"دير ماسك".. لغز أثري ينتظر الحلّ
- طلال الكفيري
- 30 تشرين الثاني 2024
السويداء
في قرية بمنطقة جبلية جنوب شرق السويداء يشمخ دير أثري ضارب في القدم منذ نحو ألفي عام بما تبقى من حجارته البازلتية؛ ليروي لنا قصصاً مُذهلةً في غرابتها تعود للعصر الروماني، تلك القرية اسمها مياماس، أمَّا الدير فهو دير ماسك.
الدير وبئر الإسكافي
يتحدث الباحث الأثري الدكتور نشأت كيوان لمدونة وطن eSyria" عن دير ماسك الذي يقبع ضمن منطقة حراجية، هادئة هدوء الخيال، متبادلاً أحاديث الصباح والمساء مع شجرة التوت المعمِّرة، حيث ستلفتُ انتباه زائر الدير تلك البئر القديمة الموجودة في محيطه والمسماة "الإسكافي" والتي كانت في يوم من الأيام الشريان المائي المُطفِئ لظمأ من جاء هذا الدير متعبداً، إلا أنَّه بعد أنْ ارتحل من كان في الحي ساكناً، فقد جفَّتْ مياه البئر، ولم يبق منها سوى أطلالها، وحجارتها البازلتية المنحوتة بإتقان.
وتتألف هذه البئر حسب الدكتور كيوان من غرفتين مبنيتين بأحجارٍ منحوتةٍ ومزخرفةٍ يتجمَّع الماء بالغرفة الواقعة في الجهة الشرقية منها ليخرج عبر الأبواب إلى الغرفة الغربية.
من أثار الديرأوابد على الطريق
الباحث الدكتور نشأت كيوان
يذكر "كيوان" أن من يخرج من دير ماسك ومحيطه، متجهاً نحو الغرب قاصداً أوابد قرية مياماس، فأوّل ما يصادفه في طريق رحلته الاستكشافية تلك المنحوتات المزخرفة والمشغولة بطريقة نحتية جميلة، والتي ترشد من يراها على تاريخ هذه القرية الذي يرجع للفترة البيزنطية، حيث شُيَّدت في منطقة حراجية معانقة لنهرها المائي المسمَّى الزيدي، والذي جعل منها مكاناً مستقطباً لمن يود الإقامة والاستيطان في هذه المنطقة.
وعلى ضفاف هذا الوادي بنى الأقدمون معبدين يعانق كلٌّ منهما الآخر على طريقته المعمارية الخاصة، ومن يستطعْ فك طلاسمهما يستنتج أنَّهما يعودان لفترتين زمنيتين متعاقبتين، وبقيا كذلك لحين مجيء العصر البيزنطي، حيثُ تمَّ تحويلهما إلى كنيسة ذات جناح واحد، وهذا الأمر ليس مُستغرباً، فكثيرٌ من المباني تغيَّرت وظيفتها المعمارية بتغير الزمن والعقلية المعمارية والدينية للأشخاص والمجموعات التي استوطنت هذا المكان أو ذاك.
الباحثة نجاة الرافع
أرباب وحمامات
وتتحدَّث الباحثة الأثرية نجاة الرافع أمينة متحف شهبا عن الأوابد الأثرية التي تحتضنها قرية مياماس، حيث يعود معظمها إلى الفترة الرومانية والبيزنطية، ولكنَّها تعكس مجتمعةً تطوّر العمارة في المحافظة قبل آلاف السنين.
وتقول رافع: "الماضي في قرية مياماس يقصّ على الأجيال الحالية جميل تلك الأيام، فعندما تشاهد هذه الأوابد ستشتمّ منها رائحة العراقة، التي لا تزال تعبق في المكان وتأبى المغادرة، وبعد أنْ تمتِّعَ ناظريك بذلك الدير الذي ما زال بمنزلة البصمة الأثرية التي لم تمحها عاتيات الزمن، يوصلك الطريق إلى حمامات هذه القرية المشابهة لحمامات شهبا، والمتصفح لتاريخها يرى أنَّها تعود للعصر الروماني، حيث تفنَّنت في إشادتها أيادٍ ماهرة تتقن فن العمارة، وهذه الحمامات من النوع الصغير، حيث جاءت ملبية لاحتياج قاطني هذه المنطقة، ووجودها دليل على ميل الناس في تلك الفترات للترفيه والتسلية وهذه إحدى وظائف الحمامات.
لغز يبحث عن حلّ
وتضيف رافع: "إنه بعد أن نفضت البعثات الأثرية التي زارت المنطقة غبار الزمن عن الأوابد الموجودة، تمَّ العثور على لقى أثرية مثل بقايا أجزاء معمارية كالتيجان وزخارف معمارية أهمها تمثيل لكرونوس (إله الزمن)، ونقوش كتابية يونانية بعضُها موجود بالمعبد الغربي للقرية نقلت إلى مضافة شيخ مياماس التي كانت بالأصل كنيسة، حيثُ تطالعنا عبارة منقوصة كاللغز الذي يبحث عن جواب وتقول: "أذينة بن فرايسخوس بن ساميخوس".