المعرض الشخصي بالألوان المائية للفنان التشكيلي العراقيي عبد العزيز الدهر..الألوان المائية وسيطا نهائيا
خالد خضير الصالحي
البصرة/ 13.12.2024
لا يعاني الرسام عبد العزيز الدهر من نظرة استنكاف قد يحملها رسامون كثر ومفادها ان الألوان المائية؛ ما هي الا وسيلة مؤقتة، او مرحلة انتقالية (سكيج) لأجل انجاز لوحة بالوان اكثر (قيمة) وديمومة، واعتقد ان ما دفع الدهر الى ادمان الألوان المائية وسيطا نهائيا لإنتاج العمل الفني عدة أسباب جمالية وعملية؛ فعلاوة على ان الألوان المائية جميلة وحيوية وشفافة وذات طاقة تعبيرية، فإنها عمليةٌ في إعدادها وتنظيفها، وهي ميسورة التكلفة، وسريعة الجفاف، وتنسجم بشكل جيد مع الوسائط الأخرى لإنتاج اعمال متعددة المواد، واخيرا فان الألوان المائية تعلمك أن تكون متعمدًا وقصديا ولا تضع الفرشاة الا بمكانها تماما.
ربما كل ذلك هو ما دفع عبد العزيز الدهر الى اتخاذ الالوان المائية، وادمان دراستها وإنتاج الاعمال فيها؛ فنضجت تقنياته ببطء فيها كرسام للألوان المائية، خلال عقود، فكان تطوره بل تحوله فيها، وفي الرسم عامة، مستمرًا، طيلة هذه السنوات، ومع مرور السنين، صار مهتما أكثر بالتفاصيل الطبيعية حصريًا لتوجيه الرسم نحو الطبيعة بالألوان المائية، أضافة الى اهتمام أكبر بالتأثيرات الجوية، وبالضوء المنعكس؛ مما يضفي تعقيدا ربما لأعماله، وهو ما مكّنه من تحقيق وحدة تصويرية أكبر، ولم يكن يعتبر الالوان المائية مرحلة انتقالية الى اللوحة الزيتية، او غيرها، ولا باعتبارها مادة لإنتاج سكيجات تمهيدية وتحضيرية للعمل "النهائي" بمادة اخرى اطول عمرا، وهو ما درج عليه الفنانون ومنذ بواكير القرن التاسع عشر واستخدمه العديد من الفنانين الغربيين..
يستمد الدهر جذره الجينالوجي، ونسغه التعبيري، من تاريخٍ غائر للألوان المائية التي تعد واحدة من أقدم أشكال الرسم، إن لم تكن أقدمها جميعا؛ بدءا من فن الرسم في شرق آسيا، التي يسمى الرسم بالألوان المائية فيها بـ(الحبر) يسمونه (الرسم بالفرشاة)، الى النسغ الذي يربطه بالمنمنمات الاسلامية التي تستخدم الالوان المائية، بل يمكن التوسع في هذا الرأي واعتبار حتى (الخط العربي) كنمط خاص من (الرسم) بالألوان المائية.
ينتبه عبد العزيز الدهر الى اهم القواعد بالألوان المائية، وهي عدم جواز اعتبار اللوحة مرسومة بالألوان المائية فقط لان الوانها تتم اذابتها بالماء، وانما يشترط فيها تحقق شفافية الالوان التي تسمح بانتعاش وإشراقة في ضربات الفرشاة الماهرة بما يجعلها وسيلة جذابة للغاية، وتحقق عدة مواصفات اهمها: بساطة المادة، وطاقتها التعبيرية الضخمة التي تفرزها تقنية الشفافية العالية، وهو الامر الاهم الذي يفرق بين اللوحة المائية، وبين الوسائل الثقيلة الأخرى للرسم، فلا يستطيع الرسام المائي الغاء اي ضربة كما يحدث في الرسم بالاكريليك والرسم الزيتي؛ وهنالك ملاحظة اعجبتني لأحد الكتّاب بأن اللون الأبيض يتم إنشاؤه باستخدام اللون الأبيض المعتم بالألوان الزيتية بينما يترك الرسام المائي مساحات الورقة البيضاء فارغة في الرسم المائي لخلق اللون الأبيض، مما يعني ان غياب اللون هو الذي ينتج اللون الأبيض في اللوحة المائية، وهو ما يتبعه الدهر بنطاق ضيق جدا فلا نجد عنده بقعا تحتفظ بلون الورقة الأبيض دون لمسة ولو خفيفة بالفرشاة، بينما هو ينتج أغمق اللمسات في اللوحة من استخدام الصبغة دون ماء، أو مع القليل جدًا من الماء المخلوط بها؛ فالماء هو العنصر الفاعل الذي يغير طبيعة الألوان بتخفيفها به، وهنالك تأثير مماثل للورق بوجود وفرة من الماء؛ فيتحول اللون القرمزي، وهو أحمر دافئ، تدريجيًا إلى اللون الوردي البارد مع تخفيفه بمزيد من الماء.
إن تقنية الفرشاة الجافة التي نجد بعض ملامحها في اعمال الدهر ناتجة عن استخدام الفرشاة التي تحتوي على الصبغة بقليل من الماء، والتي يتم تمريرها على السطح الخشن للورق؛ فتنخلق تأثيرات حبيبية مختلفة تشبه تلك التي يتم الحصول عليها من خلال الرسم باستخدام أقلام التلوين. ويمكن عمل تركيبات كاملة بهذه الطريقة. كما يمكن استخدام هذه التقنية على الدهانات الباهتة لإضفاء الحيوية عليها.
خالد خضير الصالحي
البصرة/ 13.12.2024
لا يعاني الرسام عبد العزيز الدهر من نظرة استنكاف قد يحملها رسامون كثر ومفادها ان الألوان المائية؛ ما هي الا وسيلة مؤقتة، او مرحلة انتقالية (سكيج) لأجل انجاز لوحة بالوان اكثر (قيمة) وديمومة، واعتقد ان ما دفع الدهر الى ادمان الألوان المائية وسيطا نهائيا لإنتاج العمل الفني عدة أسباب جمالية وعملية؛ فعلاوة على ان الألوان المائية جميلة وحيوية وشفافة وذات طاقة تعبيرية، فإنها عمليةٌ في إعدادها وتنظيفها، وهي ميسورة التكلفة، وسريعة الجفاف، وتنسجم بشكل جيد مع الوسائط الأخرى لإنتاج اعمال متعددة المواد، واخيرا فان الألوان المائية تعلمك أن تكون متعمدًا وقصديا ولا تضع الفرشاة الا بمكانها تماما.
ربما كل ذلك هو ما دفع عبد العزيز الدهر الى اتخاذ الالوان المائية، وادمان دراستها وإنتاج الاعمال فيها؛ فنضجت تقنياته ببطء فيها كرسام للألوان المائية، خلال عقود، فكان تطوره بل تحوله فيها، وفي الرسم عامة، مستمرًا، طيلة هذه السنوات، ومع مرور السنين، صار مهتما أكثر بالتفاصيل الطبيعية حصريًا لتوجيه الرسم نحو الطبيعة بالألوان المائية، أضافة الى اهتمام أكبر بالتأثيرات الجوية، وبالضوء المنعكس؛ مما يضفي تعقيدا ربما لأعماله، وهو ما مكّنه من تحقيق وحدة تصويرية أكبر، ولم يكن يعتبر الالوان المائية مرحلة انتقالية الى اللوحة الزيتية، او غيرها، ولا باعتبارها مادة لإنتاج سكيجات تمهيدية وتحضيرية للعمل "النهائي" بمادة اخرى اطول عمرا، وهو ما درج عليه الفنانون ومنذ بواكير القرن التاسع عشر واستخدمه العديد من الفنانين الغربيين..
يستمد الدهر جذره الجينالوجي، ونسغه التعبيري، من تاريخٍ غائر للألوان المائية التي تعد واحدة من أقدم أشكال الرسم، إن لم تكن أقدمها جميعا؛ بدءا من فن الرسم في شرق آسيا، التي يسمى الرسم بالألوان المائية فيها بـ(الحبر) يسمونه (الرسم بالفرشاة)، الى النسغ الذي يربطه بالمنمنمات الاسلامية التي تستخدم الالوان المائية، بل يمكن التوسع في هذا الرأي واعتبار حتى (الخط العربي) كنمط خاص من (الرسم) بالألوان المائية.
ينتبه عبد العزيز الدهر الى اهم القواعد بالألوان المائية، وهي عدم جواز اعتبار اللوحة مرسومة بالألوان المائية فقط لان الوانها تتم اذابتها بالماء، وانما يشترط فيها تحقق شفافية الالوان التي تسمح بانتعاش وإشراقة في ضربات الفرشاة الماهرة بما يجعلها وسيلة جذابة للغاية، وتحقق عدة مواصفات اهمها: بساطة المادة، وطاقتها التعبيرية الضخمة التي تفرزها تقنية الشفافية العالية، وهو الامر الاهم الذي يفرق بين اللوحة المائية، وبين الوسائل الثقيلة الأخرى للرسم، فلا يستطيع الرسام المائي الغاء اي ضربة كما يحدث في الرسم بالاكريليك والرسم الزيتي؛ وهنالك ملاحظة اعجبتني لأحد الكتّاب بأن اللون الأبيض يتم إنشاؤه باستخدام اللون الأبيض المعتم بالألوان الزيتية بينما يترك الرسام المائي مساحات الورقة البيضاء فارغة في الرسم المائي لخلق اللون الأبيض، مما يعني ان غياب اللون هو الذي ينتج اللون الأبيض في اللوحة المائية، وهو ما يتبعه الدهر بنطاق ضيق جدا فلا نجد عنده بقعا تحتفظ بلون الورقة الأبيض دون لمسة ولو خفيفة بالفرشاة، بينما هو ينتج أغمق اللمسات في اللوحة من استخدام الصبغة دون ماء، أو مع القليل جدًا من الماء المخلوط بها؛ فالماء هو العنصر الفاعل الذي يغير طبيعة الألوان بتخفيفها به، وهنالك تأثير مماثل للورق بوجود وفرة من الماء؛ فيتحول اللون القرمزي، وهو أحمر دافئ، تدريجيًا إلى اللون الوردي البارد مع تخفيفه بمزيد من الماء.
إن تقنية الفرشاة الجافة التي نجد بعض ملامحها في اعمال الدهر ناتجة عن استخدام الفرشاة التي تحتوي على الصبغة بقليل من الماء، والتي يتم تمريرها على السطح الخشن للورق؛ فتنخلق تأثيرات حبيبية مختلفة تشبه تلك التي يتم الحصول عليها من خلال الرسم باستخدام أقلام التلوين. ويمكن عمل تركيبات كاملة بهذه الطريقة. كما يمكن استخدام هذه التقنية على الدهانات الباهتة لإضفاء الحيوية عليها.