أمريكا كما كانت دومًا ‏.. Lady in the Lake يذكّرك بحقيقتها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أمريكا كما كانت دومًا ‏.. Lady in the Lake يذكّرك بحقيقتها

    أمريكا كما كانت دومًا
    ‏.. Lady in the Lake يذكّرك بحقيقتها

    "مقالي اليوم في صحيفة البلاد البحرينية"

    ‏Lady in the Lake مسلسل مثير تدور أحداثه في بالتيمور في ستينيات القرن العشرين، حيث يستكشف التقاطع بين العِرق والجنس والسلطة في الماضي المضطرب لأمريكا، وهو مسلسل قصير تم إنتاجه في عام 2023، استنادًا إلى رواية عام 2019 للكاتبة لورا ليبمان، من إخراج ألما هاريل، المعروفة بأعمالها التي تمزج بين الأنماط السردية والوثائقية، والتي قامت بتحويل رواية ليبمان لعمل درامي.

    تتتبع القصة ماددي شوارتز (تلعب دورها ناتالي بورتمان)، وهي ربة منزل بيضاء يهودية متمردة على مجتمعها المنغلق المتخلف، أصبحت مهووسة بحل جريمة قتل كليو شيروود (لوبيتا نيونجو)، وهي امرأة سوداء لم يحظ موتها باهتمام كبير من الجمهور أو السلطات.
    من خلال رواياتهما يتعمق العرض في العنصرية المنهجية والفساد وعدم المساواة التي تخللت النسيج الأمريكي، ويسلط الضوء على كيفية بناء الدولة الأمريكية منذ تأسيسها على هذه العنصرية، فغالبًا ما كان يتم تجاهل نضالات المجتمعات السوداء، وإسكات أصواتها من قبل المؤسسات التي من المفترض أن تحمي وتخدم جميع المواطنين على قدم المساواة.
    إن المفارقة بين تصميم ماددي على كشف الحقيقة واختفاء كليو يسلط الضوء على الشقوق العميقة في روح الأمة - الشقوق التي كانت موجودة عند ولادة الدولة الأمريكية - ولا يزال صداها يتردد إلى اليوم، كاشفًا هشاشة النموذج الأمريكي .
    كما أنه يرسم صورة قاتمة لمجتمع مبني على الخديعة والاضطراب المستمر، وكيف تطورت لديه تلك الأسس المبكرة من الإقصاء والقمع في تلك الفترة إلى التطرف والعنصرية والكراهية ليومنا هذا.
    وتعكس الشخصيات السرد التاريخي الأكبر لبلد في حرب مستمرة مع مُثُل المساواة والحرية، ولا زال يعيش في فوضى عواقب تناقضاته.
    في هذا السياق، يعمل lady in the lake كتذكير قوي بكيفية استمرار ماضي أمريكا المظلم في التأثير على الحاضر، ويكشف عن دولة لا تزال تكافح في سعيها لتحقيق التقدم المزعوم مع ثقل خطاياها الأصلية.
    كما ينسج هذا العمل التنفيذ الفني فائق العمق لهلاوس البطلة وكوابيسها في سرد أحداث قصة العمل، مما يطمس الخط الفاصل بين الاضطراب الشخصي والانهيار المجتمعي من حولها.
    رحلة ماددي شوارتز ليست خارجية فقط، حيث تحقق في مقتل كليو شيروود، بل داخلية بعمق، تعكس حالتها الذهنية المتفككة وصراعها مع حقيقة الظلم النظامي.

    ويستخدم العمل أسلوبًا بصريًا وسمعيًا سرياليًا لتصوير هلاوس ماددي، حيث يعكس شعورها المجزأ بالواقع تلك الأسس المكسورة للدولة الأمريكية، كذلك تعكس هذه المشاهد الكابوسية الأحلام والمخاوف الجماعية للمجتمع، ومع ذلك (ومثل رحلتها الشخصية) فإنها لا تؤدي إلى أي مكان، فهي ترمز إلى عبثية مواجهة الظلم العميق المتجذّر في ظل نظام لا يزال أعمى عن كل إخفاقاته.
    إن استخدام الصور غير المترابطة، والمقاطع الصوتية المزعجة، يدخلك إلى العقل الباطن لمادي، مما يجعل الفوضى الداخلية واليأس ملموسين، إنه ذلك الشعور المتكرر بالذهاب في دوائر - الهلوسة التي لا تؤدي أبدًا إلى حل - مما يعكس الصراع المجتمعي الأوسع ضد سلطة لا ترى في ذاتها الصالحة سوى أطرها القانونية والمؤسسية، حيث يشير القانون -بمعناه الإيجابي- في هذا السياق إلى نظام قانوني عادل ظاهريًا، ولكنه فاسد داخليًا، تم بناؤه للحفاظ على الوضع الراهن بدلاً من خدمة العدالة الحقيقية.
    أما عن العناصر الفنية للمسلسل فيسلط التصوير السينمائي والمونتاج وتصميم الصوت الضوء على هذا التوتر، ويخطفك إلى عالم حيث تختنق الأحلام الفردية والجهود المبذولة من أجل الحقيقة بواسطة نظام قانوني قمعي وغير مبالٍ.
    تفعل ألما هاريل كل ذلك من خلال التصوير المذهل، والصور التي تثير المشاعر، وتفاصيل الفترة الغنية التي تنقلك إلى بالتيمور في الستينيات، كذلك من خلال استخدام الضوء والظل وزوايا الكاميرا المربكة على الحدود الضبابية بين الواقع والوهم، مما يجذبك إلى نفسية البطلة المضطربة.
    أما الأداء، وخاصة من قبل ناتالي بورتمان ولوبيتا نيونجو فهو مؤثر عاطفيًا وآسر، مما يضفي تعقيدًا على الشخصيات التي تكافح مع القضايا المجتمعية الأكبر من حولها.
    كما يقدم العمل نقدًا حادًا للعنصرية المنهجية، والتمييز على أساس الجنس، والتنازلات الأخلاقية التي تتم داخل هياكل السلطة، إنه يجبرك على مواجهة الحقائق غير المريحة حول أسس المجتمع الحديث، ويُظهر مدى عمق الظلم الذي يمكن أن يستمر تحت ستار التقدم، فالتحقيق في وفاة كليو شيروود ليس مجرد لغز جريمة قتل؛ بل إنه استعارة لمحو الأصوات المهمشة في التاريخ، وأسئلة حاسمة حول من يُرى ومن يظل غير مرئي في السرد الأوسع للحلم الأمريكي.
    إنه مشوق بشكل خاص، فهو يجذبك ثم يدفعك بعيدًا، ويتركك معلقًا في حالة من عدم اليقين، فعندما تعتقد أنك قريب من فهم الصورة الكاملة ينحرف العمل تمامًا ويقدم طبقات جديدة من الشك والتعقيد، إنه يحاكي شكل من المد والجزر عندما يشاركك عاطفيًّا التجارب الخاصة للشخصيات خلال نضالها مع الحقيقة والوهم، مما يخلق تجربة مشاهدة غنية ومربكة في نفس الوقت.
    يؤكد lady in the lake على عجز الفرد داخل نظام أكبر وأكثر صرامة يحمي مصالحه الخاصة فقط، ويعمل هذا العمل الإبداعي على تعزيز الشعور باليأس والعزلة الذي تشعر به الشخصيات، حقيقةً إنه عمل يظل عالقاً في ذهنك لفترة طويلة بعد الانتهاء منه، مما يجبرك على التفكير في هشاشة الحقيقة والعدالة في عالم مبني على أسسٍ معيبة، ويتركك تتساءل حول مدى جديتنا كمجتمعات دول العالم الثالث بتوقع العدالة والحماية من نظام مبني على الخداع والقمع والكثير من التناقضات الأخلاقية منذ لحظة ولادته.
يعمل...
X