الفيلم الإيراني الجديد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
كيكتي المفضلة My Favorite Cake
لا أحسب أن هذا الفيلم قد كلّف إنتاجه أكثر من 10 آلاف دولار أو 20 ألفاً ، و بالكثير 50 ألف دولار ( و هذه من ميزات السينما الإيرانية ) ولكنه قدّم قيمةً إنسانية و سينمائية عالية من خلال حكاية بسيطة ولكنها وجودية ، عميقة جسّدها ممثلان اثنان فقط و في مكان واحد محدد ، هو بيت متواضع ، بلا ديكورات سينمائية مصممة ، فيما أزياء الممثلين أزياء عادية و بسيطة جداً و لا تتغير ، سوى أن بطلة الفيلم " مهين " تتغير ملابسها ثلاث أو أربع مرات في الفيلم ، و هي ملابس متواضعة ، أما بطل الفيلم " فارامارز " فلا تتغير ملابسه إلا في نهاية الفيلم . و عدا التمهيد ، الذي يستغرق بضع مشاهد ، فإن احداث الفيلم تدور ــ زمنياً ــ في ليلة واحدة ، و ــ مكانياً ــ في بيت " مهين " البالغة 70 سنة من عمرها ( لعبت دورها الممثلة القديرة المدهشة " ليلي فرهادبور " ) .
و هذا الفيلم ، هو أول فيلم ينتقد نظام الجمهورية الإسلامية في ايران بتلميحات واضحة ، فوجدت السلطات أن من حقها ــ بناءً على تلك التلميحات ــ أن تتصدى للفيلم و تمنع مخرجَيه الثنائي " مريم مقدم " و زوجها " بهتاش سنايئي " من السفر لحضور مهرجان برلين السينمائي في دورته لعام 2024 ، بعد أن حجزت جوازَي سفرهما و وجّهت اليهما تهمة جنائية . ولكن إدارة المهرجان وضعت صورة مشتركة لهما على كرسي فارغ طوال فترة الدورة .. تكريماً لهما و تضامناً معهما ، و قد وُضع الفيلم على قائمة المنافسة على جائزة الدب الذهبي الكبرى للمهرجان ، ولكن الجائزة ذهبت الى الفيلم الوثائقي ( داهومي ) للمخرجة الفرنسية ( سنغالية الأصل ) " ماتي ديوب " .
و إذ كان يؤْمَل ــ حتى الساعات الأخيرة ــ أن يُسمح للمخرجَيْن بالسفر الى برلين ، فقد تأكد منعهما ، ولكن سُمح لبطلة الفيلم الممثلة " ليلى فرهادبور" القيام بالرحلة ، فحملت معها رسالة من المخرجَين ، قرأتها نيابةً عنهما في المهرجان .. وجاء فيها : ( نشعر وكأننا أبَوان ممنوعان حتى من النظر إلى طفلهما حديث الولادة .. نحن حزينان و متعبان ، لكننا لسنا وحدنا . هذا هو سحر السينما .. السينما تجمعنا . إنها نافذة تفتح وقتاً و مكاناً يمكننا أن نلتقى فيه ) .
نحن أمام فيلم بسيط من حيث المبنى ولكنه عميق من حيث المعنى . الفيلم يلقي الضوء على محنة الإنسان ( رجلاً أو إمرأة ) الذي يجد نفسه وحيداً في مرحلة متقدمة من عمره ، و حين يلتفت الى الوراء يكتشف أن قطار عمره قد مَرّ في محطات فارغة دون أن يستمتع برحلة العمر .. إذ قضى ردحاً من هذا العمر وحيداً ، و قد قيدته الحشمة و الأعراف في بلد محكوم بقوانين جافة لا تقيم اعتباراً لمعنى التمتع بالحياة و بالجمال العاطفي .. سَنّها نظامٌ قمعي يؤمن و يغذي و يعتاش على ثقافة الغيبيات ، بما يثير ازدراء العالم ، بل ازدراء مواطنيه في الداخل قبل الجميع .. حيث تندلع الإحتجاجات في معظم المدن الإيرانية بين فترة و أخرى .
و هذا الفيلم هو تحية للمرأة الإيرانية التي يقع عليها الثقل الأكبر من ظلم النظام ، و تتمثل ثيمته الأساسية في تسليط الضوء على أحلامها بالحرية و التمتع بالحياة .. كما كانت حالـُها قبل عام 1979 ( عام ثورة " خميني " ) .
في أحد مشاهد الفيلم تسأل بطلته " مهين " سائق التاكسي عن فندق ( الحياة ) فيخبرها إن إسمه أصبح ( فندق الحرية ) ، ما يثير سخرية غير معلنة في داخلها ، لكنها تخبره بأن الفندق كان قد شهد حفلات للمطربَين الإيطاليَين " آل بانو " و زوجته " رومينا باور " ، في إشارة ضمنية الى الإنفتاح في عهد ما قبل ( الجمهورية الإسلامية ) ، و تضيف : ( كنا نتزيّن و نرتدي الأحذية ذات الكعب العالي و الفساتين المفتوحة من الأمام .. و لم يكن ثمة شيء من هذه الحجابات و الأحذية الرياضية ) ، وهذا بز لنظام ولاية الفقيه . و عندما تجلس في الحديقة العامة تسمع ضجةً فتذهب باتجاهها لتجد ما تسمى بـ ( شرطة الأخلاق ) تحاول اعتقال فتاتين بسبب زينتهما و عدم حجب شَعرهما بشكل كامل ، فتساعد في تخليص إحداهما فيما تأخذ الشرطةُ الفتاةَ الثانية ذات الشعر الملون ، فتسأل الشرطيَ ممتعضةً : ( هل تقتلها بسبب بضع خصلات من الشعر ؟ ) و في ذلك إشارة لمقتل الفتاة " مهسا أميني " التي قتلتها شرطة الأخلاق عام 2022 بسبب حجاب شعرها المتهدل ، فأثار ذلك موجة احتجات عارمة في جميع المدن الإيرانية ، كادت أن تطيح بالنظام لولا أنه تصدى لها بقسوة شديدة ، و قد عكست تلك الإحتجاجات مدى البغض و الرفض الذي يكنه الإيرانيون للنظام الذي يحكمهم ، بل أن الإحتجاجات على مقتل " مهسا أميني " اتخذت طابعاً دولياً شغل نشرات الأخبار العالمية على مدى أيام .. و قد تم تصوير جزء من هذا الفيلم ، سراً ، في الأيام الأولى لتلك الإحتجاجات . و عندما تستضيف " مهين " صديقها الجديد في بيتها تطرقُ جارتُها البابَ لتسألها إن كانت بخير لأنها سمعت صوت رجل في البيت ، و عندما يسألها عمن طرق الباب تجيبه أنها جارتها التي لأن زوجها يعمل لدى الحكومة تريد أن تجعل من نفسها وصية عليّ ، و في ذلك إشارة الى تدخل النظام في الشؤون الشخصية للمواطن . و هي عندما تسأله عما إذا كانت الحكومة قد عوّضته عن إصابته في الحرب الإيرانية العراقية يجيبها ساخراً بأنهم وعدوه بقبر مناسب . و هذه جميعها تشكـّـل بزاً و انتقاداً للنظام الإيراني وجدت فيه سلطة الرقابة السينمائية ذريعة لمنع مخرجَي الفيلم من حضور مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته لعام 2024 .
في الفيلم ، على الرغم من أن " مهين " في السبعين من عمرها ، إلا أنها متمسكة بالحياة و مازالت تبحث عن بهجتها ، لذلك تأخذ بنصيحة صديقتها في البحث عن خليلٍ يملأ فراغ حياتها بعد أن مضت ثلاثون سنة على وفاة زوجها ، في حين تعيش ابنتها الوحيدة في الخارج ، و هكذا تتعرف على سائق التاكسي " فارامارز " ( لعب دوره الممثل البارع " إسماعيل محرابي " ) ، و هو رجل يعيش وحيداً أيضاً بعد أن انفصل عن زوجته التي كانت على خطى النظام في التدين و التي كانت تطالبه بالصلاة و الصوم و هو الذي كان يصنع النبيذ في منزله بعد أن حظرَ النظامُ الخمور ، و الآن وجد في " مهين " نقيضاً حاداً لطليقته حين دعته الى صناعة النبيذ معاً و إخفاء الجرار في حديقتها . و أثناء المنادمة مع كؤوس الخمر يدور بينهما حديث جميل عن الوحدة .. و يبوح لها بخوفه الدائم من أن يموت وحيداً ، و هو ذات الهاجس الذي يراودها .. ما يعني أن ثمة أملاً في أن يعيشا معاً فيقضيا على هذا الهاجس ، و هذا الأمل سيتحقق له هو .. كما سنرى في نهاية الفيلم .
و إذ تدعوه الى منزلها فإن الفيلم يقدم مَشاهِدَ تحدٍ للنظام لم تشهدها صناعة السينما الإيرانية في عهد هذا النظام ، و ذلك حين أظهر " مهين " بدون حجاب ــ وحدَها ــ مع رجل غريب في بيتها و هي تشرب الخمر و ترقص معه ، في حين أن النظام يعتبر هذه المشاهد السينمائية ضرباً من الكبائر .
يلتقط الفيلم قصة بسيطة ولكنها عميقة ، تذكّرنا بالتقاطات كتـاب قصص عالميين كتبوا قصصاً بسيطة ولكنها مدهشة ، مثل الروسيَين " نيكولاي غوغول " ( 1809 ــ 1852 ) و " انتوان تشيكوف " ( 1860 ــ 1904 ) و الأرميني " وليم سارويان " ( 1908 ــ 1981 ) و " ادواردو غاليانو " ( 1940 ــ 2015 ) من بارغواري ، و الإيطالي " دينو بوتزاتي " ( 1906 ــ 1972 ) و " ماريو بنديتي " ( 1920 ــ 2009 ) من الأرغواي .
صحيح أن نصوص هؤلاء الكتاب العباقرة تبني حَيَواتٍ ذهنية لكن الأعمال البصرية الحركية : السينمائية و المسرحية التي تستلهم مناخات أولئك الكتاب تخلق نوعاً من الحميمية مع تلك الحيوات ، و يمكن القول أن صانعي هذا الفيلم ربما لم يخطر ببالهم أيٌّ من أعمال الكتّاب الذين ذكرناهم ولكن الفيلم يذكّرنا بعوالمهم و بالتقاطاتهم التي لم نكن ننتبه اليها على الرغم من أنها جزءٌ من حياتنا اليوميه فجاءوا هم فكتبوا عنها فنبّهونا اليها ، و هكذا فَعَلَ فيلم ( كيكتي المفضلة ) .
من وجهة نظري ، أرى أن عنوان الفيلم غير موفق ، إنْ لم أقل أنه ساذج ، فهو يبدو كما لو كان عنوانَ فيلم مخصص للأطفال ، في حين إنه يتوجه للبالغين .. و لكبار السن بالذات ، لأنه في الوقت الذي يطرح فيه مسألة وحدة الإنسان فهو يتصدى لممارسات النظام الإيراني الذي يتدخل في الشؤون الشخصية للمواطن ، و فيلم ثقيل الوزن ــ كهذا ــ لا يليق به أن يحمل عنواناً خفيفاً من مثل ( كيكتي المفضلة ) و كأن ثيمة الفيلم تنحصر في الكيكة المتواضعة التي صنعتها " مهين " في مطبخها المتواضع احتفاءاً بالصديق الذي مثّل ضالتها .
أي تبرير لهذا العنوان لن يرفع من قيمته درجة واحدة الى مستوى هذا الفيلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
كيكتي المفضلة My Favorite Cake
لا أحسب أن هذا الفيلم قد كلّف إنتاجه أكثر من 10 آلاف دولار أو 20 ألفاً ، و بالكثير 50 ألف دولار ( و هذه من ميزات السينما الإيرانية ) ولكنه قدّم قيمةً إنسانية و سينمائية عالية من خلال حكاية بسيطة ولكنها وجودية ، عميقة جسّدها ممثلان اثنان فقط و في مكان واحد محدد ، هو بيت متواضع ، بلا ديكورات سينمائية مصممة ، فيما أزياء الممثلين أزياء عادية و بسيطة جداً و لا تتغير ، سوى أن بطلة الفيلم " مهين " تتغير ملابسها ثلاث أو أربع مرات في الفيلم ، و هي ملابس متواضعة ، أما بطل الفيلم " فارامارز " فلا تتغير ملابسه إلا في نهاية الفيلم . و عدا التمهيد ، الذي يستغرق بضع مشاهد ، فإن احداث الفيلم تدور ــ زمنياً ــ في ليلة واحدة ، و ــ مكانياً ــ في بيت " مهين " البالغة 70 سنة من عمرها ( لعبت دورها الممثلة القديرة المدهشة " ليلي فرهادبور " ) .
و هذا الفيلم ، هو أول فيلم ينتقد نظام الجمهورية الإسلامية في ايران بتلميحات واضحة ، فوجدت السلطات أن من حقها ــ بناءً على تلك التلميحات ــ أن تتصدى للفيلم و تمنع مخرجَيه الثنائي " مريم مقدم " و زوجها " بهتاش سنايئي " من السفر لحضور مهرجان برلين السينمائي في دورته لعام 2024 ، بعد أن حجزت جوازَي سفرهما و وجّهت اليهما تهمة جنائية . ولكن إدارة المهرجان وضعت صورة مشتركة لهما على كرسي فارغ طوال فترة الدورة .. تكريماً لهما و تضامناً معهما ، و قد وُضع الفيلم على قائمة المنافسة على جائزة الدب الذهبي الكبرى للمهرجان ، ولكن الجائزة ذهبت الى الفيلم الوثائقي ( داهومي ) للمخرجة الفرنسية ( سنغالية الأصل ) " ماتي ديوب " .
و إذ كان يؤْمَل ــ حتى الساعات الأخيرة ــ أن يُسمح للمخرجَيْن بالسفر الى برلين ، فقد تأكد منعهما ، ولكن سُمح لبطلة الفيلم الممثلة " ليلى فرهادبور" القيام بالرحلة ، فحملت معها رسالة من المخرجَين ، قرأتها نيابةً عنهما في المهرجان .. وجاء فيها : ( نشعر وكأننا أبَوان ممنوعان حتى من النظر إلى طفلهما حديث الولادة .. نحن حزينان و متعبان ، لكننا لسنا وحدنا . هذا هو سحر السينما .. السينما تجمعنا . إنها نافذة تفتح وقتاً و مكاناً يمكننا أن نلتقى فيه ) .
نحن أمام فيلم بسيط من حيث المبنى ولكنه عميق من حيث المعنى . الفيلم يلقي الضوء على محنة الإنسان ( رجلاً أو إمرأة ) الذي يجد نفسه وحيداً في مرحلة متقدمة من عمره ، و حين يلتفت الى الوراء يكتشف أن قطار عمره قد مَرّ في محطات فارغة دون أن يستمتع برحلة العمر .. إذ قضى ردحاً من هذا العمر وحيداً ، و قد قيدته الحشمة و الأعراف في بلد محكوم بقوانين جافة لا تقيم اعتباراً لمعنى التمتع بالحياة و بالجمال العاطفي .. سَنّها نظامٌ قمعي يؤمن و يغذي و يعتاش على ثقافة الغيبيات ، بما يثير ازدراء العالم ، بل ازدراء مواطنيه في الداخل قبل الجميع .. حيث تندلع الإحتجاجات في معظم المدن الإيرانية بين فترة و أخرى .
و هذا الفيلم هو تحية للمرأة الإيرانية التي يقع عليها الثقل الأكبر من ظلم النظام ، و تتمثل ثيمته الأساسية في تسليط الضوء على أحلامها بالحرية و التمتع بالحياة .. كما كانت حالـُها قبل عام 1979 ( عام ثورة " خميني " ) .
في أحد مشاهد الفيلم تسأل بطلته " مهين " سائق التاكسي عن فندق ( الحياة ) فيخبرها إن إسمه أصبح ( فندق الحرية ) ، ما يثير سخرية غير معلنة في داخلها ، لكنها تخبره بأن الفندق كان قد شهد حفلات للمطربَين الإيطاليَين " آل بانو " و زوجته " رومينا باور " ، في إشارة ضمنية الى الإنفتاح في عهد ما قبل ( الجمهورية الإسلامية ) ، و تضيف : ( كنا نتزيّن و نرتدي الأحذية ذات الكعب العالي و الفساتين المفتوحة من الأمام .. و لم يكن ثمة شيء من هذه الحجابات و الأحذية الرياضية ) ، وهذا بز لنظام ولاية الفقيه . و عندما تجلس في الحديقة العامة تسمع ضجةً فتذهب باتجاهها لتجد ما تسمى بـ ( شرطة الأخلاق ) تحاول اعتقال فتاتين بسبب زينتهما و عدم حجب شَعرهما بشكل كامل ، فتساعد في تخليص إحداهما فيما تأخذ الشرطةُ الفتاةَ الثانية ذات الشعر الملون ، فتسأل الشرطيَ ممتعضةً : ( هل تقتلها بسبب بضع خصلات من الشعر ؟ ) و في ذلك إشارة لمقتل الفتاة " مهسا أميني " التي قتلتها شرطة الأخلاق عام 2022 بسبب حجاب شعرها المتهدل ، فأثار ذلك موجة احتجات عارمة في جميع المدن الإيرانية ، كادت أن تطيح بالنظام لولا أنه تصدى لها بقسوة شديدة ، و قد عكست تلك الإحتجاجات مدى البغض و الرفض الذي يكنه الإيرانيون للنظام الذي يحكمهم ، بل أن الإحتجاجات على مقتل " مهسا أميني " اتخذت طابعاً دولياً شغل نشرات الأخبار العالمية على مدى أيام .. و قد تم تصوير جزء من هذا الفيلم ، سراً ، في الأيام الأولى لتلك الإحتجاجات . و عندما تستضيف " مهين " صديقها الجديد في بيتها تطرقُ جارتُها البابَ لتسألها إن كانت بخير لأنها سمعت صوت رجل في البيت ، و عندما يسألها عمن طرق الباب تجيبه أنها جارتها التي لأن زوجها يعمل لدى الحكومة تريد أن تجعل من نفسها وصية عليّ ، و في ذلك إشارة الى تدخل النظام في الشؤون الشخصية للمواطن . و هي عندما تسأله عما إذا كانت الحكومة قد عوّضته عن إصابته في الحرب الإيرانية العراقية يجيبها ساخراً بأنهم وعدوه بقبر مناسب . و هذه جميعها تشكـّـل بزاً و انتقاداً للنظام الإيراني وجدت فيه سلطة الرقابة السينمائية ذريعة لمنع مخرجَي الفيلم من حضور مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته لعام 2024 .
في الفيلم ، على الرغم من أن " مهين " في السبعين من عمرها ، إلا أنها متمسكة بالحياة و مازالت تبحث عن بهجتها ، لذلك تأخذ بنصيحة صديقتها في البحث عن خليلٍ يملأ فراغ حياتها بعد أن مضت ثلاثون سنة على وفاة زوجها ، في حين تعيش ابنتها الوحيدة في الخارج ، و هكذا تتعرف على سائق التاكسي " فارامارز " ( لعب دوره الممثل البارع " إسماعيل محرابي " ) ، و هو رجل يعيش وحيداً أيضاً بعد أن انفصل عن زوجته التي كانت على خطى النظام في التدين و التي كانت تطالبه بالصلاة و الصوم و هو الذي كان يصنع النبيذ في منزله بعد أن حظرَ النظامُ الخمور ، و الآن وجد في " مهين " نقيضاً حاداً لطليقته حين دعته الى صناعة النبيذ معاً و إخفاء الجرار في حديقتها . و أثناء المنادمة مع كؤوس الخمر يدور بينهما حديث جميل عن الوحدة .. و يبوح لها بخوفه الدائم من أن يموت وحيداً ، و هو ذات الهاجس الذي يراودها .. ما يعني أن ثمة أملاً في أن يعيشا معاً فيقضيا على هذا الهاجس ، و هذا الأمل سيتحقق له هو .. كما سنرى في نهاية الفيلم .
و إذ تدعوه الى منزلها فإن الفيلم يقدم مَشاهِدَ تحدٍ للنظام لم تشهدها صناعة السينما الإيرانية في عهد هذا النظام ، و ذلك حين أظهر " مهين " بدون حجاب ــ وحدَها ــ مع رجل غريب في بيتها و هي تشرب الخمر و ترقص معه ، في حين أن النظام يعتبر هذه المشاهد السينمائية ضرباً من الكبائر .
يلتقط الفيلم قصة بسيطة ولكنها عميقة ، تذكّرنا بالتقاطات كتـاب قصص عالميين كتبوا قصصاً بسيطة ولكنها مدهشة ، مثل الروسيَين " نيكولاي غوغول " ( 1809 ــ 1852 ) و " انتوان تشيكوف " ( 1860 ــ 1904 ) و الأرميني " وليم سارويان " ( 1908 ــ 1981 ) و " ادواردو غاليانو " ( 1940 ــ 2015 ) من بارغواري ، و الإيطالي " دينو بوتزاتي " ( 1906 ــ 1972 ) و " ماريو بنديتي " ( 1920 ــ 2009 ) من الأرغواي .
صحيح أن نصوص هؤلاء الكتاب العباقرة تبني حَيَواتٍ ذهنية لكن الأعمال البصرية الحركية : السينمائية و المسرحية التي تستلهم مناخات أولئك الكتاب تخلق نوعاً من الحميمية مع تلك الحيوات ، و يمكن القول أن صانعي هذا الفيلم ربما لم يخطر ببالهم أيٌّ من أعمال الكتّاب الذين ذكرناهم ولكن الفيلم يذكّرنا بعوالمهم و بالتقاطاتهم التي لم نكن ننتبه اليها على الرغم من أنها جزءٌ من حياتنا اليوميه فجاءوا هم فكتبوا عنها فنبّهونا اليها ، و هكذا فَعَلَ فيلم ( كيكتي المفضلة ) .
من وجهة نظري ، أرى أن عنوان الفيلم غير موفق ، إنْ لم أقل أنه ساذج ، فهو يبدو كما لو كان عنوانَ فيلم مخصص للأطفال ، في حين إنه يتوجه للبالغين .. و لكبار السن بالذات ، لأنه في الوقت الذي يطرح فيه مسألة وحدة الإنسان فهو يتصدى لممارسات النظام الإيراني الذي يتدخل في الشؤون الشخصية للمواطن ، و فيلم ثقيل الوزن ــ كهذا ــ لا يليق به أن يحمل عنواناً خفيفاً من مثل ( كيكتي المفضلة ) و كأن ثيمة الفيلم تنحصر في الكيكة المتواضعة التي صنعتها " مهين " في مطبخها المتواضع احتفاءاً بالصديق الذي مثّل ضالتها .
أي تبرير لهذا العنوان لن يرفع من قيمته درجة واحدة الى مستوى هذا الفيلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ