نهج ترامب هو استمرار لإرث كوهن
مثل فيلم "المتدرب" نقطة مثيرة للجدل خاصة وأنه يتناول حياة شخصية جدلية هي الرئيس الأميركي السابق الذي أعيد انتخابه دونالد ترامب، إذ يقدم لنا شخصية كانت ومازالت حياتها الخاصة وممارستها للسياسة والأعمال وتصريحاتها كلها محل انتقاد، لكن الفيلم يكشف لنا عن سر هذا الأسلوب بالعودة إلى سبعينات وثمانينات القرن الماضي.
"المتدرب" فيلم من إخراج الإيراني علي عباسي وتأليف الصحافي غابرييل شيرمان، أثار كثيرا من الانتقادات، حتى إن دونالد ترامب وصفه بأنه “عمل سياسي مثير للاشمئزاز والأحقاد”. العنوان مأخوذ من برنامج واقعي لم يكن وثائقيا أو عملا سينمائيا، لكنه قدم شخصية ترامب للعامة في صورة رجل أعمال قوي يساعد المشاركين في البرنامج لإنجاز مشاريع في مجال الأعمال.
ساهم البرنامج في بناء سمعة ترامب وزيادة شعبيته. واعتبر النقاد أن البرنامج نجح في رسم صورة ترامب بوصفه شخصية حازمة في مجال الأعمال، مما أضفى عليه جاذبية خاصة. ومع ذلك، بعد انتخابه رئيسا، عاد النقاد للنظر في هذا البرنامج كمثال على الترويج لصورة مثالية لرجل أعمال لم يكن يظهر سوى جانبه القوي في البرنامج، ورأت بعض التحليلات النقدية أن البرنامج ساعد في بناء شعبية ترامب التي استفاد منها لاحقا في الانتخابات الرئاسية.
الصعود إلى الثروة
الفيلم يستند إلى الحكايات التي جمعها السيناريست عن دونالد ترامب من العاملين في مكتبه طوال سنوات خلت
يقدم “المتدرّب” سيرة ما للرئيس الأميركي السابق والذي أنتخب مجددا رئيسا للولايات المتحدة. استند الفيلم إلى الحكايات التي جمعها السيناريست غابرييل شيرمان عن دونالد ترمب من العاملين في مكتبه طوال سنوات، وكذلك إلى ما أورده الصحافي هاري هارت في كتابه عن ترامب “قطب الأعمال المفقود: حياة دونالد جيه ترامب المتعددة”، لاسيما في مسألة إدمانه بعض العقاقير المسببة للنشوة، بعد مروره باكتئاب حاد إثر موت شقيقه، إضافة إلى سجلات طلاق زوجته الأولى منه.
يفتتح فيلم “المبتدئ” بخطاب ريتشارد نيكسون بعد فضيحة ووترغيت ”أنا لست محتالا”، حيث يضع الجمهور على الفور في أميركا ما بعد ووترغيت الملوثة بالسخرية والفساد. هذا يمهد الطريق لأول لقاء بين الشخصيتين في مطعم حصري في نيويورك.
يبدأ الفيلم بإخلاء المسؤولية بأن العديد من أحداثه خيالية، بعد أن هدد الرئيس السابق قبل فوزه بولاية ثانية باتخاذ إجراءات قانونية ضد صناع الفيلم، الذي يصور صعود دونالد ترامب إلى الشهرة والثروة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. ينظر إلى دونالد (سيباستيان ستان) لأول مرة شابا في أوائل سبعينات القرن العشرين. يبدأ الفيلم في عام 1973، عندما كان ترامب مستهترا يبلغ من العمر 27 عاما ونائب رئيس شركة والده العقارية.
في المشهد الأول، يجلس دونالد في المطعم والنادي الليلي يتحدث مع عارضة أزياء لكن عينيه تركزان على الرجال في الغرفة، أشخاص مثل سي نيوهاوس الذين لديهم ما يتوق إليه ترامب: السلطة. وفي نفس الوقت، يركز على رجل يجلس على طاولة في الغرفة المجاورة ويتبين أنه المحامي روي كوهن (جيريمي سترونج) محامي سيئ السمعة، أصبح محاميا خاصا ومصلحا صديقا لكل من يهمه الأمر (رجال العصابات والسياسيون وبارونات الإعلام).
الفيلم يضع المحامي كوهن مهندسا لنظرة عالمية تكون فيها القوة العملة الوحيدة وترامب باعتباره الوعاء المثالي لها
ينظر الفيلم إلى دونالد ترامب مثل ذئب جائع ينظر إلى فريسة، يعمل في شركة العقارات في نيويورك التي يديرها والده فريد (مارتن دونوفان)، ويطرق الأبواب ويجمع الإيجار من مستأجريه الفقراء، لكنه يحلم بفتح فندق فاخر شاهق بالقرب من المحطة المركزية. العقبة الوحيدة هي أن الشركة تتم مقاضاتها بسبب مسألة صغيرة تتعلق بالتمييز العنصري للمستأجرين. “كيف يمكنني أن أكون عنصريا عندما يكون لدي سائق أسود؟” يتلعثم الأب فريد.
نشأ ترامب على يد أب عسكري، كان قادرا على إخبار ابنه الأكبر، فريدي (تشارلي كاريك) أنه كان عارا على الحقيقة البسيطة المتمثلة في أنه اختار تكريس نفسه للطيران. هذه “القضايا الأبوية”، لاستخدام مصطلح شائع، هي التي تنتهي بتشكيل ترامب، وما يجعله عرضة تماما للتلاعب به والسيطرة عليه من قبل كوهن. هذا هو السبب في أنه يمكن القول إن ترامب لا يتم تقديمه على أنه ذكي بشكل خاص – إلى حد ما “ساذج”.
في البداية لم تكن مدينة نيويورك في سبعينات وحتى ثمانينات القرن الماضي مركزا للسياح الذي نعرفه اليوم. لم تمتلئ تايمز سكوير بالمتاجر الموجهة للعائلات وعروض برودواي. كان ينظر إلى رغبة ترامب في بناء فندق فخم بجوار غراند سنترال، على بعد بضعة مبان من تايمز سكوير، على أنها فكرة غبية سخيفة. من سيدفع أسعار فاخرة للبقاء هناك؟
المتدرب هو ترامب نفسه كرجل أعمال شاب يتم تعليمه طرق السلطة والنفوذ من قبل المحامي عديم الضمير روي كوهن، الذي يقوم بدور المرشد الذي لقن ودرب ترامب. كان كوهن طوال حياته يقوم بابتزاز وتخويف الناس. توفي بسبب الإيدز في عام 1986، وأصر علنا على أنه مصاب بسرطان الكبد ونفى حتى النهاية أنه كان مثلي الجنس، على الرغم من اصطحاب عشاقه إلى المناسبات العامة.
محامي الشيطان
شخصية المحامي كوهين “بقدر ما أثرت شخصيا على تفكير ترامب وسلوكه، كذلك كان له تأثير على السلطة ورؤساء الولايات المتحدة في تلك الفترة التي امتدت من الماكارثية مرورا بنيكسون وريغان، وكان مستشارا لجوزيف مكارثي خلال ذروة الحمى المناهضة للشيوعية ومطاردتهم في الولايات المتحدة.”
في السابق، لعب دورا بارزا في إدانة يوليوس وإثيل روزنبرغ، وهما زوجان أعدما في الكرسي الكهربائي لتسليمهما أسرار الدولة الأميركية إلى الاتحاد السوفيتي (بعد ذلك بكثير، ثبتت براءتهما من التهم). خلال سبعينات وثمانينات القرن العشرين مارس نفوذه كصديق للمشاهير والأقوياء ومحام لهم، بما في ذلك باربرا والترز، آندي وارهول ورونالد ونانسي ريغان. وقبل أسابيع من وفاته تم شطبه من لائحة المحاماة، بعد أن أدين في عدة جرائم، من التزوير والاحتيال على عملاء آخرين.
بدأ تحالف المحامي كوهين مع ترامب في أوائل سبعينات القرن العشرين عندما رفعت الحكومة الأميركية دعوى قضائية ضد ترامب ووالده للتمييز ضد المستأجرين السود في الشقق التي يديرونها. جعل كوهن ترامب يقاضي وزارة العدل. تمت تسوية القضية، وبدأت نمطا قضائيا ساعد في تحديد مهنة ترامب في مجال الأعمال والسياسة لاحقا. وكان عنوان مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست حول نفوذ كوهين، خلال الحملة الرئاسية لعام 2016، “الرجل الذي أظهر لدونالد ترامب كيفية استغلال السلطة وغرس الخوف”، ولخص درسه بأنه “صيغة بسيطة: الهجوم والهجوم المضاد وعدم الاعتذار أبدا.” كان كوهين أيضا خبيرا في التلاعب بوسائل الإعلام.
يبدأ ترامب كرجل أعمال وديع عديم الخبرة يعيش تحت ظل والده فريد ترامب (مارتن دونوفان). عندما يقترب ترامب من كوهن للحصول على المشورة، فإنه يأخذه على مضض تحت جناحه، ويعلمه نهج كوهن سيئ السمعة “لا تتراجع أبدا” في الأعمال والسياسة، تحت إشراف كوهن، يتعلم ترامب كيفية استخدام النفوذ السياسي والابتزاز للتلاعب بالسياسيين في مدينة نيويورك للحصول على ما يريد، مثل إلغاء ضرائب المدينة على أول مشروع بناء ضخم لترامب.
على طول الطريق، يلتقي ترامب بعارضة الأزياء التشيكية إيفانا زيلنيكوفا (ماريا باكالوفا)، ويقع الاثنان في الحب فيما يبدو أنه صفقة تجارية جميلة. ستكون إيفانا إلى جانب ترامب، وتساعده في بيع مشروعه التالي. ثم هناك علاقته المتوترة مع شقيقه المدمن فريدي (تشارلي كاريك). يتفوق الطالب على المعلم. عندما يستسلم كوهن للإيدز، يدعي ترامب أن كل نجاحه هو نجاحه، بما في ذلك “قواعد الفوز” الثلاثة لكوهن: الأولى. هجوم. هجوم. هجوم; الثانية، لا تعترف بشيء. إنكار كل شيء. أما القاعدة الثالثة؛ ادعوا النصر ولا تعترفوا أبدا بالهزيمة.