تأهيل الفراغ تشكيلياً......تأملات تشكيليّة.
قاسم العزاوي
السياحة في عالم الفراغ المترامي ( الطبيعة وما عليها من صحراء وبحار وجبال ....)
او الفراغ المحدد بأربعة جدران ( قماشة اللوحة ) او التي تحدد بسبعة اوجة ( كتلة الصخر , كتلة الخشب , كومة الطين , ..... )
بعد تفريغها وإبقاء الجزء المالئ للفراغ ( اعني ) الجزء الذي سيشغل فنيا ويحقق المنجز التشكيلي المرئي او الملموس , باعتباره افراز الداعي يملء ويأهل الفراغ .
كل هذا يتطلب تصورا جماليا مسبقا , والولوج داخل الفراغ الغير مؤهل واستخلاص رؤية داخلية للمجسد التصويري , ووحدات التجريد ( اللون وما يشكل من توازن متحرك داخل الفراغ ) اضافة الى معرفية مدربة للخامات المراد نقلها بدقة ودراية لملء عين الفراغ المحدقة صوب عوالم تنتظر المزيد من اشكال وموجودات تؤنس وحدتها وفراغها , واخراجها من حالة التصحر والسكون واللا معنى , الى حياة تعج بالحيوات والصور والالوان المتراقصة كاجنحة الفراشات الشفيفة , تجذب المتلقي وتشدة في مكانه , مسمرا متأملا , غائصا في عمق بحرها وان كان متلاطما .... الفراغ اللا مؤهل اشم فيه رائحة القبر , ونفقا لا اعرف متى اصل الى نهايته .
هنا , لا اقصد الفراغ بمعناه الفيزيائي , والا لا يكون فراغا لانه علميا يكون مشغولا بالذرات الدائرة بمداراتها , وهي عناصر مادية , ولكن ما أعنيه تشكيليا : هو تأهيله بوحدات صوريه مجسدة او مجردة .... ترى هل يراها الفنان قبل الشروع بمشروعه البصري التشكيلي ...؟
باعتبار ان ( الصورة ) تشكل مقدماتها قبل ظهور الصورة الفنية بمعناها الاصطلاحي أي : يكون الفراغ مؤهلا قبل الشروع بتأهيله , وهذا بطبيعة الحال مقتصرا لدى الفنان وعينه الثاقبة ومعرفياته البصرية بمرجعياتها المتمرسة .. وهنا , يحظرني رد ( مايكل انجلو ) على تلميذه الذي سئلة كيف ينحت فيلا في كتلة صخر , حينها قال له : ( اقطع من الحجر ما هو ليس فيلا تحصل على فيل ) .
انه تصور مستقبلي وان كان أنجلو سبقنا بقرون ....
لقد اهل الفراغ قبل الشروع بطرح منجزة , شذب ببصيرتة الثاقبة كل ما لا يمت ولا ينتمي الى مجسدة الذي يريد فيراه شامخا شاخصا اممامة قبل ان يلامس ازميلة أيما قطعتا من الحجر ..
قد يتساءل البعض , لكن لماذا يضع الفنان التشكيلي ( اسكيجاته ) او تخطيطاته على الورق قبل البدء بمشروعه .
أقول وعودة على بدء : انه ايضا اهل فراغ سطح الورقة البيضاء رمى ما لا يمت بموضوعة جانبا ( قبل التخطيط ) وبذا ظهر موضوعه متكاملا بعد التشذيب , وسينقله بعد ذلك على سطح قماشة اللوحة او على كتلة الصخر او الطين وعلى خاماته التي يريد ....
وما التخطيط اللا تمرين بصري سيساعد الفنان على تنمية مخيلته وتحفيز الخلايا الابداعيه الساكنة كي لا تطول فترة سباتها وتموت ( بايولوجيا ) طالما لم تستخدم وتنشط حسب نظرية دارون البايلوجيه , التخطيط يعطي لهذه الخلايا شحنات اضافية للتأمل والتذوق الجمالي والتصور داخل الفراغ اللا مؤهل ..
المعماري هو الاخر يتأمل الفراغ ويبتمي كتلته المعمارية داخل حيزها قبل الشروع برصف طابوقها وقد يشيد مدينة مترامية بوحداتها العمرانية لا بل ويحيطها بحدائق غناء وانهر من فرات يشيدها على صحراء ممتدة بمتداد الافق .. هكذا يتصورها برؤيته حتى قبل ان يشق أي اساسا في رملها المنسرح كامراة غنوج ... فاي مخيالا هذا الذي يقتحم فراغ الصحراء وسرابها ويحوله بنظرة واحدة الى كتل ووحدات عمرانية وحدائق وشوارع تزدحم بالناس والعجلات المارقة كخطف البصر ....؟
( الميدوزا تحول من تنظر اليه الى حجر ) والفنان بنظرة يحول الفراغ الى حياة تعج بالجمال ...
( الفنان يدرك فعلا اهميات الوعيد بالفضاءات المعرفية ومسالكها وعلاقاتها المتداخلة في الثقافة والتبصر وفي الادوات التي تنسجم اكثر من غيرها مع كل محاولة لولوج التجريد وتخليق مقتنياته كمعادلات للعالم بوصفه موضوعا ) .
ان أي محاولة ( للتحرش ) بالفراغ من قبل الفنان سيطفح سطحه باشكال ورؤى ورموز وموجودات مثلما يطفح بالالوان المتحركة التي تدور حولها هالاتها وتشكل عالما متناغما ينبض بالحياة والبهجة ...
الفراغ حسب ( برجسون ) كثافة غير مرئية , وما على الفنان اللا ان يقشسر هذة الكثافة ويغوص في عوالمها الساحرة ...
لقد كان الفنان شاكر حسن الـ سعيد يبحث وينقب في طبقات سطح الجدار ( الجدار في مفهوم الـ سعيد ) هو عالم ترك بصماته على سطحه لذا اهتم بالجدار وحفريات ذاكرة الجدار , طبقات متراصة فوق بعضها من الطلاء , والخربشات ... كل طبقة تحمل ذاكرة معينة عن ساكني فراغ الغرفة التي تمثل جدرانها ( سبورة ) تحمل ذاكرتة وتمد جسورا صوفية متالفة مكانية وزمانيا مع توالي الساكنين ... هل هو تنقيب جيولوجي على سطح الجدار ؟ نعم , بالاضافة الى التنقيب على الاثر المطبوع على هذا الجدار , بال ورجع صدى اصوات من تعايش معه ... هل راها الـ سعيد عيانيا ؟ لابل متخيلا وبرؤية وبصيرة فنان .
الجدار لا يعني شيئ بدون تأهيل فراغ الغرفة على حد تعبير ( فلسفة التاو) .. اصنع للغرفة جدرانا وبابا ونوافذ , ولكن اعلم ان الفراغ هو الذي يصلح للسكن ...
قبل الـ سعيد راى جواد سليم فراغ نصبه الخالد قبل تأهيله , راه في مخيلته وما سيكون عليه بعد انجازة , تصور قاعدته الممتدة الى خمسين مترا وعرضها الى ثمانية امتار لتشكل الرقم ثمانية وخمسون مثلما راى وحدات نصبه موزعة على قاعدة تمثل لافته للمتظاهرين قبل شروع ( رفعت الجادرجي ) بتنفيذها رغم العديد من السكيشات السابقة للتنفيذ .
الفراغ كما كان يرتبط بالذاكرة الشعبية الجمعية ( الغرف المقفلة , فاركونات القطارات , القبور الفاغرة الأفواه , الشوارع بعد منتصف الليل , الصحراء عند الظهيرة .. يراها الناس البسطاء موحشة قاتلة , الفنان يراها عكس ذلك ويتعامل معها على أنها موأهلة مسبقا بمخيلة ورواه يبث فيها نفحات ابداعية بما تيسر له من منجز متحرك ومتفاعل مع فضاء الفراغ المشذب .... وفي احدى زياراتي للفنان فائق حسن كانت فرشاته تتحرك بسرعة وعصبية فوق قماشة اللوحة وهو يسد عيون الفراغ باللوان متداخلة .... مالذي يريد ان يرسمه ؟ وكنه قرء مايدور بخلدي
قال : الذي اريد انقله مرسوم هنا واشر صوب راسه , في ما تدلى غليونه من فمه وهو ينفث الدخان كصافرة قطار .. وبعد عدة ( ضربات ) من فرشاته كانت الخيول الجامحة تصهل وتضرب ارض قماشة اللوحة بسنابكها المحناة ... هكذا استحال الفراغ الى دربكة وصهيل وغبار واعرابي تتطايرت عباءته مع كل لكزة للجواد .. الحلم ايضا فضاء مفتوح يأهلة الفنان السوريالي بمشهد بصري باذخ ...
قاسم العزاوي
السياحة في عالم الفراغ المترامي ( الطبيعة وما عليها من صحراء وبحار وجبال ....)
او الفراغ المحدد بأربعة جدران ( قماشة اللوحة ) او التي تحدد بسبعة اوجة ( كتلة الصخر , كتلة الخشب , كومة الطين , ..... )
بعد تفريغها وإبقاء الجزء المالئ للفراغ ( اعني ) الجزء الذي سيشغل فنيا ويحقق المنجز التشكيلي المرئي او الملموس , باعتباره افراز الداعي يملء ويأهل الفراغ .
كل هذا يتطلب تصورا جماليا مسبقا , والولوج داخل الفراغ الغير مؤهل واستخلاص رؤية داخلية للمجسد التصويري , ووحدات التجريد ( اللون وما يشكل من توازن متحرك داخل الفراغ ) اضافة الى معرفية مدربة للخامات المراد نقلها بدقة ودراية لملء عين الفراغ المحدقة صوب عوالم تنتظر المزيد من اشكال وموجودات تؤنس وحدتها وفراغها , واخراجها من حالة التصحر والسكون واللا معنى , الى حياة تعج بالحيوات والصور والالوان المتراقصة كاجنحة الفراشات الشفيفة , تجذب المتلقي وتشدة في مكانه , مسمرا متأملا , غائصا في عمق بحرها وان كان متلاطما .... الفراغ اللا مؤهل اشم فيه رائحة القبر , ونفقا لا اعرف متى اصل الى نهايته .
هنا , لا اقصد الفراغ بمعناه الفيزيائي , والا لا يكون فراغا لانه علميا يكون مشغولا بالذرات الدائرة بمداراتها , وهي عناصر مادية , ولكن ما أعنيه تشكيليا : هو تأهيله بوحدات صوريه مجسدة او مجردة .... ترى هل يراها الفنان قبل الشروع بمشروعه البصري التشكيلي ...؟
باعتبار ان ( الصورة ) تشكل مقدماتها قبل ظهور الصورة الفنية بمعناها الاصطلاحي أي : يكون الفراغ مؤهلا قبل الشروع بتأهيله , وهذا بطبيعة الحال مقتصرا لدى الفنان وعينه الثاقبة ومعرفياته البصرية بمرجعياتها المتمرسة .. وهنا , يحظرني رد ( مايكل انجلو ) على تلميذه الذي سئلة كيف ينحت فيلا في كتلة صخر , حينها قال له : ( اقطع من الحجر ما هو ليس فيلا تحصل على فيل ) .
انه تصور مستقبلي وان كان أنجلو سبقنا بقرون ....
لقد اهل الفراغ قبل الشروع بطرح منجزة , شذب ببصيرتة الثاقبة كل ما لا يمت ولا ينتمي الى مجسدة الذي يريد فيراه شامخا شاخصا اممامة قبل ان يلامس ازميلة أيما قطعتا من الحجر ..
قد يتساءل البعض , لكن لماذا يضع الفنان التشكيلي ( اسكيجاته ) او تخطيطاته على الورق قبل البدء بمشروعه .
أقول وعودة على بدء : انه ايضا اهل فراغ سطح الورقة البيضاء رمى ما لا يمت بموضوعة جانبا ( قبل التخطيط ) وبذا ظهر موضوعه متكاملا بعد التشذيب , وسينقله بعد ذلك على سطح قماشة اللوحة او على كتلة الصخر او الطين وعلى خاماته التي يريد ....
وما التخطيط اللا تمرين بصري سيساعد الفنان على تنمية مخيلته وتحفيز الخلايا الابداعيه الساكنة كي لا تطول فترة سباتها وتموت ( بايولوجيا ) طالما لم تستخدم وتنشط حسب نظرية دارون البايلوجيه , التخطيط يعطي لهذه الخلايا شحنات اضافية للتأمل والتذوق الجمالي والتصور داخل الفراغ اللا مؤهل ..
المعماري هو الاخر يتأمل الفراغ ويبتمي كتلته المعمارية داخل حيزها قبل الشروع برصف طابوقها وقد يشيد مدينة مترامية بوحداتها العمرانية لا بل ويحيطها بحدائق غناء وانهر من فرات يشيدها على صحراء ممتدة بمتداد الافق .. هكذا يتصورها برؤيته حتى قبل ان يشق أي اساسا في رملها المنسرح كامراة غنوج ... فاي مخيالا هذا الذي يقتحم فراغ الصحراء وسرابها ويحوله بنظرة واحدة الى كتل ووحدات عمرانية وحدائق وشوارع تزدحم بالناس والعجلات المارقة كخطف البصر ....؟
( الميدوزا تحول من تنظر اليه الى حجر ) والفنان بنظرة يحول الفراغ الى حياة تعج بالجمال ...
( الفنان يدرك فعلا اهميات الوعيد بالفضاءات المعرفية ومسالكها وعلاقاتها المتداخلة في الثقافة والتبصر وفي الادوات التي تنسجم اكثر من غيرها مع كل محاولة لولوج التجريد وتخليق مقتنياته كمعادلات للعالم بوصفه موضوعا ) .
ان أي محاولة ( للتحرش ) بالفراغ من قبل الفنان سيطفح سطحه باشكال ورؤى ورموز وموجودات مثلما يطفح بالالوان المتحركة التي تدور حولها هالاتها وتشكل عالما متناغما ينبض بالحياة والبهجة ...
الفراغ حسب ( برجسون ) كثافة غير مرئية , وما على الفنان اللا ان يقشسر هذة الكثافة ويغوص في عوالمها الساحرة ...
لقد كان الفنان شاكر حسن الـ سعيد يبحث وينقب في طبقات سطح الجدار ( الجدار في مفهوم الـ سعيد ) هو عالم ترك بصماته على سطحه لذا اهتم بالجدار وحفريات ذاكرة الجدار , طبقات متراصة فوق بعضها من الطلاء , والخربشات ... كل طبقة تحمل ذاكرة معينة عن ساكني فراغ الغرفة التي تمثل جدرانها ( سبورة ) تحمل ذاكرتة وتمد جسورا صوفية متالفة مكانية وزمانيا مع توالي الساكنين ... هل هو تنقيب جيولوجي على سطح الجدار ؟ نعم , بالاضافة الى التنقيب على الاثر المطبوع على هذا الجدار , بال ورجع صدى اصوات من تعايش معه ... هل راها الـ سعيد عيانيا ؟ لابل متخيلا وبرؤية وبصيرة فنان .
الجدار لا يعني شيئ بدون تأهيل فراغ الغرفة على حد تعبير ( فلسفة التاو) .. اصنع للغرفة جدرانا وبابا ونوافذ , ولكن اعلم ان الفراغ هو الذي يصلح للسكن ...
قبل الـ سعيد راى جواد سليم فراغ نصبه الخالد قبل تأهيله , راه في مخيلته وما سيكون عليه بعد انجازة , تصور قاعدته الممتدة الى خمسين مترا وعرضها الى ثمانية امتار لتشكل الرقم ثمانية وخمسون مثلما راى وحدات نصبه موزعة على قاعدة تمثل لافته للمتظاهرين قبل شروع ( رفعت الجادرجي ) بتنفيذها رغم العديد من السكيشات السابقة للتنفيذ .
الفراغ كما كان يرتبط بالذاكرة الشعبية الجمعية ( الغرف المقفلة , فاركونات القطارات , القبور الفاغرة الأفواه , الشوارع بعد منتصف الليل , الصحراء عند الظهيرة .. يراها الناس البسطاء موحشة قاتلة , الفنان يراها عكس ذلك ويتعامل معها على أنها موأهلة مسبقا بمخيلة ورواه يبث فيها نفحات ابداعية بما تيسر له من منجز متحرك ومتفاعل مع فضاء الفراغ المشذب .... وفي احدى زياراتي للفنان فائق حسن كانت فرشاته تتحرك بسرعة وعصبية فوق قماشة اللوحة وهو يسد عيون الفراغ باللوان متداخلة .... مالذي يريد ان يرسمه ؟ وكنه قرء مايدور بخلدي
قال : الذي اريد انقله مرسوم هنا واشر صوب راسه , في ما تدلى غليونه من فمه وهو ينفث الدخان كصافرة قطار .. وبعد عدة ( ضربات ) من فرشاته كانت الخيول الجامحة تصهل وتضرب ارض قماشة اللوحة بسنابكها المحناة ... هكذا استحال الفراغ الى دربكة وصهيل وغبار واعرابي تتطايرت عباءته مع كل لكزة للجواد .. الحلم ايضا فضاء مفتوح يأهلة الفنان السوريالي بمشهد بصري باذخ ...