بوتين يدعو لتحدي هيمنة الولايات المتحدة على الذكاء الاصطناعي
علي قاسم
هل سيكون لروسيا مكان في العالم الجديد
في زمن تتسارع فيه التطورات التكنولوجية، يجدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعوته للاهتمام بالذكاء الاصطناعي، مؤكدًا على ضرورة مشاركة روسيا في السباق العالمي لهذه التقنية الحاسمة التي ستحسم في النهاية من يسيطر على العالم.
لندن- قد يبدو حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الأربعاء الماضي في مؤتمر حول الذكاء الاصطناعي بموسكو متأخرًا عامين كاملين عن الفورة التي شهدها العالم ورافقت الإعلان عن روبوت الدردشة تشات جي بي تي من قبل شركة أوبن إيه آي في 30 نوفمبر عام 2022. لكن، في الحقيقة، بوتين الذي أعلن خلال المؤتمر أن روسيا ستطور الذكاء الاصطناعي مع شركائها في مجموعة بريكس ودول أخرى، لم يكن متأخرًا في اكتشاف أهمية الذكاء الاصطناعي وتأثيراته على مستقبل البشرية، سبق لبوتين أن قال في عام 2017 إن من يصبح قائدًا في مجال الذكاء الاصطناعي سيصبح حاكمًا للعالم.
اليوم يعود بوتين ليجدد اهتمامه بالذكاء الاصطناعي في محاولة لتحدي هيمنة الولايات المتحدة على واحدة من أكثر التقنيات الواعدة والحاسمة في القرن الحادي والعشرين، من بوابة التفوق العسكري، ليقول: “يتعين على روسيا أن تشارك على قدم المساواة في السباق العالمي لتوفير ذكاء اصطناعي قوي. وهذه هي الحلول المتقدمة على وجه التحديد التي يعمل العلماء الروس عليها حاليًا،” داعيًا العلماء من جميع أنحاء العالم للانضمام إلى هذا التعاون.
ولكن، لماذا تجدد اهتمام بوتين بالذكاء الاصطناعي، والآن تحديدًا؟
بوكس
في 24 فبراير 2022، بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا. وفي نفس العام، بعد ثمانية أشهر بالتحديد، أعلن عن طرح تشات جي بي تي، وبدأ الحديث يتصاعد عن تأثيرات الذكاء الاصطناعي على حروب المستقبل. ما قاله بوتين في عام 2017 عن الدور الذي سيلعبه الذكاء الاصطناعي للسيطرة على العالم، بدأ يتجسد واقعًا أمام عينه، ليس فقط على ساحة المعركة في أوكرانيا، بل في مناطق نزاع أخرى لروسيا مصالح فيها.
برز دور الذكاء الاصطناعي في الصراع الدائر في الشرق الأوسط بشكل قوي، حيث ثبتت سيطرة إسرائيل بشكل كامل على سير الصراع، وكان للذكاء الاصطناعي دور حاسم في صياغة النتائج، سواء مع حماس في غزة، أو مع إيران التي فشلت في حماية شخصيات مهمة عملت إسرائيل على تصفيتها مستعينة بالذكاء الاصطناعي، أو في مواجهاتها مع حزب الله في لبنان وتصفية قادته. وها هي تعبث بالأجواء السورية وتدمر البنية العسكرية للبلد تحت أعين إيران وروسيا، دون أن يحركا ساكنًا.
في حقيقة الأمر، بدا وكأن المواجهات تجري من جانب واحد، هو الجانب الذي يمتلك الذكاء الاصطناعي ويوظفه، بينما اكتفى الطرف الآخر بتلقي الضربات دون أي رد حاسم.
فجأة تتحول الترسانة العسكرية التقليدية من مجنزرات ومدرعات ومدافع وطائرات وقطع بحرية إلى عبء ثقيل يشل سير المعارك. لتبرهن صحة ما قاله بوتين قبل سبع سنوات: من يصبح قائدًا في مجال الذكاء الاصطناعي سيصبح حاكمًا للعالم.
العقوبات الغربية التي استهدفت تقييد قدرة روسيا على الوصول إلى التقنيات التي تحتاجها لدعم حربها على أوكرانيا، وتوقف كبار منتجي الرقائق الدقيقة في العالم عن تصديرها إلى روسيا، حدّت من طموحات الكرملين وبوتين في مجال الذكاء الاصطناعي.
ويتولى حاليًا مصرف سبيربنك، وهو تكتل مالي حكومي وأكبر مصرف في روسيا، قيادة تطوير الذكاء الاصطناعي في البلاد. وكان جيرمان جريف، رئيس البنك التنفيذي، قد اعترف عام 2023 أن وحدات معالجة الرسوم (جي.بي.يو)، وهي رقائق دقيقة تدعم تطوير الذكاء الاصطناعي، هي أصعب قطع يمكن لروسيا الحصول عليها، وهذا يحول دون المضي قدمًا في مشاريع التطوير ويعرقل سيرها في أفضل الأحوال.
ويوم الأربعاء، قال مسؤول من المصرف على هامش المؤتمر، إن هيئات الذكاء الاصطناعي الوطنية في الدول الأعضاء في مجموعة بريكس، وهي البرازيل والصين والهند وجنوب أفريقيا، وكذلك من صربيا وإندونيسيا ودول أخرى غير أعضاء في المجموعة، انضمت إلى شبكة تحالف الذكاء الاصطناعي.
وروسيا واحدة من بين عشر دول، بينها الولايات المتحدة والصين وبريطانيا وإسرائيل، تعمل على تطوير نماذجها للذكاء الاصطناعي التوليدي.
وتسيطر على سوق الذكاء الاصطناعي في روسيا حاليا شركتان هما: مصرف سبيربنك الذي طور نموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي (غيغا تشات)، وشركة ياندكس الرائدة في مجال التكنولوجيا وتمتلك النموذج (ياندكس جي.بي.تي).
هناك اليوم توقعات أن يشهد العالم لا مساواة غير مسبوقة، ليس فقط داخل المجتمع الواحد، بل أيضًا بين الدول. حيث تزداد الهوة بين البلدان الصناعية التي تمتلك التكنولوجيا، وتلك المحرومة منها، ولا يتوقع أن تكون هناك فرصة في المستقبل لردم هذه الهوة.
اقرأ ايضا:
• المستقبل أقرب مما نعتقد
في زمن لا يتجاوز ثلاثة عقود، استطاعت أربع شركات أميركية أن تهيمن على الاقتصاد الأميركي، وتمنح الولايات المتحدة قوة نافذة للسيطرة على العالم. الشركات الأربع يشار إليها اليوم بـ”gafa” وهي: غوغل، أبل، فيسبوك، وأمازون.
وتحتل روسيا حاليًا المرتبة 31 من بين 83 دولة في تبني الذكاء الاصطناعي والابتكار والاستثمار فيه على المؤشر (جلوبال إيه.آي إندكس) التابع لشركة تورتواز ميديا ومقرها بريطانيا، والمرتبة 29 على مؤشر جامعة ستانفورد لقياس الأداء في مجال الذكاء الاصطناعي الذي يقيّم 36 دولة على أساس 42 مؤشرًا تتضمن البحث والتطوير.
المرتبة التي تحتلها روسيا على المؤشرين تعتبر متأخرة كثيرًا ليس فقط عن الولايات المتحدة والصين، وإنما أيضًا عن زميلتيها في بريكس الهند والبرازيل.
الاستفاقة الروسية جاءت متأخرة جدًا. الزمن في عصر الذكاء الاصطناعي لا يقاس بالسنين والعقود. الزمن يقاس بالدقائق والثواني. ما يفصل روسيا اليوم عن الولايات المتحدة والصين هو فجوة رقمية مقدارها مليارات الثواني.
في عام 2018 صدر كتاب “21 درسا للقرن الحادي والعشرين” يقول فيه المؤلف يوفال نوح هراري، إن نمو الذكاء الاصطناعي والتقنيات البيولوجية قد يؤدي إلى إنتاج طبقة من “أشخاص متفوقين” يحكمون العالم ويحوّلون باقي البشر إلى “طبقة معطلة”. يبدو أننا لن ننتظر كثيرا لنرى ذلك على أرض الواقع.
حين يحدث ذلك، هل سيكون لروسيا مكان في العالم الجديد؟ نترك الجواب للسنوات القليلة القادمة.
علي قاسم
هل سيكون لروسيا مكان في العالم الجديد
في زمن تتسارع فيه التطورات التكنولوجية، يجدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعوته للاهتمام بالذكاء الاصطناعي، مؤكدًا على ضرورة مشاركة روسيا في السباق العالمي لهذه التقنية الحاسمة التي ستحسم في النهاية من يسيطر على العالم.
لندن- قد يبدو حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الأربعاء الماضي في مؤتمر حول الذكاء الاصطناعي بموسكو متأخرًا عامين كاملين عن الفورة التي شهدها العالم ورافقت الإعلان عن روبوت الدردشة تشات جي بي تي من قبل شركة أوبن إيه آي في 30 نوفمبر عام 2022. لكن، في الحقيقة، بوتين الذي أعلن خلال المؤتمر أن روسيا ستطور الذكاء الاصطناعي مع شركائها في مجموعة بريكس ودول أخرى، لم يكن متأخرًا في اكتشاف أهمية الذكاء الاصطناعي وتأثيراته على مستقبل البشرية، سبق لبوتين أن قال في عام 2017 إن من يصبح قائدًا في مجال الذكاء الاصطناعي سيصبح حاكمًا للعالم.
اليوم يعود بوتين ليجدد اهتمامه بالذكاء الاصطناعي في محاولة لتحدي هيمنة الولايات المتحدة على واحدة من أكثر التقنيات الواعدة والحاسمة في القرن الحادي والعشرين، من بوابة التفوق العسكري، ليقول: “يتعين على روسيا أن تشارك على قدم المساواة في السباق العالمي لتوفير ذكاء اصطناعي قوي. وهذه هي الحلول المتقدمة على وجه التحديد التي يعمل العلماء الروس عليها حاليًا،” داعيًا العلماء من جميع أنحاء العالم للانضمام إلى هذا التعاون.
ولكن، لماذا تجدد اهتمام بوتين بالذكاء الاصطناعي، والآن تحديدًا؟
بوكس
في 24 فبراير 2022، بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا. وفي نفس العام، بعد ثمانية أشهر بالتحديد، أعلن عن طرح تشات جي بي تي، وبدأ الحديث يتصاعد عن تأثيرات الذكاء الاصطناعي على حروب المستقبل. ما قاله بوتين في عام 2017 عن الدور الذي سيلعبه الذكاء الاصطناعي للسيطرة على العالم، بدأ يتجسد واقعًا أمام عينه، ليس فقط على ساحة المعركة في أوكرانيا، بل في مناطق نزاع أخرى لروسيا مصالح فيها.
برز دور الذكاء الاصطناعي في الصراع الدائر في الشرق الأوسط بشكل قوي، حيث ثبتت سيطرة إسرائيل بشكل كامل على سير الصراع، وكان للذكاء الاصطناعي دور حاسم في صياغة النتائج، سواء مع حماس في غزة، أو مع إيران التي فشلت في حماية شخصيات مهمة عملت إسرائيل على تصفيتها مستعينة بالذكاء الاصطناعي، أو في مواجهاتها مع حزب الله في لبنان وتصفية قادته. وها هي تعبث بالأجواء السورية وتدمر البنية العسكرية للبلد تحت أعين إيران وروسيا، دون أن يحركا ساكنًا.
في حقيقة الأمر، بدا وكأن المواجهات تجري من جانب واحد، هو الجانب الذي يمتلك الذكاء الاصطناعي ويوظفه، بينما اكتفى الطرف الآخر بتلقي الضربات دون أي رد حاسم.
فجأة تتحول الترسانة العسكرية التقليدية من مجنزرات ومدرعات ومدافع وطائرات وقطع بحرية إلى عبء ثقيل يشل سير المعارك. لتبرهن صحة ما قاله بوتين قبل سبع سنوات: من يصبح قائدًا في مجال الذكاء الاصطناعي سيصبح حاكمًا للعالم.
العقوبات الغربية التي استهدفت تقييد قدرة روسيا على الوصول إلى التقنيات التي تحتاجها لدعم حربها على أوكرانيا، وتوقف كبار منتجي الرقائق الدقيقة في العالم عن تصديرها إلى روسيا، حدّت من طموحات الكرملين وبوتين في مجال الذكاء الاصطناعي.
ويتولى حاليًا مصرف سبيربنك، وهو تكتل مالي حكومي وأكبر مصرف في روسيا، قيادة تطوير الذكاء الاصطناعي في البلاد. وكان جيرمان جريف، رئيس البنك التنفيذي، قد اعترف عام 2023 أن وحدات معالجة الرسوم (جي.بي.يو)، وهي رقائق دقيقة تدعم تطوير الذكاء الاصطناعي، هي أصعب قطع يمكن لروسيا الحصول عليها، وهذا يحول دون المضي قدمًا في مشاريع التطوير ويعرقل سيرها في أفضل الأحوال.
ويوم الأربعاء، قال مسؤول من المصرف على هامش المؤتمر، إن هيئات الذكاء الاصطناعي الوطنية في الدول الأعضاء في مجموعة بريكس، وهي البرازيل والصين والهند وجنوب أفريقيا، وكذلك من صربيا وإندونيسيا ودول أخرى غير أعضاء في المجموعة، انضمت إلى شبكة تحالف الذكاء الاصطناعي.
وروسيا واحدة من بين عشر دول، بينها الولايات المتحدة والصين وبريطانيا وإسرائيل، تعمل على تطوير نماذجها للذكاء الاصطناعي التوليدي.
وتسيطر على سوق الذكاء الاصطناعي في روسيا حاليا شركتان هما: مصرف سبيربنك الذي طور نموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي (غيغا تشات)، وشركة ياندكس الرائدة في مجال التكنولوجيا وتمتلك النموذج (ياندكس جي.بي.تي).
هناك اليوم توقعات أن يشهد العالم لا مساواة غير مسبوقة، ليس فقط داخل المجتمع الواحد، بل أيضًا بين الدول. حيث تزداد الهوة بين البلدان الصناعية التي تمتلك التكنولوجيا، وتلك المحرومة منها، ولا يتوقع أن تكون هناك فرصة في المستقبل لردم هذه الهوة.
اقرأ ايضا:
• المستقبل أقرب مما نعتقد
في زمن لا يتجاوز ثلاثة عقود، استطاعت أربع شركات أميركية أن تهيمن على الاقتصاد الأميركي، وتمنح الولايات المتحدة قوة نافذة للسيطرة على العالم. الشركات الأربع يشار إليها اليوم بـ”gafa” وهي: غوغل، أبل، فيسبوك، وأمازون.
وتحتل روسيا حاليًا المرتبة 31 من بين 83 دولة في تبني الذكاء الاصطناعي والابتكار والاستثمار فيه على المؤشر (جلوبال إيه.آي إندكس) التابع لشركة تورتواز ميديا ومقرها بريطانيا، والمرتبة 29 على مؤشر جامعة ستانفورد لقياس الأداء في مجال الذكاء الاصطناعي الذي يقيّم 36 دولة على أساس 42 مؤشرًا تتضمن البحث والتطوير.
المرتبة التي تحتلها روسيا على المؤشرين تعتبر متأخرة كثيرًا ليس فقط عن الولايات المتحدة والصين، وإنما أيضًا عن زميلتيها في بريكس الهند والبرازيل.
الاستفاقة الروسية جاءت متأخرة جدًا. الزمن في عصر الذكاء الاصطناعي لا يقاس بالسنين والعقود. الزمن يقاس بالدقائق والثواني. ما يفصل روسيا اليوم عن الولايات المتحدة والصين هو فجوة رقمية مقدارها مليارات الثواني.
في عام 2018 صدر كتاب “21 درسا للقرن الحادي والعشرين” يقول فيه المؤلف يوفال نوح هراري، إن نمو الذكاء الاصطناعي والتقنيات البيولوجية قد يؤدي إلى إنتاج طبقة من “أشخاص متفوقين” يحكمون العالم ويحوّلون باقي البشر إلى “طبقة معطلة”. يبدو أننا لن ننتظر كثيرا لنرى ذلك على أرض الواقع.
حين يحدث ذلك، هل سيكون لروسيا مكان في العالم الجديد؟ نترك الجواب للسنوات القليلة القادمة.