كوستا غافراس يستعد للموت بآخر أفلامه السياسية
الخميس 2024/10/17
انشر
فيلم صنعه المخرج لنفسه
ليون (فرنسا) - بعد نحو 74 عاما من الانشغال بالفن السابع، وبعد تجربة طويلة جعلته رائدا للسينما السياسية حيث تطرق للعديد من القضايا السياسية المهمة عالميا، يستعد المخرج الفرنسي - اليوناني كوستا غافراس البالغ 91 عاما للموت من خلال القيام بما يجيده، أي إخراج فيلم سياسي أخير سيكون هذه المرة مخصصا للحديث عن الموت.
وفي مهرجان “لوميير” الذي يقام في مدينة ليون بجنوب شرق فرنسا، كان غافراس ضيف الشرف فيه، واكب مخرج “زِد” و”لافو” عرض فيلمه الروائي الجديد “لو ديرنييه سوفل” (النفس الأخير) الذي يُطرَح في دور السينما خلال يناير 2025.
ويتمحور هذا الفيلم المقتبس من كتاب للفيلسوف ريجيس دوبريه والطبيب كلود غرانج، حول مناقشات فلسفية عن الحياة والموت بين أخصّائي في الرعاية التلطيفية يؤدي دوره كاد مراد، وصديقه الكاتب الذي يجسّد شخصيته دوني بوداليديس.
وأوضح غافراس أنه يودّ لو تكون “النهاية” التي يشعر باقترابها "جيدة، من دون ألم، ومن دون مأساوية، ومن دون عذاب مستمر"، معربا عن أسفه لأن "كل الوسائل في مجتمعنا غير موجودة لكي تتيح للناس نهاية جيدة". وأضاف "الموت يرعبنا منذ صِغَرنا ولا نريد أن نتحدث عنه. كلا، علينا أن نتحدث عنه ونستعد!".
وخلال العرض التمهيدي لـ"لو ديرنييه سوفل"، قال "لهذا السبب صنعت هذا الفيلم. من أجلي". أما الممثل دوني بوداليديس فأشار إلى أنه يعيش "نوعا من اضطراب ضخم" لكونه نظر إلى الموت وجها لوجه "بهدوء تام، وخفة شديدة"، واصفا الفيلم بأنه "ناعم جدا".
◙ الفيلم فاز بالعديد من الجوائز أبرزها جائزة أوسكار لأفضل فيلم أجنبي واعتبره بعض النقاد أنه منح الجزائر والعالم العربي أول أوسكار عام 1969ولد كونستانتينوس غافراس في 13 فبراير 1933 في لوترا-إيراياس، في شبه جزيرة بيلوبونيز، وترَك اليونان بسبب نشاط والده المناهض للملكية، وانتقل إلى باريس عام 1955، وكان في العشرينات من عمره. وأشار إلى أنه “فخور جدا” بالطريقة التي استُقبِل بها في فرنسا. وقال “خوطبت للمرة الأولى بكلمة سيدي”، و”استمر ذلك إلى اليوم”.
وكان الفرح باديا على وجه غافراس لدى تسلمه السبت الجائزة الخاصة لمهرجان “لوميير” من المخرج الأميركي تيم بيرتون الذي أشاد بأسلوبه السينمائي “الإنساني والجميل والمدروس”. وتخللت رحلة كوستا في عالم السينما مغامرات وأحداث مثيرة نتج عنها نحو 20 فيلما هاما. كانت أول تجربة إخراجية له عام 1965 مع فيلم “مقصورة القتلة” الذي حقق نجاحا باهرا في فرنسا والولايات المتحدة، ثم عاد بعد سنتين لإخراج فيلم “قوات الصدمة”.
لكن اسمه برز أكثر في نهاية ستينات القرن العشرين من خلال فيلمه التشويقي سياسي الطابع “زِد” (1969) الذي كان بمثابة رد فعل على “انقلاب العقداء” العسكري في أثينا عام 1967، تم تصويره في الجزائر، حيث تم اختيار الجزائر كموقع للتصوير بسبب الظروف السياسية في اليونان في ذلك الوقت.
فاز الفيلم بالعديد من الجوائز، أبرزها جائزة أوسكار لأفضل فيلم أجنبي، واعتبره بعض النقاد العرب أنه منح الجزائر والعالم العربي أول أوسكار عام 1969. ثم جاء فيلمه “لافو” المقتبس من شهادة الكاتب والسياسي التشيكوسلوفاكي أرتور لندن ضد التطهير الشيوعي في بلده، ليعزز شهرته عالميا.
وتناولت أعماله كذلك مواضيع الهجرة في “إيدن آ لويست” عام 2009، والمجتمع الرأسمالي في “لو كابيتال” عام 2012، والأزمة المالية اليونانية في “أدلتس إن ذي روم” عام 2019.
واشتغل المخرج في مسيرته الفنية مع كبار الممثلين الأوروبيين والأميركيين، مثل رومي شنايدر، وجان ليمون، وجون ترافولتا، وجوين هاليداي، وترانتينيان. وأقرّ المخرج السينمائي الكبير بأن “من الصعب دائما صنع فيلم سياسي” لأن هذا النوع “ينفّر المنتجين والمموّلين أيضا”.
وشدّد على أنه يدين بحريته الإبداعية لنجاح أفلامه الأولى، لزوجته ميشيل راي غافراس التي قال عنها “لقد نظمت حياتنا بطريقة أتاحت لي صنع الأفلام التي أردت صنعها”. لكنّ كوستا غافراس رأى أن “كل الأفلام سياسية”، لا أفلامه وحده. وأضاف “نعم، أنا ملتزم، ولكننا نكون جميعا ملتزمين عندما نصنع أعمالا سينمائية!”.
وشبّهَ المخرج الأفلام بـ”نقاش مع الأصدقاء حول طاولة، بعد أن يكونوا شربوا جيدا، وأكلوا جيدا، يروي بعضهم قصصا للبعض الآخر. كل شخص يحاول أن يروي قصة تمسه بعمق”. وقال “هكذا أحاول أن أصنع الأفلام. أعتقد أن لا طريقة أخرى لصنعها”. وشدّد غافراس الذي درج طويلا على إسناد الأدوار في أفلامه إلى صديقيه إيف مونتان وسيمون سينيوريه، على أهمية الممثلين، معتبرا أنها أكبر من أهمية الجانبين التقني أو الجمالي.
ورأى وجوب إقامة المخرج “علاقة وثيقة جدا مع الممثل حتى يصبح الشخصية” التي يريده أن يكونها. وقال “أنا لا أدير الممثلين، بل أتعاون معهم”. وإذ أكّد أنه لا ينظر إلى الوراء كثيرا، كشف أن لديه أفكارا جديدة، نابعة خصوصا “من العيش في عالم تغيّر كثيرا، وهو استفزازي جدا في الكثير من النواحي”، من دون أن يفصح عن المزيد.
المخرج العالمي كان ضيف شرف مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، منذ أيام، وفيه سلط الضوء على الدور الكبير الذي لعبته الجزائر في حياته الشخصية، وحياته المهنية، متذكرا كواليس تصوير وإنتاج فيلمه “زد” الذي رفض الجميع إنتاجه، لتقبل الجزائر تصويره وإنتاجه.