الكتابة بملابس النوم
إلى وقت قريب، كان تصوري أن الأفلام العربية وحدها هي التي تتخصص في تضخيم دور الكاتب أو الروائي أو حتى الصحفي، ذلك الكائن المتفرد الذي يمتلك شهرة واسعة في المجتمع لدرجة أن هذه الشهرة تعرقل أحياناً انسيابية حياته اليومية!
في بعض المشاهد، ينزل هذا الكاتب (أو الكاتبة) من برجه العاجي ليلتقي بجمهوره الغفير في برنامج تلفزيوني أو حفلة تنكرية، ثم يعاني ما يعانيه من مطاردة أصحاب دور النشر له وهم يستعجلونه لإتمام روايته الجديدة، لأن القرّاء ينتظرون على باب المكتبات على أحرّ من الجمر.
لكن مشاهدتي لفيلم "قلعة عيد الميلاد" أو "قلعة الكريسماس"، الذي عرض على شبكة نيتفليكس، غير هذه الصورة. الفيلم يدور حول موضوع احتفالات الكريسماس وأعياد رأس السنة الميلادية، بكل ما تحتويه من تفاصيل مبهرة اعتادها الجمهور حتى الملل.. فيلم كوميدي رومانسي، إنتاج 2021 للنجمة بروك شيلدز بمشاركة كاري إلويس الممثل والكاتب البريطاني وإخراج ماري لامبرت، أما الكتابة فهي مشاركة بين الكاتبتين آلي كارتر وهي متخصصة في أدب الأطفال خاصة الحكايات الخيالية ومعها كيم بيير جونسون وهي منتجة وكاتبة سيناريو لبعض برامج ومسلسلات التلفزيون.
الشخصية المحورية في الفيلم تتحدث عن حياة كاتبة جماهيرية، تتحصل كتبها على أعلى المبيعات وتحتفظ بعدد لا محدود من المتابعين والمعجبين، لكنها تتعرض إلى هجوم بعد أن خذلت قرائها في الكتاب الأخير.
في إحدى المشاهد الاستهلالية وهي ترد على أسئلة مقدمة البرنامج التي تحاول الحصول على إجابتها فيما يتعلق بمصير بطل روايتها الأخيرة.
تقول الكاتبة صوفي (بروك شيلدز):
"أنا مندهشة لأنني وصلت إلى هنا حية"!
-"لماذا قتلته، ما الذي يعطيك الحق في إنهاء حياته؟"، تجيبها المذيعة بينما تعرض خلفية للحوار؛ تجمع لجمهور الكاتبة الغاضب وهو يحمل لافتات غاضبة بسبب المصير التراجيدي لبطل القصة!
كل الناس في الشارع يعرفون صوفي (بروك شيلدز) ويعرفون بطل قصتها، كما يحفظون عن ظهر قلب مجمل أعمالها التي تدور في القالب الرومانسي ذاته، الحب والصراع من أجل البقاء داخل محيطه.
للهروب من الفضيحة ، تسافر الكاتبة الأمريكية ذائعة الصيت إلى اسكتلندا ، حيث تقع في حب قلعة وتواجه الدوق الغاضب الذي يمتلكها.
اسكتلندا؛ مكان هادئ يمكن أن يعيد إليها اتزانها بعد الدعاية السلبية التي حصدها كتابها الأخير، لكن في الوقت الذي تحاول فيه أن تتخلص من عبء شهرتها، تتعرف إليها موظفة الاستقبال التي تلتقيها في نزل القرية الأسكتلندية الساحرة، تتعرف إليها منبهرة– يا للروعة- وتحدثها عن بطل روايتها الأخيرة بمنظور مختلف تماماً عما كان يثير غضب جمهورها الأمريكي. تقول موظفة الاستقبال الأسكتلندية: "لماذا انتظرت ِ طويلاً لتقتلي البطل؟".
تسير الأحداث بعد ذلك، على ذات النسق الذي اعتدناه في أفلام (الأعياد)؛ مشاهد مبهرة وأضواء ليلية ساحرة، قصة حب تتأسس على علاقة فاشلة سابقة. وفي النهاية يحصل الأبطال على السعادة وهم يتناولون كوب القهوة بالشوكولاتة في الصباح الأول ليلة العيد.
العقدة الوحيدة التي أظهرها الفيلم هي محاولة الكاتبة البدء بروايتها الجديدة وكالعادة، فهي تعاني ما تعانيه لكتابة المقدمة حين تخبر مديرة أعمالها: "تبقى أسبوع قبل عيد الميلاد، أحتاج إلى كتابة الصفحة الأولى على الأقل".
من دون شك، مرّ بعض الكتاب بمثل هذه التجربة الجماهيرية مثل (جي. كي. رولينغ)، كاتبة سلسلة هاري بوتر الشهيرة.. لسبب بسيط جداً؛ هو أنها مبدعة في الأساس تحصلت على مقومات النجاح حتى في اختيارها الموضوع والفئة العمرية المستهدفة، والأهم من ذلك أن أعمالها في المجمل تحولت إلى حكايات سينمائية كانت تهدى للجمهور في مواسم الأعياد والعطلات. في حين لم يحظى أغلب المبدعين بمثل هذه الفرصة، ومعظمهم من اتخذ حرفة الكتابة عملاً وهاجساً وقدراً أيضاً إلا أنه كان عاجزاً؛ إذ أن الكتّاب والكاتبات (بصورة أكثر وضوحاً) هم الفئة الأكثر تضرراً من تغول التقنية على مسارب الحياة الاجتماعية للناس، فبات توزيع الكتب والترويج لها عملية مرهقة لأصحاب دور النشر لذلك فهم قلما يتعاملون مع الأسماء الجديدة أو (الهشة) في عالم الكتابة، خوفاً من أن يتكبدوا خسائر مادية وهذا الأمر اضطر عديد من المشتغلين في حقل الكتابة لطبع وترويج نشاطهم الكتابي من أموالهم الشخصية، هذا إذا تسنى لهم امتلاك الأموال التي تغطي هذه التكلفة الباهظة. هذه الأسباب وغيرها أدت إلى تسطيح المحتوى، وبالتالي فإن القصص التي وجدت طريقها للشهرة أو السينما تم طبخها على عجل من قبل أشخاص غير متخصصين أو أنهم لا يمتلكون مقومات الكتابة الإبداعية، وكان وجودهم في دائرة الضوء مجرد مصادفة أو ارتباط معين بجهة الإنتاج.
في تقييمه لفيلم (قلعة عيد الميلاد)، كتب أحد القراء: يبدو أن الفيلم ينتمي إلى سلسلة الأفلام المعتادة التي ندمنها جميعاً في هذا الوقت من العام ، حيث تأتي العبارات المبتذلة الدافئة كثيفة وسريعة.
كتب محرر إحدى الصحف: لا يحتوي موضوع الفيلم على حبكة واضحة أو حتى صراع، وهو قد لا يرقى إلى القصة، مجرد مشاهد جيدة غير مؤذة للعين"! "
هناك الكثير من العبارات الضعيفة والمشاهد الهشة، التي أجادت إخراجها كاتبة السيناريو من كومة الأنقاض هذه. نستطيع مثلاً أن نختار تلك الكلمات التي جاءت على لسان الكاتبة صوفي وهي تقول لابنتها ببساطة: " أصبحت كاتبة، لأتمكن من الكتابة بملابس النوم"!
https://www.youtube.com/watch?v=T_Jb...hannel=Netflix