القبطان يصل محطته الأخيرة مكللا بمحبة المصريين ودموعهم
رحيل الفنان نبيل الحلفاوي بعد رحلة عنوانها الصدق في الفن والحياة.
الاثنين 2024/12/16
ShareWhatsAppTwitterFacebook
إنسان حقيقي في أدائه التمثيلي للشخصيات
نادرون هم الفنانون الذين يخلقون حولهم حالة إجماع على محبتهم، وربما السر في ذلك يكمن في الصدق، وفي الانخراط في مشاغل الناس وعدم الانزواء في الأبراج العالية. وهكذا كان الممثل المصري نبيل الحلفاوي الذي بكى المصريون بمختلف انتماءاتهم رحيله، ما يثبت المكانة التي كانت للفنان عند الناس.
القاهرة– المشاهير كثر، والفنانون دوما محط الأنظار، لكن وعي الجماهير يختار باستمرار أسماء بعينها ينحاز إلى أصحابها بشكل خاص. هؤلاء، يرتبط الناس بهم، يحبونهم، يشعرون بأنهم منهم، ليسوا غرباء عنهم، ولذلك بالطبع أسباب تتنوع باختلاف الشخصيات. وتلقى المصريون منتصف نهار الأحد صدمة أليمة بإعلان رحيل الفنان المصري نبيل الحلفاوي عن عمر 77 عاما، بعد صراع قصير مع المرض.
ارتبطت محبة الناس للفنان المصري الراحل بأسباب وعوامل عدة، فنية وإنسانية، يمكن إدراجها جميعا تحت عنوان واحد، هو الصدق، سواء في الفن أو الحياة، فقد استشعر ميزان الجماهير بدقة أنه إنسان حقيقي، في أدائه التمثيلي للشخصيات التي لعبها على مدى مشواره الطويل، أو في الحياة كمواطن عادي يشتبك مع قضايا الوطن والمجتمع عبر حسابه على منصة إكس (تويتر سابقا).
أدوار مختلفة
محبة الناس للفنان ارتبطت بأسباب وعوامل عدة، فنية وإنسانية، يمكن إدراجها جميعا تحت عنوان واحد، هو الصدق
لم يلعب نبيل الحلفاوي أدوار البطولة المطلقة في أعماله إلا نادرا، ولم يمنع هذا تعلق الجماهير به من خلال كل دور فني قام بتمثيله، فجاء في حد ذاته بطولة خاصة.
وربما لا يتذكر المشاهدون في الألفية الجديدة مسرحية مهمة له، لعب بطولتها عام 1988، هي مسرحية “عفريت لكل مواطن” تأليف الكاتب الكبير لينين الرملي وإخراج محمد أبوداود، وشاركه في البطولة عبلة كامل ورياض الخولي، وفيها لعب الحلفاوي دورا جريئا وصعبا يقوم على التنقل بين شخصيتي المواطن والعفريت، أبدع في أدائهما، بجهد نفسي وبدني كبيرين.
على مدى الرحلة الفنية الطويلة أبدع الحلفاوي في أدوار عديدة في أعمال فنية مهمة لا ينساها الجمهور ولا ينسى شخصياته التي لعبها فيها بأسمائها، حتى خلع عليه لقب “القبطان” استنادا إلى دوره في فيلم “الطريق إلى إيلات” عام 1994، بطولته مع عزت العلايلي، إخراج إنعام محمد علي، وجسد فيه شخصية القبطان محمود الذي تولى عملية تدريب مجموعة من الضفادع البشرية لمهاجمة ميناء إيلات البحري خلال حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل.
قطع الحلفاوي الطريق إلى القبطان محمود، قادما من محطة أخرى مهمة في وقت سابق، وشخصية خاصة، هي شخصية ضابط المخابرات نديم “قلب الأسد” في مسلسل “رأفت الهجان” بجزءيه الثاني والثالث عامي 1990 و1992، بطولة الفنان محمود عبدالعزيز، تأليف صالح مرسي، إخراج يحيى العلمي.
وهي الشخصية التي لعبها الحلفاوي باقتدار في مواجهة نجم كبير مثل الفنان محمود عبدالعزيز، إذ كان مطلوبا منه أن يقوم بتدريبه ليكون عميلا للمخابرات، ما يستلزم السيطرة عليه وتوجيهه بحسم وغلظة في بعض الأحيان، وهو ما أجاد التعبير عنه بأداء شديد الدقة والإبداع.
لم يكن غريبا أن يصرح الفنان المصري الراحل بأن دوره في “رأفت الهجان” من الأدوار التي يعتز بها ومنحته الرضا عن نفسه، لكنه أضاف أيضا – عن حق – أدوارا أخرى في هذا الإطار.
البطولة الحقيقية في مسيرة نبيل الحلفاوي، فنيا وإنسانيا، هي الصدق، وعدم الافتعال، والاقتراب من الناس، من خلال التعبير بالفن عن شخصيات حقيقية من لحم ودم
من هذه الأدوار، كان دوره في مسلسل “الزيني بركات” عام 1995، ولعب بطولته مع الفنان أحمد بدير، تأليف جمال الغيطاني، إخراج يحيى العلمي. وفيه أدى دور قائد الدرك زكريا بن راضي، الشخصية القوية الحادة المسيطرة، التي تتلاعب بالحاكم وتدس المؤامرات وتغرق في الفساد، في عمل شديد الجرأة، لم يعد يذاع على الشاشات حاليا.
أدى الحلفاوي أيضا شخصية ابن الصعيد أكثر من مرة في أعمال مهمة، سواء العامل أو المتعلم، المتمسك بمبادئه وأخلاقه، وأجاد تقديم اللهجة ورسم ملامح الشخصيات.
لعب دور رفاعي في مسلسل “زيزينيا” عام 1997، بطولة يحيى الفخراني وأحمد بدير وآثار الحكيم، تأليف أسامة أنور عكاشة، إخراج جمال عبدالحميد، وبرغم أن المسلسل كان عامرا بالشخصيات إلا أن الحلفاوي عبر بصدق عن شخصية العامل الصعيدي الذي يسافر إلى الإسكندرية ويقع في عشق فتاة هي “بياضة”، الفنانة لوسي، لكن القدر لا يجمعه بها فيتزوج “محروسة”، الفنانة سوسن بدر، فيسكن إليها ويسعد معها، متمسكا دوما بأخلاق ابن الصعيد المحافظ على ما تشربه من مبادئ.
وقبل رفاعي بأحد عشر عاما، قدم الحلفاوي أيضا شخصية ابن الصعيد، الطبيب، في مسلسل “الحب وأشياء أخرى” عام 1986، بطولة ممدوح عبدالعليم وآثار الحكيم، تأليف أسامة أنور عكاشة، إخراج إنعام محمد علي، فكانت شخصية “الدكتور رأفت” المحافظة، الذي أحب امرأة متحررة فلم يغير جلده لأجلها أو تهتز ثقته في نفسه بسببها، هي الشخصية الدرامية المقابلة لشخصية البطل “سامح”، المهزوزة المهترئة التي تعثرت في مطبات عديدة عندما أحبت، قبل أن تعرف أخيرا طريقها.
كانت البطولة الحقيقية في مسيرة نبيل الحلفاوي، فنيا وإنسانيا، هي الصدق، وعدم الافتعال، والاقتراب من الناس، من خلال التعبير بالفن عن شخصيات حقيقية من لحم ودم، أو من خلال الاندماج كإنسان في حياة المصريين عبر منبره الأثير؛ حسابه على منصة إكس.
الإنسان والفنان
نبيل الحلفاوي لم يلعب أدوار البطولة المطلقة في أعماله إلا نادرا، ولم يمنع هذا تعلق الجماهير به من خلال كل دور فني قام بتمثيله، فجاء في حد ذاته بطولة خاصة
وضع الحلفاوي تغريدة مثبتة في صدارة حسابه، ترجع إلى عشر سنوات ماضية، وفيها يشتبك بجرأة مع واحدة من أهم القضايا التي شغلت المصريين خلال العام 2014 وهي الصراع مع تيار الإخوان، وتبدو كلماته في التغريدة كدستور سياسي إنساني، حاسم وواضح، يرفض المهادنة، ويوضح في الوقت نفسه قواعد وأخلاقيات الاشتباك.
كتب: “لا يستدرجنك أحد لمهاترات. احترم من يختلف بموضوعية، ولكن تجاهل سيء النية. لا ترد على شتام. لا تجادل ضحايا الغيبوبة. لا تشرح بديهيات. اشتر نفسك.”
وعلى مستوى كرة القدم، لم يخفِ نبيل الحلفاوي محبته وتشجيعه النادي الأهلي، وكتب دوما رأيه في الأداء والمباريات والمسائل الخلافية بين مشجعي الكرة، فهو صادق مع نفسه، لماذا إذًا يخفي انتماءه؟ التمثيل عنده على الشاشة فقط. أيُظهر الحياد كي يكسب كفنان كل الجماهير؟
هو أصلا لم يخسر جمهور نادي الزمالك المنافس لفريقه، فهو كما نهجه في السياسة يطبق دستوره، يلتزم بمبادئه. لا يسب المنافس أو يسخر منه، ولا يشارك في مهاترات، وإن اقتضى الأمر بعض المناكفات المعتادة بين جماهير الكرة، فلا يفعلها إلا بمحبة وابتسامة.
لذلك لم يكن غريبا أن يذرف المحبون الدموع عندما جاءت التغريدة الأخيرة على حساب نبيل الحلفاوي يوم الأحد بقلم ابنيه (وليد وخالد) وليس بقلمه، عندما كتبا: “مش (ليس) القبطان اللي كاتب التويتة دي للأسف.. احنا (نحن) أولاده وليد وخالد الحلفاوي.. الوالد ربنا استجاب لدعائه ولم يمر بعذاب طويل مع مرض وألم طويل، كان دائما يدعي بكده (بهذا) وربنا ما خذلوش (لم يخذله). شكرا على كل الحب والدعاء.”
قبل حوالي عام، كشفت الإذاعية نسرين عكاشة في برنامج على قناة “الوثائقية” المصرية أن والدها الكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة اكتشف في أيامه الأخيرة بعد محاولات مضنية أنه لم يعد قادرا على الكتابة بفعل المرض، فقال في آخر اتصال له مع صديقه الفنان نبيل الحلفاوي بتأثر شديد: “أنا سِبت (تركت) القلم يا نبيل خلاص.”
وها هو الحلفاوي، يترك الشاشة أيضا ويغادر، ليصل القبطان إلى محطته الأخيرة في الرحلة، ويلحق بصديقه، مكللا بمحبة ودموع المصريين، وتساؤلاتهم المتألمة عن المستقبل، في ظل رحيل جيل من كبار المبدعين، الصادقين، الواحد تلو الآخر.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
محمد شعير
كاتب مصري
رحيل الفنان نبيل الحلفاوي بعد رحلة عنوانها الصدق في الفن والحياة.
الاثنين 2024/12/16
ShareWhatsAppTwitterFacebook
إنسان حقيقي في أدائه التمثيلي للشخصيات
نادرون هم الفنانون الذين يخلقون حولهم حالة إجماع على محبتهم، وربما السر في ذلك يكمن في الصدق، وفي الانخراط في مشاغل الناس وعدم الانزواء في الأبراج العالية. وهكذا كان الممثل المصري نبيل الحلفاوي الذي بكى المصريون بمختلف انتماءاتهم رحيله، ما يثبت المكانة التي كانت للفنان عند الناس.
القاهرة– المشاهير كثر، والفنانون دوما محط الأنظار، لكن وعي الجماهير يختار باستمرار أسماء بعينها ينحاز إلى أصحابها بشكل خاص. هؤلاء، يرتبط الناس بهم، يحبونهم، يشعرون بأنهم منهم، ليسوا غرباء عنهم، ولذلك بالطبع أسباب تتنوع باختلاف الشخصيات. وتلقى المصريون منتصف نهار الأحد صدمة أليمة بإعلان رحيل الفنان المصري نبيل الحلفاوي عن عمر 77 عاما، بعد صراع قصير مع المرض.
ارتبطت محبة الناس للفنان المصري الراحل بأسباب وعوامل عدة، فنية وإنسانية، يمكن إدراجها جميعا تحت عنوان واحد، هو الصدق، سواء في الفن أو الحياة، فقد استشعر ميزان الجماهير بدقة أنه إنسان حقيقي، في أدائه التمثيلي للشخصيات التي لعبها على مدى مشواره الطويل، أو في الحياة كمواطن عادي يشتبك مع قضايا الوطن والمجتمع عبر حسابه على منصة إكس (تويتر سابقا).
أدوار مختلفة
محبة الناس للفنان ارتبطت بأسباب وعوامل عدة، فنية وإنسانية، يمكن إدراجها جميعا تحت عنوان واحد، هو الصدق
لم يلعب نبيل الحلفاوي أدوار البطولة المطلقة في أعماله إلا نادرا، ولم يمنع هذا تعلق الجماهير به من خلال كل دور فني قام بتمثيله، فجاء في حد ذاته بطولة خاصة.
وربما لا يتذكر المشاهدون في الألفية الجديدة مسرحية مهمة له، لعب بطولتها عام 1988، هي مسرحية “عفريت لكل مواطن” تأليف الكاتب الكبير لينين الرملي وإخراج محمد أبوداود، وشاركه في البطولة عبلة كامل ورياض الخولي، وفيها لعب الحلفاوي دورا جريئا وصعبا يقوم على التنقل بين شخصيتي المواطن والعفريت، أبدع في أدائهما، بجهد نفسي وبدني كبيرين.
على مدى الرحلة الفنية الطويلة أبدع الحلفاوي في أدوار عديدة في أعمال فنية مهمة لا ينساها الجمهور ولا ينسى شخصياته التي لعبها فيها بأسمائها، حتى خلع عليه لقب “القبطان” استنادا إلى دوره في فيلم “الطريق إلى إيلات” عام 1994، بطولته مع عزت العلايلي، إخراج إنعام محمد علي، وجسد فيه شخصية القبطان محمود الذي تولى عملية تدريب مجموعة من الضفادع البشرية لمهاجمة ميناء إيلات البحري خلال حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل.
قطع الحلفاوي الطريق إلى القبطان محمود، قادما من محطة أخرى مهمة في وقت سابق، وشخصية خاصة، هي شخصية ضابط المخابرات نديم “قلب الأسد” في مسلسل “رأفت الهجان” بجزءيه الثاني والثالث عامي 1990 و1992، بطولة الفنان محمود عبدالعزيز، تأليف صالح مرسي، إخراج يحيى العلمي.
وهي الشخصية التي لعبها الحلفاوي باقتدار في مواجهة نجم كبير مثل الفنان محمود عبدالعزيز، إذ كان مطلوبا منه أن يقوم بتدريبه ليكون عميلا للمخابرات، ما يستلزم السيطرة عليه وتوجيهه بحسم وغلظة في بعض الأحيان، وهو ما أجاد التعبير عنه بأداء شديد الدقة والإبداع.
لم يكن غريبا أن يصرح الفنان المصري الراحل بأن دوره في “رأفت الهجان” من الأدوار التي يعتز بها ومنحته الرضا عن نفسه، لكنه أضاف أيضا – عن حق – أدوارا أخرى في هذا الإطار.
البطولة الحقيقية في مسيرة نبيل الحلفاوي، فنيا وإنسانيا، هي الصدق، وعدم الافتعال، والاقتراب من الناس، من خلال التعبير بالفن عن شخصيات حقيقية من لحم ودم
من هذه الأدوار، كان دوره في مسلسل “الزيني بركات” عام 1995، ولعب بطولته مع الفنان أحمد بدير، تأليف جمال الغيطاني، إخراج يحيى العلمي. وفيه أدى دور قائد الدرك زكريا بن راضي، الشخصية القوية الحادة المسيطرة، التي تتلاعب بالحاكم وتدس المؤامرات وتغرق في الفساد، في عمل شديد الجرأة، لم يعد يذاع على الشاشات حاليا.
أدى الحلفاوي أيضا شخصية ابن الصعيد أكثر من مرة في أعمال مهمة، سواء العامل أو المتعلم، المتمسك بمبادئه وأخلاقه، وأجاد تقديم اللهجة ورسم ملامح الشخصيات.
لعب دور رفاعي في مسلسل “زيزينيا” عام 1997، بطولة يحيى الفخراني وأحمد بدير وآثار الحكيم، تأليف أسامة أنور عكاشة، إخراج جمال عبدالحميد، وبرغم أن المسلسل كان عامرا بالشخصيات إلا أن الحلفاوي عبر بصدق عن شخصية العامل الصعيدي الذي يسافر إلى الإسكندرية ويقع في عشق فتاة هي “بياضة”، الفنانة لوسي، لكن القدر لا يجمعه بها فيتزوج “محروسة”، الفنانة سوسن بدر، فيسكن إليها ويسعد معها، متمسكا دوما بأخلاق ابن الصعيد المحافظ على ما تشربه من مبادئ.
وقبل رفاعي بأحد عشر عاما، قدم الحلفاوي أيضا شخصية ابن الصعيد، الطبيب، في مسلسل “الحب وأشياء أخرى” عام 1986، بطولة ممدوح عبدالعليم وآثار الحكيم، تأليف أسامة أنور عكاشة، إخراج إنعام محمد علي، فكانت شخصية “الدكتور رأفت” المحافظة، الذي أحب امرأة متحررة فلم يغير جلده لأجلها أو تهتز ثقته في نفسه بسببها، هي الشخصية الدرامية المقابلة لشخصية البطل “سامح”، المهزوزة المهترئة التي تعثرت في مطبات عديدة عندما أحبت، قبل أن تعرف أخيرا طريقها.
كانت البطولة الحقيقية في مسيرة نبيل الحلفاوي، فنيا وإنسانيا، هي الصدق، وعدم الافتعال، والاقتراب من الناس، من خلال التعبير بالفن عن شخصيات حقيقية من لحم ودم، أو من خلال الاندماج كإنسان في حياة المصريين عبر منبره الأثير؛ حسابه على منصة إكس.
الإنسان والفنان
نبيل الحلفاوي لم يلعب أدوار البطولة المطلقة في أعماله إلا نادرا، ولم يمنع هذا تعلق الجماهير به من خلال كل دور فني قام بتمثيله، فجاء في حد ذاته بطولة خاصة
وضع الحلفاوي تغريدة مثبتة في صدارة حسابه، ترجع إلى عشر سنوات ماضية، وفيها يشتبك بجرأة مع واحدة من أهم القضايا التي شغلت المصريين خلال العام 2014 وهي الصراع مع تيار الإخوان، وتبدو كلماته في التغريدة كدستور سياسي إنساني، حاسم وواضح، يرفض المهادنة، ويوضح في الوقت نفسه قواعد وأخلاقيات الاشتباك.
كتب: “لا يستدرجنك أحد لمهاترات. احترم من يختلف بموضوعية، ولكن تجاهل سيء النية. لا ترد على شتام. لا تجادل ضحايا الغيبوبة. لا تشرح بديهيات. اشتر نفسك.”
وعلى مستوى كرة القدم، لم يخفِ نبيل الحلفاوي محبته وتشجيعه النادي الأهلي، وكتب دوما رأيه في الأداء والمباريات والمسائل الخلافية بين مشجعي الكرة، فهو صادق مع نفسه، لماذا إذًا يخفي انتماءه؟ التمثيل عنده على الشاشة فقط. أيُظهر الحياد كي يكسب كفنان كل الجماهير؟
هو أصلا لم يخسر جمهور نادي الزمالك المنافس لفريقه، فهو كما نهجه في السياسة يطبق دستوره، يلتزم بمبادئه. لا يسب المنافس أو يسخر منه، ولا يشارك في مهاترات، وإن اقتضى الأمر بعض المناكفات المعتادة بين جماهير الكرة، فلا يفعلها إلا بمحبة وابتسامة.
لذلك لم يكن غريبا أن يذرف المحبون الدموع عندما جاءت التغريدة الأخيرة على حساب نبيل الحلفاوي يوم الأحد بقلم ابنيه (وليد وخالد) وليس بقلمه، عندما كتبا: “مش (ليس) القبطان اللي كاتب التويتة دي للأسف.. احنا (نحن) أولاده وليد وخالد الحلفاوي.. الوالد ربنا استجاب لدعائه ولم يمر بعذاب طويل مع مرض وألم طويل، كان دائما يدعي بكده (بهذا) وربنا ما خذلوش (لم يخذله). شكرا على كل الحب والدعاء.”
قبل حوالي عام، كشفت الإذاعية نسرين عكاشة في برنامج على قناة “الوثائقية” المصرية أن والدها الكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة اكتشف في أيامه الأخيرة بعد محاولات مضنية أنه لم يعد قادرا على الكتابة بفعل المرض، فقال في آخر اتصال له مع صديقه الفنان نبيل الحلفاوي بتأثر شديد: “أنا سِبت (تركت) القلم يا نبيل خلاص.”
وها هو الحلفاوي، يترك الشاشة أيضا ويغادر، ليصل القبطان إلى محطته الأخيرة في الرحلة، ويلحق بصديقه، مكللا بمحبة ودموع المصريين، وتساؤلاتهم المتألمة عن المستقبل، في ظل رحيل جيل من كبار المبدعين، الصادقين، الواحد تلو الآخر.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
محمد شعير
كاتب مصري