فيلم "سيناريو الأحلام" وأكذوبة العالم الافتراضي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فيلم "سيناريو الأحلام" وأكذوبة العالم الافتراضي

    فيلم "سيناريو الأحلام"
    وأكذوبة العالم الافتراضي

    في العالم الافتراضي تبدو كل الأشياء جميلة وبراقة ويتنافس الجميع على كسب الشهرة وجذب كم هائل من المشاهدات العالية، لكن واقع الحال عالم مزيف بعيد عن المصداقية، بينما يستمتع البروفيسور بشهرته المفاجئة، بدأت الأحداث المظلمة تتكشف تدريجيا وتطارد أحلامه. العالم الذي عرفه ذات يوم يتحول فجأة إلى حقيقة كابوسية. في مواجهة رؤى مرعبة مزعجة، يضطر إلى إستكشاف أعماق نفسيته وكشف أسرار شهرته غير المتوقعة.
    نيكولاس كيدج" ممثّل حقّق مكانة أيقونيّة طوال مسيرته الفنية التي امتدت لأكثر من أربعين عاما، لعب أدوارا عديدة في أفلام الحركة والدراما، أجاد دور المجانين وغريبي الأطوار، فهو يتحوّل في هذا الفيلم من السّخرية بالمشاهير إلى الرّجل العاديّ الأكثر نسيانًا في العالم. "بول ماثيوز" بسترته الفضفاضة، وأسلوبه الخاص، وأكتافه الملتوية، محاضر في علم الأحياء التّطوّريّ في كليّة أمريكيّة، لكنه اعتاد العيش في ضواحي المدن الكبيرة، مثلما تفعل قطعان الحمار الوحشي بحركاتها المبهرة وحماستها، وهو موضوع مفضل في محاضراته في علم الأحياء التطوري.
    يعيش حياة متواضعة بعيدا عن الأضواء ويستمتع بحياة اعتيادية، دون أي انجازات ملحوظة، يصارع كي يجعل طلّابه ينتبهون إليه، إلى أن يبدأ في الظّهور في أحلام الغرباء كليًّا دون علم منه. يتحوّل "ماثيوز" المملّ والمحترم إلى شخصيّة مشهورة، مطلوبة لعروض المنتجات، سرعان ما تتحول أحلامه الى كابوس، ويصبح شخصيّة مكروهة تتسم بالغموض في نفس الوقت يصبح بطلًا شعبيًّا. يبدأ الأمر بأحلام ابنته وصديقته السابقة، ولكن سرعان ما ينتشر وجوده في أحلام جزء كبير من سكان العالم. مع أنه لا يترك انطباعًا كبيرًا في تلك الأحلام - فهو يظهر بشكل أساسي كشاهد سلبي في مواقف خطيرة - إلا أن العالم كله يعرف فجأة من هو بول ماثيوز.
    كما هو الحال مع الأحداث غير المبررة هذه الأيام، يثير ضجة كبيرة على مواقع الانترنت. البروفيسور المنسي يمثل دور المؤثر بحماسة بالغة. يكتشف بأنها فرصة ثمينة لجذب ناشر لأعماله الرائعة. لكن قبل كل شيء، فهو يستمتع بمكانته المفاجئة كنجم، بغض النظر عن مدى خجله من وسائل الإعلام.
    لكن لماذا يظهر هذا الرجل في أحلام الآلاف من الناس، دراما يونغية تكشف عن حقائق نفسية، لكنها تقود الى باب خفي في أعماق النفس البشرية تدور أحداثها حول رجل يثير ضجة كبيرة على الإنترنت دون أن يبذل أي مجهود في حياته. شخص ذكي جدًا ومنطوي، مع أنّ ذكائه، يمتزج بشكل مجهول تمامًا مع سكان الشوارع كل يوم. ذلك الرأس الأصلع الكبير، النظارات الرديئة، الجسم المترهل الذي يبلغ من العمر خمسين عامًا: كل هذا لا يساعد. لكن وراء هذا الرأس الممل يكمن الممثل الأكثر لفتًا للانتباه في العقود الماضية، ولن تجد أحدا غير معجب به لأن بول ماثيوز قد يخفي الكثير تحت هذا الوجه الذي لا معنى له، لكن لا يمكنك أبدًا إخفاء نيكولاس كيدج تمامًا. ومع ذلك، فمن الغريب أن يظهر شخص رمادي مثل ماثيوز فجأة في أحلام الآخرين في جميع الأوقات - لأن هذه هي فرضية سيناريو الحلم للمخرج والمؤلف كريستوفر بورجلي. يلعب النجم الغائب-الحاضر نيكوس كيدج في الكوميديا الجديدة.
    مع الشهرة المفاجئة تبدأ المتاعب تدريجيا بالظهور في حياته، زوجته (جوليان نيكلسون الرائعة) ليست منخرطة في السيرك الإعلامي؛ تدير شركات العلاقات العامة الذكية (بقيادة مايكل سيرا الرائع) مخططات سخيفة لتعزيز شعبيته؛ ثم هناك الزيادة المفاجئة في اهتمام النساء، والتي يبدو أن الأستاذ النائم غير مبالي بما يدور حوله.من المثير تمديد هذه الفرضية المضحكة لـ "رجل الأحلام" إلى أجل غير مسمى، إلا أن الموهبة النرويجية المخرج كريستوفر بورجلي الذي برز في الكوميديا ​​التراجيدية الساخرة "سئمت نفسي" اختار بحكمة العمل في أول فيلم أمريكي طويل له حول تأثير الشهرة المفاجئة بالإنسان. يتحول الفيلم تدريجيًا من كوميديا ​​الأحلام المبهجة إلى كابوس إعلامي حديث. نكتشف أن ماثيوز هو الرجل الذي أسيء فهمه باستمرار أو الاستهانة به طوال حياته ومسيرته المهنية من قبل الكبار. في نهاية المطاف: الشهرة المفاجئة هي بمثابة فتيل في برميل البارود: الأنا المكبوتة تخرج أكثر فأكثر.
    يقوم بورجلي، الذي يكتب ويحرر أفلامه بنفسه، بإخراج فيلم ساخر يحتوي على حوارات حادة ومشاهد مبنية بقوة حول عصر يتم فيه تغذية الواقع عبر الإنترنت بشكل خاص من خلال توقعاتنا. فالاكتفاء بذلك، حتى لو كانت الحقائق تشير إلى واقع مختلف، يؤدي إلى الهستيريا وإلغاء الثقافة والثقة الزائدة. كوميديا ​​أصلية للغاية ونقدية ممتعة تدور حول زوال الشهرة.
    حتى النهاية، يظل ماثيوز رجلاً يعتقد أن كل شيء يحدث له يستحقه بجدارة، دون أن يفكر ولو للحظة واحدة في عيوبه. مهما كانت الشهرة قصيرة الأمد، عندما يكون الانسان أكثر وعيا مما حوله، يراه البعض غريبا ومختلفا، فإنه يشعر بالاستحقاق لما حققه في الحاضر، بعد أن عاش في ظلال الآخرين لفترة طويلة. ليست الكوابيس هي التي تؤدي إلى سقوطه الحتمي، بل هي التي تؤدي في المقام الأول إلى غروره. وهذا يجعل ماثيوز رمزًا لا لبس فيه لرجل اليوم "المكافح"، الذي يشعر دائمًا بسوء الفهم والتجاوز ولا يمكنه تحمل ذلك عندما يتفوق عليه الآخرون.
    وفي هذا الصدد، فإن الكوميديا ​​الفوقية الذكية Dream Scenario تدور حول الجانب السلبي للشهرة السريعة على الإنترنت وتفجر الغرور المجروح. أثبت بورجلي أيضًا أنه "مخرج أحلام" فعال للغاية. في حين أن الأحلام في الأفلام غالبًا ما تحتوي على شيء قسري أو غبي، ينجح بورجلي في جعل أحلام ماثيوز مضحكة ومنفرة وأحيانًا مخيفة بالفعل. لحسن الحظ، لا توجد أي تفسيرات حول الوجود المفاجئ لماتيوس في تلك الأحلام. ربما كان الأمر مجرد نوع من التدخل الإلهي، لإظهار أنه ليس كل شخص يقع تحت دائرة الضوء. في نهاية المطاف، بالنسبة لبول ماثيوز، يصبح سيناريو الحلم حقيقة كابوسية لا سبيل له للهروب منها. تبين أن الحياة بصفة خاسر ليست سيئة للغاية على كل حال. يُعدّ "سيناريو الحلم" عملًا رائعًا وغريبًا، وفي النّهاية إنّه نقد لاذع لثقافة الإلغاء الحديثة، والخروج من شرنقة الواقع المزيف نحو الحقيقة. وعدم الافراط في النرجسية وتقدير الذات التي تقود الى شرنقة الاعجاب والحصول على إستحسان الآخرين.

يعمل...
X