داره
Darah (Ibn-) - Darah (Ibn-)
ابن دارة
(…- نحو 30هـ/650م)
سالم بن مُسافع بن يربوع الجُشَميّ الغَطَفانيّ، من بني عبد الله بن غَطَفان. شاعر هجاء مخضرم، اشتهر بـ « ابن دارة» نسبة إلى أمه «دارة»، وهي من بني أسد. سميت بذلك لأنها كانت جميلة، فشبهت بدارة القمر، أي هالته المضيئة التي تحيط به.
وقيل: إن «دارة» هو لقب جدّه «يربوع» تشبيهاً له بدارة القمر أيضاً. ولكن الصحيح - كما قال الآمدي - أن «دارة» هي أم سالم، لأنه يقول:
أنا ابن دارة معروفاً بها نسبي
وهل بدارةَ، يا لَلناس، من عار؟
لم يعرف عن ابن دارة هذا ونشأته شيئاً، سوى أنه شاعر مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، وقد أورده ابن حجر العسقلاني في القسم الثالث من الصحابة في كتابه «الإصابة في تمييز الصحابة» وهم الذين ذكروا في كتب مَن سبقه على أنهم «من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبي r، ولا رأوه، سواء أأسلموا في حياته أم لا، وهؤلاء ليسوا أصحابه، باتفاق من أهل العلم بالحديث».
وعلى هذا، لم يكن ابن دارة معدوداً في صحابة النبي r ولا رآه، وإن كان قد أسلم في حياته. ولهذا لم يذكره ابن عبد البرّ في كتابه «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» ولا ابن الأثير في «أُسْد الغابة في معرفة الصحابة».
كان ابن دارة شاعراً محسناً، وفي بعض شعره غناء، ويشبهه في ذلك أخوه عبد الرحمن من حيث الإجادة في الشعر وغناء المغنين لبعضه، قال فيهما الآمدي: «وقد كتبت أشعارهما وأخبارهما فيما تنخّلتُه من أشعار بني عبد الله بن غَطَفان».
وقد كان لسالم بن دارة ديوان من الشعر مجموع، ولكنه فُقد ولم يصل إلينا وأشار إليه ابن حجر في ترجمته إذ قال: «قرأت في ديوان شعر سالم أنه قُتل في خلافة عثمان».
وقد نشر ما تبقى من شعره في مجلة « الأستاذ» - بغداد، في العدد 22 لعام 2000م- بعنوان «سالم بن دارة، حياته وما تبقى من شعره» وقام بجمعه وتحقيقه ودراسته إنقاذ عطا الله محسن العاني.
عرف سالم بن دارة بسلاطة اللسان، كما كان في شعره هجّاء مفحشاً في هجائه الذي صبه على قبيلة بني فزارة، ولاسيما زُمَيْل بن أم دينار الفزاري، ومُرّة بن واقع، وثابت بن رافع، وكلهم من وجوه بني فَزارة، فحلف زُمَيْل بن أُبَيْر - وهو ممن ينسب أيضاً إلى أمه «أم دينار» - أن يقتل سالم بن دارة، وكان ابن دارة يستفز زُميلاً ويسخر منه كلما رآه. ثم بعد مدة لقيه زميل قرب المدينة المنورة - في خبر طويل - فضربه بالسيف ضربة كانت سبب موته، وذلك في خلافة عثمان بن عفان، وكان مفتخراً بتخلصه من العار الذي لحق قومه بني فزارة، من هجاء ابن دارة لهم.
وكثير من شعر ابن دارة - الذي وصل إلينا - هو في الهجاء المُقْذع، وله شيء في المديح، ولاسيما في عدي بن حاتم الطائي، الذي كان أميراً صحابياً من الأجواد العقلاء (ت68هـ) ورئيس طيئ في الجاهلية والإسلام. ومن خبره مع ابن دارة أن هذا أتاه يوماً فقال له عدي: أمسكْ عليك حتى أنبئك ما عندي من المال فتمدحني على حَسَبه: لي ألف ضائنة، وألفا درهم، وثلاثة أعبُدٍ، وفرسي هذا حبيس في سبيل الله. فقلْ. فقال ابن دارة:
تَحِنُّ قَلُوصي في «معدٍّ»، وإنما
تلاقي الربيعَ في ديار «بني ثُعَلْ»
وأبقى الليالي من عديّ بن حاتمٍ
حساماً كلوْن الملح سُلَّ من الخِلَلْ
أبوك جــوادٌ ما يُشَــقّ غبــاره
وأنت جــواد ما تعــذَّرُ بالعـلل
فإن تتقوا شــراً فمثــلكمُ اتّــقى
وإن تفعلوا خيــراً فمثلكُمُ فعــل
الخِلَلْ: جفن السيف
فقال له عدي: أمسك عليك، لا يبلغ مالي أكثر من هذا. وشاطره مالَــهُ.
وللنحويين عناية بشعر سالم بن دارة، لأنهم وجدوا فيه بعض الشواهد على أساليب فصيحة تكلمت بها العرب، فمن ذلك قوله المشهور:
أنا ابن دارةَ، معروفاً بها نسبي
وهل بدارةَ يا لَلناسِ من عار؟
استشهدوا به - ومنهم سيبويه - على أن قوله «معروفاً» حال منصوبة مؤكدة لمضمون الجملة قبلها، لأنه حين قال: « أنا ابن دارة» فقد عُرف بهذا النسب، ثم قال: «معروفاً بها نسبي» لتوكيد ذلك.
والشاهد الثاني قول سالم بن دارة في هجاء مرّة بن واقع الفزاري حين طلق زوجته بسبب فقره:
يا مُــرُّ يا بــن واقــعٍ يا أنتــا
أنت الذي طلّــقتَ عامَ جُعْتــا
استشهد به بعض النحاة على جواز نداء الضمير «أنت» بالأداة «يا».
محمود فاخوري
ـ ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة (مصر 1358هـ/1939م).
ـ أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني (بيروت 1380هـ/1960م).
ـ عبد القادر البغدادي، خزانة الأدب (مصورة طبعة بولاق، بيروت).
ـ ابن قتيبة، الشعر والشعراء (بيروت 1964م).
Darah (Ibn-) - Darah (Ibn-)
ابن دارة
(…- نحو 30هـ/650م)
سالم بن مُسافع بن يربوع الجُشَميّ الغَطَفانيّ، من بني عبد الله بن غَطَفان. شاعر هجاء مخضرم، اشتهر بـ « ابن دارة» نسبة إلى أمه «دارة»، وهي من بني أسد. سميت بذلك لأنها كانت جميلة، فشبهت بدارة القمر، أي هالته المضيئة التي تحيط به.
وقيل: إن «دارة» هو لقب جدّه «يربوع» تشبيهاً له بدارة القمر أيضاً. ولكن الصحيح - كما قال الآمدي - أن «دارة» هي أم سالم، لأنه يقول:
أنا ابن دارة معروفاً بها نسبي
وهل بدارةَ، يا لَلناس، من عار؟
لم يعرف عن ابن دارة هذا ونشأته شيئاً، سوى أنه شاعر مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، وقد أورده ابن حجر العسقلاني في القسم الثالث من الصحابة في كتابه «الإصابة في تمييز الصحابة» وهم الذين ذكروا في كتب مَن سبقه على أنهم «من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبي r، ولا رأوه، سواء أأسلموا في حياته أم لا، وهؤلاء ليسوا أصحابه، باتفاق من أهل العلم بالحديث».
وعلى هذا، لم يكن ابن دارة معدوداً في صحابة النبي r ولا رآه، وإن كان قد أسلم في حياته. ولهذا لم يذكره ابن عبد البرّ في كتابه «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» ولا ابن الأثير في «أُسْد الغابة في معرفة الصحابة».
كان ابن دارة شاعراً محسناً، وفي بعض شعره غناء، ويشبهه في ذلك أخوه عبد الرحمن من حيث الإجادة في الشعر وغناء المغنين لبعضه، قال فيهما الآمدي: «وقد كتبت أشعارهما وأخبارهما فيما تنخّلتُه من أشعار بني عبد الله بن غَطَفان».
وقد كان لسالم بن دارة ديوان من الشعر مجموع، ولكنه فُقد ولم يصل إلينا وأشار إليه ابن حجر في ترجمته إذ قال: «قرأت في ديوان شعر سالم أنه قُتل في خلافة عثمان».
وقد نشر ما تبقى من شعره في مجلة « الأستاذ» - بغداد، في العدد 22 لعام 2000م- بعنوان «سالم بن دارة، حياته وما تبقى من شعره» وقام بجمعه وتحقيقه ودراسته إنقاذ عطا الله محسن العاني.
عرف سالم بن دارة بسلاطة اللسان، كما كان في شعره هجّاء مفحشاً في هجائه الذي صبه على قبيلة بني فزارة، ولاسيما زُمَيْل بن أم دينار الفزاري، ومُرّة بن واقع، وثابت بن رافع، وكلهم من وجوه بني فَزارة، فحلف زُمَيْل بن أُبَيْر - وهو ممن ينسب أيضاً إلى أمه «أم دينار» - أن يقتل سالم بن دارة، وكان ابن دارة يستفز زُميلاً ويسخر منه كلما رآه. ثم بعد مدة لقيه زميل قرب المدينة المنورة - في خبر طويل - فضربه بالسيف ضربة كانت سبب موته، وذلك في خلافة عثمان بن عفان، وكان مفتخراً بتخلصه من العار الذي لحق قومه بني فزارة، من هجاء ابن دارة لهم.
وكثير من شعر ابن دارة - الذي وصل إلينا - هو في الهجاء المُقْذع، وله شيء في المديح، ولاسيما في عدي بن حاتم الطائي، الذي كان أميراً صحابياً من الأجواد العقلاء (ت68هـ) ورئيس طيئ في الجاهلية والإسلام. ومن خبره مع ابن دارة أن هذا أتاه يوماً فقال له عدي: أمسكْ عليك حتى أنبئك ما عندي من المال فتمدحني على حَسَبه: لي ألف ضائنة، وألفا درهم، وثلاثة أعبُدٍ، وفرسي هذا حبيس في سبيل الله. فقلْ. فقال ابن دارة:
تَحِنُّ قَلُوصي في «معدٍّ»، وإنما
تلاقي الربيعَ في ديار «بني ثُعَلْ»
وأبقى الليالي من عديّ بن حاتمٍ
حساماً كلوْن الملح سُلَّ من الخِلَلْ
أبوك جــوادٌ ما يُشَــقّ غبــاره
وأنت جــواد ما تعــذَّرُ بالعـلل
فإن تتقوا شــراً فمثــلكمُ اتّــقى
وإن تفعلوا خيــراً فمثلكُمُ فعــل
الخِلَلْ: جفن السيف
فقال له عدي: أمسك عليك، لا يبلغ مالي أكثر من هذا. وشاطره مالَــهُ.
وللنحويين عناية بشعر سالم بن دارة، لأنهم وجدوا فيه بعض الشواهد على أساليب فصيحة تكلمت بها العرب، فمن ذلك قوله المشهور:
أنا ابن دارةَ، معروفاً بها نسبي
وهل بدارةَ يا لَلناسِ من عار؟
استشهدوا به - ومنهم سيبويه - على أن قوله «معروفاً» حال منصوبة مؤكدة لمضمون الجملة قبلها، لأنه حين قال: « أنا ابن دارة» فقد عُرف بهذا النسب، ثم قال: «معروفاً بها نسبي» لتوكيد ذلك.
والشاهد الثاني قول سالم بن دارة في هجاء مرّة بن واقع الفزاري حين طلق زوجته بسبب فقره:
يا مُــرُّ يا بــن واقــعٍ يا أنتــا
أنت الذي طلّــقتَ عامَ جُعْتــا
استشهد به بعض النحاة على جواز نداء الضمير «أنت» بالأداة «يا».
محمود فاخوري
مراجع للاستزادة: |
ـ أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني (بيروت 1380هـ/1960م).
ـ عبد القادر البغدادي، خزانة الأدب (مصورة طبعة بولاق، بيروت).
ـ ابن قتيبة، الشعر والشعراء (بيروت 1964م).