مجمع الكرادلة-Conclave

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مجمع الكرادلة-Conclave

    أفلام مختارة
    "مجمع الكرادلة-Conclave" إنتاج 2024
    أول انطباع يتركه هذا الفيلم هو أنه إنتاج لا يُنسى وأنه متقن الصنع إخراجا وتصويرا وقصة.
    أقول إنه انطباع أول ولكن الأثر الحقيقي لهذا الفيلم غير ذلك تماما.
    تدور الأحداث داخل أروقة الفاتيكان مرتع الأسرار أثناء عملية اختيار بابا جديد إثر وفاة البابا السابق والفيلم من إخراج ادوارد بيرغر وهو مقتبس من رواية لروبرت هاريس نُشرت عام 2016.
    يؤدي رالف فيين الدور الرئيسي في الفيلم في شخصية الكاردينال توماس لورنس عميد المجمع وهو المجلس المسؤول عن اختيار البابا الجديد ونتابع من خلال عين هذه الشخصية ومواقفها كل الأحداث وما يجري والمؤامرات التي يحيكها كرادلة طموحون يأملون في شغل الكرسي البابوي.
    استقبل النقاد هذا الفيلم بشكل إيجابي على العموم مشيرين إلى بعض نقاط القوة ومنها أنه جمع عددا من الممثلين الجيدين عدا رالف فيين ومنهم ستانلي توتشي وجون ليثغو وسرجيو كاستيليتو، كما لاحظوا اعتناءه بكل التفاصيل الدقيقة وإلى إبداعه في عرض هيبة المكان وجلال الأحداث ونشر تفاصيل التفاهمات الجانبية ثم الكشف عن جوانب من شخصيات المشتركين في عملية اختيار البابا.
    ومع ذلك، لا يمكن التغاضي عن أن هذا الفيلم اعتمد عنصر المفاجأة أكثر من أي شئ آخر وبدا ضعيفا في طرح أحداث حقيقية وواقعية تقنع المُشاهد وخَلَق أجواءً من الغموض سرعان ما بددها بأحداث ضعيفة وغير منطقية أحيانا.
    من المعروف أن أفلاما تتناول حدثا مثل حدث اختيار بابا جديد لا بد أن تطرح قضية مؤامرات وتفاهمات جانبية وعداوات وتنافس قوي قد يدفع البعض إلى ارتكاب جرائم. فالسلطة هي السلطة في أي مكان وزمان ولا بد وأن هناك من يسعى إلى امتلاكها والاستحواذ عليها.
    ومع ذلك فالتسلسل المنطقي مطلوب.
    لنبق في نقاط القوة في هذا الفيلم فحركة الكاميرا جميلة والصور التي عرضتها رائعة عكست جمالية المكان وهيبته وقوته وأبرزت فخامة مباني الفاتيكان وروعة قاعاتها وجدرانها وممراتها وعبرت عن القدسية التي ترافق هذه الأماكن. التقطت الكاميرا أيضا تعبيرات الوجوه بدقة لتعكس التوترات غير المنطوقة وثقل المسؤولية كما عبرت الديكورات وتصميمات المواقع عن مدى صعوبة هذه المهمة، أي اختيار بابا جديد. اعتمدت الكاميرا على الضوء والظل لخلق أجواء من الغموض والرهبة وحتى التوتر من خلال الممرات الضيقة ونقيضتها القاعات الواسعة واللقطات العامة للكرادلة وهم يمارسون عملية الاختيار.
    الملابس جملية أيضا وتم تصميمها بدقة لتعكس فكرة عن العظمة وعن قدسية الطقوس التي تُمارس داخل الكنيسة الكاثوليكية ونلاحظ أن الفيلم ميز بين مختلف الشخصيات من خلال الملابس التي يرتدونها.
    موسيقى الفيلم من تأليف فوكر بيرتلمان الذي ألف أيضا موسيقى فيلم "كل شئ هادئ على الجبهة الغربية" وقد نجح في التعبير عن التوتر ورافق بعض التطورات الدرامية دون أن ننسى أن الفيلم استخدم الصمت لتضخيم التوتر أحيانا ولتعميق طابع السرية في مثل هذه التجمعات المهمة.
    بشكل عام، يتميز هذا الفيلم بجمالية في المشاهد عبرت عن العظمة والغموض والهيبة والرهبة التي ترافق مثل هذه الأماكن ومثل هذا الحدث.
    ولكن …
    كما قلت، اعتمد الفيلم على عنصر المفاجأة وبشكل متكرر ولم يطور الشخصيات التي استخدمها إلا بما يكفي لتأكيد فكرة التآمر والطموحات التي يُراد تحقيقها بأساليب ملتوية. وهذا الموضوع مطروق للأسف فهناك دائما من يسعى إلى الإمساك بزمام السلطة وهناك دائما من يتآمر ويحاول الالتفاف على هذا وذاك كي يصل إلى مبتغاه. وفي النتيجة لا يروي هذا الفيلم غير قصة التآمر وعظمة الفاتيكان ورهبة المكان والتفاهمات الجانبية مع الكثير من الرمزية في استخدام جمالية المواقع وهيبتها للتأكيد على فكرة الإيمان والأمل والطيبة. والطيبة بالذات تبدو واضحة في ابتسامة العميد فيين الثابتة.
    ولو أردنا التعمق أكثر في نقاط ضعف هذا الفيلم فمن الطبيعي أن نتحدث عن الوجود النسوي فيه.
    من المعروف أن مثل هذه التجمعات الدينية في كل الأديان، تستبعد النساء تماما إذ لا يُسمح لهن بتسلم أي منصب يتطلب اتخاذ قرارات تخص الأمة أو الدين وما شابه. وهنا نلاحظ استخدام المرأة كعنصر تنظيمي لا غير متمثلا بشخصية إيزابيلا روسليني المسؤولة عن تسهيل عمل الكرادلة وتوفير ما يحتاجون إليه. ونرى في الفيلم امرأة أخرى كان لأحد الكرادلة علاقة بها في ماضي أيامه وهو ما اعتُبر سببا لحرمانه من التنافس على الترشح لشغل منصب البابا. معنى هذا أن علاقة مع امرأة أمر يستدعي الخجل وسبب للفضيحة في مجتمع مثل هذا.
    وعلى أية حال، الفاتيكان وكل المؤسسات الدينية خالية من النساء بحكم طبيعتها وهو أمر لا يمكن تجاوزه حتى لو وردت إشارات هنا وهناك إلى ضرورة الانفتاح بشكل أكبر والتسليم بأن للمرأة دورا تؤديه. وردت مثل هذه الإشارات في الفيلم وكانت مجرد إشارات لا تعني الكثير ولم يتعمق فيها الفيلم.
    المفاجأة الأهم تأتي في النهاية عندما يتم اختيار بابا بانتماء جنسي مزدوج فهو امرأة ورجل في الوقت نفسه وهو ما يناقض كل قيم البابوية وأخلاقيات الكنيسة. ومع ذلك لم يعرض الفيلم هذا الأمر كفضيحة كما عرض قضية علاقة أحد الكرادلة بامرأة في ماضي أيامه. طريقة الطرح أظهرت وكأن الفيلم يدعو إلى الانفتاح وتقبل الاختلاف والتأكيد بأن لا قدّيس على الأرض وأن التسامح ضروري ويبدو الأمر بمثابة دعوة إلى التفكير في الخروج من القفص وتقبل التغيير الذي يرافق هذا الزمن.
    ومع كل ذلك، وحتى لو افترضنا أن القضية تطرح دعوة إلى التغيير وتقبل الاختلاف فإن كثيرين وجدوا فيها عبارة عن محاولة للتأثير عاطفيا على المُشاهد وإثارة تعاطفه دون كثير تعمق في القضية نفسها وفي النقاش الدائر بشأنها.
    المسألة رمزية لا غير في النهاية مثل رمزية التفجير الإرهابي في الفيلم وكان مجرد حدث جانبي لم يركز عليه الفيلم كثيرا ولكنه كان في النهاية وسيلة للضغط على الكرادلة ودفعهم إلى اختيار الشخص الذي اعتقدوا أنه سيحل المشكلة في مواجهة عالم ملئ بالعنف والصراعات بمختلف أشكالها ومستوياتها.
    وهنا أيضا القضية رمزية لا غير إذ لم يدر نقاش حقيقي ولم يعرض الفيلم موقفا في كيفية تمكن الكنيسة الكاثوليكية من مواجهة ما يجري في العالم ومواكبة الأحداث المختلفة رغم أنه عرض في النهاية نوعا من وحدة الموقف متمثلا باتفاق الكرادلة على اختيار شخصية معينة لتكون البابا الجديد.
    رابط الفيلم في التعليق الأول
    ملاحظة: اختار مترجم الفيلم عنوانا مختلفا للفيلم هو "اجتماع سري" ولكن تعبير Conclave تعني مجمع الكرادلة وهو المجمع المسؤول عن اختيار البابا الجديد وعادة لا يقيم أعضاؤه في مدينة الفاتيكان بل لكل منصبه في دول أخرى وهم يفدون إلى الفاتيكان في مثل هذه المناسبات.

يعمل...
X