العقود كوسيلة لموازنة المحبة .. كتاب عندما تكسب قلب طفلك
الفصل الرابع
العقود كوسيلة الموازنة المحبة
- وضع القواعد والحدود عبر العهود والمواثيق .
- تطبيق العقد - تجاربنا الشخصية .
- طريقة عملية لتطبيق العقود الخاصة بالأسرة .
- لا تتوقع .. فتش .
- عقد تنظيم المواعيد.
- عقد لقيادة السيارة
- الأسس المعتمدة للعقوبات والضرب .
واحدة من الحوادث النادرة حدثت في بيتنا عندما كان غريغ ابني في السابعة من عمره . أيقظني غريغ في السادسة والربع صباحاً، ودفعني بهدوء مشيراً علي بأن لا أوقظ نورما أمه، ثم همس في أذني ((أبي هل تتكرم علي بالاستيقاظ، وتقرأ معي بعضاً من الكتاب المقدس؟)). ماذا استطيع أن أقول؟ هذه فرصة جد نادرة لا أعتقد بأن أباً عاقلاً يجرؤ على تفويتها .
مشينا على رؤوس أصابعنا، غريغ وأنا، ونزلنا على درج البيت إلى الطابق السفلي من المنزل ، ثم أجلسته فوق ركبتي، وبدأنا بقراءة آيات من الانجيل محاولين تذكر الآيات الصغيرة التي نقرؤها معاً. وكنا نناقش معاني هذه الآيات، ونصلي، ونشكر الرب. وكان غريغ مستمتعاً جداً وممتناً وفي أعلى درجات الاستجابة. ثم دعونا الله معاً أن يساعد غريغ على تنظيف غرفته وإعادة ترتيبها وتخليصها من الفوضى التي هي عليه، كما دعوناه أيضاً لمساعدتي على مواجهة يوم مليء بالأعمال الصعبة التي علي إنجازها. وما أن انتهينا من ذلك حتى اكتمل استيقاظ جميع أفراد الأسرة حيث هبطوا إلينا، وقد بدت الدهشة على وجوههم جميعاً، ولكن ما لبثوا أن انضموا إلينا حيث صلينا معاً صلاة مختصرة ودعونا الله أن يديم على هذه الأسرة التفاهم والسعادة، ثم تفرق الجميع حيث ذهب كل منهم لما ينبغي عليه أن يفعل. أما أنا فتمددت في كرسي تجلاني سعادة لم اختبر مثلها في حياتي لهذا النضوج الروحي الرائع لابني الصغير.
صراخ فجائي وأصوات شجار قادمة من قمة الدرج مزقت هذه السعادة والهدوء اللذين كنت أستمتع بهما . ففي أثناء عودة غريغ إلى غرفته، اصطدم بكاري أخته، ودفع بها بقوة إلى الجدار، فدفعته هي الأخرى بالاتجاه المعاكس، فاشتعل الشجار بينهما. وبعد الحجز بينهما و إيقاف ((الحرب)) لم أستطع كبت تساؤل ملح: كيف يحدث هذا الشجار بهده السرعة بعد تلك اللحظات الروحية العميقة التي عشناها معاً ؟
وفي وقت متأخر من الأسبوع نفسه، ذكرت هذه الحادثة في معرض حديث لي قدمته في ولاية أخرى من البلاد، فنهضت امرأة من الحضور وحدثتني أمام الجميع قائلة : لا تقلق .. فأولادك يمرون بإحدى المراحل التي يمر بها جميع الأطفال. سيجتازون هذه المرحلة بالتأكيد بعد حوالي 30 -35 سنة .
لقد راقبت أطفالي يمرون بأطوار ومراحل مختلفة، بعضها رائع وجميل والبعض الآخر ليس كذلك. وعندما أنظر إلى الوراء عبر أكثر من عشرين سنة من الزواج كنا نورما وأنا نبني فيها العائلة التي نحلم بها ، نصل إلى نتيجة مركزية وهي أن أهم ما يميز عائلتنا هذه هو أن الواحد فينا يقدر الآخر، ويعطيه حقا قيمته، وهذا التقدير هو الذي جمعنا كعائلة كل هذه السنوات، وهو الذي غطى على أخطائنا وخطايانا مع بعضنا البعض، وجزء مما تعنيه هذه المحبة كان وضع حدود أو قيم كنا ملتزمين بها أيضاً، وكان كل واحد منا مديناً للآخر بتطبيقها .
في الفصل السابق، شرحنا كيف تشعر أطفالنا بأن لهم قيمة مهمة في الحياة، وحاولنا تكريس هذا الشعور لديهم عبر إقناعهم به بالقول والممارسة، وعبر التفرغ لهم أو قضاء وقت مناسب معهم، وعبر حل مشكلاتهم، وعبر تحفيزهم للدراسة والعمل، وأخيراً عبر المحافظة على ذواتهم مفتوحة وجاهزة للحوار والتواصل مع الآخرين. تعلمنا كيف نستمع إليهم بآذاننا وأعيننا . وعندما كانوا صغاراً تعلمنا كيف نركع على ركبنا أمامهم لنصل إلى مستواهم، وكيف نضمهم إلى صدورنا، وكيف نلمسهم وكيف نعانقهم وكيف نحادثهم ونتواصل معهم وكيف نزرع القيم النبيلة في نفوسهم.
بعد زواجنا بفترة قصيرة ، اتخذنا معاً (نورما وأنا) قراراً هاماً أعتقد أنه انعكس إيجابياً على حياة عائلتنا كلها، وأثر على جميع وجوه تربيتنا لأطفالنا ، فقد لا حظنا أن كل واحد منا فرد له خصوصيته وفرادته ولكن في الوقت نفسه فرد متساوي القيمة والأهمية ضمن الاتحاد الذي بيننا . فكل منا له مهاراته القيمة وقدراته وآراؤه، ولكننا مع هذا نذرنا على أنفسنا بأن يحاول كل منا أن يفهم الآخر وأن يضع نفسه مكانه عند الحكم عليه. ولذلك كنا نناضل دائماً بجدية لأن نكون على وفاق وانسجام.
وقرارنا بأن نبقى على وفاق وانسجام، لا يعني بأي حال من الأحوال بأن يمتثل أحدنا لتعليمات الآخر أو أن يقدم أحدنا التنازلات للآخر بشكل مستمر، وإنما اتفقنا على أن يعني هذا القرار أننا نحل مشاكلنا بطريقة تضمن الرضا لكلا الطرفين على حد سواء . أعطانا هذا الالتزام قوى هائلة لتثبيت دعائم زواجنا ، وساعدنا على تربية أطفالنا . وفي بعض الأحيان قد نتناقش طويلاً للوصول إلى قرار نهائي. ولكن محبتنا وتقديرنا وأحدنا للآخر كانا يمنحانا القوة على العمل المتواصل للوصول بالمحصلة إلى حل نتفق عليه معاً. فلقد اتفقنا عندما بدأنا ننجب الأولاد على عدد الأولاد الذين سننجبهم، وعلى أسمائهم وعلى طريقة تربيتهم ...
وسوى ذلك.
وقبل الاتفاق على كيفية تأديب أطفالنا، رأينا أن نبدأ بأنفسنا. بدأت نورما بقراءة عدد من الكتب حول تربية الأطفال. وقابلنا عائلات تعتقد أنهم ناجحون في تربية أطفالهم، وسألناهم النصيحة. كما أن نورما انخرطت أيضاً في دورة تدريبية لإتقان مهام خدمة الأطفال والتعامل معهم . ثم بدأنا نمارس ما قد تعلمناه، وبدأنا نميز بين تلك الأفكار والنصائح التي أفادتنا، وأعطت نتائج إيجابية وتلك الأفكار والنصائح التي لم تثبت فعالية في بيتنا، أو أنها شوشت نظام البيت، وأساءت إلى انسجامه وكنا دائماً نعدل في التقنيات التي نستعملها، ونتكيف مع الأوضاع الجديدة بما يتلاءم معها .
درسنا أفكار الدكتور (Robert Coles) أحد أهم الأطباء النفسيين في البلاد وأكثرهم تأثيراً . وقد أكد هذا الطبيب على أن أكثر ما يحتاجه الأطفال في الواقع هو التأسيس لوجود قواعد وأحكام وحدود تفرق الصح من الخطأ . هذه القواعد والأحكام يجب أن تشمل كل وجوه حياتنا اليومية.
ودرسنا أيضاً إحصائية أجريت منذ عدة سنوات خلت وشملت عدداً من الأشخاص يعملون في مهام مهمة مثل علماء لغة، وتربويين، وأساتذة جامعة ورجال دين ومهندسين وأطباء، وقد سئل جميع هؤلاء عن أكثر العوامل تأثيراً في حياتهم والعامل الحاسم الذي قادهم لاختيار مهنهم والنجاح في العمل فيها . وكلهم أجابوا بأنهم تربوا في بيوت صارمة تعتمد وجود قواعد وحدود واضحة ينبغي عدم تجاوزها . ومثل هذه الإحصائية وغيرها شجعتنا على تأسيس منظومة من الأحكام والقواعد والحدود لتطبيقها في بيتنا .
وتابعنا القراءة في هذا المجال تعرفنا كيف أن الأطفال بحاجة إلى الإحساس بوجود مؤدب أو سلطة ما في حياتهم لتساعدهم على التطور والنضوج الجسدي والنفسي والعاطفي. أن وجود هذه السلطة التأديبية في البيت يعطي الأطفال شعوراً بالأمان لأنهم يعرفون الحدود التي تضمن سعادتهم، وبشكل عام فإن إحساسنا بالأمن والاطمئنان لا يأتي إلا من النظام والتنظيم وحدود القانون. فنحن نشعر بالثقة، ونحن نعبر ممر المشاة إذا كان لون ضوء الإشارة الضوئية يشير إلى الأخضر، وذلك لعلمنا أن لون ضوء الإشارة الضوئية التي تنظم حركة سير السيارات عبر ذلك الممر هو الأحمر، في هذه اللحظة. الحدود موجودة بكثرة حولنا، فنحن نعرف بأننا إذا اشترينا تفاحة من خضري، فإن هذه التفاحة ليست محقونة بسم زعاف سيقتلنا إذا أكلناها ، وبشكل مماثل نحن نجلس على الكرسي، ولدينا الثقة بأنها ليست هشة ولن تتحطم تحت ثقل أجسامنا. كما نشعر بأن سقوف بيوتنا آمنة، ولن تتحطم فوق رؤوسنا، وكذلك عجلات سيارتنا الجديدة سوف تبقى محتفظة بالهواء الذي فيها لفترة من الوقت. كل ذلك لأن هناك حداً أدنى من النوعية ويجب أن تتمتع به الأشياء التي نستعملها وبأن هناك حدوداً للآخرين بحيث تمنعهم هذه الحدود من إيذائنا . وبغياب هذه الحدود أو انعدام استمرارية وجودها ينعدم الإحساس بالأمن والأمان.
قد قرأنا أيضاً كتاب الدكتور ( Haim Ginott) المعنون (( بين الآباء والأبناء )) الذي أكد بدوره على وضع قواعد وحدود واضحة للصح والخطأ في البيت. وقد أشار الدكتور ((Ginott)) في كتابه هذا إلى أن أحد أهم القيم الفلسفية التي تربك الآباء هي تلك القيم التي قدمها العالم فرويد ( freud) في تحليلاته النفسية. لقد سوق فرويد للفكرة القائلة : ((أنا ما أنا عليه الآن سبب ما فعله والدي بي)).
وآباء اليوم لذلك، قلقون وغير متأكدين من الطريقة التي يجب أن يتبعوها لتربية أطفالهم. وبعضهم يملؤه الخوف بأن أخطاءه في تربيتهم سينجم عنها نتائج وخيمة للغاية. ولهذا كله فإن الكثير من الآباء يعاني التردد وقلة الحيلة عندما يريد أن يضع منظومته الخاصة من القواعد والحدود لأطفاله . ويدعونا الدكتور ((Ginott)) في هذا الصدد لأن نبدأ من الأمور الأشد وضوحاً . هناك أشياء صحيحة ومقبولة في نظر الجميع، وهناك أشياء على النقيض من ذلك. ويمكن تبسيط هذه الحدود جداً فمثلاً : يمكنك أن تضرب أخاك بالوسادة، ولكن يجب أن لا تضربه بالمطرقة أو القدوم)) . قد يكون هذا المثال على درجة كبيرة من البساطة والبديهية. ولكنه يعطينا طرف الخيط لتأسيس منظومة من القواعد والحدود التي تؤسس لحدود الممكن واللاممكن أو الصح أو الخطأ في قانون الأسرة، وفي ضبط سلوك الأفعال.
أشار الدكتور (Howard Hendricks) وهو أستاذ في الدين المسيحي ومؤلّف كتاب ((الله يرعى البيوت))، إلى أنه يجب على الآباء أن يضعوا نصب أعينهم أهدافاً محدودة وأولويات مدروسة في أثناء تربيتهم لأطفائهم. يقول الدكتور هندريكس: لا تستطيع التوصل إلا إلى الأشياء التي ترغب وتعمل للوصول إليها . فإذا كنت تسعى إلى اللاشيء ستحصل عليه دائماً وبسهولة .
وهذا الكلام ينطبق على وضع قواعد السلوك أفراد الأسرة، فإذا لم يكن لدينا مثل هذه القواعد والحدود ولم نسهر على تطبيقها، بل ونغير في طرائقنا في التربية والتأديب من أسبوع إلى أسبوع دون هدف محدد، فسوف لن نصل إلى الأهداف التربوية التي نصبو إليها، ولن نحصد من تربيتنا سوى الهشيم.
الفصل الرابع
العقود كوسيلة الموازنة المحبة
- وضع القواعد والحدود عبر العهود والمواثيق .
- تطبيق العقد - تجاربنا الشخصية .
- طريقة عملية لتطبيق العقود الخاصة بالأسرة .
- لا تتوقع .. فتش .
- عقد تنظيم المواعيد.
- عقد لقيادة السيارة
- الأسس المعتمدة للعقوبات والضرب .
واحدة من الحوادث النادرة حدثت في بيتنا عندما كان غريغ ابني في السابعة من عمره . أيقظني غريغ في السادسة والربع صباحاً، ودفعني بهدوء مشيراً علي بأن لا أوقظ نورما أمه، ثم همس في أذني ((أبي هل تتكرم علي بالاستيقاظ، وتقرأ معي بعضاً من الكتاب المقدس؟)). ماذا استطيع أن أقول؟ هذه فرصة جد نادرة لا أعتقد بأن أباً عاقلاً يجرؤ على تفويتها .
مشينا على رؤوس أصابعنا، غريغ وأنا، ونزلنا على درج البيت إلى الطابق السفلي من المنزل ، ثم أجلسته فوق ركبتي، وبدأنا بقراءة آيات من الانجيل محاولين تذكر الآيات الصغيرة التي نقرؤها معاً. وكنا نناقش معاني هذه الآيات، ونصلي، ونشكر الرب. وكان غريغ مستمتعاً جداً وممتناً وفي أعلى درجات الاستجابة. ثم دعونا الله معاً أن يساعد غريغ على تنظيف غرفته وإعادة ترتيبها وتخليصها من الفوضى التي هي عليه، كما دعوناه أيضاً لمساعدتي على مواجهة يوم مليء بالأعمال الصعبة التي علي إنجازها. وما أن انتهينا من ذلك حتى اكتمل استيقاظ جميع أفراد الأسرة حيث هبطوا إلينا، وقد بدت الدهشة على وجوههم جميعاً، ولكن ما لبثوا أن انضموا إلينا حيث صلينا معاً صلاة مختصرة ودعونا الله أن يديم على هذه الأسرة التفاهم والسعادة، ثم تفرق الجميع حيث ذهب كل منهم لما ينبغي عليه أن يفعل. أما أنا فتمددت في كرسي تجلاني سعادة لم اختبر مثلها في حياتي لهذا النضوج الروحي الرائع لابني الصغير.
صراخ فجائي وأصوات شجار قادمة من قمة الدرج مزقت هذه السعادة والهدوء اللذين كنت أستمتع بهما . ففي أثناء عودة غريغ إلى غرفته، اصطدم بكاري أخته، ودفع بها بقوة إلى الجدار، فدفعته هي الأخرى بالاتجاه المعاكس، فاشتعل الشجار بينهما. وبعد الحجز بينهما و إيقاف ((الحرب)) لم أستطع كبت تساؤل ملح: كيف يحدث هذا الشجار بهده السرعة بعد تلك اللحظات الروحية العميقة التي عشناها معاً ؟
وفي وقت متأخر من الأسبوع نفسه، ذكرت هذه الحادثة في معرض حديث لي قدمته في ولاية أخرى من البلاد، فنهضت امرأة من الحضور وحدثتني أمام الجميع قائلة : لا تقلق .. فأولادك يمرون بإحدى المراحل التي يمر بها جميع الأطفال. سيجتازون هذه المرحلة بالتأكيد بعد حوالي 30 -35 سنة .
لقد راقبت أطفالي يمرون بأطوار ومراحل مختلفة، بعضها رائع وجميل والبعض الآخر ليس كذلك. وعندما أنظر إلى الوراء عبر أكثر من عشرين سنة من الزواج كنا نورما وأنا نبني فيها العائلة التي نحلم بها ، نصل إلى نتيجة مركزية وهي أن أهم ما يميز عائلتنا هذه هو أن الواحد فينا يقدر الآخر، ويعطيه حقا قيمته، وهذا التقدير هو الذي جمعنا كعائلة كل هذه السنوات، وهو الذي غطى على أخطائنا وخطايانا مع بعضنا البعض، وجزء مما تعنيه هذه المحبة كان وضع حدود أو قيم كنا ملتزمين بها أيضاً، وكان كل واحد منا مديناً للآخر بتطبيقها .
في الفصل السابق، شرحنا كيف تشعر أطفالنا بأن لهم قيمة مهمة في الحياة، وحاولنا تكريس هذا الشعور لديهم عبر إقناعهم به بالقول والممارسة، وعبر التفرغ لهم أو قضاء وقت مناسب معهم، وعبر حل مشكلاتهم، وعبر تحفيزهم للدراسة والعمل، وأخيراً عبر المحافظة على ذواتهم مفتوحة وجاهزة للحوار والتواصل مع الآخرين. تعلمنا كيف نستمع إليهم بآذاننا وأعيننا . وعندما كانوا صغاراً تعلمنا كيف نركع على ركبنا أمامهم لنصل إلى مستواهم، وكيف نضمهم إلى صدورنا، وكيف نلمسهم وكيف نعانقهم وكيف نحادثهم ونتواصل معهم وكيف نزرع القيم النبيلة في نفوسهم.
بعد زواجنا بفترة قصيرة ، اتخذنا معاً (نورما وأنا) قراراً هاماً أعتقد أنه انعكس إيجابياً على حياة عائلتنا كلها، وأثر على جميع وجوه تربيتنا لأطفالنا ، فقد لا حظنا أن كل واحد منا فرد له خصوصيته وفرادته ولكن في الوقت نفسه فرد متساوي القيمة والأهمية ضمن الاتحاد الذي بيننا . فكل منا له مهاراته القيمة وقدراته وآراؤه، ولكننا مع هذا نذرنا على أنفسنا بأن يحاول كل منا أن يفهم الآخر وأن يضع نفسه مكانه عند الحكم عليه. ولذلك كنا نناضل دائماً بجدية لأن نكون على وفاق وانسجام.
وقرارنا بأن نبقى على وفاق وانسجام، لا يعني بأي حال من الأحوال بأن يمتثل أحدنا لتعليمات الآخر أو أن يقدم أحدنا التنازلات للآخر بشكل مستمر، وإنما اتفقنا على أن يعني هذا القرار أننا نحل مشاكلنا بطريقة تضمن الرضا لكلا الطرفين على حد سواء . أعطانا هذا الالتزام قوى هائلة لتثبيت دعائم زواجنا ، وساعدنا على تربية أطفالنا . وفي بعض الأحيان قد نتناقش طويلاً للوصول إلى قرار نهائي. ولكن محبتنا وتقديرنا وأحدنا للآخر كانا يمنحانا القوة على العمل المتواصل للوصول بالمحصلة إلى حل نتفق عليه معاً. فلقد اتفقنا عندما بدأنا ننجب الأولاد على عدد الأولاد الذين سننجبهم، وعلى أسمائهم وعلى طريقة تربيتهم ...
وسوى ذلك.
وقبل الاتفاق على كيفية تأديب أطفالنا، رأينا أن نبدأ بأنفسنا. بدأت نورما بقراءة عدد من الكتب حول تربية الأطفال. وقابلنا عائلات تعتقد أنهم ناجحون في تربية أطفالهم، وسألناهم النصيحة. كما أن نورما انخرطت أيضاً في دورة تدريبية لإتقان مهام خدمة الأطفال والتعامل معهم . ثم بدأنا نمارس ما قد تعلمناه، وبدأنا نميز بين تلك الأفكار والنصائح التي أفادتنا، وأعطت نتائج إيجابية وتلك الأفكار والنصائح التي لم تثبت فعالية في بيتنا، أو أنها شوشت نظام البيت، وأساءت إلى انسجامه وكنا دائماً نعدل في التقنيات التي نستعملها، ونتكيف مع الأوضاع الجديدة بما يتلاءم معها .
درسنا أفكار الدكتور (Robert Coles) أحد أهم الأطباء النفسيين في البلاد وأكثرهم تأثيراً . وقد أكد هذا الطبيب على أن أكثر ما يحتاجه الأطفال في الواقع هو التأسيس لوجود قواعد وأحكام وحدود تفرق الصح من الخطأ . هذه القواعد والأحكام يجب أن تشمل كل وجوه حياتنا اليومية.
ودرسنا أيضاً إحصائية أجريت منذ عدة سنوات خلت وشملت عدداً من الأشخاص يعملون في مهام مهمة مثل علماء لغة، وتربويين، وأساتذة جامعة ورجال دين ومهندسين وأطباء، وقد سئل جميع هؤلاء عن أكثر العوامل تأثيراً في حياتهم والعامل الحاسم الذي قادهم لاختيار مهنهم والنجاح في العمل فيها . وكلهم أجابوا بأنهم تربوا في بيوت صارمة تعتمد وجود قواعد وحدود واضحة ينبغي عدم تجاوزها . ومثل هذه الإحصائية وغيرها شجعتنا على تأسيس منظومة من الأحكام والقواعد والحدود لتطبيقها في بيتنا .
وتابعنا القراءة في هذا المجال تعرفنا كيف أن الأطفال بحاجة إلى الإحساس بوجود مؤدب أو سلطة ما في حياتهم لتساعدهم على التطور والنضوج الجسدي والنفسي والعاطفي. أن وجود هذه السلطة التأديبية في البيت يعطي الأطفال شعوراً بالأمان لأنهم يعرفون الحدود التي تضمن سعادتهم، وبشكل عام فإن إحساسنا بالأمن والاطمئنان لا يأتي إلا من النظام والتنظيم وحدود القانون. فنحن نشعر بالثقة، ونحن نعبر ممر المشاة إذا كان لون ضوء الإشارة الضوئية يشير إلى الأخضر، وذلك لعلمنا أن لون ضوء الإشارة الضوئية التي تنظم حركة سير السيارات عبر ذلك الممر هو الأحمر، في هذه اللحظة. الحدود موجودة بكثرة حولنا، فنحن نعرف بأننا إذا اشترينا تفاحة من خضري، فإن هذه التفاحة ليست محقونة بسم زعاف سيقتلنا إذا أكلناها ، وبشكل مماثل نحن نجلس على الكرسي، ولدينا الثقة بأنها ليست هشة ولن تتحطم تحت ثقل أجسامنا. كما نشعر بأن سقوف بيوتنا آمنة، ولن تتحطم فوق رؤوسنا، وكذلك عجلات سيارتنا الجديدة سوف تبقى محتفظة بالهواء الذي فيها لفترة من الوقت. كل ذلك لأن هناك حداً أدنى من النوعية ويجب أن تتمتع به الأشياء التي نستعملها وبأن هناك حدوداً للآخرين بحيث تمنعهم هذه الحدود من إيذائنا . وبغياب هذه الحدود أو انعدام استمرارية وجودها ينعدم الإحساس بالأمن والأمان.
قد قرأنا أيضاً كتاب الدكتور ( Haim Ginott) المعنون (( بين الآباء والأبناء )) الذي أكد بدوره على وضع قواعد وحدود واضحة للصح والخطأ في البيت. وقد أشار الدكتور ((Ginott)) في كتابه هذا إلى أن أحد أهم القيم الفلسفية التي تربك الآباء هي تلك القيم التي قدمها العالم فرويد ( freud) في تحليلاته النفسية. لقد سوق فرويد للفكرة القائلة : ((أنا ما أنا عليه الآن سبب ما فعله والدي بي)).
وآباء اليوم لذلك، قلقون وغير متأكدين من الطريقة التي يجب أن يتبعوها لتربية أطفالهم. وبعضهم يملؤه الخوف بأن أخطاءه في تربيتهم سينجم عنها نتائج وخيمة للغاية. ولهذا كله فإن الكثير من الآباء يعاني التردد وقلة الحيلة عندما يريد أن يضع منظومته الخاصة من القواعد والحدود لأطفاله . ويدعونا الدكتور ((Ginott)) في هذا الصدد لأن نبدأ من الأمور الأشد وضوحاً . هناك أشياء صحيحة ومقبولة في نظر الجميع، وهناك أشياء على النقيض من ذلك. ويمكن تبسيط هذه الحدود جداً فمثلاً : يمكنك أن تضرب أخاك بالوسادة، ولكن يجب أن لا تضربه بالمطرقة أو القدوم)) . قد يكون هذا المثال على درجة كبيرة من البساطة والبديهية. ولكنه يعطينا طرف الخيط لتأسيس منظومة من القواعد والحدود التي تؤسس لحدود الممكن واللاممكن أو الصح أو الخطأ في قانون الأسرة، وفي ضبط سلوك الأفعال.
أشار الدكتور (Howard Hendricks) وهو أستاذ في الدين المسيحي ومؤلّف كتاب ((الله يرعى البيوت))، إلى أنه يجب على الآباء أن يضعوا نصب أعينهم أهدافاً محدودة وأولويات مدروسة في أثناء تربيتهم لأطفائهم. يقول الدكتور هندريكس: لا تستطيع التوصل إلا إلى الأشياء التي ترغب وتعمل للوصول إليها . فإذا كنت تسعى إلى اللاشيء ستحصل عليه دائماً وبسهولة .
وهذا الكلام ينطبق على وضع قواعد السلوك أفراد الأسرة، فإذا لم يكن لدينا مثل هذه القواعد والحدود ولم نسهر على تطبيقها، بل ونغير في طرائقنا في التربية والتأديب من أسبوع إلى أسبوع دون هدف محدد، فسوف لن نصل إلى الأهداف التربوية التي نصبو إليها، ولن نحصد من تربيتنا سوى الهشيم.
تعليق