غرام ملكي A Royal Affair
هذا الفيلم ، الذي من إخراج " نيكولاي أرسيل " ، فيلمٌ ساحر يشد اليه المُشاهدَ منذ مَشاهده الأولى ، و أكاد أجزم أنه يترك رغبة شديدة لدى المُشاهد لإعادة مُشاهَدته ، لما ينطوي عليه من عناصر الجمال السينمائي ، شكلاً و مضموناً . لذا فليس من باب الإعتباط أن يفوز و يترشح لخمسٍ و ثلاثين جائزة ، بما فيها جائزة الأوسكار .
يبدأ الفيلم بمناجاة الملكة ، المنفية ، لإبنها و إبنتها و الكتابة اليهما عمّا جرى و قادها بالتالي الى المنفى . و المشهدُ الرئيس في بداية الفيلم يبدأ من وصول الأميرة الإنجليزية ذات الستة عشر عاماً ، " كارولين ماتيلدا " ( 1751 ــ 1775 ) ، إبنة أمير مقاطعة ( ويلز ) ، على ظهر عربة ملكية الى الدنمارك ، لتكون زوجة إبن عمتها الملك الدنماركي " كريستيان السابع " ( 1749 ــ 1808 ) ، و بالتالي ملكة البلاد ، أواخر القرن الثامن عشر . ولكنها تكتشف منذ اللحظات الأولى أنها أمام ( ملكٍ ) متهور ، صبياني التصرف ، و منذ الليلة الأولى تجد نفسها أمام زوج يحجم عن النوم معها ، و شيئاً فشيئاً تكتشف أن الملك غارق في ملذات غير لائقة ، كإرتياد دور العاهرات و الإفراط في ممارسة العادة السرية ، فضلاً عن سلوكه الصبياني ، و لم ينم معها إلا مرة واحدة ، تحمل منه على أثرها طفلها " فريدرِك السادس " ( 1768 ــ 1839 ) الذي أصبح لاحقاً ملك الدنمارك ، و هو يكتفي بتلك الليلة من أجل إنجاب الوريث لا أكثر ، بل أنها تتفاجأ بهجره لها منذ الأيام الأولى ، حين يخبرها بأنه سيقوم برحلة الى أوربا لمدة عام . فلم يعد يشكل في حياتها غير ملك كريه هو أبٌ لإبنها فقط . و تُصدم ــ منذ يومها الأول في القصر الملكي ــ حين تسأل خادمتها عن مكان كتبها ، فتجيبها بأن :
ــ المحكمة تقوم بمراجعتها . البعض منها سيتم شحنه و إعادته الى إنجلترا .
ــ لماذا ؟
ــ العديد من كتبكِ تحت الرقابة الدنماركية .
و تلك كانت الإشارة الأولى الى أن السلطات الدينية المتشددة التي تتحكم بالبلاد ضد ما تسرب من أفكار الثورة الفرنسية ، خصوصاً من خلال مؤلفات " فولتير " و " جان جاك روسو " التي تحبها " كارولين " ، و تكتشف بمرو الأيام أن هذه السلطات لم تكن قد اكتفت بهذه الحواجز حسب ، بل أنها منحت النبلاءَ سلطاتٍ مُطلقة في محاسبة و تعذيب الفلاحين ، ما يعكس تذمر الناس و توقها الى الحرية .
حقيقة الأمر إن الملك " كرستيان السابع " ــ الذي لعب دورَه الممثلُ البارع " مايكل بو فولسغارد " و نال عنه جائز ( الدُب الذهبي ) من مهرجان برلين السينمائي الدولي كأفضل ممثل ــ هذا الملك كان مصاباً بلوثة عقلية أثرت على قراراته في فترة حكمه ، التي كان فيها ملكاً من الناحية الشكلية حسب ، فيما كان المجلس الملكي هو الذي يتحكم بقرارات القصر . و أثناء رحلته الأوروبية ، ترى حاشيته أنه بحاجة الى طبيب خاص ، متخصص بالأمراض العقلية ، فتم ترشيح ستة أطباء لهذه المهمة ، فوقع الإختيار على الطبيب الآلماني " يوهان فريدرِك ستروينسي " ( 1737 ــ 1772 ) ــ الذي لعب دورَه ببراعة الممثلُ الدانماركي " مادس ميكلسن " ــ فأصبح مرافقه الدائم ، بل معتمَدَه الأساس ، فمنحه الثقة المطلقة . و منذ دخول هذا الطبيب القصر أصبح المجلسُ الملكي خلف ظهره ، بل أنه أقدم على تفكيك هذا المجلس و عَزْلِ رئيسه المتشدد ، فبات يمتلك السلطات الواسعة الأساسية في القصر حتى غدى هو الملك غير المتوّج . و أول الأمر امتعضت منه الملكة " كارولين " ــ التي لعبت دورها الممثلة السويدية المتألقة " أليسيا فيكاندر " ــ لأنه بات يبارك تصرفات زوجها في ارتياد بيوت الدعارة ، ولكنها سرعان ما تجد نفسها قريبة منه ، حين تكتشف أنه يخفي في مكتبته كتباً تنويرية ، ما يعني توافقاً في الأهواء و تعاطي الأفكار المغايرة التي هبت مع رياح الثورة الفرنسية ، و يصل هذا التقارب بينهما و ابتعاد الملك عنها حد أنها وقعت في غرام الطبيب ، فراحا يلتقيان سراً ، فحملت منه ابنتها " لويزا أوغوستا " ( 1771 ــ 1843 ) الأمر الذي أثارعنه همساً مَن في القصر ، وعلى أثر الإصلاحات التي أجراها الطبيب " ستروينسي " كادت الدنمارك أن تكون البلد التنويري الأول في أوروبا ، لولا المؤامرة التي أطاحت به و أرجعت البلاد الى عهدها الظلامي .
و واقعةُ حَمْلها من الطبيب كانت الحُجةَ الأساسَ التي التقطها متآمرو القصر ليطيحوا بالطبيب و يفسخوا زواج الملكة و ينفوها الى آلمانيا .
هذه الوقائع التاريخية كانت مادةً غنية لإنتاج الكثير من الأعمال الإبداعية في ميادين مختلفة ، كالروايات و المسرح و السينما التي كان هذا الفيلم الباهر آخر ما قدمته من انتاج سويدي ــ دانماركي عام 2012 .
إضافة الى فوز بطل الفيلم " مايكل بو فولسغارد " بجائز أفضل ممثل في مهرجان برلين السينمائي الدولي ، فقد حاز الفيلم على جائزة أفضل سيناريو أيضاً من المهرجان ذاته و قد كتبه " راسموس هايستربيرج " و المخرج " نيكولاي أرسيل " . و الحقيقة كان للتصوير دورٌ بطولي غير معلن في هذا الفيلم ، حيث اللقطات أخاذة الجمال بكاميرا المصور الدنماركي " راسموس فيديبيك ". ولعل هذا الفيلم كان فرصة تألقٍ للفنانة السويدية " أليسيا فيكاندر " التي سطع نجمُها و ازداد تألقها في فيلم ( الفتاة الدنماركية Danish Girl ) لاحقاً ، و الذي نالت عنه جائزة الأوسكار عام 2016 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
رابط الفيلم في التعليق الأول
غرام ملكي A Royal Affair
هذا الفيلم ، الذي من إخراج " نيكولاي أرسيل " ، فيلمٌ ساحر يشد اليه المُشاهدَ منذ مَشاهده الأولى ، و أكاد أجزم أنه يترك رغبة شديدة لدى المُشاهد لإعادة مُشاهَدته ، لما ينطوي عليه من عناصر الجمال السينمائي ، شكلاً و مضموناً . لذا فليس من باب الإعتباط أن يفوز و يترشح لخمسٍ و ثلاثين جائزة ، بما فيها جائزة الأوسكار .
يبدأ الفيلم بمناجاة الملكة ، المنفية ، لإبنها و إبنتها و الكتابة اليهما عمّا جرى و قادها بالتالي الى المنفى . و المشهدُ الرئيس في بداية الفيلم يبدأ من وصول الأميرة الإنجليزية ذات الستة عشر عاماً ، " كارولين ماتيلدا " ( 1751 ــ 1775 ) ، إبنة أمير مقاطعة ( ويلز ) ، على ظهر عربة ملكية الى الدنمارك ، لتكون زوجة إبن عمتها الملك الدنماركي " كريستيان السابع " ( 1749 ــ 1808 ) ، و بالتالي ملكة البلاد ، أواخر القرن الثامن عشر . ولكنها تكتشف منذ اللحظات الأولى أنها أمام ( ملكٍ ) متهور ، صبياني التصرف ، و منذ الليلة الأولى تجد نفسها أمام زوج يحجم عن النوم معها ، و شيئاً فشيئاً تكتشف أن الملك غارق في ملذات غير لائقة ، كإرتياد دور العاهرات و الإفراط في ممارسة العادة السرية ، فضلاً عن سلوكه الصبياني ، و لم ينم معها إلا مرة واحدة ، تحمل منه على أثرها طفلها " فريدرِك السادس " ( 1768 ــ 1839 ) الذي أصبح لاحقاً ملك الدنمارك ، و هو يكتفي بتلك الليلة من أجل إنجاب الوريث لا أكثر ، بل أنها تتفاجأ بهجره لها منذ الأيام الأولى ، حين يخبرها بأنه سيقوم برحلة الى أوربا لمدة عام . فلم يعد يشكل في حياتها غير ملك كريه هو أبٌ لإبنها فقط . و تُصدم ــ منذ يومها الأول في القصر الملكي ــ حين تسأل خادمتها عن مكان كتبها ، فتجيبها بأن :
ــ المحكمة تقوم بمراجعتها . البعض منها سيتم شحنه و إعادته الى إنجلترا .
ــ لماذا ؟
ــ العديد من كتبكِ تحت الرقابة الدنماركية .
و تلك كانت الإشارة الأولى الى أن السلطات الدينية المتشددة التي تتحكم بالبلاد ضد ما تسرب من أفكار الثورة الفرنسية ، خصوصاً من خلال مؤلفات " فولتير " و " جان جاك روسو " التي تحبها " كارولين " ، و تكتشف بمرو الأيام أن هذه السلطات لم تكن قد اكتفت بهذه الحواجز حسب ، بل أنها منحت النبلاءَ سلطاتٍ مُطلقة في محاسبة و تعذيب الفلاحين ، ما يعكس تذمر الناس و توقها الى الحرية .
حقيقة الأمر إن الملك " كرستيان السابع " ــ الذي لعب دورَه الممثلُ البارع " مايكل بو فولسغارد " و نال عنه جائز ( الدُب الذهبي ) من مهرجان برلين السينمائي الدولي كأفضل ممثل ــ هذا الملك كان مصاباً بلوثة عقلية أثرت على قراراته في فترة حكمه ، التي كان فيها ملكاً من الناحية الشكلية حسب ، فيما كان المجلس الملكي هو الذي يتحكم بقرارات القصر . و أثناء رحلته الأوروبية ، ترى حاشيته أنه بحاجة الى طبيب خاص ، متخصص بالأمراض العقلية ، فتم ترشيح ستة أطباء لهذه المهمة ، فوقع الإختيار على الطبيب الآلماني " يوهان فريدرِك ستروينسي " ( 1737 ــ 1772 ) ــ الذي لعب دورَه ببراعة الممثلُ الدانماركي " مادس ميكلسن " ــ فأصبح مرافقه الدائم ، بل معتمَدَه الأساس ، فمنحه الثقة المطلقة . و منذ دخول هذا الطبيب القصر أصبح المجلسُ الملكي خلف ظهره ، بل أنه أقدم على تفكيك هذا المجلس و عَزْلِ رئيسه المتشدد ، فبات يمتلك السلطات الواسعة الأساسية في القصر حتى غدى هو الملك غير المتوّج . و أول الأمر امتعضت منه الملكة " كارولين " ــ التي لعبت دورها الممثلة السويدية المتألقة " أليسيا فيكاندر " ــ لأنه بات يبارك تصرفات زوجها في ارتياد بيوت الدعارة ، ولكنها سرعان ما تجد نفسها قريبة منه ، حين تكتشف أنه يخفي في مكتبته كتباً تنويرية ، ما يعني توافقاً في الأهواء و تعاطي الأفكار المغايرة التي هبت مع رياح الثورة الفرنسية ، و يصل هذا التقارب بينهما و ابتعاد الملك عنها حد أنها وقعت في غرام الطبيب ، فراحا يلتقيان سراً ، فحملت منه ابنتها " لويزا أوغوستا " ( 1771 ــ 1843 ) الأمر الذي أثارعنه همساً مَن في القصر ، وعلى أثر الإصلاحات التي أجراها الطبيب " ستروينسي " كادت الدنمارك أن تكون البلد التنويري الأول في أوروبا ، لولا المؤامرة التي أطاحت به و أرجعت البلاد الى عهدها الظلامي .
و واقعةُ حَمْلها من الطبيب كانت الحُجةَ الأساسَ التي التقطها متآمرو القصر ليطيحوا بالطبيب و يفسخوا زواج الملكة و ينفوها الى آلمانيا .
هذه الوقائع التاريخية كانت مادةً غنية لإنتاج الكثير من الأعمال الإبداعية في ميادين مختلفة ، كالروايات و المسرح و السينما التي كان هذا الفيلم الباهر آخر ما قدمته من انتاج سويدي ــ دانماركي عام 2012 .
إضافة الى فوز بطل الفيلم " مايكل بو فولسغارد " بجائز أفضل ممثل في مهرجان برلين السينمائي الدولي ، فقد حاز الفيلم على جائزة أفضل سيناريو أيضاً من المهرجان ذاته و قد كتبه " راسموس هايستربيرج " و المخرج " نيكولاي أرسيل " . و الحقيقة كان للتصوير دورٌ بطولي غير معلن في هذا الفيلم ، حيث اللقطات أخاذة الجمال بكاميرا المصور الدنماركي " راسموس فيديبيك ". ولعل هذا الفيلم كان فرصة تألقٍ للفنانة السويدية " أليسيا فيكاندر " التي سطع نجمُها و ازداد تألقها في فيلم ( الفتاة الدنماركية Danish Girl ) لاحقاً ، و الذي نالت عنه جائزة الأوسكار عام 2016 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
هذا الفيلم ، الذي من إخراج " نيكولاي أرسيل " ، فيلمٌ ساحر يشد اليه المُشاهدَ منذ مَشاهده الأولى ، و أكاد أجزم أنه يترك رغبة شديدة لدى المُشاهد لإعادة مُشاهَدته ، لما ينطوي عليه من عناصر الجمال السينمائي ، شكلاً و مضموناً . لذا فليس من باب الإعتباط أن يفوز و يترشح لخمسٍ و ثلاثين جائزة ، بما فيها جائزة الأوسكار .
يبدأ الفيلم بمناجاة الملكة ، المنفية ، لإبنها و إبنتها و الكتابة اليهما عمّا جرى و قادها بالتالي الى المنفى . و المشهدُ الرئيس في بداية الفيلم يبدأ من وصول الأميرة الإنجليزية ذات الستة عشر عاماً ، " كارولين ماتيلدا " ( 1751 ــ 1775 ) ، إبنة أمير مقاطعة ( ويلز ) ، على ظهر عربة ملكية الى الدنمارك ، لتكون زوجة إبن عمتها الملك الدنماركي " كريستيان السابع " ( 1749 ــ 1808 ) ، و بالتالي ملكة البلاد ، أواخر القرن الثامن عشر . ولكنها تكتشف منذ اللحظات الأولى أنها أمام ( ملكٍ ) متهور ، صبياني التصرف ، و منذ الليلة الأولى تجد نفسها أمام زوج يحجم عن النوم معها ، و شيئاً فشيئاً تكتشف أن الملك غارق في ملذات غير لائقة ، كإرتياد دور العاهرات و الإفراط في ممارسة العادة السرية ، فضلاً عن سلوكه الصبياني ، و لم ينم معها إلا مرة واحدة ، تحمل منه على أثرها طفلها " فريدرِك السادس " ( 1768 ــ 1839 ) الذي أصبح لاحقاً ملك الدنمارك ، و هو يكتفي بتلك الليلة من أجل إنجاب الوريث لا أكثر ، بل أنها تتفاجأ بهجره لها منذ الأيام الأولى ، حين يخبرها بأنه سيقوم برحلة الى أوربا لمدة عام . فلم يعد يشكل في حياتها غير ملك كريه هو أبٌ لإبنها فقط . و تُصدم ــ منذ يومها الأول في القصر الملكي ــ حين تسأل خادمتها عن مكان كتبها ، فتجيبها بأن :
ــ المحكمة تقوم بمراجعتها . البعض منها سيتم شحنه و إعادته الى إنجلترا .
ــ لماذا ؟
ــ العديد من كتبكِ تحت الرقابة الدنماركية .
و تلك كانت الإشارة الأولى الى أن السلطات الدينية المتشددة التي تتحكم بالبلاد ضد ما تسرب من أفكار الثورة الفرنسية ، خصوصاً من خلال مؤلفات " فولتير " و " جان جاك روسو " التي تحبها " كارولين " ، و تكتشف بمرو الأيام أن هذه السلطات لم تكن قد اكتفت بهذه الحواجز حسب ، بل أنها منحت النبلاءَ سلطاتٍ مُطلقة في محاسبة و تعذيب الفلاحين ، ما يعكس تذمر الناس و توقها الى الحرية .
حقيقة الأمر إن الملك " كرستيان السابع " ــ الذي لعب دورَه الممثلُ البارع " مايكل بو فولسغارد " و نال عنه جائز ( الدُب الذهبي ) من مهرجان برلين السينمائي الدولي كأفضل ممثل ــ هذا الملك كان مصاباً بلوثة عقلية أثرت على قراراته في فترة حكمه ، التي كان فيها ملكاً من الناحية الشكلية حسب ، فيما كان المجلس الملكي هو الذي يتحكم بقرارات القصر . و أثناء رحلته الأوروبية ، ترى حاشيته أنه بحاجة الى طبيب خاص ، متخصص بالأمراض العقلية ، فتم ترشيح ستة أطباء لهذه المهمة ، فوقع الإختيار على الطبيب الآلماني " يوهان فريدرِك ستروينسي " ( 1737 ــ 1772 ) ــ الذي لعب دورَه ببراعة الممثلُ الدانماركي " مادس ميكلسن " ــ فأصبح مرافقه الدائم ، بل معتمَدَه الأساس ، فمنحه الثقة المطلقة . و منذ دخول هذا الطبيب القصر أصبح المجلسُ الملكي خلف ظهره ، بل أنه أقدم على تفكيك هذا المجلس و عَزْلِ رئيسه المتشدد ، فبات يمتلك السلطات الواسعة الأساسية في القصر حتى غدى هو الملك غير المتوّج . و أول الأمر امتعضت منه الملكة " كارولين " ــ التي لعبت دورها الممثلة السويدية المتألقة " أليسيا فيكاندر " ــ لأنه بات يبارك تصرفات زوجها في ارتياد بيوت الدعارة ، ولكنها سرعان ما تجد نفسها قريبة منه ، حين تكتشف أنه يخفي في مكتبته كتباً تنويرية ، ما يعني توافقاً في الأهواء و تعاطي الأفكار المغايرة التي هبت مع رياح الثورة الفرنسية ، و يصل هذا التقارب بينهما و ابتعاد الملك عنها حد أنها وقعت في غرام الطبيب ، فراحا يلتقيان سراً ، فحملت منه ابنتها " لويزا أوغوستا " ( 1771 ــ 1843 ) الأمر الذي أثارعنه همساً مَن في القصر ، وعلى أثر الإصلاحات التي أجراها الطبيب " ستروينسي " كادت الدنمارك أن تكون البلد التنويري الأول في أوروبا ، لولا المؤامرة التي أطاحت به و أرجعت البلاد الى عهدها الظلامي .
و واقعةُ حَمْلها من الطبيب كانت الحُجةَ الأساسَ التي التقطها متآمرو القصر ليطيحوا بالطبيب و يفسخوا زواج الملكة و ينفوها الى آلمانيا .
هذه الوقائع التاريخية كانت مادةً غنية لإنتاج الكثير من الأعمال الإبداعية في ميادين مختلفة ، كالروايات و المسرح و السينما التي كان هذا الفيلم الباهر آخر ما قدمته من انتاج سويدي ــ دانماركي عام 2012 .
إضافة الى فوز بطل الفيلم " مايكل بو فولسغارد " بجائز أفضل ممثل في مهرجان برلين السينمائي الدولي ، فقد حاز الفيلم على جائزة أفضل سيناريو أيضاً من المهرجان ذاته و قد كتبه " راسموس هايستربيرج " و المخرج " نيكولاي أرسيل " . و الحقيقة كان للتصوير دورٌ بطولي غير معلن في هذا الفيلم ، حيث اللقطات أخاذة الجمال بكاميرا المصور الدنماركي " راسموس فيديبيك ". ولعل هذا الفيلم كان فرصة تألقٍ للفنانة السويدية " أليسيا فيكاندر " التي سطع نجمُها و ازداد تألقها في فيلم ( الفتاة الدنماركية Danish Girl ) لاحقاً ، و الذي نالت عنه جائزة الأوسكار عام 2016 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
رابط الفيلم في التعليق الأول
غرام ملكي A Royal Affair
هذا الفيلم ، الذي من إخراج " نيكولاي أرسيل " ، فيلمٌ ساحر يشد اليه المُشاهدَ منذ مَشاهده الأولى ، و أكاد أجزم أنه يترك رغبة شديدة لدى المُشاهد لإعادة مُشاهَدته ، لما ينطوي عليه من عناصر الجمال السينمائي ، شكلاً و مضموناً . لذا فليس من باب الإعتباط أن يفوز و يترشح لخمسٍ و ثلاثين جائزة ، بما فيها جائزة الأوسكار .
يبدأ الفيلم بمناجاة الملكة ، المنفية ، لإبنها و إبنتها و الكتابة اليهما عمّا جرى و قادها بالتالي الى المنفى . و المشهدُ الرئيس في بداية الفيلم يبدأ من وصول الأميرة الإنجليزية ذات الستة عشر عاماً ، " كارولين ماتيلدا " ( 1751 ــ 1775 ) ، إبنة أمير مقاطعة ( ويلز ) ، على ظهر عربة ملكية الى الدنمارك ، لتكون زوجة إبن عمتها الملك الدنماركي " كريستيان السابع " ( 1749 ــ 1808 ) ، و بالتالي ملكة البلاد ، أواخر القرن الثامن عشر . ولكنها تكتشف منذ اللحظات الأولى أنها أمام ( ملكٍ ) متهور ، صبياني التصرف ، و منذ الليلة الأولى تجد نفسها أمام زوج يحجم عن النوم معها ، و شيئاً فشيئاً تكتشف أن الملك غارق في ملذات غير لائقة ، كإرتياد دور العاهرات و الإفراط في ممارسة العادة السرية ، فضلاً عن سلوكه الصبياني ، و لم ينم معها إلا مرة واحدة ، تحمل منه على أثرها طفلها " فريدرِك السادس " ( 1768 ــ 1839 ) الذي أصبح لاحقاً ملك الدنمارك ، و هو يكتفي بتلك الليلة من أجل إنجاب الوريث لا أكثر ، بل أنها تتفاجأ بهجره لها منذ الأيام الأولى ، حين يخبرها بأنه سيقوم برحلة الى أوربا لمدة عام . فلم يعد يشكل في حياتها غير ملك كريه هو أبٌ لإبنها فقط . و تُصدم ــ منذ يومها الأول في القصر الملكي ــ حين تسأل خادمتها عن مكان كتبها ، فتجيبها بأن :
ــ المحكمة تقوم بمراجعتها . البعض منها سيتم شحنه و إعادته الى إنجلترا .
ــ لماذا ؟
ــ العديد من كتبكِ تحت الرقابة الدنماركية .
و تلك كانت الإشارة الأولى الى أن السلطات الدينية المتشددة التي تتحكم بالبلاد ضد ما تسرب من أفكار الثورة الفرنسية ، خصوصاً من خلال مؤلفات " فولتير " و " جان جاك روسو " التي تحبها " كارولين " ، و تكتشف بمرو الأيام أن هذه السلطات لم تكن قد اكتفت بهذه الحواجز حسب ، بل أنها منحت النبلاءَ سلطاتٍ مُطلقة في محاسبة و تعذيب الفلاحين ، ما يعكس تذمر الناس و توقها الى الحرية .
حقيقة الأمر إن الملك " كرستيان السابع " ــ الذي لعب دورَه الممثلُ البارع " مايكل بو فولسغارد " و نال عنه جائز ( الدُب الذهبي ) من مهرجان برلين السينمائي الدولي كأفضل ممثل ــ هذا الملك كان مصاباً بلوثة عقلية أثرت على قراراته في فترة حكمه ، التي كان فيها ملكاً من الناحية الشكلية حسب ، فيما كان المجلس الملكي هو الذي يتحكم بقرارات القصر . و أثناء رحلته الأوروبية ، ترى حاشيته أنه بحاجة الى طبيب خاص ، متخصص بالأمراض العقلية ، فتم ترشيح ستة أطباء لهذه المهمة ، فوقع الإختيار على الطبيب الآلماني " يوهان فريدرِك ستروينسي " ( 1737 ــ 1772 ) ــ الذي لعب دورَه ببراعة الممثلُ الدانماركي " مادس ميكلسن " ــ فأصبح مرافقه الدائم ، بل معتمَدَه الأساس ، فمنحه الثقة المطلقة . و منذ دخول هذا الطبيب القصر أصبح المجلسُ الملكي خلف ظهره ، بل أنه أقدم على تفكيك هذا المجلس و عَزْلِ رئيسه المتشدد ، فبات يمتلك السلطات الواسعة الأساسية في القصر حتى غدى هو الملك غير المتوّج . و أول الأمر امتعضت منه الملكة " كارولين " ــ التي لعبت دورها الممثلة السويدية المتألقة " أليسيا فيكاندر " ــ لأنه بات يبارك تصرفات زوجها في ارتياد بيوت الدعارة ، ولكنها سرعان ما تجد نفسها قريبة منه ، حين تكتشف أنه يخفي في مكتبته كتباً تنويرية ، ما يعني توافقاً في الأهواء و تعاطي الأفكار المغايرة التي هبت مع رياح الثورة الفرنسية ، و يصل هذا التقارب بينهما و ابتعاد الملك عنها حد أنها وقعت في غرام الطبيب ، فراحا يلتقيان سراً ، فحملت منه ابنتها " لويزا أوغوستا " ( 1771 ــ 1843 ) الأمر الذي أثارعنه همساً مَن في القصر ، وعلى أثر الإصلاحات التي أجراها الطبيب " ستروينسي " كادت الدنمارك أن تكون البلد التنويري الأول في أوروبا ، لولا المؤامرة التي أطاحت به و أرجعت البلاد الى عهدها الظلامي .
و واقعةُ حَمْلها من الطبيب كانت الحُجةَ الأساسَ التي التقطها متآمرو القصر ليطيحوا بالطبيب و يفسخوا زواج الملكة و ينفوها الى آلمانيا .
هذه الوقائع التاريخية كانت مادةً غنية لإنتاج الكثير من الأعمال الإبداعية في ميادين مختلفة ، كالروايات و المسرح و السينما التي كان هذا الفيلم الباهر آخر ما قدمته من انتاج سويدي ــ دانماركي عام 2012 .
إضافة الى فوز بطل الفيلم " مايكل بو فولسغارد " بجائز أفضل ممثل في مهرجان برلين السينمائي الدولي ، فقد حاز الفيلم على جائزة أفضل سيناريو أيضاً من المهرجان ذاته و قد كتبه " راسموس هايستربيرج " و المخرج " نيكولاي أرسيل " . و الحقيقة كان للتصوير دورٌ بطولي غير معلن في هذا الفيلم ، حيث اللقطات أخاذة الجمال بكاميرا المصور الدنماركي " راسموس فيديبيك ". ولعل هذا الفيلم كان فرصة تألقٍ للفنانة السويدية " أليسيا فيكاندر " التي سطع نجمُها و ازداد تألقها في فيلم ( الفتاة الدنماركية Danish Girl ) لاحقاً ، و الذي نالت عنه جائزة الأوسكار عام 2016 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ