المعرض السابع والعشرون
الفنان د. عاصم الامير
تنوع بنيوي حداثوي في أعمال الفنان والناقد – د.عاصم عبد الأمير –
د.ماضـي حســن نعمــة
تنوّع بنيوي شكلي وحركي ..ذات رؤية عابقة متعددة المصادر من مفردات إجتماعية وما يتداخل معها من المحيط في الرؤى والتشخيص المخزون في مخابيء الذاكرة. . زمانا ومكانا في الماضي والحاضر. . منها تراث الرافدين ، ومعايشة التشخيص الفلكلوري وما يحتويها من آفاق الميثلوجيا الشاملة. . تلك المفردات، تتبلور تطبيقاتها بصيغ الإختزال المبسط، ضمن إطار التلقائية الصادقة.. دون مقيدات قصدية مبطنة لأجل الإلتزام المفترض، بما يقود إلى الإبتعاد عن مخزونات العقل الباطني أو ( الاشعور ) إنها التشخيصات الواعية التي أوصلت ألفنان – عاصم عبد الأمير – إلى مراحل التحرر من تلك المقيدات الكابحة لحيوية الصدق. .
تلك العفوية وذلك الشعور يختبئ داخل الذات. . منتظرا الخروج والتطبيق الأدائي عبر تجاوز الشروط المفترضة. . إنها تتناسب وتتوافق مع مفاهيم التحليل السايكلوجي لعالم النفس – سيغموند فرويد – الذي يشير إلى كوامن الصدق والجرأة في مخزونات العقل الباطني، والتي تعود إلى مراحل النشيء والطفولة، وبالرغم من إقتراب المدرسة السوريالية إلى تلك المفاهيم الفكرية والوجدانية، إلا إن بداية السوريالية أبان مراحل التأسيس عند مارك شاغال – وديكريكو – تختلف تماما عن سلفادور دالي – كما إن التجسيد الاشعوري يمكن تطبيقه بالحداثة والتجريد المختزل للتفاصيل وبعفوية مراحل الطفولة. . كما فعل ذلك الفنان – عاصم عبدالامير – نجد ذلك من خلال أعماله التي تتضمن” لعبة الظل والضوء، والتلاعب الفني بمتناقضات حسابية هندسية، متغايرة،محاولا خلق الرموز التشكيلية ذات المثلثات، والدوائر، والمربعات، والحركات العفوية الممزوجة بالعتمة والضوء، والتنوع البنائي المحبوك برؤية فنية عابقة بتراث رافديني منقوش بصريا على لوحات فنية تشكيلية تغمرها الألوان الحارة والباردة ، المفتوحة على الأزمنة الماضية والحاضرة والحداثة المعاصرة ، فالأبعاد في لوحات الفنان ” عاصم عبد الأمير” تحفظ العمق الموضوعي للتخاطب الزمني المصبوغ طفوليا بذاكرة مجازية. رسمها بأسلوب ذي ميلودراما معاصرة ، تؤدي ذهنيا دورها في خلق تأملات تثير عند المتلقي الرغبة في المزيد من البحث والإنتظار . أو بالأحرى تحليل الرموز والحركة ، والضوء، والأستمتاع بإيقاعاتها المتوالية والمتجاورة ضمن أيقونات موسيقية متناغمة مع تشكل تلك المفردات توافقاتها الهارمونية واصطفافاتها الإنشائية، تلك التكوينات الجزئية والشاملة لها وقع بصري منسجم مع الإيقاع اللوني وحركة الخطوط المتنوعة التي تعتمد على الفكرة أو الايديوغرافيك ( deographic writin) والتي تحوم ضمن أحداث ومصادر منبعها أمام دراما مؤثرات طفولية في كل مراحلها الزمنية والمكانية، تلك المضامين هي إنعكاس لذاكرة فردية وإجتماعية معا من خلال مخزوناتها الفكرية والتراثية ، يتم ذلك التجسيد من خلال كوامن الذات لهواجس المشاعر الوجدانية إثارة في ذاكرة مجتمعية مشتركة، تحتفظ بتراثها الفني مع انعكاسات المشاعر الذاتية داخل لوحاته المؤطرة بأنماط ذي شيفرات ومرموزاتها السميترية الإشارية ضمن آفاق من المعنى بأبعاد عمقها.. إذ توحي بصدق المراحل المعاصرة والتاريخية لموروث بلاد الرافدين التي تجسدت فيها ألوانه الصريحة الواعية وجدانيا من حيث التأثيرات التجريدية المبسطة على السطوح الإنشائية ، تلك التكوينات تجسد بهواجس فنان يرسم مفرداتها المستوحاة من تعدد الأشكال الرمزية المنفتحة عبر تفاعل آفاق عناصرها الفكرية والمهارية ..
تلك المضامين تتراءى بشفافية مع مراحل اللون المختلطة بتضاداتها المتجاورة أو المتماثلة والمتناظرة بين أمواج الألوان الساخنة وبين متضاداتها الهادئة، تنحو نحو إشاراتها الرمزية بين لغتي الأزرق الطفولي الساكن مع حركات مخفية تحت طبقات الألوان المختلفة بدرجات موجاتها المتوالية . تلك الإنعكاسات عند الفنان – عاصم عبدالامير – تطبق بصيغة الأداء التلقائي والعفوي، ليترجم مشاعره الكامنة في هواجس الوعي والإحساس الذاتي، في عمل فني يحتوي على مضمون نصي خيالي. . لكنه ليس في نطاق السروح الذهني الفنتازي، أو الطوباوي المضمون، والثيمات الفكرية، إنها بمثابة نص روائي أو وثيقة تاريخية أو مقطوعة زمنية لمرحلة مخلدة في ذاكرة من زمن الوطن أو المجتمع الإنساني، الباحث عن تراث مضت سنوات وجوده وإنجازه ، لكنه بقي مخلدا في ذاكرة الزمن البصري.. يتم ذلك من خلال إحياء الزمن المندثر تحت غطاء تعدد الأيام والسنوات.
يقوم بتشكيلها بنيويا مدروسا ومتناسقا، ضمن أنماط فنية تشكيلية تخاطب الحواس، وتحاكي المشاعر الذاتية، مما يخلق فسحات بصرية تعكس جمال المعنى السيمتري المثير في إشارات باثاتها البصرية التعبيرية المختزلة، إنها إعادة البنية الفكرية المخزونة في التخليد والوعي الفكري، من خلال ذكريات المنطق السومرية ومنحوتات توارت هيئتها الصورية عن رؤاها المتزامن مع عصور الإنسان الاحقة. . لكنه حمل بصماتها مع مفرداتها التكوينة وتلقيات المتأمل ذهنيا وإدراكيا، لقد كانت تلك التأسيسات التكوينية معالجة فكرية ورؤيوية وإنعكاس نفسي يكمن في الذات الشعورية والاشعورية، إنها كشف عن جمال توجه بصدق فني سردي له انطباعاته وتأثيراته على المتلقي رغم بساطته وتعدد أيقوناتها المجسدة، إلا إن الفنان – عاصم عبدالامير – كما ذكرنا آنفا يجمع بين الوعي الإدراكي والاشعور الكامن في العقل الباطني من خلال مفهومين متنضادين، هما الطفولي التلقائي البريء، والرمزي المدرك والمنبثق من حركة التكوينات الفنية الإنشائية المحسوبة بقياساتها، كالمثلثات، والدوائر، والمربعات، والمستطيلات، والخطوط المائلة، والعامودية، والأفق والتكرار الإيقاعي المبني على سيمترية تحقق محاكاة خاصة تؤثر على المفاهيم الغامضة التي تركها بين الخطوط والنقاط والمبعثرة، والتوليفات الرؤيوية المتماسكة فنيا من حيث المقاييس المحسوبة لتكوينات العمل الفني وتوافقها البصري مع المساحة والسطوح التصويرية ذات التعبيرات الإشارية التي تلعب دورا مهما في إستعادة مخزونات الذاكرة التراثية،والتي تحرك مدركات الإستلام لمصادر الإرسال الإشاري للتكوينات التشكيلية المتناسقة، تتم تكملة تلك التفاعلات من خلال قدرات خلال توزيع الألوان ومهارة تكوينها الإنشائي المتناسق والمتضاد التي تشبه البقع الضوئية المتناثرة على مساحة مظلمة. إلا ان الألوان في لوحات الفنان – عاصم عبدالامير – هي أحجام وكتل لها أبعادها القياسية المحسوبة التي تتناسب مع الإجزاء المنفصلة، وكأنها مربعات ” بلوك لوجيك ( “(block logic حيث يمكن تجزئة المفردات على وفق مفهوم منطق اللون المتنوع للإستلام وكسر حالة التكرار المتشابه للأسطح، والرتابة المملة، إنها ترك علامات لأثر أفتعالي لحيوية وعفوية الطفولة النقية الصادقة . لقد أبدى الفنان التشكيلي (عاصم عبد الأمير) أن يتفرد ويتجه بمنحى خاص يتلائم مع هويته الفكرية المعاصرة والوجدانية الدائمة. . تلك الإختيارات قد نشأت منذ أمد ليس بالقريب،لمساحة اشتغالية مغايرة لما كانت تتسم به من نتاجات سابقة ، وبالتحديد حينما انفرط عقد (جماعة الاربعة) ، التي أسسها مع مجايليه (فاخر محمد ، محمد صبري ، حسن عبود) الأمر الذي دفع به الى مواصلة البحث التجريبي ، ضمن أسس جمالية وبنائية ، ومن ثم الحصول على نتائج جديدة ، أفضت به إلى عملية تنقيب مدروس عن جماليات الطفولة وإشكالها وصورها ومواضيعها ، ضمن منظومة الرسم والتعبير ، والإحالة ، والدلالة ، والتضمين ، والأستعارة والتناص ، إن سمات رسوم الأطفال من (تحريف ، وتسطيح ، وشفافية ، وعدم استخدام المنظور ، والمبالغة ، والمزج بين الأزمنة والأمكنة ، والميل ، والتكرار ، والنفعية وغيرها) ، كانت تجد لها حضوراً لدى الفنان (عاصم عبد الأمير ) ، وهو ينطلق من إثراء الجانب التعبيري في رسومه ، إلى مديات كشف تتجاوز المعنى التبسيطي ، إلى آخر أكثر ملامسة لجوهر الفعل التعبيري . و في ما يخص البنية الجمالية للتكوين،كانت نتاجاته الطفولية تجمع بين ملامسة الجانب التعبيري .. والجانب الشكلاني ، وهو هنا يؤكد الصلة الملازمة مع ما أنتهت إليه أعماله السابقة التي كانت قد تركت عليها (الحروب) آثاراً انفعالية تراجيدية ، يتضح ذلك من خلال الملامح التعبيرية التي تحمل الضنك والوجع المؤلم . أما في مايخص أعماله التعبيرية التجريدية المعاصرة لملامح الطفولة فإنها تجمع بين التشخيص الهادف والتعبير الحداثوي بما تحمله من تنوعات في مصادر التعبير .. إذ تبدو موضوعات (اللعب) التي يمارسها الاطفال ، وكذلك تصوير الحياة الريفية (دلالات الراعي الذي يعزف الناي) وصور الحيوانات الأليفة (القطة ، الديك ، الحمامة ، العصفور وغيرها) ، تفضي الى تشكيل مشاهد صورية يقتطعها الفنان من الواقع ويعيد صياغتها بأسلوبه الخاص . وقد كانت للدكتور – عاصم عبد الأمير – الإصدارات التالية: بعضها طبع والآخر ما زال تحت الطبع في بيروت ودار الشؤون الثقافي :
1 – الرسم العراقي حداثة تكييف … دار الشؤون الثقافية – بغداد 1999
– تخطيطات محمد غني حكمت .. حداثة نسب لا حداثة حائرة – دار الشؤون الثقافية
3 – أولى اللغات في العالم – تأليف مشترك مع المعماري محمد مكية وجبرا إبراهيم جبرا وعادل كامل – طبع في مؤسسة ليزر لاين 2002
4 – حداثة النسب لا حداثة حائرة
5 – المحرم والمباح
6 – الأبواب للفنان محمد غني حكمت – عمان
7 – جواد سليم أجنحة الأثر ريادة أم ريادات – بيروت
8 – الرسم العراقي ذاكرة الثمانينات – دار الشؤون الثقافية
9 – عاصم عبد الأمير مخيال الطفول – قيد الطبع *
عن الصدى نت