الفلاسفة اليونانيون .. من کیمیائی ما قبل التاريخ إلى الفيلسوف الكيميائي
الفلاسفة اليونانيون
لم تكن تفسيرات العالم المرئي جديدة طبعا . فقد كانت ومازالت هي روح الدين . ومع ذلك فإن هؤلاء المفكرين الجدد لم يستشهدوا بآلهة في تفسيراتهم، أي أنهم حاولوا أن يحتفظوا بتفسيراتهم العقلية ( المعتمدة على العقل في مواجهة الصوفية المبنية على الحدس والإيمان فقط). ومثلما أن تأمل طبيعة العالم لم يكن جديدا كذلك الفكر العقلاني. وقد طور البابليون رياضيات معقدة وأصبحوا بحلول العام 1600 ق. م. معنيين بالتفكير العقلي. أما في أفريقيا فالمعرفة الرياضية المصرية التي تمثلت في تقسيم الأراضي والمساحة وتشييد الأهرامات، استندت يقينا إلى فكر عقلاني.
وقد كان الفيلسوف الهندي القديم كابيلا يعتقد أن المسائل الفلسفية يمكن أن تحل دون اللجوء إلى التفاسير الصوفية. وتورد الـ «نيايا سوترا» الهندية والتي من المرجح أن تكون قد كتبت في وقت ما بين القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي - قوائم بمبادئ المناقشة والحجج والأفكار الخاطئة الشائعة . لكن يجب أن نولي اهتماما خاصا للإغريق، فلأسباب سياسية أكثر منها فلسفية سنعرض لذلك باختصار كان قدر الإغريق أن يقوموا بشرح فلسفة الطبيعة وطبيعة الفلسفة والتي كان لها أكبر الأثر في مستقبل الأحداث الكيميائية.
طاليس وأناكسيماندر وأناكسيمينس وأنا كساجوراس
نعتمد في الكيمياء الحديثة حوالى مائة عنصر هي اللبنات الأساسية التي تتكون منها كل المادة، وليس هناك ما يبرر الزعم بأن هذا هو الافتراض الأول، إذ كان الجهد الفلسفي معنيا في البداية باكتشاف الجوهر الأساسي الأوحد للطبيعة - المادة الأساسية، تلك التي تكوّن منها كل ما سواها . وبدأ هذا الجهد بالنسبة للإغريق حوالى سنة 600 ق. م. على سواحل بحر إيجة في آسيا الصغرى في المدينة الأيونية المستقلة مليتوس على يدي أول الفلاسفة الأيونيين - طاليس.
وليس معروفا عن حياة طاليس إلا القليل. فقد ولد في أسرة متميزة ولا نعلم لماذا اختار حياة التدريس والفلسفة، ولكنه فعل ذلك. كان طاليس يعتقد أن المادة الخام الرئيسية في الطبيعة لا بد وأن تكون مادة واحدة.
وكان يعلم تلاميذه أن هذه المادة الأساسية هي الماء وربما كان متأثرا في ذلك بالتعاليم الدينية البابلية. ولم يكن طاليس يستشهد بأدلة دينية لدعم نظريته، لكنه في المقابل كان يعتمد على المشاهدات حيث كان الماء يتحول إلى هواء (البخر) أو جامد (التجمد) وبذلك فهو يكون كل الأشياء. وقد أعطى ذلك الاتجاه أساس المدارس الفكرية الإغريقية في المستقبل، وهو تفسير الظواهر الطبيعية على أساس الاستدلال العقلي المعتمد على الملاحظة دون الوحي المفارق.
وقد تلا طاليس تلميذه أناكسيماندر ( في منتصف الأعوام 1500 ق . م .) في افتراض أن المادة الأساسية في كل شيء اسمه «أبيرون». ولم يكن أناكسيما ندر يملك وصفا دقيقا لهذه المادة. لكنه كان يقول إن العوالم كانت تتكون وتختفي مثل الفقاعات في هذا الأبيرون . ووضع نظرية تقول إن النظام الشمسي قد ظهر إلى الوجود عندما انفصلت كتلة من الأبيرون من زمن لانهائي في حركة دائرية تسببت في تحجر المادة الثقيلة في المركز، أما الحواف فقد تكثفت على شكل أجرام سماوية . يمكن مقارنة هذه النظرية بالنظرية الكونية الحديثة (19) . وهى تعطى انطباعا بدقة الحدس المتعلق بالعالم الحسي. ومن جهة أخرى كان أناكسيما ندر يرى الأرض على شكل اسطوانة مفلطحة. وكان يعتقد بأن الحيوانات كانت تنشأ من المادة غير الحية بينما ينشأ الإنسان من الأسماك، وهو الأمر الذي يذكرنا بالطبيعة التأملية لهذه النظريات.
عاش أناكسيمينس حوالي سنة 550 ق.م. وكان على الأرجح تلميذا لأناكسيما ندر، لكنه كان يقول إن الهواء هو الجوهر الأول. وتبعا لمقولة أناكسيمينس فإن الهواء المخلخل يصبح نادرا أما المكثف فإنه يكون كل شيء آخر ( الماء والأرض والأحجار) . ودعما لنظريته كان أناكسيمينس يقول إن الهواء المنفوخ من شفاه مضمومة يصبح بارداً أما الهواء المنفوخ من فم مفتوح فهو حار : بمعنى أن الهواء المضغوط يتكثف أما المتمدد فإنه يتحول إلى نار.
عاش أنا كساجوراس آخر الفلاسفة الأيونيين المتميزين حوالي العام 400 ق. م، وعلى الرغم من أنه ولد لوالدين موسرين فإنه يبدو قد أنفق ميراثه في ممارسة الفلسفة الطبيعية . وقد رمى أنا كساجوراس جانبا تقاليد البحث عن مادة أولية وحيدة، وكان يضع الفروض كيف يمكن أن يأتي الشعر مما ليس شعرا واللحم مما ليس لحما (20) . وكان يفترض وجود بذور أجزاء متناهية الصغر من كل شيء توجد فى العالم المرئي. ولم تكن هذه البذور تبدأ وجودها أو تفنى ولكنها كانت تكوّن كل المواد . وتتشكل المواد الجديدة منها عندما تمتزج أو تنفصل . وعلى عكس النظريات الذرية اللاحقة كان أنا كساجوراس يؤمن بأن كل المواد قابلة للانقسام إلى ما لانهاية، وأن الأجزاء الصغيرة الناتجة عن الانقسام تحتوي على أجزاء من كل مادة أخرى.
من المهم أن نتوقف قليلا هنا لنلاحظ مجريات التطور : كان الخلاف يدور حول ماهية الجوهر أو الجواهر الأولى، لكن كل المتحاورين فيما يبدو كانوا يركنون في دعة إلى الافتراض بأنه مهما كان هذا العنصر الأساسي (أو العناصر) فلا بد أن يكون موجودا في أجزاء صغيرة في كل المواد . كان هذا الفرض الذي كدح من أجله الكيميائيون على مدى الألفي عام التالية كان أحد أسباب هذا الإصرار هو توالي البديهيات في البراهين المقدمة بواسطة الفلاسفة والمدعمة بالملاحظات اليومية، لكن سببا آخر
تمثل في الانتفاضات الاجتماعية التي أدت إلى انتشار الفلاسفة الإغريق في كل أنحاء البحر المتوسط مثل بذور أناكساجوراس.
بدأت هذه الانتفاضات عندما غزا الفرس مليتوس وهاجر الفلاسفة الأيونيون إلى مناطق أخرى من اليونان. سافر أناكساجوراس إلي أثينا، حيث يقال إنه قدم تفسيرا دقيقا للكسوف والخسوف. وفي النهاية حوكم بتهمة الهرطقة عندما كان يؤكد أن الشمس ما هي إلا حجر متوهج أكبر قليلا من منطقة البيلوبونيز. وعلى الرغم من رد الفعل غير المتوقع
لمواطني أثينا فإنه كان مقدرا لأثينا بالذات أن تصبح أهم مركز للفلسفة.
الفلاسفة اليونانيون
لم تكن تفسيرات العالم المرئي جديدة طبعا . فقد كانت ومازالت هي روح الدين . ومع ذلك فإن هؤلاء المفكرين الجدد لم يستشهدوا بآلهة في تفسيراتهم، أي أنهم حاولوا أن يحتفظوا بتفسيراتهم العقلية ( المعتمدة على العقل في مواجهة الصوفية المبنية على الحدس والإيمان فقط). ومثلما أن تأمل طبيعة العالم لم يكن جديدا كذلك الفكر العقلاني. وقد طور البابليون رياضيات معقدة وأصبحوا بحلول العام 1600 ق. م. معنيين بالتفكير العقلي. أما في أفريقيا فالمعرفة الرياضية المصرية التي تمثلت في تقسيم الأراضي والمساحة وتشييد الأهرامات، استندت يقينا إلى فكر عقلاني.
وقد كان الفيلسوف الهندي القديم كابيلا يعتقد أن المسائل الفلسفية يمكن أن تحل دون اللجوء إلى التفاسير الصوفية. وتورد الـ «نيايا سوترا» الهندية والتي من المرجح أن تكون قد كتبت في وقت ما بين القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي - قوائم بمبادئ المناقشة والحجج والأفكار الخاطئة الشائعة . لكن يجب أن نولي اهتماما خاصا للإغريق، فلأسباب سياسية أكثر منها فلسفية سنعرض لذلك باختصار كان قدر الإغريق أن يقوموا بشرح فلسفة الطبيعة وطبيعة الفلسفة والتي كان لها أكبر الأثر في مستقبل الأحداث الكيميائية.
طاليس وأناكسيماندر وأناكسيمينس وأنا كساجوراس
نعتمد في الكيمياء الحديثة حوالى مائة عنصر هي اللبنات الأساسية التي تتكون منها كل المادة، وليس هناك ما يبرر الزعم بأن هذا هو الافتراض الأول، إذ كان الجهد الفلسفي معنيا في البداية باكتشاف الجوهر الأساسي الأوحد للطبيعة - المادة الأساسية، تلك التي تكوّن منها كل ما سواها . وبدأ هذا الجهد بالنسبة للإغريق حوالى سنة 600 ق. م. على سواحل بحر إيجة في آسيا الصغرى في المدينة الأيونية المستقلة مليتوس على يدي أول الفلاسفة الأيونيين - طاليس.
وليس معروفا عن حياة طاليس إلا القليل. فقد ولد في أسرة متميزة ولا نعلم لماذا اختار حياة التدريس والفلسفة، ولكنه فعل ذلك. كان طاليس يعتقد أن المادة الخام الرئيسية في الطبيعة لا بد وأن تكون مادة واحدة.
وكان يعلم تلاميذه أن هذه المادة الأساسية هي الماء وربما كان متأثرا في ذلك بالتعاليم الدينية البابلية. ولم يكن طاليس يستشهد بأدلة دينية لدعم نظريته، لكنه في المقابل كان يعتمد على المشاهدات حيث كان الماء يتحول إلى هواء (البخر) أو جامد (التجمد) وبذلك فهو يكون كل الأشياء. وقد أعطى ذلك الاتجاه أساس المدارس الفكرية الإغريقية في المستقبل، وهو تفسير الظواهر الطبيعية على أساس الاستدلال العقلي المعتمد على الملاحظة دون الوحي المفارق.
وقد تلا طاليس تلميذه أناكسيماندر ( في منتصف الأعوام 1500 ق . م .) في افتراض أن المادة الأساسية في كل شيء اسمه «أبيرون». ولم يكن أناكسيما ندر يملك وصفا دقيقا لهذه المادة. لكنه كان يقول إن العوالم كانت تتكون وتختفي مثل الفقاعات في هذا الأبيرون . ووضع نظرية تقول إن النظام الشمسي قد ظهر إلى الوجود عندما انفصلت كتلة من الأبيرون من زمن لانهائي في حركة دائرية تسببت في تحجر المادة الثقيلة في المركز، أما الحواف فقد تكثفت على شكل أجرام سماوية . يمكن مقارنة هذه النظرية بالنظرية الكونية الحديثة (19) . وهى تعطى انطباعا بدقة الحدس المتعلق بالعالم الحسي. ومن جهة أخرى كان أناكسيما ندر يرى الأرض على شكل اسطوانة مفلطحة. وكان يعتقد بأن الحيوانات كانت تنشأ من المادة غير الحية بينما ينشأ الإنسان من الأسماك، وهو الأمر الذي يذكرنا بالطبيعة التأملية لهذه النظريات.
عاش أناكسيمينس حوالي سنة 550 ق.م. وكان على الأرجح تلميذا لأناكسيما ندر، لكنه كان يقول إن الهواء هو الجوهر الأول. وتبعا لمقولة أناكسيمينس فإن الهواء المخلخل يصبح نادرا أما المكثف فإنه يكون كل شيء آخر ( الماء والأرض والأحجار) . ودعما لنظريته كان أناكسيمينس يقول إن الهواء المنفوخ من شفاه مضمومة يصبح بارداً أما الهواء المنفوخ من فم مفتوح فهو حار : بمعنى أن الهواء المضغوط يتكثف أما المتمدد فإنه يتحول إلى نار.
عاش أنا كساجوراس آخر الفلاسفة الأيونيين المتميزين حوالي العام 400 ق. م، وعلى الرغم من أنه ولد لوالدين موسرين فإنه يبدو قد أنفق ميراثه في ممارسة الفلسفة الطبيعية . وقد رمى أنا كساجوراس جانبا تقاليد البحث عن مادة أولية وحيدة، وكان يضع الفروض كيف يمكن أن يأتي الشعر مما ليس شعرا واللحم مما ليس لحما (20) . وكان يفترض وجود بذور أجزاء متناهية الصغر من كل شيء توجد فى العالم المرئي. ولم تكن هذه البذور تبدأ وجودها أو تفنى ولكنها كانت تكوّن كل المواد . وتتشكل المواد الجديدة منها عندما تمتزج أو تنفصل . وعلى عكس النظريات الذرية اللاحقة كان أنا كساجوراس يؤمن بأن كل المواد قابلة للانقسام إلى ما لانهاية، وأن الأجزاء الصغيرة الناتجة عن الانقسام تحتوي على أجزاء من كل مادة أخرى.
من المهم أن نتوقف قليلا هنا لنلاحظ مجريات التطور : كان الخلاف يدور حول ماهية الجوهر أو الجواهر الأولى، لكن كل المتحاورين فيما يبدو كانوا يركنون في دعة إلى الافتراض بأنه مهما كان هذا العنصر الأساسي (أو العناصر) فلا بد أن يكون موجودا في أجزاء صغيرة في كل المواد . كان هذا الفرض الذي كدح من أجله الكيميائيون على مدى الألفي عام التالية كان أحد أسباب هذا الإصرار هو توالي البديهيات في البراهين المقدمة بواسطة الفلاسفة والمدعمة بالملاحظات اليومية، لكن سببا آخر
تمثل في الانتفاضات الاجتماعية التي أدت إلى انتشار الفلاسفة الإغريق في كل أنحاء البحر المتوسط مثل بذور أناكساجوراس.
بدأت هذه الانتفاضات عندما غزا الفرس مليتوس وهاجر الفلاسفة الأيونيون إلى مناطق أخرى من اليونان. سافر أناكساجوراس إلي أثينا، حيث يقال إنه قدم تفسيرا دقيقا للكسوف والخسوف. وفي النهاية حوكم بتهمة الهرطقة عندما كان يؤكد أن الشمس ما هي إلا حجر متوهج أكبر قليلا من منطقة البيلوبونيز. وعلى الرغم من رد الفعل غير المتوقع
لمواطني أثينا فإنه كان مقدرا لأثينا بالذات أن تصبح أهم مركز للفلسفة.
تعليق