"الذئاب".. سيناريو ضعيف يستغل نجومية براد بيت وجورج كلوني
فيلم تدور أحداثه في ليلة واحدة سعيا لإخفاء جريمة قتل.
الجمعة 2024/12/20
ShareWhatsAppTwitterFacebook
مطاردات غامضة لكنها منظمة
تقع بعض الأفلام الأميركية في فخ تكرار الأفكار والمراهنة على نجوم كبار لجذب أكبر عدد من الجمهور وتحقيق أقصى ما يمكن من الأرباح دون الانتباه كثيرا إلى جودة العمل، وهذا ما حصل مع فيلم “الذئاب” الذي منحته نجومية براد بيت وجورج كلوني الإشعاع الذي يبحث عنه رغم الضعف الكبير فيه.
تدور أحداث فيلم “الذئاب” للمخرج جون واتس في إطار من الأكشن الغامض، حيث يحاول شخصان خارجان عن القانون التغلب على سلسلة من المخاطر بعد أن تم تكليفهما بتنفيذ المهمة نفسها في الوقت ذاته، وتتوالى الأحداث بشكل مثير. والعمل من سيناريو جون واتس وبطولة كل من براد بيت وجورج كلوني وأوستن أبرامز وإيمي ريان وإيرينا دوبوفا وبورنا جاجاناثان.
يأتي سيناريو الفيلم كإعادة طرح لفكرة مستهلكة ظهرت مرارًا في السينما الأميركية وغيرها، وهي ثنائية التعاون بين شخصيتين متناقضتين في سياق إجرامي، وهذه الفكرة تعتمد عادة على مزيج من الكوميديا السوداء والحركة المكثفة، ولكنها هنا تُقدم في إطار بسيط خال من الإضافات الإبداعية ويعيد تدوير القوالب الجاهزة، حيث يتكرر المشهد الكلاسيكي للشخصيات التي تجد نفسها مضطرة إلى العمل معًا لإنهاء مهمة مشتركة دون أن يقدّم معالجة جديدة أو أبعادًا درامية عميقة.
ويعتبر اختيار أن تدور أحداث الفيلم في ليلة واحدة عنصرا تقليديا يسعى إلى خلق توتر متسارع، لكنه في هذا العمل لا يُستغل بشكل فعال، فالقصة تبدأ بوعد درامي جيد من خلال مدعية عامة تجد نفسها متورطة في جريمة قتل وتستعين بمنظف محترف لإخفاء الجثة، لتجد نفسها عالقة مع منظف آخر مرسل من جهة مختلفة، لكن رغم هذا التمهيد الواعد، سرعان ما تتحول القصة إلى سلسلة من الأحداث المتوقعة التي تفتقر إلى التصعيد أو الإثارة الحقيقية، فالمشاهد المليئة بالمطاردات والصدامات تُستخدم لملء زمن الفيلم دون أن تضيف شيئًا فعليًا لتطوير الحبكة الدرامية أو تعميق ملامح الشخصيات.
◙ سيناريو الفيلم إعادة طرح لفكرة مستهلكة في السينما وهي ثنائية التعاون بين شخصيتين متناقضتين في سياق إجرامي
ويعتمد السيناريو على الكوميديا الخفيفة وحوارات الشخصيات الرئيسية، وهو ما يجعل الأحداث أقرب إلى كونها عرضًا ترفيهيًا لنجمين كبيرين بدلا من كونها عملا سينمائيًا قائمًا على حبكة متينة، فالشخصيتان الرئيسيتان تعملان كأداة لجذب الجمهور دون أي بناء نفسي أو سردي يُبرز تعقيدات عملهما الإجرامي، كما أن الأحداث تُقدَّم بشكل مباشر دون أي منعطفات ذكية أو حبكات فرعية تُغني النص، وهذا يضع الفيلم في خانة الأعمال التجارية التي تُفضل الإبهار السريع على حساب العمق الفكري أو الفني.
وما يعيب السيناريو أساسا هو اعتماده على فكرة سبق أن شاهدناها عشرات المرات في السينما العالمية وهي فكرة “المنظف الإجرامي” سواء كفرد أو كفريق، ويُعد شخصية نمطية ظهرت أيضا في الفيلم الأخير “الغرباء” للمخرج توني دين سميث، وهذا الفيلم جاء قويا ومحبوكا لكن الفارق بينه وبين فيلم “الذئاب” هو أن السيناريو هنا يفتقر إلى الإضافة النوعية التي تُبرر إعادة تقديم هذه الفكرة. لا يوجد بُعد حركي أو رمزي للأحداث، ولا تُستخدم الشخصيات لإبراز صراعات إنسانية محضة، فحتى النهاية تأتي مفتقرة إلى المفاجأة أو التفسير وهذا حقيقة يجعلها أشبه بلحظة فراغ درامي بدلا من أن تكون خاتمة مرضية.
ومن الواضح أن الهدف الأساسي من هذا العمل السينمائي هو تقديم فيلم ترفيهي خفيف وبعيد عن الطموحات الفنية الكبرى، فالتركيز على نجومية جورج كلوني وبراد بيت كعنصر الجذب الرئيسي يجعل الفيلم يعتمد عليهما في تقديم كوميديا الموقف وإبراز الكاريزما المشتركة، دون محاولة حقيقية لتطوير القصة، وهذا النهج يجعل “الذئاب” فيلمًا ممتعًا لكنه لا يترك أثرًا أو انطباعًا قويًا لدى الجمهور.
ولا يمكن إنكار التأثير الذي تُحدثه أسماء مثل كلوني وبيت في استقطاب جمهور واسع، لكن هذه النجومية تصبح سلاحًا ذا حدّين، حيث أنها تُضفي ثقلا إعلاميًا على الفيلم وتضمن له حضورًا جماهيريًا كبيرًا، إلا أنها لا تُغطي على أي قصور فني في الفيلم، بينما تُستغل هذه النجومية لتجاوز القيود التي يعاني منها النص فتُقدَّم الكوميديا والحوار بأسلوب يركز على استعراض التناغم بين النجمين بدلا من السعي لتقديم عمل ذي قيمة سردية عالية، فعندما يُبنى الفيلم على استقطاب الجمهور عبر نجومية الأبطال، يصبح خطر تقديم عمل سطحي أكبر، بينما الحقيقة أن العلاقة المتوترة بين شخصيتي النجمين تُقدَّم بشكل ساخر، لكنها تفتقر إلى البناء النفسي الذي يمكن أن يجعلها محورية للقص، فالنتيجة هي فيلم ممتع للعين ولكنه لا يترك أثرًا فكريًا أو عاطفيًا لدى المُشاهد.
◙ أحداث الفيلم تدور في ليلة واحدة.. عنصر تقليدي يسعى إلى خلق توتر متسارع
ومن المرجح أن وجود كلوني وبيت لم يكن مجرد اختيار تمثيلي بل هو عنصر أساسي في تصميم الفيلم وتوجيهه، فالسيناريو يبدو كأنه كُتب خصيصًا لاستغلال الكيمياء بينهما، دون محاولة جادة لتقديم قصة تحمل رسالة أو فكرة جديدة، وهذا النوع من الأفلام يُظهر كيف يمكن للنجومية أن تُستخدم تعويضا للافتقار إلى عناصر فنية أخرى، وهو ما يُحوّل العمل إلى تجربة تجارية أكثر منها فنية.
ويعتمد المخرج جون واتس على أسلوب كلاسيكي يميل إلى التقاليد البصرية المألوفة في أفلام الحركة والكوميديا، حيث تتبع الكاميرا الشخصيات في مشاهد مطاردات غامضة لكنها منظمة وبإيقاع متوسط دون تجاوز القواعد التقليدية للسرد السينمائي، ثم إن اختيارات المخرج جون واتس ذكية للغاية، إذ يُركّز على إبراز تفاعل النجمين الرئيسيين بدلاً من تقديم رؤى إخراجية مختلفة أو تقنيات بصرية تترك مشهدا محبوكا، فرغم جودة التنسيق في مشاهد الحركة والمطاردات، إلا أن الفيلم يفتقر إلى تلك اللحظات الإبداعية التي يمكن أن ترتقي به من مجرد عمل ترفيهي إلى تجربة سينمائية فريدة، وهذا النهج يجعل الفيلم ممتعًا للمشاهدة لكنه يظل عالقًا في إطار الإخراج النمطي الذي يخدم القصة دون أن يتحداها أو يضيف إليها بعدًا جديدًا.
نجومية جورج كلوني وبراد بيت تُضفي ثقلا إعلاميًا على الفيلم وتضمن له حضورًا جماهيريًا إلا أنها لا تُغطي على أي قصور فني
وفي الكثير من الأفلام يتم استغلال أسماء بارزة في عالم السينما لجذب الجمهور وزيادة الإقبال على شباك التذاكر، ثم تكشف أن القصص المؤفلمة تقليدية بسيطة ومكررة، حيث تعكس مواقف ومؤامرات سبق أن شاهدها الجمهور في أفلام كثيرة من قبل، وهذا الفيلم “الذئاب” من هذا النوع؛ إذ يعتمد على نجومية جورج كلوني وبراد بيت، اللذين يُعتبران من أبرز نجوم السينما الأميركية، بينما الفيلم يعاني من ضعف في تقديم جديد في هذا النوع من الأفلام، قصة يتصارع فيها الأبطال في مهمة واحدة تتطلب التنسيق والعمل معًا في مواجهة مخاطر عابرة، وهذه الفكرة تجعل الفيلم عابرًا في الذاكرة سريعًا ويُواجه صعوبة في البقاء طويلاً في صدارة شباك التذاكر.
ويعتبر جون واتس مخرجًا ومنتجًا ومؤلفًا أميركيًا بارعًا، وُلد في 28 يونيو 1981 في مدينة فاونتن بولاية كولورادو الأميركية، وبرز في مجال السينما والتلفزيون من خلال مشاركته في العديد من المشاريع المميزة، فكان من أبرز الأسماء في صناعة الأفلام، واشتهر بعمله كمنتج مشارك في فيلم “الاختيار الطبيعي” عام 2011، ثم كرّس موهبته في إنتاج وإخراج مسلسل “شبكة أخبار البصل” في العام نفسه، وفي عام 2015 أبدع في فيلم “سيارة الشرطة” حيث تولى مهام الإنتاج والإخراج والتأليف، كما حقق نجاحًا لافتًا في عام 2017 كمخرج وكاتب لفيلم “سبايدر مان: العودة إلى الوطن”، فضلاً عن العديد من الأعمال الأخرى التي أضافت إلى رصيده الفني.