الرجل الذي لم يستطع أن يظل صامتا" تكريم للشجاعة المنسية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الرجل الذي لم يستطع أن يظل صامتا" تكريم للشجاعة المنسية


    "الرجل الذي لم يستطع أن يظل صامتا" تكريم للشجاعة المنسية




    علي المسعود


    الأحد 2024/10/20








    أسئلة مهمة حول الطبيعة البشرية


    من وظائف الفن الكبرى أن يجعلنا نعيد تقييم ذواتنا وأفكارنا، والتساؤل بعمق تتغير بعده رؤيتنا إلى الواقع وإلى أنفسنا والآخرين والأحداث وحتى القناعات الراسخة. فيلم "الرجل الذي لم يستطع أن يظل صامتا" من تلك الأعمال، وهو يكاشفنا بجريمة منسية ويحولها إلى سؤال مؤرّق لنا اليوم، حول صمتنا تجاه المآسي والظلم والقهر.


    منذ نهاية الحروب في يوغوسلافيا السابقة، تم إنتاج العديد من الأفلام التي تنتقد التفكك الدموي للدولة الموحدة السابقة، وفيلم “الرجل الذي لم يستطع أن يظل صامتا” أحد هذه الأفلام، فيلم درامي قصير كرواتي من إخراج نيبويشا سلييبسيفيتش، ويروي الفيلم مذبحة شتربتشي عام 1993، عندما تم سحب 24 مسلما بوسنيا من قطار من قبل مجموعة شبه عسكرية صربية تسمى النسور البيضاء وقتلهم.
    يركز الفيلم على تومو بوزوف (دراغان ميكانوفيتش) الراكب الوحيد غير البوسني في القطار الذي حاول الوقوف في وجه المهاجمين.
    قصة حقيقية

    في يوم 27 فبراير 1993 في مدينة شتربتشي، البوسنة والهرسك، أوقفت قوات شبه عسكرية قطار ركاب قادما من بلغراد ومتوجها إلى بار في عملية تطهير عرقي. وبينما كانوا يقتادون مدنيين أبرياء، يجرؤ رجل واحد فقط من بين 500 راكب على الوقوف في وجههم. هذه هي القصة الحقيقية لرجل لم يستطع الصمت.
    بعد تلقيهم معلومة مفادها أن الركاب المسلمين البوسنيين كانوا على متن القطار، قامت ميليشيا مسلحة باختطاف 24 راكبا وقامت بإعدامهم. شهد هذه المأساة حوالي 500 راكب، ولكن لم يجرؤ أحد على مواجهتهم، باستثناء تومو بوزوف، وهو ضابط متقاعد من الجيش الوطني اليوغوسلافي السابق، الذي كان مسافرا لزيارة ابنه.
    يعيد الإنتاج الفرنسي الكرواتي النظر في الحادث الذي وقع في فبراير 1993 في شتربتشي. والفيلم تأليف وإخراج نيبويشا سلييبسيفيتش. يتميز هذا الفيلم المذهل بأداء استثنائي من غوران بوجدان وأليكسيس مانيتي ودراغان ميكانوفيتش. التصوير السينمائي بدوره يمثل إبداعا دقيقا لغريغور بوزيتش. ويضم فريق التمثيل أيضا مارتن كوهار وروبرت أوجرينا وياكوف زوفكو ولارا نيكيتش ودوسان جويتش وبريسكا أوجرينا وسيلفيو موميلاس وميجو بافيلكو ونيبويشا بوب تاسيتش.
    الفيلم يروي مذبحة شتربتشي عام 1993، عندما سحبت مجموعة شبه عسكرية صربية 24 مسلما بوسنيا من قطار وأعدمتهم

    في افتتاحية الفيلم، تتوجه الكاميرا على وجه رجل يفز من نومه فجأة بسبب توقف القطار الفجائي. هذا الرجل الذي نتخيل أنه البطل الذي يحمل نفس الاسم للفيلم – الرجل الذي لم يستطع أن يظل صامتا – يجذب انتباه الكاميرا، والتي تنتقل بعد ذلك ببطء من وجه إلى آخر داخل عربة القطار، حتى تفهم الشخصيات خطورة وضعهم. يظل الفيلم قريبا جدا من الوجوه، مما يخلق مجموعة حقيقية من الصور، ويبني تشويقا واضحا مع التركيز على العنصر البشري. تصبح الشخصيات، التي تم تصويرها جميعا بعناية عن قرب، جزءا في لعبة إستراتيجية يتم جذب المشاهد إليها أيضا.
    الشخصية الرئيسية، أو على الأقل الشخص الذي قدمته الكاميرا في البداية، تتبادل بضع كلمات مع الراكب الجالس مقابله، الذي يعترف بأنه ليست لديه هوية لتقديمها إلى ضباط الميليشيا الذين استقلوا القطار. منذ تلك اللحظة، يبدو مصيره محتوما، وعندما يصل رجل الميليشيا إلى عربة القطار ويطالب بإثبات الهوية من كل راكب. يلعب دور الجندي شبه العسكري الممثل الفرنسي (أليكسيس ماننتي)، المعروف بأدواره في البؤساء (لادج لي، 2017) ودالفا (إيمانويل نيكوت، 2022)، يكتشف الجندي شبه العسكري الرجل دون أوراق ويأمره بالنزول من القطار. طوال هذا التفاعل، تظل الكاميرا مفتونة بالوجوه داخل عربة القطار مع اقتراب اللحظة الحاسمة. متى ستتدخل شخصيتنا الرئيسية وتعارض الاعتقال التعسفي لهذا الرجل البريء؟
    تكشف حركة الكاميرا البانورامية الدقيقة أنه في نهاية المطاف راكب آخر (دراغان ميكانوفيتش) يوافق على التضحية بنفسه بدلا من الرجل المقرر اعتقاله. تخبرنا إشارة من المخرج في نهاية الفيلم بأن هذا الرجل كان موجودا حقا، يدعى تومو بوزوف (1940-1993)، وهذا الفيلم مخصص له وبمثابة تحية إلى روحه وشجاعته.
    مر القطار رقم 671 في عام 1993 من بلغراد إلى بودغوريتسا بجزء صغير من البوسنة والهرسك، ولكنه لا يتوقف عادة في شتربتشي، ولكن هذه المرة، كما قال زيليكو رادوجيتشيتش، الذي كان يقود القطار، لمحكمة في بلغراد، تم إيقافه في المحطة البوسنية. دخلت مجموعة من المسلحين – معظمهم من أعضاء في وحدة شبه عسكرية صربية تسمى المنتقمون (أوسفيتنيتش) – بقيادة ميلان لوكيتش، القطار وبدأت في التحقق من هويات الركاب، وتوجيه الأسئلة الدينية التي تخص تعاليم الكنيسة للتعرف على الانتماء الديني وإذا فشل في الإجابة فهذا يعني أن الراكب من المسلمين.
    تضحية منسية


    عرض الفيلم القصير لأول مرة في مهرجان كان السينمائي لعام 2024 وفاز بجائزة السعفة الذهبية للفيلم القصير. وهو يستند إلى جريمة مروعة ارتكبت في البوسنة قبل 30 عاما. ولكل جريمة ثلاثة جوانب: الجناة والضحايا والشهود. وقد اهتم المخرج بشكل خاص بالمجموعة الثالثة، الشهود.
    لقد تعامل مع الفيلم وكأنه يحدث اليوم، ويمكن أن يحدث في أي بقعة من هذا العالم، حين تحدث أعمال العنف والحرب الأهلية. ويحاصرنا هذا الفيلم القصير في السؤال الأخلاقي الخطير الذي يطرحه بطل الفيلم: هل يجب أن نتصدى للعنف حتى لو لم نكن من أهدافه المباشرة؟
    يقول المخرج الكرواتي نيبويشا سلييبسيفيتش إن فيلمه القصير عن “رجل وقف في وجه المقاتلين الصرب عندما استولوا على قطار في محطة شتربتشي واعتقلوا أبرياء خلال الحرب البوسنية يطرح أسئلة مهمة حول الطبيعة البشرية”، وأضاف “إن أبطال حروب التسعينات في يوغوسلافيا قد تم نسيانهم وهذا الفيلم استذكار لواحد منهم”. كان الأسرى إلى جانب الضابط المتقاعد بوزوف الذي كان في الأصل من كرواتيا، في الغالب من المسلمين. تم نقلهم من محطة شتربتشي إلى مدرسة في بريلوفو، حيث تعرضوا للاعتداء لأول مرة. ثم تم نقلهم إلى منزل محترق في قرية ميوزيكي وهناك تم إعدامهم.
    يعترف المخرج سلييبسيفيتش بأنه لم تكن لدية فكرة عن الفعل البطولي للعسكري بوزوف الذي كلفه حياته، حتى قبل خمس سنوات، عندما قرأ عمودا للصحفي والكاتب الكرواتي الشهير بوريس ديزولوفيتش، الذي كتب نصا غير عادي يتعامل مع تقييم اليوم لبطولة بوزوف وفي الواقع مع الأطروحة التي تم نسيانها وأن تضحيته لا يتم الاحتفال بها بشكل كاف في المقام الأول لأنها “لا تنتمي إلى أي سرد قومي” على حد قول المخرج، “على الرغم من أنه كرواتي، إلا أنه وفقا لبعض المعايير القومية الكرواتية ‘ضعيف‘ لأنه عاش حياته كقائد للجيش الوطني في بلغراد”.
    ويرى أنه وفقا لمعايير القوميين الصرب، فهو أيضا غير مرغوب فيه لأنه قتل بعد مواجهته تشكيلا صربيا شبه عسكري. وكان المسلمون في البوسنة يغفلون عن ذكر تضحية بوزوف عندما يحيون ذكرى ضحايا هذه الجريمة لأنه ليس مسلما. بوزوف بطريقة ما لا ينتمي إلى أي مكان لأنه فوق كل تلك الروايات. وأضاف أن “أطروحة نص ديزولوفيتش هي التي ألهمتني”.
    الفيلم كأنه يحدث اليوم ويمكن أن يحدث في أي بقعة من هذا العالم حين تحدث أعمال عنف وحرب أهلية
    بعد مرور واحد وثلاثين عاما، لم تستعد عائلة بوزوف جثته بعد. أخبر ابنه داركو بوزوف بيرن في عام 2022 أن المعلومات حول ما حدث في القطار غير كاملة، ولكن وفقا لما قيل له، تدخل والده لمحاولة حماية شاب من الجبل الأسود من القبض عليه من قبل المقاتلين. وأضاف الابن داركو بوزوف أن الكثير من الناس وصفوا تصرفات والده بأنها بطولية وهو “في تلك اللحظة كان رد فعله وتصرفه كأي أب”.
    يقول سلييبسيفيتش إن “النية الرئيسية لفيلمه هي إجبار المشاهدين على التفكير في كيفية رد فعلهم في الموقف الذي وجد بوزوف نفسه فيه. يقول إنه بصرف النظر عن عمل بوزوف البطولي، كان مهتما أيضا بموقف جميع الأشخاص الآخرين في القطار، الذين يقول إنه تعرف عليهم بطريقة ما كان لدي شعور بأنه كان استعارة لتجربتنا الجماعية.”
    ويضيف “كان هناك الكثير من الركاب في قطار مشترك تعرض لكارثة. التزمت الغالبية العظمى منا في الواقع الصمت بشأن كل شيء، مع إبقاء رؤوسنا لأسفل، لكننا جميعا نحمل بعض العبء منه. لقد كنت مهتما بذلك بالفعل – لقد رأيت فيه موقفا يمكن تطبيقه على تجربة أوسع بكثير إلى جانب ما حدث في القطار”.















يعمل...
X