذوبان والصهر والاتحاد والتقطير، لكن البعض الآخر استخدم التعاويذ السحرية فقط .
أما معظمهم فقد استخدم الاثنين. كانت الجوائز عظيمة الذهب والحياة الأبدية) . وقد حاول الممارسون بكل الطرق إخفاء وسائلهم ونتائجهم، جاعلين الممارسة مفعمة بالسرية والغموض والحوادث الغريبة في أثناء الليل. وقد أدى هذا إلى جعل إدراك الناس ووعيهم بالسيميائيين أقل من جيد أما المشتغلون الآخرون بالكيمياء المعالجون والتعدينيون والحرفيون فقد كانوا في بعض الأحيان يتعرضون لمتاعب. غير أن السيمياء كانت تمثل الأمل للمشتغلين بالكيمياء في حيرتهم، وقد زودتهم بالحماس ليظلوا أمام النار عندما كان الخزافون والنساجون قد غادروا إلى بيوتهم.
وبالطبع فإنه من منظورنا المستنير، قد تبدو فكرة التحول الشامل فكرة شاذة وغريبة مما يدعونا إلى التشكك في فطنة أسلافنا . ولكن إذا فكرنا بدقة في السيمياء كافتراض أول فإنها لن تكون مجافية للعقل تماما .
لقد اعتقد السيميائيون في التحول لأنهم رأوا التحول في حياتهم كل يوم في الطهي وفي الصباغة وفي وظائف الجسد مثل إنتاج الفلزات من الخامات. وكانوا يعرفون أيضا التحول المذهل لخام كبريتيد الزئبق - الزنجفر (سينابار) - إلى زئبق سائل : كان تسخين الخام يطرد شيئا ما ويترك خلفه بركة من الفلز الفضي . فإذا لم تكن هذه براهين كافية على التحول، إذن يكفي أن يُسخن الفلز ثانية لتتحول البركة إلى جامد أحمر (مادة صلبة حمراء) . ولم يكن ذلك عودة الزنجفر مرة أخرى كما كانوا يظنون، لكنه أكسيد آخر للزئبق له اللون الأحمر نفسه. وفي غيبة معلومات إضافية يصبح التحول مقبولا ظاهريا كأي تفسير آخر.
وأكثر من ذلك، فعندما كان أسلافنا الكيميائيون الأوائل يصنعون مسحوقا أصفر أو ذهبي اللون، لم تكن لديهم أي أسباب للاعتقاد بأن هذا ليس ذهبا ، لذلك كانوا يقررون أنه كذلك. وعندما أصبحت تقنيات التحليل أفضل، تأكدوا أن الناتج ليس ذهبا، ولأنهم ظلوا يعتقدون لأجيال عدة أن العملية تنتج ذهبا فإنهم أخذوا يلقون باللوم على تقنيتهم الخاصة للفشل وليس الوصفة أو التركيبة.
وأخيرا يمكن تفهم الجهد المرهق غير المشكور فيما يبدو للسيميائيين إذا تيقنا من الإغراء الشديد الذي كانوا يتعرضون له كلما اقتربوا، هكذا كان يخيل إليهم من هدفهم فإنتاج فلز أصفر كان تقريبا إنتاجا للذهب. وتبعا لمدى فهمهم فإن المنتج قد يكون ذهباً ، لكنه ليس عالي الجودة مثل المادة التي تستخرج من الأرض. وكان هناك من العاملين من يطعمون أسرهم بصناعة شبيه الذهب، الذي لم يكن إلى حد ما سيئا بحيث يخدع حتى الحرفيين» كما كانوا يقولون (1).
تعليق