حصينه
Ibn abi Hussaynah - Ibn abi Hussaïnah
ابن أبي حصينة
(388-457 هـ/998-1065م)
أبو الفتح الحسن (وتسميه بعض المصادر حُسَيْناً) بن عبد الله بن أحمد ابن عبد الجبار بن أبي حَصينة بفتح الحاء وضمها، السُلَمي المعري، شاعر، من الأمراء. كانت قبيلة سليم العدنانية تسكن عالية نجد، ثم انتقل بعض بطونها إلى الشام، وسكنوا الجزيرة الشامية.
ولد ابن أبي حصينة في معرة النعمان، ثم انتقل إلى حلب، وكانت حلب قد ورثت مجد الحمدانيين وشاعرهم المتنبي، واستمر ذلك الازدهار الشعري في عهد بني مرداس[ر] (414-478هـ/1023-1085م) الذين شجعوا العلم وأهله، أما الشيوخ الذين تتلمذ لهم فهم أئمة المعرة في ذلك الحين أمثال: أبي العلاء المعري، محمد بن عبد الله ابن سعد النحوي الأديب راوية المتنبي، وأبي بكر محمد بن مسعود أبي الفرج التنوخي، وأبي زكريا يحيى بن مسعود التنوخي وغيرهم.
ظهرت في هذه الحقبة من تاريخ بلاد الشام بادرة حسنة، وهي الإنعام على الشعراء وكبار الكتاب بلقب الإمارة، فلقب ابن حيوس بالأمير، ولقب ابن سنان الخفاجي بلقب الأمير، وطمح ابن أبي حصينة إلى هذا اللقب، فطلب إلى الخليفة المستنصر الفاطمي أن ينعم عليه بهذا اللقب فمنحه إياه،ويقول ياقوت: «وكان سبب تقدمه ونواله أن الأمير تاج الدولة بن مرداس أوفده إلى المستنصر العبيدي (الخليفة الفاطمي) رسولاً سنة 437هـ/1045م) فمدح المستنصر بقصيدة ميمية، ثم مدحه في سنة 450هـ/1058م) فوعده بالإمارة، وأنجز له وعده سنة 451هـ، فتسلم سجل الإمارة من يدي الخليفة، وكان الذي سعى له في تأميره وكتب له سجل الإمارة أبا علي صَدَقة بن إسماعيل بن فهد الكاتب، فأقر بفضله ومدحه بقصيدة لامية».
وتعددت أماديحه بالعظام من رجالات زمانه، وخاصة في الأمراء من بني مرداس، ومن أشهرهم أسد الدولة عطية بن صالح بن مرداس، الذي مدحه بقصيدة طويلة، قال الأمير أسامة بن منقذ: «فلما فرغ الشاعر من إنشاده القصيدة أحضر الأمير أسد الدولة القاضي والشهود وأشهد على نفسه بتمليك الشاعر ضيعة من ضياعه، فأثرى وتموَّل»، ثم لما ملك محمود بن نصر ابن صالح بن مرداس حلب سنة 452هـ، مدحه بقصيدة، فلما أتم إنشادها قال له الممدوح، «تَمَنَّ»، قال: «أتمنى أن أكون أميراً» فجعله أميراً يجلس مع الأمراء ويخاطب بالإمارة، وهذا تأكيد لتلقيبه بالأمير من قبل الخليفة المستنصر بمصر، ووهب له الأمير محمود صاحب حلب مكاناً بحلب جعله داراً له وزخرفها، وكتب عليها
دارٌ بنيناها وعشنا بها
في دَعةٍ من آل مرداس
قل لبني الدنيا: ألا هكذا
فليحسن الناسُ إلى الناس
ودعا إليها محمود بن نصر، فلما قرأ الأبيات سأله: «كم أنفق عليها»؟ فقال «أنفقت ألفي دينار مصرية»، فدفع له تكلفتها مع جملة من الهدايا الثمينة وقال له:
قل لبني الدنيا: ألا هكذا
فليحسن الناس إلى الناس
واستمرأ الشاعر فن المديح الذي جلب له منافع كثيرة: مادية ومعنوية، فتوجه بالمديح لأعيان زمانه كقريش بن بدران صاحب نصيبين وغيره.
كما حفل ديوانه بقصائد الرثاء لأولئك الذين أحسنوا إليه عندما كانوا في مواقع السلطة. ولكن أصدق مراثيه كانت في شيخه أبي العلاء المعري (ت 449هـ)، قال في رثائه القصيدة العينية التي مطلعها:
العلم بعد أبي العلاء مضَّيعُ
والأرض خالية الجوانب بَلقعُ
أودى، وقد ملأ البلاد غرائبا
تسري كما تسري النجوم الطُلَّع
ما كنت أعلم وهو يُودع في الثرى
أن الثرى فيه الكواكبُ تودعُ
والقصيدة طويلة جميلة تعد من روائع أدب الرثاء.
ولم يقصر شعره على فني المدح والرثاء وما يستلزمانه من الغزل التقليدي، وإنما يقع المرء في ديوانه على قصائد هي صدى لأحداث عصره السياسية والعسكرية، فله قصيدة بائية قالها يوم وصل أرمانوس ملك الروم إلى حلب 421 هـ ومعه ملك الروس وملك البلغار والألمان والبلجيك والخزر والأرمن في ستمئة ألف من الفرنج. فتصدى لهم نصر بن صالح صاحب حلب فهزمهم، وأسر جماعة من أولاد ملوكهم، وغنم المسلمون منهم غنائم عظيمة. ويقع المتصفح لديوانه على أبيات في الحكمة والاعتبار والحنين للوطن وغيرها. وقد ذكرت أشعاره وبعض أخباره بعض المصادر القديمة إضافة إلى ديوانه.
وعلى ذكر ديوانه فقد توهم بعض الدارسين أن أبا العلاء المعري قد (جمع) شعر ابن أبي حصينة، والمعروف أن أبا العلاء توفي قبله، وربما جاء هذا التوهم من لفظة (جمع) التي يمكن أن تكون (سمع) بعض شعر ابن أبي حصينة - كما وردت في بعض المصادر- وبالفعل فالمتصفح لديوان الشاعر يجده ديوانه في نسختين حققهما أسعد طلس، وقد كتب حمد الجاسر عن هاتين النسختين اللتين اطلع عليهما: إحداهما في مكتبة المجمع العلمي العربي بدمشق مصورة عن الأسكوريال، والثانية في مكتبة دار الآثار في بغداد، وإحداهما تضم شروحاً على أبيات القصائد، ويبدو أنها هي التي (سمعها) أبو العلاء، وعلق على أبياتها،وألفاظها بشروحه.
محمود الريداوي
ـ ياقوت الحموي، معجم الأدباء (القاهرة 1936).
ـ عبد القادر بدران، ،تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر (1329هـ/1951م).
ـ الصفدي، الوافي بالوفيات (فرانز شتاينر، فيسبادن1974م).
Ibn abi Hussaynah - Ibn abi Hussaïnah
ابن أبي حصينة
(388-457 هـ/998-1065م)
أبو الفتح الحسن (وتسميه بعض المصادر حُسَيْناً) بن عبد الله بن أحمد ابن عبد الجبار بن أبي حَصينة بفتح الحاء وضمها، السُلَمي المعري، شاعر، من الأمراء. كانت قبيلة سليم العدنانية تسكن عالية نجد، ثم انتقل بعض بطونها إلى الشام، وسكنوا الجزيرة الشامية.
ولد ابن أبي حصينة في معرة النعمان، ثم انتقل إلى حلب، وكانت حلب قد ورثت مجد الحمدانيين وشاعرهم المتنبي، واستمر ذلك الازدهار الشعري في عهد بني مرداس[ر] (414-478هـ/1023-1085م) الذين شجعوا العلم وأهله، أما الشيوخ الذين تتلمذ لهم فهم أئمة المعرة في ذلك الحين أمثال: أبي العلاء المعري، محمد بن عبد الله ابن سعد النحوي الأديب راوية المتنبي، وأبي بكر محمد بن مسعود أبي الفرج التنوخي، وأبي زكريا يحيى بن مسعود التنوخي وغيرهم.
ظهرت في هذه الحقبة من تاريخ بلاد الشام بادرة حسنة، وهي الإنعام على الشعراء وكبار الكتاب بلقب الإمارة، فلقب ابن حيوس بالأمير، ولقب ابن سنان الخفاجي بلقب الأمير، وطمح ابن أبي حصينة إلى هذا اللقب، فطلب إلى الخليفة المستنصر الفاطمي أن ينعم عليه بهذا اللقب فمنحه إياه،ويقول ياقوت: «وكان سبب تقدمه ونواله أن الأمير تاج الدولة بن مرداس أوفده إلى المستنصر العبيدي (الخليفة الفاطمي) رسولاً سنة 437هـ/1045م) فمدح المستنصر بقصيدة ميمية، ثم مدحه في سنة 450هـ/1058م) فوعده بالإمارة، وأنجز له وعده سنة 451هـ، فتسلم سجل الإمارة من يدي الخليفة، وكان الذي سعى له في تأميره وكتب له سجل الإمارة أبا علي صَدَقة بن إسماعيل بن فهد الكاتب، فأقر بفضله ومدحه بقصيدة لامية».
وتعددت أماديحه بالعظام من رجالات زمانه، وخاصة في الأمراء من بني مرداس، ومن أشهرهم أسد الدولة عطية بن صالح بن مرداس، الذي مدحه بقصيدة طويلة، قال الأمير أسامة بن منقذ: «فلما فرغ الشاعر من إنشاده القصيدة أحضر الأمير أسد الدولة القاضي والشهود وأشهد على نفسه بتمليك الشاعر ضيعة من ضياعه، فأثرى وتموَّل»، ثم لما ملك محمود بن نصر ابن صالح بن مرداس حلب سنة 452هـ، مدحه بقصيدة، فلما أتم إنشادها قال له الممدوح، «تَمَنَّ»، قال: «أتمنى أن أكون أميراً» فجعله أميراً يجلس مع الأمراء ويخاطب بالإمارة، وهذا تأكيد لتلقيبه بالأمير من قبل الخليفة المستنصر بمصر، ووهب له الأمير محمود صاحب حلب مكاناً بحلب جعله داراً له وزخرفها، وكتب عليها
دارٌ بنيناها وعشنا بها
في دَعةٍ من آل مرداس
قل لبني الدنيا: ألا هكذا
فليحسن الناسُ إلى الناس
ودعا إليها محمود بن نصر، فلما قرأ الأبيات سأله: «كم أنفق عليها»؟ فقال «أنفقت ألفي دينار مصرية»، فدفع له تكلفتها مع جملة من الهدايا الثمينة وقال له:
قل لبني الدنيا: ألا هكذا
فليحسن الناس إلى الناس
واستمرأ الشاعر فن المديح الذي جلب له منافع كثيرة: مادية ومعنوية، فتوجه بالمديح لأعيان زمانه كقريش بن بدران صاحب نصيبين وغيره.
كما حفل ديوانه بقصائد الرثاء لأولئك الذين أحسنوا إليه عندما كانوا في مواقع السلطة. ولكن أصدق مراثيه كانت في شيخه أبي العلاء المعري (ت 449هـ)، قال في رثائه القصيدة العينية التي مطلعها:
العلم بعد أبي العلاء مضَّيعُ
والأرض خالية الجوانب بَلقعُ
أودى، وقد ملأ البلاد غرائبا
تسري كما تسري النجوم الطُلَّع
ما كنت أعلم وهو يُودع في الثرى
أن الثرى فيه الكواكبُ تودعُ
والقصيدة طويلة جميلة تعد من روائع أدب الرثاء.
ولم يقصر شعره على فني المدح والرثاء وما يستلزمانه من الغزل التقليدي، وإنما يقع المرء في ديوانه على قصائد هي صدى لأحداث عصره السياسية والعسكرية، فله قصيدة بائية قالها يوم وصل أرمانوس ملك الروم إلى حلب 421 هـ ومعه ملك الروس وملك البلغار والألمان والبلجيك والخزر والأرمن في ستمئة ألف من الفرنج. فتصدى لهم نصر بن صالح صاحب حلب فهزمهم، وأسر جماعة من أولاد ملوكهم، وغنم المسلمون منهم غنائم عظيمة. ويقع المتصفح لديوانه على أبيات في الحكمة والاعتبار والحنين للوطن وغيرها. وقد ذكرت أشعاره وبعض أخباره بعض المصادر القديمة إضافة إلى ديوانه.
وعلى ذكر ديوانه فقد توهم بعض الدارسين أن أبا العلاء المعري قد (جمع) شعر ابن أبي حصينة، والمعروف أن أبا العلاء توفي قبله، وربما جاء هذا التوهم من لفظة (جمع) التي يمكن أن تكون (سمع) بعض شعر ابن أبي حصينة - كما وردت في بعض المصادر- وبالفعل فالمتصفح لديوان الشاعر يجده ديوانه في نسختين حققهما أسعد طلس، وقد كتب حمد الجاسر عن هاتين النسختين اللتين اطلع عليهما: إحداهما في مكتبة المجمع العلمي العربي بدمشق مصورة عن الأسكوريال، والثانية في مكتبة دار الآثار في بغداد، وإحداهما تضم شروحاً على أبيات القصائد، ويبدو أنها هي التي (سمعها) أبو العلاء، وعلق على أبياتها،وألفاظها بشروحه.
محمود الريداوي
مراجع للاستزادة: |
ـ عبد القادر بدران، ،تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر (1329هـ/1951م).
ـ الصفدي، الوافي بالوفيات (فرانز شتاينر، فيسبادن1974م).