المركبات الكيميائية - تراث الطبيب السومري .. من کیمیائی ما قبل التاريخ إلى الفيلسوف الكيميائي
المركبات الكيميائية
كان الكيميائيون العاملون قديما يمتلكون مخزونا معقولا من المركبات الكيميائية التي تمكنوا من استخدامها في مختلف العمليات بالإضافة إلى الفلزات النقية وسبائكها. وكما في حالة المواد العلاجية فإن هذه المركبات الكيميائية لم تصل إلينا بحالها البكر التي كانت عليها قديماً، لذلك فإن علينا أن نخمن أوجه استخدامها من المصنوعات المكتشفة في الحفائر مثل المدقات والأهوان والمطحن والمصفاة ووحدات التقطير والبواتق. وكانت إحدى اكتشافات ما بين النهرين عبارة عن آنية فخارية على شكل قدر لها حافة مزدوجة، ربما كانت تستخدم لاستخلاص الزيوت النباتية أو المستخلصات العطرية . كانت المادة الخام توضع بين الحافتين ويغطى الوعاء بغطاء ويُغلى أحد المذيبات (ماء أو زيت في القاع. يتكثف بخار المذيب الذي يغلى على الغطاء ويسيل فوق المادة الخام ويستخلص المكون المرغوب ثم يتقطر عائدا إلى قاع القدر - وهو المبدأ نفسه المستخدم اليوم لترشيح القهوة بالاستخلاص (11).
ولدينا الآن فكرة عن بعض المركبات الأخرى الشائعة، وذلك لأنه في أحد الأيام الرائعة من أيام الألفية الثالثة في بلاد ما بين النهرين تناول طبيب سومري مجهول الاسم أحد ألواح الصلصال بطول ست بوصات وعرض أربع، وأثبت فيه قائمة بوصفاته المفضلة.
تراث الطبيب السومري
كانت بعض المكونات في الوصفات عبارة عن أملاح تتكرر أسماؤها مرات كثيرة فى قصتنا : كلوريد الصوديوم (المعروف باسم ملح الطعام - ويوجد على شكل رواسب طبيعية أو يتم الحصول عليه بتبخير ماء البحر) وكربونات الصوديوم (عرفت فيما بعد باسم رماد الصودا عند الأوروبيين وتوجد كرواسب طبيعية أو تنتج من احتراق النباتات الغنية بالصوديوم) وكلوريد الأمونيوم عرف فيما بعد باسم ملح النشادر عند الأوروبيين ويحصلون عليه من حرق كتل كبيرة من الفحم أو تسخين روث الجمال الذي تعرض طويلا للجو) . أما المعادن من مثل الشب أو كبريتات الألومنيوم والبوتاسيوم، والجبس أو كبريتات الكالسيوم فكانت تجمع وتطحن من أجل الدواء، وكان الجبس يستخدم كذلك كنوع من الملاط (12).
وتظهر نترات الصوديوم أو نترات البوتاسيوم كذلك في هذه الوصفات وكل منهما كان يطلق عليه فيما بعد ملح بيتر أو النيتر عند الأوروبيين (وكان ينسب للنيتر خواص علاجية عدة عبر العصور، فكان يوصف في ظروف مختلفة مثل العجز الجنسي والربو والشبق الجنسي - إلا أن معظم هذه المعالجات ثبت عدم جدواها .
غير أن قيمة النيتر ارتفعت ارتفاعا كبيرا عندما وجد أنه مكون أساسي للبارود . وتنتج المركبات البلورية عديمة اللون والتي يتكون منها النيتر من تأثير فعل البكتيريا على المخلفات النيتروجينية مثل البول والسماد . وهي مركبات مألوفة لأي إنسان له احتكاك بالإسطبلات. ومن خبراتنا اللاحقة يمكن أن يكون السومريون قد جمعوا النيتر من جوانب المجارير ومزارع الحيوانات، وكان يحتوي من دون شك على الكثير من الشوائب. وطبعا لم يكن من المركبات في نظافة وشكل البلورات الموجودة على أرفف الصيدليات اليوم. كانت على الأغلب مخاليط قذرة حتى أن واحدا من أشهر المركبات الكيميائة وهو الماء كثيرا ما كان على شكل مادة معتمة مضببة يميل لونها إلى البني.
واشتملت الوصفات على مكونات أخرى مصدرها الحيوانات (اللبن وجلد الثعبان ودرقة السلحفاة)، ومن نباتات ( الآس والزعتر ومن أشجار الصفصاف والكمثرى والتين والبلح) . ويجري استخدام هذه المكونات كما هي مباشرة أو على شكل مسحوق. وكانت الوصفات تتطلب في بعض الأحيان أن يستخلص المكون المطلوب بواسطة الماء المغلي، أما إذا كان المكون لا يذوب في الماء فيمكن استخلاصه بالبيرة أو النبيذ . ويحتوي (النبيذ) أو البيرة بالطبع على الإيثانول - وهو مادة كيميائية كانت لها أهميتها نفسها اليوم. وينتج الإيثانول عندما تقوم طحالب معينة وحيدة الخلية تسمى خميرة باستهلاك السكر في عملية اسمها التخمر. وتوجد الخمائر التي تسبب التخمر طبيعيا على الكروم، لذلك فإن التخمر يمكن أن يحدث تلقائياً في عصير العنب الغني بالسكر. وقد كانت الظروف المشجعة على التخمر وإنتاج الإيثانول معروفة ومستخدمة طوال عشرة الآلاف سنة الماضية على الأرجح، جاعلة من التخمر واحدا من أقدم العمليات الكيميائية إن لم يكن أشهرها . والإيثانول مذيب مستخلص رائع للمواد العضوية المحتوية على الكربون مثل زيوت النباتات والكحول. يمتزج الطرف العضوي من جزيء الإيثانول المحتوي على الكربون والهيدروجين جيدا مع المواد النباتية وهي مواد عضوية كذلك. أما الطرف الكحولي للإيثانول والذي يتكون من الأكسجين والهيدروجين فيمتزج جيدا مع الماء الذي يحتوي كذلك على الأكسجين والهيدروجين بالنسبة المألوفة h2o . ويمكن للمواد العضوية الممتزجة بالإيثانول أن تتحول إلى محلول مائي، ويمكن بعد ذلك حفظ تلك المستخلصات وتخزينها في صورة جامد أو سائل أو مسحوق كما هي الحال اليوم.
وقد استخدم الطبيب السومري كذلك الزيوت النباتية والدهون الحيوانية كمستخلصات ومراهم، لكن لسوء الحظ لم تصلنا المعلومات عن القيمة الدوائية للأعشاب العلاجية وفي أي الأمراض كانت تستخدم، ربما بسبب تقيد الطبيب بالمساحة المحدودة للوح أو بسبب الطبيعة المرهقة البطيئة للكتابة المسمارية. ومع ذلك فإن بعضا من التأثيرات العلاجية يمكن تخمينه. فمثلا في الوصفة الثانية عشرة ينصح الطبيب :
انخل واعجن معا - الكل مع بعضه - ترس سلحفاة ونبات الناجا المحتوي على الصوديوم فى أول تبرعمه، والملح، والخردل، اغسل البقعة المريضة ببيرة جيدة أو ماء ساخن. حك البقعة المريضة بكل هذا . بعد الحك ادهن بزيت نباتي ثم غط بمسحوق التنوب (13) .
يقوم الغسيل الموصوف في هذا العلاج بتنظيف المنطقة المصابة، أما الملح والكحول فلا شك يعملان كمطهرات أو مضادات للتعفن. وثمة وصفتان من وصفات اللوح تستلزم استخدام ملح قلوي صوديوم أو بوتاسيوم مع دهن طبيعي - وهو ما ينتج عنه الصابون - وهذا يساعد مرة أخرى في تنظيف الجرح أو المنطقة المصابة إذا استعمل من الخارج.
ومن الطريف أن طبيبنا السومري لم يسجل أي تعاويذ طقوس سحرية لاستخدامها مع الدواء، الأمر الذي يدل على أن الطقوس إما أنها لم تكن تستخدم، وإما لم تكن تعد من الأهمية بحيث تحتل مكانا من مساحة اللوح المحددة. غير أن السحرة أصبحوا في فترة لاحقة أكثر أهمية من الأطباء في معالجة الأمراض في المجتمع البابلي الذي أنتج واحدة من أغزر قوائم الدواء (14) . وفي الحقيقة كان المرض يعد تلبسا أو استحواذا شيطانيا سببه ارتكاب الرذيلة، وكانت العقاقير تستخدم لطرد الأرواح الشريرة أكثر منها لتطهير المريض. وكان الدواء يصنع بشكل مقزز عمدا ليطرد الشيطان خارجا (ولم تكن هناك أي فرصة للمريض المسكين سوى أن يخضع)، ولذا كان العلاج يتكون من لحم نيئ وجسد ثعبان ولحاء أشجار وزيت وطعام نتن وعظام مسحوقة ودهن وقاذورات وبراز آدمي أو حيواني. وقد أشرنا إلى هذا هنا لأن نظرية التلبس الشيطاني عادت للظهور على السطح مرة أخرى في أوروبا في السنوات 1600 الميلادية.
ويمكن تفهم الحاجة إلى مثل هذه الإجراءات الطبية القاسية إذا نظرنا إلى نوعية الحياة في تلك الحضارات القديمة. كان الناس يموتون بشكل روتيني من تحلل الأسنان والجروح البسيطة والعدوى والحمى التي كان من الممكن معالجتها في غضون ساعة واحدة بالأدوية المتاحة الآن. كانوا يعانون من الأخرجة ومن العمى. كان الألم والطفيليات من ثوابت الحياة المقبولة. وكانت فرص النساء في النجاة من ولادة الأطفال مثل فرصهن في النجاة لو ذهبن للحرب، وهو ما كان يحدث كثيرا ، ولم تكن فرص الأطفال في النجاة من طفولتهم أعلى من ذلك بكثير.
وكثيرا ما كانت طرق الهروب من الحياة في أهمية طرق الحفاظ عليها، وواحدة من هذه الطرق كانت من خلال الفن. ومع أن كلمة فن هنا توحي بالأشياء المرسومة والجدران إلا أن هناك وسيلة مألوفة كانت تستخدم لنقل الفكر التجمل الشخصي. وتقوم قصة سيدنا يوسف في الكتاب المقدس) شاهدا على هذا الشكل من الفن. ففي هذه القصة يلقي إخوة يوسف به في الجب ويتركونه ليلقى حتفه، أما جريمته؟ فقد كانوا يحسدونه على ردائه المتعدد الألوان.
الدهان والصبغة
كانت الملابس تصنع من الصوف والقطن والكتان، لكن الصوف كان الأكثر شيوعا ، وكانت الصبغات بشكل عام عضوية، وهو الاسم الذي يطلق على فصيل من المركبات التي تتكون من الكربون والهيدروجين أو الهيدروكربونات، والتى كانت تستخرج في ذلك الوقت من الحيوانات والنباتات.
أما غير العضوي فهو الاسم الذي أعطي للمركبات التي ليست هيدروكربونات، والتي تستخرج من المعادن. وتستخدم مجموعة من الأملاح غير العضوية كمثبتات للصبغة المواد التي تثبت الصبغة بالربط الكيميائي بين كل من الصبغة وبنية البروتين في الملابس. وكانت النيلة المستخرجة من نبات النيلة هي الصبغة الزرقاء المفضلة وسنرى كيف أن هذه الصبغة ستعيد صنع التاريخ الكيميائي والاجتماعي مرة أخرى مع بدايات السنوات 1900 من العصر الحالي). وكانت الصبغة بعد تخمرها في الراقود (وعاء ضخم عديمة اللون. لكن الملابس التي تغمس فيها ثم تعرض للهواء ستتحول للون الأزرق الداكن في ثوان معدودات. واستخدمت نباتات أخرى للصباغة كالزعفران الذي ينتج صبغة صفراء، والفوة الذي ينتج صبغة حمراء، وجدت على ملابس المومياوات المصرية. وفيما بين النهرين كانت الصبغة الحمراء مصدرها القرمز وهو مسحوق حشرة قشرية تسمى قرمزية (قملة النباتات) تعيش على أشجار البلوط في منطقة البحر المتوسط. وكانت أغلى الصبغات هي صبغة الأرجوان التي كان يحصل عليها من غدة في بلح البحر (أحد الرخويات الموجود في مواقع خاصة فقط على ساحل البحر المتوسط.
ويعطي كل كائن من هذه الكائنات كمية ضئيلة فقط من سائل دهني له رائحة الثوم يسجل البعض أن 12 ألف كائن من بلح البحر تلزم للحصول على عينة في حجم قطرة واحدة من الصبغة (15)، لكن عند استخدامها تعطي صبغة أرجوانية غير عادية وأخاذة.
وبالإضافة إلى الملابس وديكوراتها كانت مستحضرات التجميل تستخدم لتحسين المظهر الشخصي شأن العطور. ويشير أحد النصوص البابلية بالذات إلى أن النساء كن يعملن في تحضير العطور مثل الرجال، وبذلك تكون النساء قد ساهمن على الأقل في هذه الصناعة من التقنية الكيميائية وعلى الأغلب فإنهن كن مساهمات في مجالات أخرى. وبمرور الزمن تطورت هذه التقنيات الكيميائية حتى إن الحرفيين يستطيعون إنتاج مواد كثيرة طريفة ومفيدة. كان الزجاج واحدا من أكثر هذه المواد طرافة ويشبه الذهب في البداية حيث لم يكن له أي هدف سوى الجمال.
الزجاج
يشكل السيليكون تقريبا خمسة وعشرين في المائة من القشرة الأرضية وهو في ذلك يلي الأكسجين في نسبة انتشاره. ومعظم الأرض التي نقف عليها من السيليكات السيليكون - أكسجين، أو ما يعرف عادة بالرمل. وكان الزجاج المكون من السيليكات المصهورة ينتج في الطبيعة من ضربات البرق والبراكين أو في الأماكن التي تحفرها النيازك من سطح الأرض. وقد استخدم المصريون الزجاج للتزجيج منذ الأزمنة الحجرية الحديثة، لكن إنتاج الزجاج كمادة مستقلة لأغراض مقصودة لم يحدث إلا سنة 3000 - 2000 ق. م. في بلاد ما بين النهرين.
في البداية كان الحرفيون يصنعون الزجاج من الرمل أو الكوارتز ثاني أكسيد السيليكون وكربونات الصوديوم الخام، والتي كانت توجد في مصر فى طبقات تحت البحيرات القريبة من الإسكندرية. ومن دون كربونات الصوديوم فإن الأمر يحتاج إلى لهب درجة حرارته عالية إلى 1700 مئوية لصهر الرمل تؤدي إضافة كربونات الصوديوم إلى خفض درجة الانصهار لأنها تنتج صهورا من أكسيد الصوديوم) . ويذوب الزجاج المنتج بالصوديوم إلى حد ما في الماء وهو الأمر الذي كثيرا ما استخدم في الفن. ومع ذلك فقد كانت الأوعية الزجاجية تنتج للقلة المتميزة) لتخزين المراهم أو المواد الأخرى التي كانت تمتص بواسطة قدور السيراميك (16) . وقد وجد الحرفيون حوالى سنة 1300 ق. م. أن إدخال أكسيد الكالسيوم، وهو مركب كيميائي آخر كان معروفا للقدماء يقلل من ذوبانية الزجاج. وكان الأوروبيون المتأخرون يسمونه الجير أو الجير الحي (الجير) غير المطفأ أو الكلس)، يتكون من تسخين كربونات الكالسيوم الموجودة في الأصداف أو بتسخين الرواسب الطبيعية للحجر الجيري أو الطباشير.
وبمجرد اكتشاف هذه التقنية بدأت على الفور مصانع الزجاج في مصر القديمة . كان الزجاج في هذه الحضارات القديمة يصب صبا ولا ينفخ. وكان مضببا أزرق اللون (ملونا بواسطة مركبات النحاس وأحيانا الكوبلت)، مع بعض الألوان الأخرى التي يكتسبها الزجاج واستخدم الآشوريون أكسيد القصدير وأنتيمونات الرصاص لتلوين زجاج الزينة باللون الأبيض والأصفر على التوالي وساد اعتقاد بأن الآشوريين كانوا يعرفون كيف يصنعون الماء الملكي مزيج من حمض النيتريك والهيدروكلوريك)، لأنهم استخدموا أملاح الذهب لإضفاء اللون الأحمر على زجاجهم، وكان الماء الملكي ضروريا لإذابة الذهب.
مواد وطرق أخرى
بينما تشكل التقنيات سالفة الذكر قائمة تثير الإعجاب فإنها ليست شاملة لكل إنجازات العصور القديمة. فنحن لم نتعمق في خبرة الهندوس في دباغة الجلود أو فن سبك الفلزات في وسط أمريكا . وهناك تقنية أخرى سنعرض لها هنا بسبب الغموض الذي يحيط بها وليس بسبب الدرجة العالية من الخبرة التقنية بالتحديد، ذلك هو فن التحنيط المصري الشهير.
ولصنع المومياء كان المصريون يقومون بإفراغ الجثة من أحشائها، ثم حشوها بالنبيذ والعطور. ويستخرجون المخ قطعة قطعة من فتحة الأنف باستخدام خطاف حديدي وقد تكون هذه أكثر الأجزاء غموضا في العملية) وبعدها ينقعون الجسد في حمام من النطرون ملح الصوديوم والألومنيوم والسيلكون والأكسجين ) لمدة 70 يوماً . وتقتل هذه العملية البكتريا التي تسبب التحلل وتنزع الماء من الخلايا ، حتى لا يتسنى للبكتيريا في المستقبل أن تجد موقعاً مناسباً لها . كانوا يقومون بعد ذلك بلف الجسد بأشرطة من القماش مكسوة بالصمغ ثم يدفعون الجثة في قبر محكم الإغلاق، معزول عن الرطوبة المفسدة والهواء، ولا تمثل العملية غموضا أكثر من عملية تمليح اللحم.
ومع تطور التحنيط والزجاج والصباغة أصابت المجتمعات نجاحا يكفيها لتكريس الوقت والمواد، في مهام ليست مرتبطة ارتباطا مباشرا بالأعمال اليومية الرامية للبقاء على الحياة. وقد بلغ هذا الاتجاه ذروته في مهنة لا تتطلب جهدا يدويا ولا تنتج منتجا عدا الفكر الفلسفة . وقد أعطت الحضارة والكيمياء للفلاسفة وقتا للتفكير وموضوعا يفكرون فيه.
من حوالى 2000 عام إلى 300 عام (ق. م) : الفلاسفة
في الوقت الذي كانت تتراكم فيه الحقائق الكيميائية باستمرار بواسطة الحرفيين، كانت هذه الحقائق محل دراسة بواسطة الفلاسفة - الذين كانوا يعملون كذلك كرياضيين وفلكيين وتشريحيين وفيزيائيين ولاهوتيين ومنظرين سياسيين. وفي الحقيقة لم يبدأ علماء أوروبا في التفكير في أعمالهم كأشياء منفصلة عن الفلسفة إلا في أوائل القرن التاسع عشر. ومع أن الفلسفة كانت شائعة في كل الثقافات إلا أن فلاسفة اليونان كانوا هم الأكثر تأثيرا في تطور الكيمياء الحديثة. وقد استخلص هؤلاء المفكرون فرضيات عن طبيعة المادة والتفاعل بين المواد مما ساعد أو أعاق التطورات الكيميائية على طول الألفي عام التالية.
المركبات الكيميائية
كان الكيميائيون العاملون قديما يمتلكون مخزونا معقولا من المركبات الكيميائية التي تمكنوا من استخدامها في مختلف العمليات بالإضافة إلى الفلزات النقية وسبائكها. وكما في حالة المواد العلاجية فإن هذه المركبات الكيميائية لم تصل إلينا بحالها البكر التي كانت عليها قديماً، لذلك فإن علينا أن نخمن أوجه استخدامها من المصنوعات المكتشفة في الحفائر مثل المدقات والأهوان والمطحن والمصفاة ووحدات التقطير والبواتق. وكانت إحدى اكتشافات ما بين النهرين عبارة عن آنية فخارية على شكل قدر لها حافة مزدوجة، ربما كانت تستخدم لاستخلاص الزيوت النباتية أو المستخلصات العطرية . كانت المادة الخام توضع بين الحافتين ويغطى الوعاء بغطاء ويُغلى أحد المذيبات (ماء أو زيت في القاع. يتكثف بخار المذيب الذي يغلى على الغطاء ويسيل فوق المادة الخام ويستخلص المكون المرغوب ثم يتقطر عائدا إلى قاع القدر - وهو المبدأ نفسه المستخدم اليوم لترشيح القهوة بالاستخلاص (11).
ولدينا الآن فكرة عن بعض المركبات الأخرى الشائعة، وذلك لأنه في أحد الأيام الرائعة من أيام الألفية الثالثة في بلاد ما بين النهرين تناول طبيب سومري مجهول الاسم أحد ألواح الصلصال بطول ست بوصات وعرض أربع، وأثبت فيه قائمة بوصفاته المفضلة.
تراث الطبيب السومري
كانت بعض المكونات في الوصفات عبارة عن أملاح تتكرر أسماؤها مرات كثيرة فى قصتنا : كلوريد الصوديوم (المعروف باسم ملح الطعام - ويوجد على شكل رواسب طبيعية أو يتم الحصول عليه بتبخير ماء البحر) وكربونات الصوديوم (عرفت فيما بعد باسم رماد الصودا عند الأوروبيين وتوجد كرواسب طبيعية أو تنتج من احتراق النباتات الغنية بالصوديوم) وكلوريد الأمونيوم عرف فيما بعد باسم ملح النشادر عند الأوروبيين ويحصلون عليه من حرق كتل كبيرة من الفحم أو تسخين روث الجمال الذي تعرض طويلا للجو) . أما المعادن من مثل الشب أو كبريتات الألومنيوم والبوتاسيوم، والجبس أو كبريتات الكالسيوم فكانت تجمع وتطحن من أجل الدواء، وكان الجبس يستخدم كذلك كنوع من الملاط (12).
وتظهر نترات الصوديوم أو نترات البوتاسيوم كذلك في هذه الوصفات وكل منهما كان يطلق عليه فيما بعد ملح بيتر أو النيتر عند الأوروبيين (وكان ينسب للنيتر خواص علاجية عدة عبر العصور، فكان يوصف في ظروف مختلفة مثل العجز الجنسي والربو والشبق الجنسي - إلا أن معظم هذه المعالجات ثبت عدم جدواها .
غير أن قيمة النيتر ارتفعت ارتفاعا كبيرا عندما وجد أنه مكون أساسي للبارود . وتنتج المركبات البلورية عديمة اللون والتي يتكون منها النيتر من تأثير فعل البكتيريا على المخلفات النيتروجينية مثل البول والسماد . وهي مركبات مألوفة لأي إنسان له احتكاك بالإسطبلات. ومن خبراتنا اللاحقة يمكن أن يكون السومريون قد جمعوا النيتر من جوانب المجارير ومزارع الحيوانات، وكان يحتوي من دون شك على الكثير من الشوائب. وطبعا لم يكن من المركبات في نظافة وشكل البلورات الموجودة على أرفف الصيدليات اليوم. كانت على الأغلب مخاليط قذرة حتى أن واحدا من أشهر المركبات الكيميائة وهو الماء كثيرا ما كان على شكل مادة معتمة مضببة يميل لونها إلى البني.
واشتملت الوصفات على مكونات أخرى مصدرها الحيوانات (اللبن وجلد الثعبان ودرقة السلحفاة)، ومن نباتات ( الآس والزعتر ومن أشجار الصفصاف والكمثرى والتين والبلح) . ويجري استخدام هذه المكونات كما هي مباشرة أو على شكل مسحوق. وكانت الوصفات تتطلب في بعض الأحيان أن يستخلص المكون المطلوب بواسطة الماء المغلي، أما إذا كان المكون لا يذوب في الماء فيمكن استخلاصه بالبيرة أو النبيذ . ويحتوي (النبيذ) أو البيرة بالطبع على الإيثانول - وهو مادة كيميائية كانت لها أهميتها نفسها اليوم. وينتج الإيثانول عندما تقوم طحالب معينة وحيدة الخلية تسمى خميرة باستهلاك السكر في عملية اسمها التخمر. وتوجد الخمائر التي تسبب التخمر طبيعيا على الكروم، لذلك فإن التخمر يمكن أن يحدث تلقائياً في عصير العنب الغني بالسكر. وقد كانت الظروف المشجعة على التخمر وإنتاج الإيثانول معروفة ومستخدمة طوال عشرة الآلاف سنة الماضية على الأرجح، جاعلة من التخمر واحدا من أقدم العمليات الكيميائية إن لم يكن أشهرها . والإيثانول مذيب مستخلص رائع للمواد العضوية المحتوية على الكربون مثل زيوت النباتات والكحول. يمتزج الطرف العضوي من جزيء الإيثانول المحتوي على الكربون والهيدروجين جيدا مع المواد النباتية وهي مواد عضوية كذلك. أما الطرف الكحولي للإيثانول والذي يتكون من الأكسجين والهيدروجين فيمتزج جيدا مع الماء الذي يحتوي كذلك على الأكسجين والهيدروجين بالنسبة المألوفة h2o . ويمكن للمواد العضوية الممتزجة بالإيثانول أن تتحول إلى محلول مائي، ويمكن بعد ذلك حفظ تلك المستخلصات وتخزينها في صورة جامد أو سائل أو مسحوق كما هي الحال اليوم.
وقد استخدم الطبيب السومري كذلك الزيوت النباتية والدهون الحيوانية كمستخلصات ومراهم، لكن لسوء الحظ لم تصلنا المعلومات عن القيمة الدوائية للأعشاب العلاجية وفي أي الأمراض كانت تستخدم، ربما بسبب تقيد الطبيب بالمساحة المحدودة للوح أو بسبب الطبيعة المرهقة البطيئة للكتابة المسمارية. ومع ذلك فإن بعضا من التأثيرات العلاجية يمكن تخمينه. فمثلا في الوصفة الثانية عشرة ينصح الطبيب :
انخل واعجن معا - الكل مع بعضه - ترس سلحفاة ونبات الناجا المحتوي على الصوديوم فى أول تبرعمه، والملح، والخردل، اغسل البقعة المريضة ببيرة جيدة أو ماء ساخن. حك البقعة المريضة بكل هذا . بعد الحك ادهن بزيت نباتي ثم غط بمسحوق التنوب (13) .
يقوم الغسيل الموصوف في هذا العلاج بتنظيف المنطقة المصابة، أما الملح والكحول فلا شك يعملان كمطهرات أو مضادات للتعفن. وثمة وصفتان من وصفات اللوح تستلزم استخدام ملح قلوي صوديوم أو بوتاسيوم مع دهن طبيعي - وهو ما ينتج عنه الصابون - وهذا يساعد مرة أخرى في تنظيف الجرح أو المنطقة المصابة إذا استعمل من الخارج.
ومن الطريف أن طبيبنا السومري لم يسجل أي تعاويذ طقوس سحرية لاستخدامها مع الدواء، الأمر الذي يدل على أن الطقوس إما أنها لم تكن تستخدم، وإما لم تكن تعد من الأهمية بحيث تحتل مكانا من مساحة اللوح المحددة. غير أن السحرة أصبحوا في فترة لاحقة أكثر أهمية من الأطباء في معالجة الأمراض في المجتمع البابلي الذي أنتج واحدة من أغزر قوائم الدواء (14) . وفي الحقيقة كان المرض يعد تلبسا أو استحواذا شيطانيا سببه ارتكاب الرذيلة، وكانت العقاقير تستخدم لطرد الأرواح الشريرة أكثر منها لتطهير المريض. وكان الدواء يصنع بشكل مقزز عمدا ليطرد الشيطان خارجا (ولم تكن هناك أي فرصة للمريض المسكين سوى أن يخضع)، ولذا كان العلاج يتكون من لحم نيئ وجسد ثعبان ولحاء أشجار وزيت وطعام نتن وعظام مسحوقة ودهن وقاذورات وبراز آدمي أو حيواني. وقد أشرنا إلى هذا هنا لأن نظرية التلبس الشيطاني عادت للظهور على السطح مرة أخرى في أوروبا في السنوات 1600 الميلادية.
ويمكن تفهم الحاجة إلى مثل هذه الإجراءات الطبية القاسية إذا نظرنا إلى نوعية الحياة في تلك الحضارات القديمة. كان الناس يموتون بشكل روتيني من تحلل الأسنان والجروح البسيطة والعدوى والحمى التي كان من الممكن معالجتها في غضون ساعة واحدة بالأدوية المتاحة الآن. كانوا يعانون من الأخرجة ومن العمى. كان الألم والطفيليات من ثوابت الحياة المقبولة. وكانت فرص النساء في النجاة من ولادة الأطفال مثل فرصهن في النجاة لو ذهبن للحرب، وهو ما كان يحدث كثيرا ، ولم تكن فرص الأطفال في النجاة من طفولتهم أعلى من ذلك بكثير.
وكثيرا ما كانت طرق الهروب من الحياة في أهمية طرق الحفاظ عليها، وواحدة من هذه الطرق كانت من خلال الفن. ومع أن كلمة فن هنا توحي بالأشياء المرسومة والجدران إلا أن هناك وسيلة مألوفة كانت تستخدم لنقل الفكر التجمل الشخصي. وتقوم قصة سيدنا يوسف في الكتاب المقدس) شاهدا على هذا الشكل من الفن. ففي هذه القصة يلقي إخوة يوسف به في الجب ويتركونه ليلقى حتفه، أما جريمته؟ فقد كانوا يحسدونه على ردائه المتعدد الألوان.
الدهان والصبغة
كانت الملابس تصنع من الصوف والقطن والكتان، لكن الصوف كان الأكثر شيوعا ، وكانت الصبغات بشكل عام عضوية، وهو الاسم الذي يطلق على فصيل من المركبات التي تتكون من الكربون والهيدروجين أو الهيدروكربونات، والتى كانت تستخرج في ذلك الوقت من الحيوانات والنباتات.
أما غير العضوي فهو الاسم الذي أعطي للمركبات التي ليست هيدروكربونات، والتي تستخرج من المعادن. وتستخدم مجموعة من الأملاح غير العضوية كمثبتات للصبغة المواد التي تثبت الصبغة بالربط الكيميائي بين كل من الصبغة وبنية البروتين في الملابس. وكانت النيلة المستخرجة من نبات النيلة هي الصبغة الزرقاء المفضلة وسنرى كيف أن هذه الصبغة ستعيد صنع التاريخ الكيميائي والاجتماعي مرة أخرى مع بدايات السنوات 1900 من العصر الحالي). وكانت الصبغة بعد تخمرها في الراقود (وعاء ضخم عديمة اللون. لكن الملابس التي تغمس فيها ثم تعرض للهواء ستتحول للون الأزرق الداكن في ثوان معدودات. واستخدمت نباتات أخرى للصباغة كالزعفران الذي ينتج صبغة صفراء، والفوة الذي ينتج صبغة حمراء، وجدت على ملابس المومياوات المصرية. وفيما بين النهرين كانت الصبغة الحمراء مصدرها القرمز وهو مسحوق حشرة قشرية تسمى قرمزية (قملة النباتات) تعيش على أشجار البلوط في منطقة البحر المتوسط. وكانت أغلى الصبغات هي صبغة الأرجوان التي كان يحصل عليها من غدة في بلح البحر (أحد الرخويات الموجود في مواقع خاصة فقط على ساحل البحر المتوسط.
ويعطي كل كائن من هذه الكائنات كمية ضئيلة فقط من سائل دهني له رائحة الثوم يسجل البعض أن 12 ألف كائن من بلح البحر تلزم للحصول على عينة في حجم قطرة واحدة من الصبغة (15)، لكن عند استخدامها تعطي صبغة أرجوانية غير عادية وأخاذة.
وبالإضافة إلى الملابس وديكوراتها كانت مستحضرات التجميل تستخدم لتحسين المظهر الشخصي شأن العطور. ويشير أحد النصوص البابلية بالذات إلى أن النساء كن يعملن في تحضير العطور مثل الرجال، وبذلك تكون النساء قد ساهمن على الأقل في هذه الصناعة من التقنية الكيميائية وعلى الأغلب فإنهن كن مساهمات في مجالات أخرى. وبمرور الزمن تطورت هذه التقنيات الكيميائية حتى إن الحرفيين يستطيعون إنتاج مواد كثيرة طريفة ومفيدة. كان الزجاج واحدا من أكثر هذه المواد طرافة ويشبه الذهب في البداية حيث لم يكن له أي هدف سوى الجمال.
الزجاج
يشكل السيليكون تقريبا خمسة وعشرين في المائة من القشرة الأرضية وهو في ذلك يلي الأكسجين في نسبة انتشاره. ومعظم الأرض التي نقف عليها من السيليكات السيليكون - أكسجين، أو ما يعرف عادة بالرمل. وكان الزجاج المكون من السيليكات المصهورة ينتج في الطبيعة من ضربات البرق والبراكين أو في الأماكن التي تحفرها النيازك من سطح الأرض. وقد استخدم المصريون الزجاج للتزجيج منذ الأزمنة الحجرية الحديثة، لكن إنتاج الزجاج كمادة مستقلة لأغراض مقصودة لم يحدث إلا سنة 3000 - 2000 ق. م. في بلاد ما بين النهرين.
في البداية كان الحرفيون يصنعون الزجاج من الرمل أو الكوارتز ثاني أكسيد السيليكون وكربونات الصوديوم الخام، والتي كانت توجد في مصر فى طبقات تحت البحيرات القريبة من الإسكندرية. ومن دون كربونات الصوديوم فإن الأمر يحتاج إلى لهب درجة حرارته عالية إلى 1700 مئوية لصهر الرمل تؤدي إضافة كربونات الصوديوم إلى خفض درجة الانصهار لأنها تنتج صهورا من أكسيد الصوديوم) . ويذوب الزجاج المنتج بالصوديوم إلى حد ما في الماء وهو الأمر الذي كثيرا ما استخدم في الفن. ومع ذلك فقد كانت الأوعية الزجاجية تنتج للقلة المتميزة) لتخزين المراهم أو المواد الأخرى التي كانت تمتص بواسطة قدور السيراميك (16) . وقد وجد الحرفيون حوالى سنة 1300 ق. م. أن إدخال أكسيد الكالسيوم، وهو مركب كيميائي آخر كان معروفا للقدماء يقلل من ذوبانية الزجاج. وكان الأوروبيون المتأخرون يسمونه الجير أو الجير الحي (الجير) غير المطفأ أو الكلس)، يتكون من تسخين كربونات الكالسيوم الموجودة في الأصداف أو بتسخين الرواسب الطبيعية للحجر الجيري أو الطباشير.
وبمجرد اكتشاف هذه التقنية بدأت على الفور مصانع الزجاج في مصر القديمة . كان الزجاج في هذه الحضارات القديمة يصب صبا ولا ينفخ. وكان مضببا أزرق اللون (ملونا بواسطة مركبات النحاس وأحيانا الكوبلت)، مع بعض الألوان الأخرى التي يكتسبها الزجاج واستخدم الآشوريون أكسيد القصدير وأنتيمونات الرصاص لتلوين زجاج الزينة باللون الأبيض والأصفر على التوالي وساد اعتقاد بأن الآشوريين كانوا يعرفون كيف يصنعون الماء الملكي مزيج من حمض النيتريك والهيدروكلوريك)، لأنهم استخدموا أملاح الذهب لإضفاء اللون الأحمر على زجاجهم، وكان الماء الملكي ضروريا لإذابة الذهب.
مواد وطرق أخرى
بينما تشكل التقنيات سالفة الذكر قائمة تثير الإعجاب فإنها ليست شاملة لكل إنجازات العصور القديمة. فنحن لم نتعمق في خبرة الهندوس في دباغة الجلود أو فن سبك الفلزات في وسط أمريكا . وهناك تقنية أخرى سنعرض لها هنا بسبب الغموض الذي يحيط بها وليس بسبب الدرجة العالية من الخبرة التقنية بالتحديد، ذلك هو فن التحنيط المصري الشهير.
ولصنع المومياء كان المصريون يقومون بإفراغ الجثة من أحشائها، ثم حشوها بالنبيذ والعطور. ويستخرجون المخ قطعة قطعة من فتحة الأنف باستخدام خطاف حديدي وقد تكون هذه أكثر الأجزاء غموضا في العملية) وبعدها ينقعون الجسد في حمام من النطرون ملح الصوديوم والألومنيوم والسيلكون والأكسجين ) لمدة 70 يوماً . وتقتل هذه العملية البكتريا التي تسبب التحلل وتنزع الماء من الخلايا ، حتى لا يتسنى للبكتيريا في المستقبل أن تجد موقعاً مناسباً لها . كانوا يقومون بعد ذلك بلف الجسد بأشرطة من القماش مكسوة بالصمغ ثم يدفعون الجثة في قبر محكم الإغلاق، معزول عن الرطوبة المفسدة والهواء، ولا تمثل العملية غموضا أكثر من عملية تمليح اللحم.
ومع تطور التحنيط والزجاج والصباغة أصابت المجتمعات نجاحا يكفيها لتكريس الوقت والمواد، في مهام ليست مرتبطة ارتباطا مباشرا بالأعمال اليومية الرامية للبقاء على الحياة. وقد بلغ هذا الاتجاه ذروته في مهنة لا تتطلب جهدا يدويا ولا تنتج منتجا عدا الفكر الفلسفة . وقد أعطت الحضارة والكيمياء للفلاسفة وقتا للتفكير وموضوعا يفكرون فيه.
من حوالى 2000 عام إلى 300 عام (ق. م) : الفلاسفة
في الوقت الذي كانت تتراكم فيه الحقائق الكيميائية باستمرار بواسطة الحرفيين، كانت هذه الحقائق محل دراسة بواسطة الفلاسفة - الذين كانوا يعملون كذلك كرياضيين وفلكيين وتشريحيين وفيزيائيين ولاهوتيين ومنظرين سياسيين. وفي الحقيقة لم يبدأ علماء أوروبا في التفكير في أعمالهم كأشياء منفصلة عن الفلسفة إلا في أوائل القرن التاسع عشر. ومع أن الفلسفة كانت شائعة في كل الثقافات إلا أن فلاسفة اليونان كانوا هم الأكثر تأثيرا في تطور الكيمياء الحديثة. وقد استخلص هؤلاء المفكرون فرضيات عن طبيعة المادة والتفاعل بين المواد مما ساعد أو أعاق التطورات الكيميائية على طول الألفي عام التالية.
تعليق