أيام قرطاج السينمائية تنطلق بإطلالة على المقاومتين اللبنانية والفلسطينية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أيام قرطاج السينمائية تنطلق بإطلالة على المقاومتين اللبنانية والفلسطينية

    أيام قرطاج السينمائية تنطلق بإطلالة على المقاومتين اللبنانية والفلسطينية


    بين الرواية والتسجيل.. حكايات من آثار الحروب في المنطقة.
    الاثنين 2024/12/16
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    دورة اسثنائية تدعم الشعوب المقاومة

    بعد أن ألغي في دورته السابقة تضامنا مع الشعب الفلسطيني في ظل الحرب التي اندلعت في قطاع غزة، ينعقد مهرجان أيام قرطاج السينمائية هذا العام بدورة تدعم الشعب الفلسطيني وكل أوجه المقاومة، محتفية بالسينما الأردنية والسنغالية، ومقترحة على جمهورها أفلاما تراهن على سينما المؤلف وقدرتها على إيصال رسائل إنسانية مؤثرة ومغيرة.

    وسط مساع حثيثة لتعزيز حضورها كمنصة سينمائية للتعبير عن القضايا الإنسانية الآنية ورفع أصوات الشعوب عاليا، انطلقت فعاليات الدورة الـ35 لأيام قرطاج السينمائية على أنغام موسيقى الجاز التي ترمز للحرية والتعبير عن الذات لكنها أيضا رمز للتنوع والشمولية. موسيقى استوحت من فيلم “الحلفاوين” الذي أخرجه مدير هذه الدورة فريد بوغدير عام 1990، ويعد واحدا من كلاسيكيات السينما التونسية.

    حفل افتتاح طغى عليه الحزن وغاب عنه أغلب نجوم الفن والسينما التونسيين حزنا على رحيل الممثل فتحي الهداوي الذي يعد واحدا من أهم نجوم التمثيل في تونس، وتضمنت فعالياته تذكرا لمسيرة راحلين تركوا بصمتهم في الفن السابع ومنهم الناقد السينمائي التونسي خميس الخياطي.

    وهذه الدورة التي ستعرض أكثر من 200 فيلم من نحو عشرين دولة عربية وأفريقية، تستمر فعالياتها حتى الحادي والعشرين من ديسمبر الجاري، مع برنامج متنوع يسلط الضوء على قضايا إنسانية واجتماعية ملحة، حيث تسلط الضوء على السينما المقاومة محتفية بالسينما السنغالية والأردنية ومخصصة مساحة مهمة للسينما الفلسطينية رافعة شعار “فلسطين في قلب أيام قرطاج السينمائية”، وذلك ضمن قسم “سينما تحت المجهر”، الذي سيحظى من خلاله الجمهور بمتابعة 19 فيلما فلسطينيا تتنوّع بين عروض الشارع (14 فيلما) وعروض القاعات (5 أفلام) إلى جانب تكريم خاص للمخرج هاني أبوأسعد، بينما تمّت برمجة 12 فيلما ضمن قسم “فوكيس الأردن” و14 فيلما ضمن قسم “فوكيس السنغال”.

    الإعلان عن الاحتفاء بالسينما الفلسطينية صاحبه صوت الفنانة الفلسطينية – الأردنية دانا صلاح التي قدمت بمصاحبة الأوركستر السيمفوني التونسي باقة من الأغاني الملتزمة والمعبرة عن مقاومة الشعب الفلسطيني.



    وتأكيدا على التزام المهرجان بالقضايا الإنسانية وسينما المقاومة، اختارت إدارته افتتاح الدورة الـ35 بعرض فيلمين بارزين هما “ما بعد” للمخرجة الفلسطينية مها الحاج والنسخة المرممة من فيلم “واهب الحرية”، الوثائقي الطويل للمخرج العراقي الراحل قيس الزبيدي، الذي توفي في ديسمبر الجاري. ويسلط الفيلمان الضوء على المقاومة في لبنان وفلسطين، كل وفق رؤية مخرجه.

    قبل بدء عرض الفيلم الذي غابت مخرجته عن حفل الافتتاح، وجه فريق الفيلم رسالة للشعوب، هي في الأساس كلمات للكاتب الفلسطيني الراحل رفعت العرير “إن كتب علي الموت، فعليكم أنتم أن تعيشوا لتحكوا قصتي.”

    و”ما بعد” الذي لعب بطولته محمد بكري وعرين عمري وعامر حليحل، يروي ما يحدث في فلسطين وغزة منذ سنوات بطريقة مختلفة ومبتكرة، مهتما بتوضيح خطورة “التروما” أو الصدمة التي يعاني منها الكثير من الآباء والأمهات في فلسطين، عبر حكاية زوجين، سليمان ولبنى، يعيشان في مزرعة منعزلة، يُجريان مناقشات ساخنة ومستمرة حول خيارات حياة أطفالهما الخمسة، يتناقشان ويختلفان في انعزال كبير عن العالم الخارجي والبعيد، حتى يزورهما صحافي يسعى لإجراء تحقيق استقصائي حول قصتهما، حين يتكشف للمشاهد أن الأبوين يعيشان صدمة نفسية كبيرة، حالة إنكار لكارثة أودت بحياة أطفالهما الخمسة خلال غارة إسرائيلية قبل عشرين عاما.

    دورة تسلط الضوء على السينما المقاومة محتفية بالسينما السنغالية والأردنية ومخصصة مساحة للسينما الفلسطينية

    هذا الفيلم القصير (31 دقيقة)، عبارة عن شحنة من الحزن والرتابة، انعكاس عميق لما يعيشه المجتمع الفلسطيني وعائلاته المنكوبة، حزن يخيم على البلد منذ عقود.

    في البداية، يتخيل لنا من مشاهد الفيلم، زوايا وأماكن التصوير، والحوارات بين الممثلين، أننا أمام أبوين يعيشان وحيدين بعد أن انصرف أطفالهما عنهما ليهتم كل واحد منهم بحياته، عمله، دراسته ومستقبله. وتدفعنا إلى التفكير في ما الذي يمكن أن يشعر به الوالدان بعودتهما إلى الوحدة وانشغال أبنائهما عنهما؟

    تتتالى اللقطات المتكررة التي توضح طبيعة الحياة في الريف المنعزل، من اهتمام بالأشجار، بالدجاجات، تحضير للطعام، غسيل، وجبات طعام متشاركة، وحديث لا يدور إلا حول الأبناء والأحفاد.

    يسير زمن الفيلم في البداية بطيئا يبعث بإحساس لدى المشاهد بأن الزمن يعاد والأيام تتتالى دون شيء جديد يذكر، حتى يحضر الصحافي (عامر حليحل) في يوم عاصف وتصدمنا المخرجة جميعا، كما صدم الصحافي.

    الزوجان يعيشان حالة إنكار لفقدانهما أطفالهما الخمسة في الوقت نفسه، يرسمان لكل واحد منهم حياة متخيلة، ينجبان لبعضهم أطفالا ويطلقون أسماء على أحفادهم، يتخيلون أشكالهم، يتوقعون سيناريوهات مختلفة، كالولد الصغير حمزة الذي تمرد على أحلام والده ليصنع حياته الخاصة ويرفض إكمال تعليمه، والفتاة أمية التي دللها والدها كثيرا ويصر على دعمها لتكمل تعليمها العالي وتحصل على شهادة الدكتوراه ويرفض زواجها إلا بمن يستحقها. بقية الأبناء وخلافاتهم مع زوجاتهم، كل له حكاية، صنعها الأب والأم، كذبة اخترعاها وصدقاها كي يستطيعا المضي قدما في الحياة بعد خسارة أبنائهم.

    جاء الفيلم شاعريا شديد التأثير في المتفرج، وأظهر قدرات المخرجة على توظيف كامل عناصر العمل التقنية خدمة لموضوع الفيلم، بأحداث مكثفة ومعالجة جمالية رصينة وإيقاع بطيء وتصاعدي جعل الوصول إلى ذروة “الصدمة” الدرامية مقنعا ويسير بتناغم مدروس. وما زاد من جمالية الفيلم هو موسيقى منذر عودة التي بدت جنائزية ملآى بالحنين والألم.


    غابت مها الحاج وحضر فيلمها


    وفي حين روت لنا المخرجة الفلسطينية نموذجا متخيلا عن المقاومة في فلسطين من صورة مختلفة بوابتها الآلام النفسية، جاء الفيلم الثاني “واهب الحرية” الصادر سنة 1987 للمخرج العراقي الراحل قيس الزبيدي (1939 – 2024) لينقل لنا تجربة توثيق للعمليات التي قامت بها المقاومة الفلسطينية واللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي انطلاقا من جنوب لبنان، ولتذكر بتجربة المخرج الراحل الذي يعد واحدا من أهم المقاومين عبر الكاميرا، فقد وظف أفلامه لتسجل جزء مهم من المقاومة ومن تاريخ المنطقة العربية.

    وجاءت النسخة المرممة بجودة عالية، أظهرت قدرات المخرج على تتبع الأحداث ونقلها عبر شهادات حية لمقاومين تستعيد عمليات المقاومة اللبنانية والفلسطينية التي انطلقت من جنوب لبنان ضد الجيش الإسرائيلي، وقد تنقل الزبيدي خلال تصوير فيلمه بين صيدا والجنوب والبقاع الغربي، كما ضمن العمل عددا من أغنيات مرسيل خليفة وزياد الرحباني، خصوصا الأغنية التي أنجزها الفنان الرحباني للجنوب وغناها سامي حواط بعنوان “إذا واقف الجنوب واقف بأولاده”.

    كما رصد المخرج أبرز العمليات الاستشهادية التي شهدتها عدة قرى ومواقع وأدت إلى تحرير الأرض وإجبار الجيش الإسرائيلي على الانسحاب. فيلم وثائقي صادم أكثر ما يثيره في عقول المشاهدين هو أن الزمن وكأنه قد توقف بنا أو هو يكرر نفسه فلا فرق بين 1987 زمن تصوير الفيلم وبين اليوم، لا يزال لبنان يدافع عن أراضيه من الاحتلال، يخسر أبناءه ويعيش سيناريوهات متشابهة، كذلك الحال بالنسبة لفلسطين وسوريا.

    والزبيدي، المخرج الذي نعاه كثيرون ورأوا في رحيله خسارة للفن العربي الملتزم بقضايا الشعوب العربية، نذر حياته كاملة وأفلامه للقضية الفلسطينية ومن أعماله ما بين أشرطة طويلة وقصيرة ووثائقية: “بعيدا عن الوطن”، “الزيارة”، “شهادة الأطفال الفلسطينيين في زمن الحرب”، “فلسطين سجل شعب”، “وطن الأسلاك الشائكة”، وآخر ما أنجزه فيلم من 30 دقيقة عن عمليات الاستيطان اليهودي في فلسطين بعنوان “فلسطين عنوان مؤقت”.

    وتضم المسابقة الرسمية لدورة هذا العام من المهرجان 56 فيلما، منها 15 فيلما روائيا طويلا، و13 فيلما وثائقيا طويلا، و17 فيلما روائيا قصيرا. وتُشارك السينما التونسية بكثافة هذا العام بـ99 عملا. وأشادت المديرة الفنية للمهرجان لمياء بلقايد قيقة بثراء وجودة الأفلام المشاركة، مؤكدة أن الاختيارات جاءت ضمن رؤية تحترم هوية المهرجان كمنصة للأعمال الملتزمة التي تسلط الضوء على القضايا العادلة والقيم الإنسانية.


    ويتضمن المهرجان العديد من الأقسام التي يخضع كل قسم منها لتقييم لجنة خاصة بداية من مسابقة “قرطاج للسينما الواعدة” والتي تتشكل لجنة تحكيمها من عبدالسلام الحاج (الأردن)، إدواردو غيّو (إسبانيا) وعلاءالدين أبوطالب (تونس)، مرورا بمسابقة الأفلام الوطنية – المستحدثة في هذه الدورة – وتتكون لجنة تحكيمها من سعيد ولد خليفة (رئيس /الجزائر)، هدى إبراهيم (لبنان)، أوليفييه بارليه (فرنسا)، سعاد بن سليمان (تونس) وسليم البيك (فلسطين)، ثم المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية الطويلة والقصيرة وتترأس لجنة تحكيمها درة بوشوشة (تونس)، عمر صال (السنغال)، أمل رمسيس (مصر)، محمد سعيد أوما (جزر القمر) وأسماء المدير (المغرب).

    وتتشكل لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة والقصيرة من المخرج هاني أبوأسعد (رئيسا / فلسطين)، سلمى بكار (تونس)، إليان أوموهير (رواندا)، بيدرو بيمنتا (موزمبيق)، المنتجة ماريان خوري (مصر)، بابا ديوب (السنغال) والناقد إبراهيم العريس (لبنان).

    وإلى جانب العروض السينمائية، سيشهد المهرجان تكريم عدد من الشخصيات السينمائية البارزة، من بينهم المخرج الجزائري مرزاق علواش، المخرج الإيراني محسن مخملباف، السينمائي السنغالي بوبكر سامب. وقد كرم الممثلة عائشة بن أحمد في حفل الافتتاح.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    حنان مبروك
    صحافية تونسية
يعمل...
X