وضع القواعد والحدود عبر العهود والمواثيق - العقود كوسيلة لموازنة المحبة .. كتاب عندما تكسب قلب طفلك
- وضع القواعد والحدود عبر العهود والمواثيق
إذا كان وضع القواعد والحدود بهذه الأهمية، فالسؤال دون شك هو كيف نبدأ ؟
ففي وضعنا نحن كأسرة كان من الأهمية بمكان لنا أن نستند إلى قاعدة محددة لتقرير ما هو الصح وما هو الخطأ . هذه القاعدة كانت الإنجيل و ما يقوله عن حياتنا . عندما كان الأطفال صغاراً، أدركنا الأهمية الكبيرة لوضع قواعد وحدود، وكنا نفرضها على أطفالنا، ونسهر على تطبيقها ، ووصلت اهتماماتنا في هذا الشأن حدود الأشياء البسيطة كآداب المحادثة مع الآخرين وآداب الجلوس إلى طاولة الطعام وغير ذلك.
وعندما بدأنا اختيار القواعد والأسس والحدود لأفراد عائلتنا، كنا نعرف بأنه من الضروري أن تكون هذه القواعد والأسس والحدود واضحة، كما يجب أيضاً أن يكون عددها محدوداً. ومن دراستنا الشخصية، وجدنا أن هناك قاعدتين أساسيتين يمكن البدء بهما في وضع الحدود . هاتان القاعدتان هما نفس القاعدتان اللتان أكد عليهما السيد المسيح في وصاياه لتلاميذه واعدها أهم الوصايا قاطبة.
القاعدة الأولى : تأسيس علاقة جيدة مع الله. وهذا يتضمن فهماً جيداً لما أعلمنا الله به عن نفسه في الإنجيل، وأيضاً استيعاباً جيداً لطبيعة علاقتنا به كأفراد . وقد اتفقنا (نورما وأنا على أن علاقتنا مع الله هي أكثر عناصر حياتنا أهمية. وكنا دائماً نأمل أن ننقل هذا الشعور والالتزام إلى أطفالنا .
القاعدة الثانية : تنبع من الأولى، وتنتج منطقياً عنها. وهي أن نُحب ونتمن الناس كما نُحِبُّ ونُثمن أنفسنا تماماً. أرسل الله نبيه موسى بوصاياه العشر أو الحدود العشر، وكل واحدة من هذه الوصايا ترتكز على القاعدتين الأساسيتين اللتين أسس لهما السيد المسيح في العهد الجديد، وهما تمجيد الله وتثمين الناس وحياتهم. وقد قال السيد المسيح بأن الشخص الذي يلتزم بهاتين القاعدتين فهو طبيعياً، مطيع وملتزم بكل وصايا الإنجيل أن القواعد والحدود التي وضعناها في العائلة تنبع من هاتين القاعدتين وتصب فيهما .
عندما كان الطفل من أطفالنا يصل إلى سن الثالثة كانت القواعد الأساسية التي نجهد لتعليمه إياها بسيطة ومحدودة هي:
1- سوف نمجد، ونطيع الله بحسب فهمنا للإنجيل.
2- سوف نحترم، ونطيع أمنا وأبانا .
3- سوف نكون مهذبين ولطيفين مع كل ما خلق الله من مخلوقات وأشياء.
ومن خلال القاعدة الأولى، نريد لأطفالنا أن يعلموا أننا كآباء لسنا السلطة النهائية عليهم. وإنما هناك سلطة أعلى، ونحن نخضع لها بدورنا. فإذا سمحنا لأطفالنا أن يسلكوا سلوكاً يتناقض مع ما جاء في الكتاب المقدس، قد يكون من الصعب علينا أن نطلب منهم إطاعتنا. وكنا نشرح لأطفالنا بأنّنا نلتزم بهذه القواعد والحدود لأن الالتزام بها يمجد الله ويرضيه. هذه توصياته وليست أوامرنا . وبإطاعتنا كآباء يكون أطفالنا قد أطاعوا الله في الوقت نفسه، وهكذا يأتي تطبيق القاعدة الثانية محصلة طبيعية لتطبيق القاعدة الأولى.
تطبيق القاعدة الثالثة هو امتداد طبيعي لتطبيق القاعدتين السابقتين، وجوهرها أن يكون الطفل لطيفاً مع غيره من البشر ومخلوقات الله الأخرى. إذ لا نريد لأطفالنا أن يشتموا إخوانهم وأخواتهم ويخاطبون الآخرين بما لا يليق من الأسماء أو الصفات. كما لا نريدهم أن يفعلوا ما من شأنه تحقير الآخرين وإشعارهم بأن لا قيمة لهم. ونريد لهم أيضاً أن يتعلموا بأن إخوانهم وأخواتهم مقدرون و محترمون لأن الله عز وجل قد خلقهم ، كما خلقنا.
وعندما وصل الأطفال إلى سن السادسة أو السابعة، بدأنا نعيد النظر في منظومة القواعد السابقة بإضافة بعض القواعد والحدود الجديدة، وقد أشركنا أطفالنا لاحقاً في وضع هذه المنظومة الجديدة من القواعد والحدود والتي أصبحت ست قواعد أساسية لا تزال إلى الآن قواعد ثابتة في بيتنا ودليلاً لنا جميعاً.
وميثاقنا معاً كان على أساس أن مصدر هذا الميثاق هو الكتاب المقدس . ونحن نذكر أطفالنا بأن عناصر هذا الميثاق هي حدود الله لعائلتنا . وفي أثناء تطبيق هذه الحدود من قبل عائلتنا لا تنفك نذكر كل فرد فيها بأنه بعمله هذا يطيع الله عز وجل. إذ أن هذه القواعد التربوية هي قواعد إلهية ليس إلا ، وليست قواعدنا نحن. وهذه القواعد الست هي:
١ - إطاعة الوالدين.
٢ - إرجاع الحاجات التي تستعملها إلى أماكنها الطبيعية بعد أن نفرغ من استعمالها .
٣ - أداء الواجبات الضرورية أي الشعور بالمسؤولية.
٤ - اللطف والتهذيب في العلاقات مع الآخرين.
ه - العناية بمحبة بمخلوقات الله بشراً وحيوانات وأشياء.
٦- محاولة بناء شخصية خاصة ذات نوعية مناسبة.
هذه القواعد الست مثلت لنا النسخة النهائية لعقد مكتوب وافقنا عليه جميعاً، ووقعناه بالإمضاء والتاريخ وفي واقع الأمر هذه الوثيقة هي كأي عقد عمل بين أطراف متعاقدة. وقد وجدنا أن هذا العقد المكتوب قد ساهم في انسجامنا كعائلة مساهمة كبيرة، وقد ساعدنا على تأديب أطفالنا، لأنه كان من السهل جداً علينا أن نشير إلى العقد المتفق عليه من قبل الجميع، ونعاقب من يخرج عنه، وقد أبدى أطفالنا استعداداً جيداً للتعاون معنا لتطبيق بنود العقد والتكيف مع ما ورد فيه.
باختصار شديد إذاً : العملية التربوية في أسرتنا بدأت بوضع حدود وقواعد واضحة لأطفالنا، وتحولت هذه القواعد والحدود إلى ميثاق أو عقد بين أفراد العائلة يلزم الجميع ببنوده.
معظمنا يعيش تحت ظل نوع أو أنواع من العقود والعهود والمواثيق.
والغالبية من هذه العقود والعهود والمواثيق غير مكتوبة ولا موقعة ولكنها متعارف عليها . فالعهد المتبادل بين الزوجين قبيل الزواج وشهادة السواقة، والعمل في شركة ما أو لصالح الدولة وغير ذلك كلها عقود. وهناك عقود لا أحد يذكرها، ولكنها مع هذا عقود ، فمثلاً ينبغي عليك أن تحافظ على فناء دارك نظيفاً مرتباً، وإلا اشتكاك جارك إلى سلطات البلدية الالتزام بحدود السرعة على الطرقات عامة عقد عدم الالتزام به قد يكلفك غالباً ... إلخ.
الأساس في العقد أن جميع الأطراف الملتزمة به تشارك في نقاش بنوده، وتوافق عليه، وتتحمل تبعات مخالفة أي بند من بنود العقد. بعد ذلك يوقع جميع أطراف العقد على وثيقة العقد، ويضعون أنفسهم تحت سلطة هذا العقد.
لقد شارك أطفالنا مشاركة فعلية في رسم القواعد والحدود والعقود التي سنلتزم بها كأسرة، فمثلاً فيما يتعلّق بالقاعدة الأولى من عقدنا الأسروي أي إطاعة الوالدين، سألنا الأطفال ما معنى إطاعة الوالدين فأجابوا : أنها تعني شيئين أساسيين :
الأول : عدم الشكوى والأمثلة المتعارف عليها للشكوى كثيرة منها : هل علي أن أفعل ذلك يا أبي؟ أو لماذا أنا؟ أو دع غيري يقوم بهذا العمل، أو هل أقوم أنا بكل أعمال هذه الأسرة، أو لماذا لا تفعلها أنت بالذات؟... إلخ.
الشيء الثاني الذي تعنيه الإطاعة هو عدم الإلحاح بالطلب ومن أمثلة ذلك من فضلك يا أبي اسمح لي بفعل ذلك ، ألا أستطيع أنا أن أفعل ذلك ؟ من فضلك الجميع يفعل ذلك، لماذا لا أقوم أنا أيضاً بفعل ذلك ؟.
ألا أستطيع أن أقوم بفعل ذلك مرة أخرى ...... إلخ
يعد الإلحاح في الطلب والتذلل من قبل الطفل لتحقيق ما يود تحقيقه أحد مظاهر عدم إطاعة الوالدين. وفي المحصلة توصلنا مع أطفالنا إلى تعريف بسيط لإطاعة الوالدين أنها ببساطة تعني نعم سأفعل ما تراه مناسباً ولنأتذمر من فعله.
القاعدة الثانية التي كنا قلقين وحريصين في الوقت نفسه على . تطبيقها في عقد الأسرة هي نظافة البيت ومسؤولية تنظيفه. كان البيت يشكو دائماً من فوضى مزمنة، ولأوقات طويلة في اليوم والسبب في ذلك هو الأطفال الذين يقذفون بأغراضهم على الأرض و لا يلتفتون إليهاانابعد ذلك، أو يستعملون حاجات من المطبخ، ولا يعيدون هذه الحاجات إلى أماكنها . نهر من الحاجات المتنافرة من ثياب والعاب وكتب كان يمتد بشكل دائم من غرفة الحمام إلى غرف نوم الأطفال وقد أعلمنا أطفالنا بأن أمهم بشكل خاص وأباهم بالدرجة الثانية غير قادرين لوحدهما أن يجففا هذا النهر من الفوضى بشكل دائم. واتخذ القرار بأن كل شخص مسؤول عن حاجاته وأغراضه الشخصية.
القاعدة الثالثة كانت تحمل المسؤولية. وتحدثنا في هذا الصدد عن أهمية كل فرد من أفراد الأسرة وعن أهمية وحدتنا الأسروية ككل، وأننا يجب أن نعمل معاً كوحدة واحدة. وعلى كل منا أن يتحمل مسؤوليات محددة من المسؤوليات الكثيرة التي يجب على الأسرة إنجازها. فهناك نظافة البيت، وكتابة الوظائف، وإطعام حيوانات البيت، ونقل كيس القمامة إلى الحاوية، هناك دروس الموسيقا وغير ذلك ، وبتوزيع هذه المسؤوليات على الجميع يمكن لبيتنا أن يستعيد اتزانه ونظافته ونظامه. وبتحديد المسؤوليات يمكن اكتشاف مصدر التقصير ومحاسبة المقصر عن تقصيره.
القاعدة الرابعة هي الالتزام بالتهذيب واللطف. وقد عرفنا ذلك تعريفاً مناسباً ففيما يتعلق بآداب الجلوس على طاولة الطعام، كان التهذيب يعني لنا الجلوس بلباقة ووضع محرمة أو فوطة على الصدر ومسك الشوكة باليد اليسرى والسكين باليد اليمنى، ومضغ الطعام جيداً بفم مغلق. وكان هناك أيضاً منظومة أخرى من الآداب التهذيبية تتعلق بتصرفات الأطفال في الأماكن العامة كالمدرسة والكنيسة ومحلات البيع الكبيرة وهذه المنظومة تشمل الكف عن الركض والحركات غير المدروسة في هذه الأماكن، وعدم الاعتداء على الآخرين وإيذائهم ، وعدم إشاعة الفوضى في جو المحاضرات أو الصلوات أو ما شابه ذلك. وعدم الاعتداء على ملكية الآخرين .. وغير ذلك من التوصيات التي يمكن أن تطول قائمتها . وخلاصة الأمر، حاولنا أن نفهم مع أطفالنا بأننا علينا أن نعامل الآخرين بطريقة نتمنى منهم أن يعاملونا بمثلها ، وأن سلوكنا اتجاههم يجب أن يكون انعكاساً لمستوى تقييمنا لهم.
القاعدة الخامسة تتعلق بالاعتناء بمخلوقات الله من بشر وحيوانات وأشياء. وأحد أهم الواجبات في هذا الصدد هو الاعتناء بجسمنا نحن كالسهر على نظافته وإعطائه حاجته من النوم والراحة والرياضة.
ويتضمن الاعتناء بالجسم أيضاً عادات محددة كتنظيف الأسنان قبل النوم وفي الصباح والنوم باكراً (9-8) في أثناء دوام المدارس وتنظيف الشعر والاستحمام ثلاث مرات في الأسبوع ولبس الملابس النظيفة وسوى ذلك.
هذه القاعدة تتضمن أيضاً الاعتناء بالآخرين فمثلاً عند محاورة الآخرين ينبغي طرح الأسئلة بدلاً من المجادلة. ومحاولة تفهم الآخرين ومعرفة مراميهم واعتبار ما يقولونه هاماً. وتعني هذه القاعدة أيضاً : أن يتم اللعب مع الآخرين بحرص ومحبة والابتعاد عن إيذاء الغير أو ضريهم أو إهانتهم بالكلمات.
كما تتضمن هذه القاعدة أيضاً الاعتناء بالحيوانات ورعايتها وعدم إيذائها وضربها وكذلك الاعتناء بالنباتات والأشياء الأخرى التي خلقها الله.
وبعد كتابة هذه القواعد الخمس في الوثيقة (هناك قاعدة سادسة سنناقشها لاحقاً)، تركنا حيزاً لاسم كل منا وتوقيعه.
وإذا كان أحد الأطفال صغيراً لدرجة أنه لا يعرف التوقيع كنت أسمح له بأن يمسك القلم ويخربش به في الخيز المتاح لتوقيعه، ثم أضع التاريخ بجانب خربشته وبابنتهاء هذه المراسيم ، نكون قد انتهينا كأسرة من تحديد الإطار الذي سنعيش فيه والجهة التي يمكننا أن نتوجه إليها، وحيث أننا شاركنا الأطفال في صياغة هذا العقد وتوقيعه، فهم سيعتبرون هذا العقد هو عقدهم وأنهم رسموا بنفسهم حدودهم وبالتالي سيكون أسهل عليهم الالتزام بها .
ولم نعتبر أي قاعدة من تلك القواعد الخمس قاعدة ثانوية أو يمكن إهمالها . كل هذه القواعد هامة وتطبيقها أساسي ولازم. وكان علينا أن نجد ما يحفز الأطفال على الالتزام بهذه القواعد وتطبيقها ، وإيجاد أفضل السبل لتصحيح أو تقويم الاعوجاج الذي ينجم عن سوء الالتزام أو سوء التطبيق، وهنا بدأت المتعة، فقد حاولنا الكثير من الوسائل والطرق التي أثبتت فشلها قبل أن نهتدي إلى الطريقة التي نعتقد بأنها أثبتت نجاحها وحققت لنا أغراضنا التي كنا نتوخاها .
- وضع القواعد والحدود عبر العهود والمواثيق
إذا كان وضع القواعد والحدود بهذه الأهمية، فالسؤال دون شك هو كيف نبدأ ؟
ففي وضعنا نحن كأسرة كان من الأهمية بمكان لنا أن نستند إلى قاعدة محددة لتقرير ما هو الصح وما هو الخطأ . هذه القاعدة كانت الإنجيل و ما يقوله عن حياتنا . عندما كان الأطفال صغاراً، أدركنا الأهمية الكبيرة لوضع قواعد وحدود، وكنا نفرضها على أطفالنا، ونسهر على تطبيقها ، ووصلت اهتماماتنا في هذا الشأن حدود الأشياء البسيطة كآداب المحادثة مع الآخرين وآداب الجلوس إلى طاولة الطعام وغير ذلك.
وعندما بدأنا اختيار القواعد والأسس والحدود لأفراد عائلتنا، كنا نعرف بأنه من الضروري أن تكون هذه القواعد والأسس والحدود واضحة، كما يجب أيضاً أن يكون عددها محدوداً. ومن دراستنا الشخصية، وجدنا أن هناك قاعدتين أساسيتين يمكن البدء بهما في وضع الحدود . هاتان القاعدتان هما نفس القاعدتان اللتان أكد عليهما السيد المسيح في وصاياه لتلاميذه واعدها أهم الوصايا قاطبة.
القاعدة الأولى : تأسيس علاقة جيدة مع الله. وهذا يتضمن فهماً جيداً لما أعلمنا الله به عن نفسه في الإنجيل، وأيضاً استيعاباً جيداً لطبيعة علاقتنا به كأفراد . وقد اتفقنا (نورما وأنا على أن علاقتنا مع الله هي أكثر عناصر حياتنا أهمية. وكنا دائماً نأمل أن ننقل هذا الشعور والالتزام إلى أطفالنا .
القاعدة الثانية : تنبع من الأولى، وتنتج منطقياً عنها. وهي أن نُحب ونتمن الناس كما نُحِبُّ ونُثمن أنفسنا تماماً. أرسل الله نبيه موسى بوصاياه العشر أو الحدود العشر، وكل واحدة من هذه الوصايا ترتكز على القاعدتين الأساسيتين اللتين أسس لهما السيد المسيح في العهد الجديد، وهما تمجيد الله وتثمين الناس وحياتهم. وقد قال السيد المسيح بأن الشخص الذي يلتزم بهاتين القاعدتين فهو طبيعياً، مطيع وملتزم بكل وصايا الإنجيل أن القواعد والحدود التي وضعناها في العائلة تنبع من هاتين القاعدتين وتصب فيهما .
عندما كان الطفل من أطفالنا يصل إلى سن الثالثة كانت القواعد الأساسية التي نجهد لتعليمه إياها بسيطة ومحدودة هي:
1- سوف نمجد، ونطيع الله بحسب فهمنا للإنجيل.
2- سوف نحترم، ونطيع أمنا وأبانا .
3- سوف نكون مهذبين ولطيفين مع كل ما خلق الله من مخلوقات وأشياء.
ومن خلال القاعدة الأولى، نريد لأطفالنا أن يعلموا أننا كآباء لسنا السلطة النهائية عليهم. وإنما هناك سلطة أعلى، ونحن نخضع لها بدورنا. فإذا سمحنا لأطفالنا أن يسلكوا سلوكاً يتناقض مع ما جاء في الكتاب المقدس، قد يكون من الصعب علينا أن نطلب منهم إطاعتنا. وكنا نشرح لأطفالنا بأنّنا نلتزم بهذه القواعد والحدود لأن الالتزام بها يمجد الله ويرضيه. هذه توصياته وليست أوامرنا . وبإطاعتنا كآباء يكون أطفالنا قد أطاعوا الله في الوقت نفسه، وهكذا يأتي تطبيق القاعدة الثانية محصلة طبيعية لتطبيق القاعدة الأولى.
تطبيق القاعدة الثالثة هو امتداد طبيعي لتطبيق القاعدتين السابقتين، وجوهرها أن يكون الطفل لطيفاً مع غيره من البشر ومخلوقات الله الأخرى. إذ لا نريد لأطفالنا أن يشتموا إخوانهم وأخواتهم ويخاطبون الآخرين بما لا يليق من الأسماء أو الصفات. كما لا نريدهم أن يفعلوا ما من شأنه تحقير الآخرين وإشعارهم بأن لا قيمة لهم. ونريد لهم أيضاً أن يتعلموا بأن إخوانهم وأخواتهم مقدرون و محترمون لأن الله عز وجل قد خلقهم ، كما خلقنا.
وعندما وصل الأطفال إلى سن السادسة أو السابعة، بدأنا نعيد النظر في منظومة القواعد السابقة بإضافة بعض القواعد والحدود الجديدة، وقد أشركنا أطفالنا لاحقاً في وضع هذه المنظومة الجديدة من القواعد والحدود والتي أصبحت ست قواعد أساسية لا تزال إلى الآن قواعد ثابتة في بيتنا ودليلاً لنا جميعاً.
وميثاقنا معاً كان على أساس أن مصدر هذا الميثاق هو الكتاب المقدس . ونحن نذكر أطفالنا بأن عناصر هذا الميثاق هي حدود الله لعائلتنا . وفي أثناء تطبيق هذه الحدود من قبل عائلتنا لا تنفك نذكر كل فرد فيها بأنه بعمله هذا يطيع الله عز وجل. إذ أن هذه القواعد التربوية هي قواعد إلهية ليس إلا ، وليست قواعدنا نحن. وهذه القواعد الست هي:
١ - إطاعة الوالدين.
٢ - إرجاع الحاجات التي تستعملها إلى أماكنها الطبيعية بعد أن نفرغ من استعمالها .
٣ - أداء الواجبات الضرورية أي الشعور بالمسؤولية.
٤ - اللطف والتهذيب في العلاقات مع الآخرين.
ه - العناية بمحبة بمخلوقات الله بشراً وحيوانات وأشياء.
٦- محاولة بناء شخصية خاصة ذات نوعية مناسبة.
هذه القواعد الست مثلت لنا النسخة النهائية لعقد مكتوب وافقنا عليه جميعاً، ووقعناه بالإمضاء والتاريخ وفي واقع الأمر هذه الوثيقة هي كأي عقد عمل بين أطراف متعاقدة. وقد وجدنا أن هذا العقد المكتوب قد ساهم في انسجامنا كعائلة مساهمة كبيرة، وقد ساعدنا على تأديب أطفالنا، لأنه كان من السهل جداً علينا أن نشير إلى العقد المتفق عليه من قبل الجميع، ونعاقب من يخرج عنه، وقد أبدى أطفالنا استعداداً جيداً للتعاون معنا لتطبيق بنود العقد والتكيف مع ما ورد فيه.
باختصار شديد إذاً : العملية التربوية في أسرتنا بدأت بوضع حدود وقواعد واضحة لأطفالنا، وتحولت هذه القواعد والحدود إلى ميثاق أو عقد بين أفراد العائلة يلزم الجميع ببنوده.
معظمنا يعيش تحت ظل نوع أو أنواع من العقود والعهود والمواثيق.
والغالبية من هذه العقود والعهود والمواثيق غير مكتوبة ولا موقعة ولكنها متعارف عليها . فالعهد المتبادل بين الزوجين قبيل الزواج وشهادة السواقة، والعمل في شركة ما أو لصالح الدولة وغير ذلك كلها عقود. وهناك عقود لا أحد يذكرها، ولكنها مع هذا عقود ، فمثلاً ينبغي عليك أن تحافظ على فناء دارك نظيفاً مرتباً، وإلا اشتكاك جارك إلى سلطات البلدية الالتزام بحدود السرعة على الطرقات عامة عقد عدم الالتزام به قد يكلفك غالباً ... إلخ.
الأساس في العقد أن جميع الأطراف الملتزمة به تشارك في نقاش بنوده، وتوافق عليه، وتتحمل تبعات مخالفة أي بند من بنود العقد. بعد ذلك يوقع جميع أطراف العقد على وثيقة العقد، ويضعون أنفسهم تحت سلطة هذا العقد.
لقد شارك أطفالنا مشاركة فعلية في رسم القواعد والحدود والعقود التي سنلتزم بها كأسرة، فمثلاً فيما يتعلّق بالقاعدة الأولى من عقدنا الأسروي أي إطاعة الوالدين، سألنا الأطفال ما معنى إطاعة الوالدين فأجابوا : أنها تعني شيئين أساسيين :
الأول : عدم الشكوى والأمثلة المتعارف عليها للشكوى كثيرة منها : هل علي أن أفعل ذلك يا أبي؟ أو لماذا أنا؟ أو دع غيري يقوم بهذا العمل، أو هل أقوم أنا بكل أعمال هذه الأسرة، أو لماذا لا تفعلها أنت بالذات؟... إلخ.
الشيء الثاني الذي تعنيه الإطاعة هو عدم الإلحاح بالطلب ومن أمثلة ذلك من فضلك يا أبي اسمح لي بفعل ذلك ، ألا أستطيع أنا أن أفعل ذلك ؟ من فضلك الجميع يفعل ذلك، لماذا لا أقوم أنا أيضاً بفعل ذلك ؟.
ألا أستطيع أن أقوم بفعل ذلك مرة أخرى ...... إلخ
يعد الإلحاح في الطلب والتذلل من قبل الطفل لتحقيق ما يود تحقيقه أحد مظاهر عدم إطاعة الوالدين. وفي المحصلة توصلنا مع أطفالنا إلى تعريف بسيط لإطاعة الوالدين أنها ببساطة تعني نعم سأفعل ما تراه مناسباً ولنأتذمر من فعله.
القاعدة الثانية التي كنا قلقين وحريصين في الوقت نفسه على . تطبيقها في عقد الأسرة هي نظافة البيت ومسؤولية تنظيفه. كان البيت يشكو دائماً من فوضى مزمنة، ولأوقات طويلة في اليوم والسبب في ذلك هو الأطفال الذين يقذفون بأغراضهم على الأرض و لا يلتفتون إليهاانابعد ذلك، أو يستعملون حاجات من المطبخ، ولا يعيدون هذه الحاجات إلى أماكنها . نهر من الحاجات المتنافرة من ثياب والعاب وكتب كان يمتد بشكل دائم من غرفة الحمام إلى غرف نوم الأطفال وقد أعلمنا أطفالنا بأن أمهم بشكل خاص وأباهم بالدرجة الثانية غير قادرين لوحدهما أن يجففا هذا النهر من الفوضى بشكل دائم. واتخذ القرار بأن كل شخص مسؤول عن حاجاته وأغراضه الشخصية.
القاعدة الثالثة كانت تحمل المسؤولية. وتحدثنا في هذا الصدد عن أهمية كل فرد من أفراد الأسرة وعن أهمية وحدتنا الأسروية ككل، وأننا يجب أن نعمل معاً كوحدة واحدة. وعلى كل منا أن يتحمل مسؤوليات محددة من المسؤوليات الكثيرة التي يجب على الأسرة إنجازها. فهناك نظافة البيت، وكتابة الوظائف، وإطعام حيوانات البيت، ونقل كيس القمامة إلى الحاوية، هناك دروس الموسيقا وغير ذلك ، وبتوزيع هذه المسؤوليات على الجميع يمكن لبيتنا أن يستعيد اتزانه ونظافته ونظامه. وبتحديد المسؤوليات يمكن اكتشاف مصدر التقصير ومحاسبة المقصر عن تقصيره.
القاعدة الرابعة هي الالتزام بالتهذيب واللطف. وقد عرفنا ذلك تعريفاً مناسباً ففيما يتعلق بآداب الجلوس على طاولة الطعام، كان التهذيب يعني لنا الجلوس بلباقة ووضع محرمة أو فوطة على الصدر ومسك الشوكة باليد اليسرى والسكين باليد اليمنى، ومضغ الطعام جيداً بفم مغلق. وكان هناك أيضاً منظومة أخرى من الآداب التهذيبية تتعلق بتصرفات الأطفال في الأماكن العامة كالمدرسة والكنيسة ومحلات البيع الكبيرة وهذه المنظومة تشمل الكف عن الركض والحركات غير المدروسة في هذه الأماكن، وعدم الاعتداء على الآخرين وإيذائهم ، وعدم إشاعة الفوضى في جو المحاضرات أو الصلوات أو ما شابه ذلك. وعدم الاعتداء على ملكية الآخرين .. وغير ذلك من التوصيات التي يمكن أن تطول قائمتها . وخلاصة الأمر، حاولنا أن نفهم مع أطفالنا بأننا علينا أن نعامل الآخرين بطريقة نتمنى منهم أن يعاملونا بمثلها ، وأن سلوكنا اتجاههم يجب أن يكون انعكاساً لمستوى تقييمنا لهم.
القاعدة الخامسة تتعلق بالاعتناء بمخلوقات الله من بشر وحيوانات وأشياء. وأحد أهم الواجبات في هذا الصدد هو الاعتناء بجسمنا نحن كالسهر على نظافته وإعطائه حاجته من النوم والراحة والرياضة.
ويتضمن الاعتناء بالجسم أيضاً عادات محددة كتنظيف الأسنان قبل النوم وفي الصباح والنوم باكراً (9-8) في أثناء دوام المدارس وتنظيف الشعر والاستحمام ثلاث مرات في الأسبوع ولبس الملابس النظيفة وسوى ذلك.
هذه القاعدة تتضمن أيضاً الاعتناء بالآخرين فمثلاً عند محاورة الآخرين ينبغي طرح الأسئلة بدلاً من المجادلة. ومحاولة تفهم الآخرين ومعرفة مراميهم واعتبار ما يقولونه هاماً. وتعني هذه القاعدة أيضاً : أن يتم اللعب مع الآخرين بحرص ومحبة والابتعاد عن إيذاء الغير أو ضريهم أو إهانتهم بالكلمات.
كما تتضمن هذه القاعدة أيضاً الاعتناء بالحيوانات ورعايتها وعدم إيذائها وضربها وكذلك الاعتناء بالنباتات والأشياء الأخرى التي خلقها الله.
وبعد كتابة هذه القواعد الخمس في الوثيقة (هناك قاعدة سادسة سنناقشها لاحقاً)، تركنا حيزاً لاسم كل منا وتوقيعه.
وإذا كان أحد الأطفال صغيراً لدرجة أنه لا يعرف التوقيع كنت أسمح له بأن يمسك القلم ويخربش به في الخيز المتاح لتوقيعه، ثم أضع التاريخ بجانب خربشته وبابنتهاء هذه المراسيم ، نكون قد انتهينا كأسرة من تحديد الإطار الذي سنعيش فيه والجهة التي يمكننا أن نتوجه إليها، وحيث أننا شاركنا الأطفال في صياغة هذا العقد وتوقيعه، فهم سيعتبرون هذا العقد هو عقدهم وأنهم رسموا بنفسهم حدودهم وبالتالي سيكون أسهل عليهم الالتزام بها .
ولم نعتبر أي قاعدة من تلك القواعد الخمس قاعدة ثانوية أو يمكن إهمالها . كل هذه القواعد هامة وتطبيقها أساسي ولازم. وكان علينا أن نجد ما يحفز الأطفال على الالتزام بهذه القواعد وتطبيقها ، وإيجاد أفضل السبل لتصحيح أو تقويم الاعوجاج الذي ينجم عن سوء الالتزام أو سوء التطبيق، وهنا بدأت المتعة، فقد حاولنا الكثير من الوسائل والطرق التي أثبتت فشلها قبل أن نهتدي إلى الطريقة التي نعتقد بأنها أثبتت نجاحها وحققت لنا أغراضنا التي كنا نتوخاها .
تعليق