فيثاغورس وزينون وأنباد قليس .. من کیمیائی ما قبل التاريخ إلى الفيلسوف الكيميائي
فيثاغورس وزينون وأنباد قليس
قبل وصول أنا كساجوراس إلى أثينا، كانت تقاليد فلسفية أخرى قد وجدت لنفسها موضع قدم في هذه الأرض الخصبة بما في ذلك مدرسة فيثاغورس . أما فيثاغورس نفسه والذي ولد على جزيرة في بحر إيجة فقد تمرس في تعاليم الفلاسفة الأيونيين واطلع على الرياضيات البابلية والمصرية خلال رحلاته. وقد دفعه هذا المزيج من المؤثرات إلى جماعة سرية نذرت نفسها للتفكير الرياضي والتأمل الديني. واقترح أتباع فيثاغورس (الذين كان يقال إنهم يضمون الرجال والنساء على قدم المساواة نظريات رياضية عن المادة، وأنها تضم خمسة عناصر كانوا يتخيلونها على شكل جوامد هندسية : كانت الأراضي مكعبات والماء عشريني الأوجه والهواء ثماني الأوجه والنار رباعية الأوجه أما الأثير عنصر سديمي يملأ الفراغات التي لا تشغلها العناصر الأربعة الأخرى فكان اثني عشري الأوجه.
كانت المدرسة الفكرية لزينون الأيلي عكس ذلك. فقد كان زينون يصر على أن المادة امتداد متصل، ويرفض فكرة إمكان انقسامها إلى جسيمات من عناصر مختلفة. وكان يقول إنه إذا تم الفصل بين جسيمتين لعنصرين مختلفين، فإن أيا ما كان الذي فصل بينهما لا بد أن يكون هو الآخر شيئا ما، لذا فإن المادة امتداد متصل. وكان اتصال المادة محل دفاع حتى القرن العشرين لكن دون إضافة من زينون . وقد التحق زينون بتنظيم سري للإطاحة بطاغية كان يحكم وطنه مدينة إيليا، لكن لرفضه الإفصاح عن أسماء شركائه وهو تحت التعذيب فقد مات وماتت أفكاره معه .
كانت هناك مدرسة مهمة ثالثة للفكر أثرت في فلسفة أثينا هي مدرسة أنباد قليس. ومن الصعب أن نعطي هذا الاسم حقه، لكن يكفي أن نقول إن أنباد قليس هو مؤسس نظرية العناصر الأربعة للمادة، وهي الفكرة التي سادت التفكير الكيميائي العربي والأوروبي حتى نهاية القرن الثامن عشر. ومع أن أنباد قليس كان أرستقراطيا بالميلاد، إلا أنه كان من أتباع المدرسة
الفيثاغورسية التي تدعو إلى المساواة، وقد رفض التاج الذي قدمه له وطنه المدينة عندما ساعد في الإطاحة بالأقلية الحاكمة. وفي المقابل أسس أنباد قليس الديمقراطية. وقد ألف - ككاتب رائع - بحثا في الطب وكذلك في الفلسفة الطبيعية، حيث افترض فيه أن هناك أربعة عناصر (سماها الجذور) - التراب والماء والهواء والنار - تشكل أساس كل الأشياء، وأن هناك قوتين - الحب والكراهية - تتحكمان فى تمازجها . وتبعا لنظرية أنباد قليس فإن كل العناصر الأربعة موجودة في جميع المواد، لكن بنسب مختلفة.
ومن المعروف عن أنباد قليس أنه أثبت بطريقة فيزيائية أن الهواء جسم مادي. فقد استخدم ساعة مائية مخروط به ثقوب في القاع والقمة وعندما يوضع في الماء يغرق ببطء نحو القاع ويعمل بذلك كمقياس تقريبي للزمن)، وبين أنه إذا سد قمة المخروط بإصبعه فإن الماء لا يملأ المخروط. ولما أزاح إصبعه اندفع الهواء من الفتحة إلى الخارج. وبمعرفة إمكاناته في استخدام الدقة المنطقية وإيمانه بالديموقراطية، فإنه من الطريف أنه في نهاية الأمر قرر أنباد قليس إعلان نفسه إلها . وقد قام بإلقاء نفسه في فوهة بركان ليقنع أتباعه بألوهيته . تقول القصة بعد ذلك إن البركان قد ألقى بحذاء أنباد قليس ثانية، وبذلك تحطمت ألوهيته.
ديموقريطس وليوسيباس
تعد النظرية الذرية الإغريقية آخر الفلسفات التي سندرسها في مراحل الإعداد، وهي النظرية التي سيعود اسمها ومبادئها للظهور باستمرار في قصتنا . ومع أن بدايات النظرية الذرية الإغريقية تنسب عادة لديموقريطس وحده، فإن من الأرجح أن تكون هذه الأفكار بصفة عامة قد نشأت مع ليوسيباس - معلمه .
كان ديموقريطس كثير الحركة معروفا باسم الفيلسوف الضاحك السخريته من الجنس البشري، وقد تكون كتابات المعلم قد نسبت بطريق الخطأ للتلميذ الأكثر شهرة.
ينص صلب النظرية على أن المادة مصنوعة من عدد لانهائي من ذرات العناصر الجامدة في حركة دائمة، وكان من المعتقد أن هذه الذرات تكون المواد بخصائص تتحدد من شكل الذرة فمثلا تنسج الأغشية من ذرات لها شكل الخطاطيف)، وهي الفكرة التي احتفظت بإغوائها في الفلسفة الكيميائية لأوروبا الغربية حتى القرن السابع عشر، والطبيعة الذرية للمواد من النظريات المقبولة، اليوم، على الرغم من أن ذرات النظريات الحديثة تختلف بشدة عن تلك التي كان يتصورها ديموقريطس كما سنرى فيما بعد .
سقراط نحاتا
ذلك كان الوسط الغني الذي نشأ فيه سقراط، وقد ولد لأبوين من الطبقة العاملة كان أبوه نحاتا وأمه قابلة وكان قصيرا وشجاعا له عينان جاحظتان وأنف أفطس، وقد خدم كجندي مشاة في الحرب البليوبونزية.
وهي الخبرة التي ربما أثرت في فلسفته . ولأنه كان معنيا بتطوير قواعد المجتمع يتمتع بالسلام والنظام ولأخلاق، فقد استخدم المنهم الاستنباطي للاستدلال والذي يبدأ بحقيقة تبدو صادقة ولا تقبل الجدل في نظر جميع الكائنات العاقلة ثم يستخلص النتائج من هذه الحقيقة باستخدام قواعد المنطق المحددة بوضوح. ربما كانت هذه الطريقة تعمل جيداً في الأنظمة الاجتماعية - وربما كان الصدق الذي لا يقبل الجدل هو شيء يتفق عليه كل الناس في مجتمع معين - لكن قد لا تعمل هذه الطريقة بنجاح في الكيمياء. فالطبيعة تملي قواعدها في الكيمياء، وهي قواعد لا تبدو واضحة بصورة مباشرة لكل الكائنات العاقلة. وكان سقراط يرفض البرهان بالقياس فمثلا لم يسق النبات الأول فمات، لذلك سيموت النبات الثاني إذا لم يسق) والبرهان بالاستقراء فمثلا غرق اللاموس الأول والثاني والثالث عندما وقعوا في البحر، لذلك سيغرق اللاموس الرابع أيضاً) مفضلا الاستدلال بالمنهج الاستنباطي. وقد تكون هذه الأنماط من البراهين نافعة في الكيمياء وقد تخدم النباتات واللاموس وقت الحاجة إليها أيضا). وفي هذا الصدد فقد عاق منطق سقراط الكيميائيين الذين التزموا به في المستقبل.
وقد رفض سقراط التجريب كوسيلة للوصول إلى الحقيقة، معتقدا أن الطبيعة الأساسية للعالم يمكن إداركها بالتأمل العقلي فقط. وعلى الرغم من أن أتباعه كانوا يجربون العالم المادي بالطريقة نفسها التي نفعل بها ذلك - بالسير والأكل والتنفس وملاحظة ما نسير عليه وما نأكله وما نتنفسه) - فإنهم لم يقوموا عن قصد بالمعالجة التجريبية للمواد، ولم يدم ذلك طويلا، فقد انغمس الكيميائيون حتى مرافقهم في تجاربهم، إلا أن هذا المنطق ترك أثرا مدمرا ، إذ كان الكيميائيون يرون ما يعتقدون أنه متطابق مع حججهم وليس ما هو موجود فعلا.
وفي نهاية المطاف حوكم سقراط بتهمة إفساد الشباب وإدخال آلهة جديدة، وحكم عليه بالموت (وقد يكون من المناسب هنا أن نشير إلى أنه طوال تاريخ الكيمياء لم يتحمل أحد أي اضطهاد نتيجة لآرائه الكيميائية بينما تسببت الآراء السياسية في معاناة العديد من الناس مثل هذا المصير) ويبدو أن الأصدقاء قد عرضوا مساعدة سقراط في الهرب، لكنه كان يعتقد أن الحكم الصادر من محكمة شرعية لابد أن ينفذ . تجرع سقراط سم الشوكران، وترك تلميذه اللامع أفلاطون ليحمل الرسالة من بعده.
فيثاغورس وزينون وأنباد قليس
قبل وصول أنا كساجوراس إلى أثينا، كانت تقاليد فلسفية أخرى قد وجدت لنفسها موضع قدم في هذه الأرض الخصبة بما في ذلك مدرسة فيثاغورس . أما فيثاغورس نفسه والذي ولد على جزيرة في بحر إيجة فقد تمرس في تعاليم الفلاسفة الأيونيين واطلع على الرياضيات البابلية والمصرية خلال رحلاته. وقد دفعه هذا المزيج من المؤثرات إلى جماعة سرية نذرت نفسها للتفكير الرياضي والتأمل الديني. واقترح أتباع فيثاغورس (الذين كان يقال إنهم يضمون الرجال والنساء على قدم المساواة نظريات رياضية عن المادة، وأنها تضم خمسة عناصر كانوا يتخيلونها على شكل جوامد هندسية : كانت الأراضي مكعبات والماء عشريني الأوجه والهواء ثماني الأوجه والنار رباعية الأوجه أما الأثير عنصر سديمي يملأ الفراغات التي لا تشغلها العناصر الأربعة الأخرى فكان اثني عشري الأوجه.
كانت المدرسة الفكرية لزينون الأيلي عكس ذلك. فقد كان زينون يصر على أن المادة امتداد متصل، ويرفض فكرة إمكان انقسامها إلى جسيمات من عناصر مختلفة. وكان يقول إنه إذا تم الفصل بين جسيمتين لعنصرين مختلفين، فإن أيا ما كان الذي فصل بينهما لا بد أن يكون هو الآخر شيئا ما، لذا فإن المادة امتداد متصل. وكان اتصال المادة محل دفاع حتى القرن العشرين لكن دون إضافة من زينون . وقد التحق زينون بتنظيم سري للإطاحة بطاغية كان يحكم وطنه مدينة إيليا، لكن لرفضه الإفصاح عن أسماء شركائه وهو تحت التعذيب فقد مات وماتت أفكاره معه .
كانت هناك مدرسة مهمة ثالثة للفكر أثرت في فلسفة أثينا هي مدرسة أنباد قليس. ومن الصعب أن نعطي هذا الاسم حقه، لكن يكفي أن نقول إن أنباد قليس هو مؤسس نظرية العناصر الأربعة للمادة، وهي الفكرة التي سادت التفكير الكيميائي العربي والأوروبي حتى نهاية القرن الثامن عشر. ومع أن أنباد قليس كان أرستقراطيا بالميلاد، إلا أنه كان من أتباع المدرسة
الفيثاغورسية التي تدعو إلى المساواة، وقد رفض التاج الذي قدمه له وطنه المدينة عندما ساعد في الإطاحة بالأقلية الحاكمة. وفي المقابل أسس أنباد قليس الديمقراطية. وقد ألف - ككاتب رائع - بحثا في الطب وكذلك في الفلسفة الطبيعية، حيث افترض فيه أن هناك أربعة عناصر (سماها الجذور) - التراب والماء والهواء والنار - تشكل أساس كل الأشياء، وأن هناك قوتين - الحب والكراهية - تتحكمان فى تمازجها . وتبعا لنظرية أنباد قليس فإن كل العناصر الأربعة موجودة في جميع المواد، لكن بنسب مختلفة.
ومن المعروف عن أنباد قليس أنه أثبت بطريقة فيزيائية أن الهواء جسم مادي. فقد استخدم ساعة مائية مخروط به ثقوب في القاع والقمة وعندما يوضع في الماء يغرق ببطء نحو القاع ويعمل بذلك كمقياس تقريبي للزمن)، وبين أنه إذا سد قمة المخروط بإصبعه فإن الماء لا يملأ المخروط. ولما أزاح إصبعه اندفع الهواء من الفتحة إلى الخارج. وبمعرفة إمكاناته في استخدام الدقة المنطقية وإيمانه بالديموقراطية، فإنه من الطريف أنه في نهاية الأمر قرر أنباد قليس إعلان نفسه إلها . وقد قام بإلقاء نفسه في فوهة بركان ليقنع أتباعه بألوهيته . تقول القصة بعد ذلك إن البركان قد ألقى بحذاء أنباد قليس ثانية، وبذلك تحطمت ألوهيته.
ديموقريطس وليوسيباس
تعد النظرية الذرية الإغريقية آخر الفلسفات التي سندرسها في مراحل الإعداد، وهي النظرية التي سيعود اسمها ومبادئها للظهور باستمرار في قصتنا . ومع أن بدايات النظرية الذرية الإغريقية تنسب عادة لديموقريطس وحده، فإن من الأرجح أن تكون هذه الأفكار بصفة عامة قد نشأت مع ليوسيباس - معلمه .
كان ديموقريطس كثير الحركة معروفا باسم الفيلسوف الضاحك السخريته من الجنس البشري، وقد تكون كتابات المعلم قد نسبت بطريق الخطأ للتلميذ الأكثر شهرة.
ينص صلب النظرية على أن المادة مصنوعة من عدد لانهائي من ذرات العناصر الجامدة في حركة دائمة، وكان من المعتقد أن هذه الذرات تكون المواد بخصائص تتحدد من شكل الذرة فمثلا تنسج الأغشية من ذرات لها شكل الخطاطيف)، وهي الفكرة التي احتفظت بإغوائها في الفلسفة الكيميائية لأوروبا الغربية حتى القرن السابع عشر، والطبيعة الذرية للمواد من النظريات المقبولة، اليوم، على الرغم من أن ذرات النظريات الحديثة تختلف بشدة عن تلك التي كان يتصورها ديموقريطس كما سنرى فيما بعد .
سقراط نحاتا
ذلك كان الوسط الغني الذي نشأ فيه سقراط، وقد ولد لأبوين من الطبقة العاملة كان أبوه نحاتا وأمه قابلة وكان قصيرا وشجاعا له عينان جاحظتان وأنف أفطس، وقد خدم كجندي مشاة في الحرب البليوبونزية.
وهي الخبرة التي ربما أثرت في فلسفته . ولأنه كان معنيا بتطوير قواعد المجتمع يتمتع بالسلام والنظام ولأخلاق، فقد استخدم المنهم الاستنباطي للاستدلال والذي يبدأ بحقيقة تبدو صادقة ولا تقبل الجدل في نظر جميع الكائنات العاقلة ثم يستخلص النتائج من هذه الحقيقة باستخدام قواعد المنطق المحددة بوضوح. ربما كانت هذه الطريقة تعمل جيداً في الأنظمة الاجتماعية - وربما كان الصدق الذي لا يقبل الجدل هو شيء يتفق عليه كل الناس في مجتمع معين - لكن قد لا تعمل هذه الطريقة بنجاح في الكيمياء. فالطبيعة تملي قواعدها في الكيمياء، وهي قواعد لا تبدو واضحة بصورة مباشرة لكل الكائنات العاقلة. وكان سقراط يرفض البرهان بالقياس فمثلا لم يسق النبات الأول فمات، لذلك سيموت النبات الثاني إذا لم يسق) والبرهان بالاستقراء فمثلا غرق اللاموس الأول والثاني والثالث عندما وقعوا في البحر، لذلك سيغرق اللاموس الرابع أيضاً) مفضلا الاستدلال بالمنهج الاستنباطي. وقد تكون هذه الأنماط من البراهين نافعة في الكيمياء وقد تخدم النباتات واللاموس وقت الحاجة إليها أيضا). وفي هذا الصدد فقد عاق منطق سقراط الكيميائيين الذين التزموا به في المستقبل.
وقد رفض سقراط التجريب كوسيلة للوصول إلى الحقيقة، معتقدا أن الطبيعة الأساسية للعالم يمكن إداركها بالتأمل العقلي فقط. وعلى الرغم من أن أتباعه كانوا يجربون العالم المادي بالطريقة نفسها التي نفعل بها ذلك - بالسير والأكل والتنفس وملاحظة ما نسير عليه وما نأكله وما نتنفسه) - فإنهم لم يقوموا عن قصد بالمعالجة التجريبية للمواد، ولم يدم ذلك طويلا، فقد انغمس الكيميائيون حتى مرافقهم في تجاربهم، إلا أن هذا المنطق ترك أثرا مدمرا ، إذ كان الكيميائيون يرون ما يعتقدون أنه متطابق مع حججهم وليس ما هو موجود فعلا.
وفي نهاية المطاف حوكم سقراط بتهمة إفساد الشباب وإدخال آلهة جديدة، وحكم عليه بالموت (وقد يكون من المناسب هنا أن نشير إلى أنه طوال تاريخ الكيمياء لم يتحمل أحد أي اضطهاد نتيجة لآرائه الكيميائية بينما تسببت الآراء السياسية في معاناة العديد من الناس مثل هذا المصير) ويبدو أن الأصدقاء قد عرضوا مساعدة سقراط في الهرب، لكنه كان يعتقد أن الحكم الصادر من محكمة شرعية لابد أن ينفذ . تجرع سقراط سم الشوكران، وترك تلميذه اللامع أفلاطون ليحمل الرسالة من بعده.
تعليق