"الناس لملاح" دراما مسقطة على المجتمع المغربي الحديث

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "الناس لملاح" دراما مسقطة على المجتمع المغربي الحديث

    "الناس لملاح" دراما مسقطة على المجتمع المغربي الحديث


    طرح سطحي لقضايا الميراث والعلاقات بين اليهود والمسلمين.
    الاثنين 2024/12/16
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    ما أنبل الدراما حين تتضمن تعايشا سلميا

    رغم الهجمات التي طالته منذ بداية عرضه إلا أن مسلسل "الناس لملاح" استطاع أن يلفت الانتباه إلى التعايش السلمي داخل المجتمع المغربي بين المسلمين واليهود، مسلطا الضوء على التحديات التي تعيشها العائلات وتحديدا في ما يتعلق بمسألة الميراث والصراعات التي تؤججها بين أفراد العائلة الواحدة.

    الرباط- تدور أحداث مسلسل “الناس لملاح” للمخرجة جميلة البرجي بنعيسى في حي الملاح بمدينة الصويرة، حيث يشهد مقتل شقيق الحاج إبراهيم الذي يثير توترات كبيرة بين العائلات المسلمة واليهودية، وتجد الأرملة مليكة وأبناء الحاج إبراهيم أنفسهم في قلب هذا الصراع المتصاعد. في الوقت نفسه، تسعى مسعودة وابنتها جنين للحفاظ على منزل عائلتهما، ما يفتح أبوابا لمشاعر وأسرار مدفونة منذ زمن طويل.

    المسلسل من سيناريو جميلة البرجي بنعيسى، وبطولة كل من عبدالحق بلمجاهد، هدى صدقي، ربيع القاطي، محسن مالزي، نعيمة المشرقي وزياد إدريسي.

    يثير موضوع مسلسل “الناس لملاح” عدة تساؤلات ويطرح أبعادا اجتماعية وثقافية تمس قضايا حساسة في المجتمع المغربي، أهمها الحديث عن العيش المشترك بين العائلات المسلمة واليهودية في حي الملاح بمدينة الصويرة في هذه الآونة بالضبط مريب، بينما القصة التي يطرحها المسلسل حول حوادث القتل التي تحصل بين العائلات بسبب الميراث ليست جديدة في الساحة الدرامية، فقد تناولتها العديد من الأعمال الدرامية المصرية والتركية والسورية، وهو ما يجعل موضوع الصراع العائلي بسبب المال والميراث يبدو مستهلكا ولا يقدم شيئا جديدا أو مبتكرا من حيث الفكرة.



    ويعتبر التعايش بين اليهود والمسلمين في قصة المسلسل هامشيا لكنه مهم حيث يتم إسقاطه على السياق المغربي المعاصر، فالمغرب معروف بتاريخه الطويل في العيش المشترك بين اليهود والمسلمين، إذ كان اليهود جزءا أساسيا من نسيج المجتمع المغربي، وخاصة في مدن مثل الصويرة وفاس والدار البيضاء. لكن المشكلة تكمن في أن الموضوع يتم طرحه في سياق حساس جدا في الوقت الحالي، حيث إن العلاقة بين بعض اليهود المغاربة وإسرائيل قد أثارت جدلا داخليا في البلاد، خصوصا بعد تطبيع دول عربية مع إسرائيل.

    وتشارك الممثلة إيفا قادوش في العمل، وهي من أصول يهودية، وقد تم تداول اتهامات لها بدعم الصهيونية، وهو ما فتح بابا للجدل حول مدى تأثير هذا الدور في صورة المسلسل، خصوصا مع الوضع السياسي الراهن وتفاعلاته مع التطبيع.

    وتبرز الحملة ضد قادوش التوترات الاجتماعية بين فئات المجتمع المغربي وتطرح تساؤلات حول مدى قدرة الفن على الفصل بين الشخصيات الفنية وآرائهم الشخصية، بينما الغريب أصبح جزءا من حملة دعائية أكبر تدور حول قضايا السياسة الخارجية والمواقف تجاه إسرائيل.

    ويسعى المسلسل من حيث طريقة طرحه للقضية للفت الأنظار من خلال اختيار مواضيع مثيرة للجدل مثل العلاقة بين المسلمين واليهود في المغرب، إضافة إلى مشاركة الممثلة اليهودية إيفا قادوش، في حين أن هذا النوع من المواضيع قد يثير النقاش ويجذب الجمهور، إلا أنه يمكن أن يُنتقد على أنه مجرد محاولة لجذب الانتباه وزيادة نسبة المشاهدات. كما أن التطرق إلى هذه القضية رغم أهميتها الاجتماعية والتاريخية، يُشعر المتلقي أنه يُستغل لأغراض دعاية وتسويق أكثر من كونه معالجة حقيقية لموضوع يعكس الواقع المغربي.

    الجدل الذي أثاره المسلسل على مواقع التواصل الاجتماعي يكشف عن قوة المجتمع المغربي حيث يتداخل النقد الاجتماعي والسياسي مع الدراما، لكن استغلال مثل هذه المواضيع في الدراما قد يؤدي إلى المزيد من الانقسامات، خاصة عندما تتداخل القضايا الاجتماعية مثل الصراع على الميراث مع القضايا السياسية المعاصرة ويحدث هذا أيضا عندما يتعلق الأمر بأمازيغ المغرب وهلم جرا.

    يمكن أن يبدو الدمج بين حي الملاح وقصة المسلسل في ظاهره محاولة لإبراز تاريخ التعايش بين المسلمين واليهود في المغرب، ولكن من ناحية أخرى يُنظر إليه على أنه اقتباس ثقافي سطحي غير قادر على الإحاطة بجوهر هذا التعايش. والقصة تثير تساؤلات حول كيفية تصوير العلاقة بين اليهود والمسلمين في المغرب، وخاصة في ظل الحقائق المعقدة لتلك العلاقة بعد أحداث التطبيع.

    يمكن القول إن المسلسل لا يعكس بالكامل خصوصية الثقافة المغربية التي كانت تقوم على التسامح والتعايش، بل قد يبدو تصويره لهذه العلاقة بمثابة محاولة للربط بين مواضيع اجتماعية معاصرة وأفكار قد تكون مشوهة أو لا تمت بصلة للواقع الاجتماعي الراهن.



    وتحمل بعض المشاهد نوعا من السطحية أو التشابه مع أسلوب التصوير الذي يعتمد على برنامج “مع الناس” أو البرامج الاجتماعية التي تسعى لإثارة الانتباه بشكل درامي وسريع دون التعمق في التفاصيل. فمشهد عودة جنين من كندا واستقبالها مثلا يبرز نوعا من الافتعال الدرامي الذي يذكرنا باللحظات المتوترة في البرامج التي تركز على اللقاء العاطفي أو إعادة الاتصال بين الأفراد بعد فترة من الغياب، وتوحي بنوع من الاستعراض العاطفي الذي يخدم فقط إظهار الشحنة العاطفية للشخصيات، دون أن يكون له تأثير كبير على تسلسل الأحداث أو يعكس تطورا في الحبكة الدرامية للمسلسل. هذه اللقطات يمكن أن تشبه إلى حد كبير المشاهد التي نجدها في المسلسلات الهندية وتحاول استعراض التفاعل العاطفي لجذب مشاعر المشاهدين.

    ويعد مشهد الصحافي صنيديلة، الذي يسعى للحصول على السبق الصحفي، محاولة لاستعراض شخصية الصحافي بطريقة مبالغ فيها، فالحركات التي يقدم بها هذه الشخصية تثير انطباعا بأنها تابعة للأسلوب الذي قد نراه في وسائل التواصل الاجتماعي التي تركز على الحصول على لقطات مثيرة أو مواقف كوميدية، حيث يكون التركيز على إثارة ضحك المشاهدين أو لفت أنظارهم، بدلا من تقديم عمق درامي حقيقي.

    أما مشهد الزوجة الثانية التي ظهرت فجأة بعد قتل زوجها، فهو من طراز الدراما الهندية حيث يحمل طابعا دراميا مبالغا فيه، يشبه إلى حد ما المشاهد التي تتكرر في المسلسلات الغامضة التي تركز على المواقف المفاجئة أو غير المتوقعة لتثير مشاعر الفضول لدى الجمهور. وفي الواقع، تفتقر حبكة المسلسل إلى التحليل النفسي العميق للشخصيات أو الوضع الاجتماعي الذي تطرحه العلاقات المعقدة بينها، وهذه المشاهد ربما تثير انتباه العامة من الناس لكن لن تمر مرور الكرام على من يرى مشاهد ولقطات تتكرر بين المسلسلات.

    ويتبنى أسلوب الإخراج في مسلسل “الناس لملاح” تقنيات قريبة من أسلوب البرامج الواقعية مثل “مع الناس” أو “مداولة”، خاصة في مشاهد الفلاش باك، إذ يتم تصويره من خلال لقطات قريبة وسريعة كي يخلق انطباعا بأن الحدث يتم التوثيق له بشكل مباشر دون إضافة اللمسة الدرامية، وهذا الأسلوب يُشبه الطريقة التي تستخدمها البرامج التي تحكي قصص الناس خاصة الإجرامية في عرض المواقف العاطفية والمفاجئة بسرعة دون التوقف عند تحليل أبعاد الشخصيات أو ربط الأحداث دراميا.

    وتحتوي بعض مشاهد الفلاش باك (استعادة الماضي) على إضاءة باهتة تقلل من التأثير البصري وتجعل الأحداث تبدو أقل تأثيرا من الناحية الدرامية، فالإضاءة غير المتناسقة مع المشهد تعطي انطباعا بأن الإخراج يميل إلى توثيق اللحظات بشكل مباشر وبسيط، وكأنه مشهد تلفزيوني لجريمة موثقة تهدف إلى تقديم الحقيقة كما هي دون محاولة خلق المأساة، وهذا الأسلوب قد يضعف من إمكانية خلق جو درامي متكامل، حيث لا تُستخدم التقنيات البصرية لتعميق تأثير المشهد أو إبراز تطور الشخصيات.

    وبالحديث عن مسيرة المخرجة المغربية جميلة البرجي بنعيسى عموما يمكن القول إنها شكلت طفرة إنتاجية في الدراما المغربية، حيث أخرجت وألَّفت العشرات من المسلسلات الاجتماعية والدرامية، والتي يُعتبر كل واحد منها محطة مهمة في تاريخ الدراما المغربية، ومن أهم أعمالها مسلسل “الرحاليات” عام 2023 و”سوق الدلالة” عام 2021، و”الغريبة” عام 2020، و”القلب المجروح” عام 2016 و”الغالية” عام 2014.


    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    عبدالرحيم الشافعي
    ناقد سينمائي مغربي
يعمل...
X