العاملون في مراكز الاتصال أولى ضحايا الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي يتربص بوظائفكم
مانيلا- في وقت ما احتاج كل منا، لسبب أو آخر، الاتصال بشركة خارج البلد الذي يقيم فيه. لكن، القليل فقط لاحظوا أن الصوت الذي يرد على المكالمة في الطرف الآخر هو صوت ذكاء اصطناعي، بعد أن أصبح التدخل البشري المباشر يقتصر على الأمور المعقدة.
تطور شبكات الاتصال في تسعينيات القرن الماضي شجع الشركات في أوروبا على اعتماد ما سمي بـ”مراكز الاتصال” للرد على استفسارات العملاء وتقديم الدعم لهم، وكانت الهند الوجهة المفضلة لهذه الشركات، لعدة أسباب، أولها رخص اليد العاملة ووفرتها، إضافة إلى إجادة اللغة الإنكليزية واستعمالها من قبل أعداد الكبيرة، وأصبح أفضل عمل يتطلع إليه الشباب في الهند، هو العمل في واحد من هذه المراكز.
المكانة التي حققتها الهند انتقلت في مطلع القرن الواحد والعشرين إلى الفلبين لتصبح عام 2010 عاصمة لمراكز اتصال توظف أكثر من نصف مليون شخص، وتوسعت بسرعة لتصبح واحدة من أكبر الصناعات في البلاد بفضل الكفاءة في اللغة الإنجليزية والتكاليف التشغيلية المنخفضة.
ميلين كابالونا: مخاوف من خسارة الوظائف بسبب الذكاء الاصطناعي
فورة التوظيف في مراكز الاتصال لم تدم طويلا، مع تنامي لجوء الشركات إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي. وتشكل قصة ميلين كابالونا التي عملت على مكالمات لصالح شركات أجنبية في الفلبين منذ 2010 – السنة التي تفوقت فيها البلاد على الهند – واحدة من عشرات الآلاف من القصص المشابهة.
في حديث مع رويترز أكدت كابالونا إن مراكز الاتصال أصبحت أكبر مزود للوظائف في القطاع الخاص، الذي يشغل الآن حوالي 1.3 مليون شخص، لكنها تواجه العديد من التحديات، وتفتقر إلى قوانين تضمن حقوق العمال وحمايتهم من المخاطر الصحة المهنية. إضافة إلى ذلك يخشى الكثيرون خسارة وظائفهم بسبب نمو الذكاء الاصطناعي.
وتُعتبر مراكز الاتصال (إلى جانب التحويلات المالية من الفلبينيين العاملين في الخارج) من محركات الاقتصاد الفلبيني الرئيسية، حيث تساهم بحوالي 30 مليار دولار سنويا.
ورغم تزايد الطلب على بعض الوظائف الجديدة مثل مدربي الذكاء الاصطناعي أو مشرفي المحتوى، إلا أن هذا التزايد لا يعوض الوظائف ذات المهارات المنخفضة. وتخطط الحكومة لمعالجة المشكلة عبر إعادة تدريب العمال للتعامل مع الذكاء الاصطناعي.
تجربة أخرى مماثلة، ولكن هذه المرة على مقربة من السواحل الأوروبية، في تونس البلد الشمال أفريقي، الذي يتميز بإتقان شبابه للغات الأجنبية، خاصة اللغة الفرنسية، واستطاع في الفترة نفسها التي شهدت ازدهار الفلبين أن يجذب عشرات مراكز الاتصال التي حلت جزئيا مشكلة البطالة بين خريجي الجامعات.
ومثل الفلبين شكلت عوائد هذه المراكز إضافة إلى تحويلات المغتربين دعما لا يستهان لموارد الدولة من العملة الأجنبية.
ديفيد سودولسكي: أتمتة الوظائف الروتينية صعّبت توظيف أشخاص جدد
رغم ذلك يعاني العاملون في هذا القطاع من غياب قوانين منظمة، هم اليوم بأمس الحاجة لها مع تصاعد الاعتماد على أنظمة الذكاء الاصطناعي في الأعمال الروتينية.
وتؤكد استطلاعات حديثة أن أكثر من نصف الشركات “تعمل جاهدة” على دمج الذكاء الاصطناعي في عملها. وذكرت عشرة في المئة من الشركات أنها اعتمدت تقنية الذكاء الاصطناعي بالكامل. وكانت خدمة العملاء أو خدمات الدعم، وإدخال البيانات ومعالجتها، الأكثر تأثرا.
وليس الاستثمار في أدوات الذكاء الاصطناعي رخيصا. لكن خبراء الصناعة يتوقعون تخفيف التكاليف بأتمتة الوظائف التي يشملها تعهيد العمليات التجارية.
وقال ديفيد سودولسكي، الرئيس التنفيذي لشركة بولدر (شركة تعهيد لها مكاتب في الفلبين وجنوب أفريقيا والمكسيك وكندا) إن “أتمتة الوظائف الأقل مهارة في المقام الأول في التجارة الإلكترونية صعّبت توظيف أشخاص جدد.”
وتابع “إذا قلل الذكاء الاصطناعي من حجم أدوار المبتدئين التي قدمتها منظمات تعهيد الأعمال ومراكز الاتصال من قبل، فما التالي؟ أرى خطرا كبيرا في هذا التحول.”
وأكد أن الصناعة لن تتوسع من هنا فصاعدا مع عدم توفر “مئات الآلاف من الوظائف” للخريجين الجدد كما كان من قبل. ويتوقع أنها قد تبحث عن أصحاب الخبرات والمهارات التقنية، مثل تدريب روبوتات الدردشة والخوارزميات.
وسعت شركات التعهد منذ فترة طويلة إلى خفض تكاليف العمالة، واستبدال الموظفين بمعوضين جدد بأجور أقل، ومن خلال الذكاء الاصطناعي.
10 في المئة من الشركات أكدت اعتمادها تقنية الذكاء الاصطناعي بالكامل
وقالت كابالونا إن الطريقة الوحيدة لحماية عمال مراكز الاتصال تكمن في إنشاء نقابات عمالية للضغط لزيادة الأجور والأمن الوظيفي والصحة والسلامة في العمل.
وأكدت أن العمال يطردون من العمل ببساطة إذا “لم يعد صاحب العمل في حاجة إلى خدماتهم.”
وتابعت أن هذا خلق فجوة كبيرة في المهارات بين وكلاء مركز الاتصال المدربين تقليديا وأصحاب القدرة التقنية على العمل مع الذكاء الاصطناعي والقادرين على استخدام التكنولوجيا للإجابة على استفسارات العملاء أو التعليق على البيانات أو تصنيفها، أو تدريب روبوتات الذكاء الاصطناعي على الصوت أو النص.
وترى الحكومات والقطاع الخاص في تحسين مهارات عمال التعهيد حلا لمعالجة مشكلة فقدان الوظائف المحتملة. وتلجأ العديد من شركات التعهيد إلى تدرّب موظفيها استباقيا لاكتساب المهارات المحددة اللازمة للعمليات المعززة بالذكاء الاصطناعي. ويتضمن ذلك تدريبهم على البرمجة وعلوم البيانات وتحليلاتها وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي.
بالتوازي مع ذلك يجب عدم تجاهل أهمية حماية حقوق العمال المعنيين، ويجب أن لا ننسى أن شركات التعهيد ومراكز الاتصال متعددة الجنسيات موجودة في هذه الدول لأنها أرادت خفض تكاليف الإنتاج وكسب المزيد من الأرباح، وأصبح العاملون فيها أول ضحايا الذكاء الاصطناعي.