"عايشة".. طرح سينمائي جريء لقضايا العدالة والهوية في المجتمع التونسي
الثلاثاء 2024/12/17
آية نموذج للمرأة التونسية ولتونس بعد 2011
تونس - بعد جولة في مهرجانات عربية ودولية، قدم المخرج التونسي مهدي البرصاوي للجمهور التونسي فيلمه الروائي الجديد الذي يحمل عنوان “عايشة”، وهو عمل سينمائي جريء يعالج قضايا العدالة والهوية في تونس ما بعد ثورة 2011.
عُرض الفيلم في تونس لأول مرة ضمن المسابقة الرسمية للدورة الخامسة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية، ويُنتظر أن يُطرح في قاعات السينما ابتداء من الثاني والعشرين من ديسمبر الجاري.
تدور أحداث الفيلم حول آية، شابة تعمل في فندق بجنوب تونس وتحلم بمستقبل أفضل في العاصمة، لكن سرعان ما تصطدم بواقع مليء بالاستغلال والقيود. الحكاية تتصاعد عندما تتعرض آية لحادث مروري يُعلن فيه وفاتها خطأ، فتستغل الفرصة للهروب من حياتها القديمة وتبني هوية جديدة باسم أميرة.
يبرز هذا العمل السينمائي التناقض بين العزلة الاجتماعية في الجنوب والصخب الحياتي في العاصمة التونسية، حيث تجد البطلة نفسها محاصرة بعقبات جديدة رغم محاولتها الهروب من الماضي.
يُظهر الفيلم الجنوب التونسي كبيئة قاسية تعكسها التضاريس الصحراوية، في حين تظهر العاصمة مكانا مزدحما يعكس اضطراب الحياة وتعقيداتها. رغم اختلاف المكانين، فإنهما يشتركان في الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البطلة، مما يدفعها إلى اتخاذ خيارات صعبة.
تتميز القصة بشبكة معقدة من العلاقات تسلط الضوء على الصراعات الاجتماعية والنفسية، من علاقة البطلة مع أسرتها التي يسيطر عليها التباعد العاطفي، إلى مواجهتها الاستغلال الجنسي من مديرها وصديقها الأمني. كما يكشف الفيلم عن نظام اجتماعي متوتر يفرض قيوده على المرأة ويستغل هشاشتها.
كما يركز الفيلم على فساد بعض أفراد الشرطة واستغلال السلطة، لكنه يترك مساحة للأمل من خلال شخصية المحقق الأمني الذي يصر على كشف الحقيقة وتقديم القتلة للعدالة.
في النهاية، ينتصر القانون ويُظهر الفيلم كيف يمكن للعدالة أن تكون عاملا حاسما في تغيير مسار الشخصيات، منطلقا من الذاتي والشخصي إلى الاجتماعي والسياسي، ومن الواقع إلى الرمز، مراكما الكثير من التفاصيل التي تكشف تدريجيا عن الأبعاد التي تجعل الصورة معقدة، فالحكاية ليست حكاية آية/ أميرة فقط وليست مجرد مشكلة شخصية بل هي أزمة مجتمع كامل، يتناقض جنوبه مع شماله.
ويبدو أن الفيلم يحاول توصيف وانتقاد مجتمع ما بعد الثورة في تونس من خلال القصة الرمزية للفتاة، التي يمكن أن تكون رمزا لتونس ذاتها التي لم تستطع بعد أن تواجه نفسها بين الماضي والحاضر، ولم تستطع إحداث التغيير الذي ترغب فيه وتسعى إليه، حيث لا تزال الأسماء ذاتها تسيطر على دواليب الدولة، ولا تزال المرأة التونسية تقاوم مجتمعا ذكوريا، يمنحها حرية في الظاهر لكنه يسلط عليها أقسى أحكامه في الحقيقة، بدءا من شكل ملابسها وممارستها لحريتها، حيث يتفنن ذكور هذا المجتمع في التحرش بها بشتى أنواع التحرش، ما يجعل حياتها بمفردها مطلبا صعبا إن لم يكن مستحيلا.
فيلم يبرز التناقض بين العزلة الاجتماعية في الجنوب والصخب في العاصمة التونسية، كما يركز على الفساد واستغلال السلطة
يختتم فيلم “عايشة” أحداثه برسالة أمل تؤكد أن العدالة قادرة على الانتصار رغم الظلم، حيث ظهرت العدالة عنصرا أساسيا لعب دورا محوريا في تغيير مسار الأحداث والشخصيات لا من ناحية إنفاذ القانون فحسب وإنما أيضا من ناحية الأهمية الأخلاقية للعدالة في إعادة التوازن للحياة ومنح النساء الأمان الذي يحتجنه في الحياة، فالبطلة آية التي بدأت رحلتها هاربة من ماضيها، تجد في انتصار العدالة نقطة انطلاق جديدة تمكنها من التصالح مع نفسها واستعادة شيء من الأمان المفقود. كما يبرز الفيلم أهمية الاستمرار في مقاومة الظلم والسعي للتغيير في مواجهة أصعب الظروف.
ويمكن القول إن هذا العمل يعزز مكانة السينما التونسية كنافذة لتناول القضايا المجتمعية العميقة ويعكس تجربة سينمائية تجمع بين قوة السرد وجماليات الصورة.
وفيلم “عايشة” مدته 123 دقيقة، هو فيلم روائي من إنتاج سنة 2023، يؤدي دور البطولة فيه الممثلون فاطمة صفر، ونضال السعدي، وياسمين الديماسي، وهالة عياد، ومحمد علي بن جمعة، وسوسن معالج، ومحمود السعيدي، وعلاء بن حماة، ويونس نوار، وبحري رحالي، ورياض بحري.
وعرض الفيلم لأول مرة عالميا خلال الدورة الـ81 لمهرجان البندقية السينمائي الدولي ضمن قسم “أوريزنتي” (آفاق)، الذي يعنى بالأفلام التي تمثل أحدث الاتجاهات الجمالية والتعبيرية، مع اهتمام خاص بالأفلام الأولى والمواهب الشابة والأفلام المستقلة والسينما الأقل شهرة.
ويعتبر “عايشة” الروائي الطويل الثاني في رصيد مهدي البرصاوي الذي يتم اختياره في المسابقة الرسمية في مهرجان البندقية السينمائي الدولي بعد فيلمه “بيك نعيش” الذي نال جائزتين في 2019 خلال الدورة الـ76 من المهرجان نفسه.
ومهدي البرصاوي من مواليد العام 1984 بتونس، وهو مخرج وكاتب سيناريو، أخرج ثلاثة أفلام قصيرة تمّ اختيارها في عدة مهرجانات دولية، وحازت على جوائز. وفي عام 2019، ظهر لأول مرة في الإخراج من خلال فيلمه الطويل “بيك نعيش” الذي تم إنتاجه كعمل تعاوني بين تونس وفرنسا ولبنان وقطر.
و”بيك نعيش” هو أيضا فيلم تناول الحياة في تونس ما بعد سنة 2011 التي يراها المخرج التونسي الشاب سنة مهمة على الصعيد الوطني والعربي، إذ عاشت تونس ودول عربية أخرى تحوّلات شملت المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية وغيرها، وقد حاول التركيز على تلك التحولات عبر حكاية عائلة يصورها الفيلم على أنها عاشت تحوّلات جذرية تماما كتونس، البلد
الثلاثاء 2024/12/17
آية نموذج للمرأة التونسية ولتونس بعد 2011
تونس - بعد جولة في مهرجانات عربية ودولية، قدم المخرج التونسي مهدي البرصاوي للجمهور التونسي فيلمه الروائي الجديد الذي يحمل عنوان “عايشة”، وهو عمل سينمائي جريء يعالج قضايا العدالة والهوية في تونس ما بعد ثورة 2011.
عُرض الفيلم في تونس لأول مرة ضمن المسابقة الرسمية للدورة الخامسة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية، ويُنتظر أن يُطرح في قاعات السينما ابتداء من الثاني والعشرين من ديسمبر الجاري.
تدور أحداث الفيلم حول آية، شابة تعمل في فندق بجنوب تونس وتحلم بمستقبل أفضل في العاصمة، لكن سرعان ما تصطدم بواقع مليء بالاستغلال والقيود. الحكاية تتصاعد عندما تتعرض آية لحادث مروري يُعلن فيه وفاتها خطأ، فتستغل الفرصة للهروب من حياتها القديمة وتبني هوية جديدة باسم أميرة.
يبرز هذا العمل السينمائي التناقض بين العزلة الاجتماعية في الجنوب والصخب الحياتي في العاصمة التونسية، حيث تجد البطلة نفسها محاصرة بعقبات جديدة رغم محاولتها الهروب من الماضي.
يُظهر الفيلم الجنوب التونسي كبيئة قاسية تعكسها التضاريس الصحراوية، في حين تظهر العاصمة مكانا مزدحما يعكس اضطراب الحياة وتعقيداتها. رغم اختلاف المكانين، فإنهما يشتركان في الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البطلة، مما يدفعها إلى اتخاذ خيارات صعبة.
تتميز القصة بشبكة معقدة من العلاقات تسلط الضوء على الصراعات الاجتماعية والنفسية، من علاقة البطلة مع أسرتها التي يسيطر عليها التباعد العاطفي، إلى مواجهتها الاستغلال الجنسي من مديرها وصديقها الأمني. كما يكشف الفيلم عن نظام اجتماعي متوتر يفرض قيوده على المرأة ويستغل هشاشتها.
كما يركز الفيلم على فساد بعض أفراد الشرطة واستغلال السلطة، لكنه يترك مساحة للأمل من خلال شخصية المحقق الأمني الذي يصر على كشف الحقيقة وتقديم القتلة للعدالة.
في النهاية، ينتصر القانون ويُظهر الفيلم كيف يمكن للعدالة أن تكون عاملا حاسما في تغيير مسار الشخصيات، منطلقا من الذاتي والشخصي إلى الاجتماعي والسياسي، ومن الواقع إلى الرمز، مراكما الكثير من التفاصيل التي تكشف تدريجيا عن الأبعاد التي تجعل الصورة معقدة، فالحكاية ليست حكاية آية/ أميرة فقط وليست مجرد مشكلة شخصية بل هي أزمة مجتمع كامل، يتناقض جنوبه مع شماله.
ويبدو أن الفيلم يحاول توصيف وانتقاد مجتمع ما بعد الثورة في تونس من خلال القصة الرمزية للفتاة، التي يمكن أن تكون رمزا لتونس ذاتها التي لم تستطع بعد أن تواجه نفسها بين الماضي والحاضر، ولم تستطع إحداث التغيير الذي ترغب فيه وتسعى إليه، حيث لا تزال الأسماء ذاتها تسيطر على دواليب الدولة، ولا تزال المرأة التونسية تقاوم مجتمعا ذكوريا، يمنحها حرية في الظاهر لكنه يسلط عليها أقسى أحكامه في الحقيقة، بدءا من شكل ملابسها وممارستها لحريتها، حيث يتفنن ذكور هذا المجتمع في التحرش بها بشتى أنواع التحرش، ما يجعل حياتها بمفردها مطلبا صعبا إن لم يكن مستحيلا.
فيلم يبرز التناقض بين العزلة الاجتماعية في الجنوب والصخب في العاصمة التونسية، كما يركز على الفساد واستغلال السلطة
يختتم فيلم “عايشة” أحداثه برسالة أمل تؤكد أن العدالة قادرة على الانتصار رغم الظلم، حيث ظهرت العدالة عنصرا أساسيا لعب دورا محوريا في تغيير مسار الأحداث والشخصيات لا من ناحية إنفاذ القانون فحسب وإنما أيضا من ناحية الأهمية الأخلاقية للعدالة في إعادة التوازن للحياة ومنح النساء الأمان الذي يحتجنه في الحياة، فالبطلة آية التي بدأت رحلتها هاربة من ماضيها، تجد في انتصار العدالة نقطة انطلاق جديدة تمكنها من التصالح مع نفسها واستعادة شيء من الأمان المفقود. كما يبرز الفيلم أهمية الاستمرار في مقاومة الظلم والسعي للتغيير في مواجهة أصعب الظروف.
ويمكن القول إن هذا العمل يعزز مكانة السينما التونسية كنافذة لتناول القضايا المجتمعية العميقة ويعكس تجربة سينمائية تجمع بين قوة السرد وجماليات الصورة.
وفيلم “عايشة” مدته 123 دقيقة، هو فيلم روائي من إنتاج سنة 2023، يؤدي دور البطولة فيه الممثلون فاطمة صفر، ونضال السعدي، وياسمين الديماسي، وهالة عياد، ومحمد علي بن جمعة، وسوسن معالج، ومحمود السعيدي، وعلاء بن حماة، ويونس نوار، وبحري رحالي، ورياض بحري.
وعرض الفيلم لأول مرة عالميا خلال الدورة الـ81 لمهرجان البندقية السينمائي الدولي ضمن قسم “أوريزنتي” (آفاق)، الذي يعنى بالأفلام التي تمثل أحدث الاتجاهات الجمالية والتعبيرية، مع اهتمام خاص بالأفلام الأولى والمواهب الشابة والأفلام المستقلة والسينما الأقل شهرة.
ويعتبر “عايشة” الروائي الطويل الثاني في رصيد مهدي البرصاوي الذي يتم اختياره في المسابقة الرسمية في مهرجان البندقية السينمائي الدولي بعد فيلمه “بيك نعيش” الذي نال جائزتين في 2019 خلال الدورة الـ76 من المهرجان نفسه.
ومهدي البرصاوي من مواليد العام 1984 بتونس، وهو مخرج وكاتب سيناريو، أخرج ثلاثة أفلام قصيرة تمّ اختيارها في عدة مهرجانات دولية، وحازت على جوائز. وفي عام 2019، ظهر لأول مرة في الإخراج من خلال فيلمه الطويل “بيك نعيش” الذي تم إنتاجه كعمل تعاوني بين تونس وفرنسا ولبنان وقطر.
و”بيك نعيش” هو أيضا فيلم تناول الحياة في تونس ما بعد سنة 2011 التي يراها المخرج التونسي الشاب سنة مهمة على الصعيد الوطني والعربي، إذ عاشت تونس ودول عربية أخرى تحوّلات شملت المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية وغيرها، وقد حاول التركيز على تلك التحولات عبر حكاية عائلة يصورها الفيلم على أنها عاشت تحوّلات جذرية تماما كتونس، البلد