الإنفجار ليس البداية... دراسة تكشف هناك كوناً آخر موازياً لكوننا.
(جزء ٢ / ٢)
• مشكلة الأفق:
إن كل ما يمكن أن نثق بعض الثقة في الحديث عنه هو الكون فقط بعد اللحظات الأولى، والغاية في الضآلة، من تاريخه. قبل ذلك الزمن تنهار النظرية النسبية، وتنهار ميكانيكا الكم، ويظهر عدد كبير من اللانهايات في نموذجنا الرياضي بحيث نتوقف تماماً عن العمل، هنا ينفتح المجال لكل تلك الفرضيات الجديدة، بما يتضمنه ذلك من نماذج نظريات الأوتار، أو الجاذبية الكمومية الحلقية، والتي تحاول أن تدمج كلاً من النسبية بالكم من أجل الوصول إلى نظرية تفسر كل شيء.
بجانب مشكلة المفردة الأولى فهناك كذلك مجموعة أخرى من الأسئلة المطروحة حول ما نسميه بمشكلة الأفق (Horizon Problem)، والتي تقول، بتبسيط لا يعطيها حقها، إنه في وقت مبكر للغاية من تاريخ الكون كانت سرعة التمدد الكوني أكبر من سرعة الضوء، ما يعني أن هناك جسيمات أوّلية، تلك التي ظهرت بعد الإنفجار العظيم، لم تلتق ببعضها البعض أبداً، فكما نعرف، سرعة الضوء ليست عن الضوء بقدر ما هي سرعة السببية في الكون، بمعنى أن أي صلة بين حدثين في الكون يجب أن تتم بحد أقصى هو سرعة الضوء. لفهم ذلك تخيل أن لدينا كوب ماء ساخن وآخر بارد، قمنا بإبعادهما عن بعضهما البعض فور تكونهما، هنا سيظل أحدهما باردا والآخر ساخنا لفترة.
لكن حينما نتركهما لبعض الوقت ملتصقين، ثم ننقلهما إلى اليمين واليسار، فإن كلاً منهما سيكون بدرجة الحرارة نفسها تقريباً، هنا تظهر مشكلة الأفق. من المفترض للجسيمات التي إنفصلت سريعاً في بداية الكون أن تختلف في صفاتها عن بعضها البعض، لكننا لا نرى ذلك، لكن فقط نرى الشيء نفسه كلما نظرنا إلى كل إتجاه في الكون، فحينما نرصد إشعاع الخلفية الميكروي نجد أنه متجانس في كل الإتجاهات، هنا يظهر السؤال الرئيسي: ما الذي جعل مناطق من الكون لم تتصل ببعضها البعض أبداً متجانسة بهذا الشكل؟
هنا يظهر طريقان يحاول كل منهما الإجابة عن هذا السؤال. الأول له علاقة بفيزياء ما بعد الإنفجار العظيم، تلك التي تقول أن شيئاً ما حدث له علاقة باللحظات الأولى من عمر الكون، وتسبب في حدوث هذا الإتصال المستحيل، سواء كان لذلك علاقة بالفضاء نفسه، أو بسرعة الضوء التي ربما كانت أكبر وقتها. أما الطريق الآخر فيقول أنه، كما يبدو، فإن الإنفجار العظيم لم يكن بداية الزمن، بل إمتلكت تلك الجسيمات، بشكل ما، وقتاً قبل الإنفجار العظيم لتختلط ببعضها البعض، ثم جاء الإنفجار العظيم.
• كونٌ في المرآة!
في تلك النقطة، يمكن لنا مثلاً تأمل دراسة أخيرة نُشرت في الدورية المعروفة "Physics Letters B"، لباحثين من جامعة أوكسفورد تقول أن الإنفجار العظيم لم يكن، بالصورة التي نتخيلها، نقطة البداية لكل من الزمن والمكان، لكنه، بتعبير باحثي الدراسة، كان اللحظة التي تغير فيها توجه الفضاء. لكن الجديد في هذا النموذج هو أنه لا يطرح فرضية توجب إلغاء كل تصورات النسبية العامة وإحلالها بفرضياته، كما تحاول الأوتار أو الجاذبية الكمومية الحلقية أن تفعل.
هذا الفرض الجديد لا يتجنب الإنفجار العظيم، بل يواصل حلوله مباشرة من خلال الإنفجار العظيم إلى ما حدث قبله، بالتالي لا يقدم أي مبادئ جديدة، ولا يقدم أي تعديلات على نظرية أينشتاين للنسبية العامة، لكن رغم ذلك، وإن كانت النتائج التي توصل إليها لا تعارض حدوث الإنفجار العظيم، لكنها تتخذ موقفاً من إعتباره بداية الزمن، من تلك الوجهة فالإنفجار هو فقط النقطة التي إنعكس فيها توجه الكون، بمعنى آخر، في الجانب الآخر من الإنفجار العظيم يوجد زمكان مشابه لذلك الذي نعيش فيه لكنه عكسه في كل شيء.
فمثلاً، الزمن في هذا الجانب الآخر سوف يظهر، بالنسبة إلينا، كأنه يجري إلى الخلف وليس إلى الأمام، كذلك الإنتروبيا، عدم الإنتظام في الكون، فهي بالنسبة إلينا تقل ولا تزيد، كل شيء في هذا الجانب الآخر معكوس كأنه صورة في المرآة، لكنه ليس معكوساً بالنسبة إلى هذا الجانب الآخر نفسه، بل سيعتبر هذا الجانب الآخر جانبنا صورة معكوسة منه أيضاً، بمعنى آخر، سوف يلتقي كل منهما عند لحظة الإنفجار العظيم، فيتصور كل من الجانبين أن الآخر حدث بعد ماضيه.
بالطبع سوف تدعوكم تصورات كتلك، سواء في تلك الدراسة أو تصورات أخرى لنظرية الأوتار عن أن الإنفجار العظيم هو فقط عملية تلامس بين برانين، أو تصورات الجاذبية الكمية الحلقية عن الثقوب البيضاء... ستدعوكم للتعجب، والشعور أن هناك جانباً فانتازياً في الحكاية. لكن الفكرة هنا، هي أنه على الرغم من كون تلك إفتراضات رياضية بحتة لا يتصور الكثيرون أنه يمكن أن تنطبق على أرض الواقع، لكنها محاولات مبنية على فيزياء أخرى رصينة نجحت بدورها في تفسير الكثير من الظواهر الطبيعية.
في النهاية، فإن القول أن الإنفجار العظيم هو بداية الزمن أصبح، بشكل ما، موضع تأمل وتساؤل، وهذه هي طبيعة الأشياء في العلم. فمع كل محاولة جديدة لتفكيك فكرة سابقة نالت من الثبات ما يكفي، تواجه الأفكار الجديدة بعض المقاومة، لكنها شيئاً فشيئاً، خاصة حينما نطور أدوات جديدة يمكن من خلالها أن نختبر تلك الأفكار تجريبياً، تكتسب أرضاً، وتظهر إلى النور، لتعطينا فكرة جديدة تماماً عما يمكن أن نتصوره عن أصل هذا الكون، فكرة ما زالت تسأل هي الأخرى: ما الذي وُجد قبل الزمن؟ قبل المكان؟ قبل الكون؟
#علوم #العلم #الاكوان_الموازية #الكون
(جزء ٢ / ٢)
• مشكلة الأفق:
إن كل ما يمكن أن نثق بعض الثقة في الحديث عنه هو الكون فقط بعد اللحظات الأولى، والغاية في الضآلة، من تاريخه. قبل ذلك الزمن تنهار النظرية النسبية، وتنهار ميكانيكا الكم، ويظهر عدد كبير من اللانهايات في نموذجنا الرياضي بحيث نتوقف تماماً عن العمل، هنا ينفتح المجال لكل تلك الفرضيات الجديدة، بما يتضمنه ذلك من نماذج نظريات الأوتار، أو الجاذبية الكمومية الحلقية، والتي تحاول أن تدمج كلاً من النسبية بالكم من أجل الوصول إلى نظرية تفسر كل شيء.
بجانب مشكلة المفردة الأولى فهناك كذلك مجموعة أخرى من الأسئلة المطروحة حول ما نسميه بمشكلة الأفق (Horizon Problem)، والتي تقول، بتبسيط لا يعطيها حقها، إنه في وقت مبكر للغاية من تاريخ الكون كانت سرعة التمدد الكوني أكبر من سرعة الضوء، ما يعني أن هناك جسيمات أوّلية، تلك التي ظهرت بعد الإنفجار العظيم، لم تلتق ببعضها البعض أبداً، فكما نعرف، سرعة الضوء ليست عن الضوء بقدر ما هي سرعة السببية في الكون، بمعنى أن أي صلة بين حدثين في الكون يجب أن تتم بحد أقصى هو سرعة الضوء. لفهم ذلك تخيل أن لدينا كوب ماء ساخن وآخر بارد، قمنا بإبعادهما عن بعضهما البعض فور تكونهما، هنا سيظل أحدهما باردا والآخر ساخنا لفترة.
لكن حينما نتركهما لبعض الوقت ملتصقين، ثم ننقلهما إلى اليمين واليسار، فإن كلاً منهما سيكون بدرجة الحرارة نفسها تقريباً، هنا تظهر مشكلة الأفق. من المفترض للجسيمات التي إنفصلت سريعاً في بداية الكون أن تختلف في صفاتها عن بعضها البعض، لكننا لا نرى ذلك، لكن فقط نرى الشيء نفسه كلما نظرنا إلى كل إتجاه في الكون، فحينما نرصد إشعاع الخلفية الميكروي نجد أنه متجانس في كل الإتجاهات، هنا يظهر السؤال الرئيسي: ما الذي جعل مناطق من الكون لم تتصل ببعضها البعض أبداً متجانسة بهذا الشكل؟
هنا يظهر طريقان يحاول كل منهما الإجابة عن هذا السؤال. الأول له علاقة بفيزياء ما بعد الإنفجار العظيم، تلك التي تقول أن شيئاً ما حدث له علاقة باللحظات الأولى من عمر الكون، وتسبب في حدوث هذا الإتصال المستحيل، سواء كان لذلك علاقة بالفضاء نفسه، أو بسرعة الضوء التي ربما كانت أكبر وقتها. أما الطريق الآخر فيقول أنه، كما يبدو، فإن الإنفجار العظيم لم يكن بداية الزمن، بل إمتلكت تلك الجسيمات، بشكل ما، وقتاً قبل الإنفجار العظيم لتختلط ببعضها البعض، ثم جاء الإنفجار العظيم.
• كونٌ في المرآة!
في تلك النقطة، يمكن لنا مثلاً تأمل دراسة أخيرة نُشرت في الدورية المعروفة "Physics Letters B"، لباحثين من جامعة أوكسفورد تقول أن الإنفجار العظيم لم يكن، بالصورة التي نتخيلها، نقطة البداية لكل من الزمن والمكان، لكنه، بتعبير باحثي الدراسة، كان اللحظة التي تغير فيها توجه الفضاء. لكن الجديد في هذا النموذج هو أنه لا يطرح فرضية توجب إلغاء كل تصورات النسبية العامة وإحلالها بفرضياته، كما تحاول الأوتار أو الجاذبية الكمومية الحلقية أن تفعل.
هذا الفرض الجديد لا يتجنب الإنفجار العظيم، بل يواصل حلوله مباشرة من خلال الإنفجار العظيم إلى ما حدث قبله، بالتالي لا يقدم أي مبادئ جديدة، ولا يقدم أي تعديلات على نظرية أينشتاين للنسبية العامة، لكن رغم ذلك، وإن كانت النتائج التي توصل إليها لا تعارض حدوث الإنفجار العظيم، لكنها تتخذ موقفاً من إعتباره بداية الزمن، من تلك الوجهة فالإنفجار هو فقط النقطة التي إنعكس فيها توجه الكون، بمعنى آخر، في الجانب الآخر من الإنفجار العظيم يوجد زمكان مشابه لذلك الذي نعيش فيه لكنه عكسه في كل شيء.
فمثلاً، الزمن في هذا الجانب الآخر سوف يظهر، بالنسبة إلينا، كأنه يجري إلى الخلف وليس إلى الأمام، كذلك الإنتروبيا، عدم الإنتظام في الكون، فهي بالنسبة إلينا تقل ولا تزيد، كل شيء في هذا الجانب الآخر معكوس كأنه صورة في المرآة، لكنه ليس معكوساً بالنسبة إلى هذا الجانب الآخر نفسه، بل سيعتبر هذا الجانب الآخر جانبنا صورة معكوسة منه أيضاً، بمعنى آخر، سوف يلتقي كل منهما عند لحظة الإنفجار العظيم، فيتصور كل من الجانبين أن الآخر حدث بعد ماضيه.
بالطبع سوف تدعوكم تصورات كتلك، سواء في تلك الدراسة أو تصورات أخرى لنظرية الأوتار عن أن الإنفجار العظيم هو فقط عملية تلامس بين برانين، أو تصورات الجاذبية الكمية الحلقية عن الثقوب البيضاء... ستدعوكم للتعجب، والشعور أن هناك جانباً فانتازياً في الحكاية. لكن الفكرة هنا، هي أنه على الرغم من كون تلك إفتراضات رياضية بحتة لا يتصور الكثيرون أنه يمكن أن تنطبق على أرض الواقع، لكنها محاولات مبنية على فيزياء أخرى رصينة نجحت بدورها في تفسير الكثير من الظواهر الطبيعية.
في النهاية، فإن القول أن الإنفجار العظيم هو بداية الزمن أصبح، بشكل ما، موضع تأمل وتساؤل، وهذه هي طبيعة الأشياء في العلم. فمع كل محاولة جديدة لتفكيك فكرة سابقة نالت من الثبات ما يكفي، تواجه الأفكار الجديدة بعض المقاومة، لكنها شيئاً فشيئاً، خاصة حينما نطور أدوات جديدة يمكن من خلالها أن نختبر تلك الأفكار تجريبياً، تكتسب أرضاً، وتظهر إلى النور، لتعطينا فكرة جديدة تماماً عما يمكن أن نتصوره عن أصل هذا الكون، فكرة ما زالت تسأل هي الأخرى: ما الذي وُجد قبل الزمن؟ قبل المكان؟ قبل الكون؟
#علوم #العلم #الاكوان_الموازية #الكون