أدب اليافعين مطالب بالتعبير عن قضايا جيل "زد"
مراهقون يقرأون روايات عالمية لتميزها بروح المغامرة والتشويق.
الخميس 2024/12/12
ShareWhatsAppTwitterFacebook
المراهقون الجدد هم أصعب القراء
إذا كان أدب الطفل يتطلب من الكتاب والرسامين أعمالا مدروسة في دقتها واهتماما بمختلف التفاصيل لجذب الطفل والتأثير إيجابيا فيه، فإن أدب اليافعين مطالب بمستوى أكبر من الدقة والاهتمام بالتفاصيل، ما يخلق تحديا كبيرا أمام الكتاب وبالتالي نقص من يكتبون لهذه الفئة. وهو ما بدأ الأدب العربي يحاول تجاوزه تدريجيا وإن بصعوبة.
القاهرة - قد يظن البعض أن الكتابة للمراهقين، أو ما يُعرف بأدب اليافعة، أو روايات اليافعين، أمرًا سهلًا، لكن في الحقيقة هذا النوع من الأدب الصاعد، يبدو صعبا وشائكا ويواجه تحديات على مستوى الكتابة والقضايا التي تعبر عن اليافعين بصدق.
يُكتب أدب اليافعين للفئة العمرية بين 12- 18 سنة، وهم العالقون بين مرحلتي الطفولة والُرشد، ويركز على القضايا التي تعنيهم، وتعبر عنهم نفسيًا وعاطفيًا واجتماعيًا، وتكون أحداثها سريعة ومشوقة وتتميز بالسرد السلس.
ومن التحديات التي تواجهه أن المؤلف لا يكتب لطفل قصة تعليمية أو يوجه رسالة تربوية وأخلاقية، كما يفعل عند الكتابة للطفولة المبكرة أو لفئة الأطفال، لكنه يكتب لمُتلقين على أول درجات المسؤولية وتطور الذات ونمو الوعي، ناهيك عن التقلبات النفسية التي يعانيها المراهق، فلا يجب أن يقلل الكُتاب من احتياجاتهم العاطفية.
المراهقون وندرة المؤلفين
يخاطب أدب اليافعين هذه الفئة العمرية بحذر شديد، لكن هناك ما هو أخطر، فاليافعون ليسوا مثل كل جيل مر من قبل، فهم من يُطلق عليهم جيل “زد” أو Gen Z، والذي وُلد خلال الفترة من 1997 -2012، وهو أول جيل نشأ على التكنولوجيا والإنترنت، والصعوبة التي تقع على عاتق الكاتب أن يقدم لهؤلاء المنفتحين على الثقافات والتيارات الفكرية قضايا يفضلون قراءتها وتعبر عنهم.
يقول الكاتب المصري أحمد قرني، وهو من المهتمين بأدب اليافعين وله إسهامات فيه، من المهم في هذا الأدب أن يطرح القضايا التي تشغل عقول هذه الفئة العمرية، وتدور غالبا حول شاب أو فتاة في هذه المرحلة، وتختلف الموضوعات المطروحة، حسب سقف الحرية وثقافة كل مجتمع وما يحيط نفسه به من محرمات و”تابوهات”، والتي قد تحد من حرية الكاتب في اختيار الموضوع، وكيفية تناوله وطرحه.
أحمد قرني: قضايا اللاجئين والحروب أكثر جذبا للقراء اليافعين
ويضيف لـ”العرب” تتنوع الموضوعات التي تناقش حياة اليافعين بين الصداقة والحب والعلاقات الجنسية، والمال والثروة والطلاق والعلاقات الأسرية وتأثيرها عليه، وقد يكون أبطال روايات اليافعين من نفس عمر القراء، كي يتوحدوا معهم. ويؤكد قرني، الحاصل على جوائز مصرية وعربية عدة، منها جائزة كتارا والشارقة وساويرس، أن هناك تفاوتا بين الكتاب في قدرتهم على التعبير عن عالم اليافعين الواسع، حيث اتسعت قضاياهم، إذ يوجد اهتمام كبير باللاجئين والحروب والنزاعات المسلحة والتهجير القسري والحياة داخل المخيمات والإرهاب والعالم الرقمي.
إذا كان كُتاب أدب اليافعين، خاصة البارعين منهم يعرفون جيدًا القضايا التي يجب طرحها وتهم هذه الفئة، فماذا عن دور النشر، هل تجد مطلبها عند هؤلاء الكُتاب؟ تذكر الكاتبة السورية يمام خرتش، التي تم اختيار قصتها “استيقظت وأنا فراشة” لتدريسها في المنهج الفلسطيني المقرر على الصف الخامس الابتدائي، لـ”العرب” أنها لا تجد صعوبة فيما يتعلق بانتقاء الأفكار، فمعظم الموضوعات في أدب اليافعين لم تتم تغطيتها لأنه أدب ناشئ في الوطن العربي، لكن الفئة من 9 إلى 13 تحبّذ قصص المغامرات والخيال، وأن التحدي يكمن في قولبة أي موضوع في شكل مغامر ومشوّق، بحيث يشدّ الطفل، ومن السهل جدًا أن يضع الطفل الكتاب جانبًا ويتّجه إلى وسائل الترفيه المغرية أكثر.
وتوضح لـ”العرب” أنه بالنسبة إلى الفئة من 14 إلى 18 سنة تواجه تحوّلات كبرى حول الهوية والعلاقات والضغوط المجتمعية والمستقبل، وتفضّل القصص التي تحفزهم فكريًا وتثير تساؤلاتهم، وأن الكتابة لهذه الفئة تتطلّب فهمًا عميقًا للقضايا وتقديمها بواقعية، وأن تمثّلهم شخصيات القصص بصورة حقيقية، وتعبّر بالفعل عنهم.
تقول ياسمين سمير حماقي مدير تحرير للنشر ولها خبرة طويلة في دور نشر متعددة إن لكل مرحلة أهداف ومعايير تضعها دور النشر بخطتها التحريرية، وأن احتياجات فئة اليافعين متباينة وتتطور تطورًا سريعًا وتتغير اهتماماتهم بشكل واضح. وتشير في حديثها لـ”العرب” إلى أنها حينما تستقبل أعمال الكُتاب في أدب اليافعين تركز في اختيارها على حداثة موضوع الرواية وجاذبيته وتقديم قيم اجتماعية وثقافية ومتعة في القراءة، ومن المهم وجود حبكة قوية وسرد متماسك وجذاب يلائم هذه الفئة.
ويلفت أحمد البسطاويسي صاحب دار زهرة للنشر والتوزيع الإماراتية إلى أن الكتابة لليافعين تواجه تحديًا صعبًا في الوطن العربي، حيث هناك نقص في النصوص المناسبة، فالكتابة لهذه الفئة تتطلب توازنًا بين الترفيه والثقافة، وهو أمر ليس من السهل الوصول إليه، وبالفعل هناك ندرة في الكُتاب البارعين في هذا النوع الأدبي. ويضيف لـ”العرب” أن روايات اليافعين تتطلب لغة سلسة ومليئة بالتشويق ومعالجة قريبة من حياة المراهقين بطريقة ذكية، وبعض الكُتاب هم من يمتلكون مهارات تساعدهم على جذب تلك الفئة العمرية.
زيادة ملحوظة
على عكس كلام البسطاويسي، فإن الكاتب أحمد قرني يرى أنه لا توجد لدينا في العالم العربي ندرة في إنتاج أدبي حقيقي لليافعين، فقد انتشر هذا النوع من الكتابة وأقبلت بعض دور النشر على إصدار روايات للمراهقين، لأنه سوق رائج، كما أن من عوامل انتشاره أن بعض المؤسسات الكبرى رصدت جوائز ضخمة لكتاب أدب اليافعين، وهذا شجع الكثير من المؤلفين ودور النشر على زيادة الإصدارات.
أحمد البسطاويسي: تحويل روايات اليافعين إلى أعمال فنية ساهم في شهرتها
ومن الواضح أن روايات اليافعين لم تزدهر في الوطن العربي سوى في السنوات الماضية، وقد كانت ولا زالت متطلبات المراهقين تدور في فلك قراءة الروايات الأجنبية، المليئة بالغموض والتشويق والمغامرة، مثل “جزيرة الكنز” التي ألفها الكاتب الأسكتلندي روبرت لويس ستيفنسون، ونُشرت في نسختها الأولى عام 1883، وهناك روايات تحولت إلى أعمال فنية حققت نجاحًا عالميًا، مثل رواية”هاري بوتر”، التي تدور أحداثها في عالم السحر والغموض والفانتازيا، وهي لمؤلفة بريطانية اسمها جي كي رولينغ ونشرت أول جزء منها عام 1997، وتحصد هذه المؤلفة أرباحا سنوية مالية كبيرة من مؤلفاتها للبالغين، كذلك الرواية الخيالية “أليس في بلاد العجائب”، من تأليف لويس كارول، و”ألعاب الجوع ” للمؤلفة سوزان كولينز.
يؤكد الكاتب أحمد قرني لـ”العرب” أنه لم تكن المكتبات العربية تضم بين جنباتها قسمًا خاصًا بأدب اليافعين، لكن العقد الأخير شهد زيادة كبيرة في الإنتاج الأدبي الذي يخاطب المراهقين العرب، وبدايات الكتابة لليافعين متأصلة في تاريخ الكتابة العربية، ولعل كتاب “حي بن يقظان” لابن طفيل تجربة رائدة وشاهدة على الكتابة للفتيان، وحكايات الجاحظ عن الحيوانات في كتابه “الحيوان” تعد نواة أولى لكتابة اليافعين بمفهومها الواسع.
ويوضع كتاب “كليلة ودمنة” من تلك النماذج الناجحة على لسان الحيوان، فالعرب في تاريخهم من أكثر الأمم التي كانت مولعة بالحكي مثل حكايات أبوزيد الهلالي. وأوضح قرني أن الغرب بدأ في تجربة الكتابة لليافعين منذ ردح طويل من الزمن، بينما ابتعد العرب كثيرًا، واصفًا الأدب الموجه إلى اليافعين في الدول العربية بأنه أدب حديث نسبيًا، وأنه في العقود الماضية كانت القصص المتوفرة لليافعين في الدول العربية مترجمة في معظمها، مثل مغامرات “أرسين لوبين” البوليسية وسلسلة “المغامرون الخمسة” التي أصدرتها دار المعارف بمصر لمؤلفها محمود سالم، واقتبسها من سلسلة للكاتبة اينيد بلايتن، وأتبعتها دار المعارف بسلاسل مشابهة لكتاب آخرين، مثل “المخبرون الأربعة”، و ”المغامرون الثلاثة.”
ويرجع أحمد البسطاويسي إقبال اليافعين على الروايات الأجنبية إلى أنها أكثر جاذبية، فضلا عن ضعف التسويق والإنتاج العربي ما جعل الروايات المحلية أقل قدرة على المنافسة، وما يزيد شهرة الروايات الأجنبية هو تحويلها إلى أعمال فنية تمنحها شهرة مضاعفة حول العالم، وهذا لا يتوفر للروايات العربية بسبب قلة التمويل وضعف التعاون بين المؤلفين وصناع السينما، وغياب الدعم الكافي من المؤسسات الثقافية والوزارات التعليمية لتشجيع القراءة بين اليافعين.
وتشدد الكاتبة يمام خرتش في حديثها لـ”العرب” على تزايد إقبال دور النشر على روايات اليافعين أكثر من القصص المصورة أو تلك المخصصة للطفولة المبكرة، وأن المسابقات الأدبية أنعشت روايات أدب اليافعين.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
نجوى درديري
كاتبة مصرية
مراهقون يقرأون روايات عالمية لتميزها بروح المغامرة والتشويق.
الخميس 2024/12/12
ShareWhatsAppTwitterFacebook
المراهقون الجدد هم أصعب القراء
إذا كان أدب الطفل يتطلب من الكتاب والرسامين أعمالا مدروسة في دقتها واهتماما بمختلف التفاصيل لجذب الطفل والتأثير إيجابيا فيه، فإن أدب اليافعين مطالب بمستوى أكبر من الدقة والاهتمام بالتفاصيل، ما يخلق تحديا كبيرا أمام الكتاب وبالتالي نقص من يكتبون لهذه الفئة. وهو ما بدأ الأدب العربي يحاول تجاوزه تدريجيا وإن بصعوبة.
القاهرة - قد يظن البعض أن الكتابة للمراهقين، أو ما يُعرف بأدب اليافعة، أو روايات اليافعين، أمرًا سهلًا، لكن في الحقيقة هذا النوع من الأدب الصاعد، يبدو صعبا وشائكا ويواجه تحديات على مستوى الكتابة والقضايا التي تعبر عن اليافعين بصدق.
يُكتب أدب اليافعين للفئة العمرية بين 12- 18 سنة، وهم العالقون بين مرحلتي الطفولة والُرشد، ويركز على القضايا التي تعنيهم، وتعبر عنهم نفسيًا وعاطفيًا واجتماعيًا، وتكون أحداثها سريعة ومشوقة وتتميز بالسرد السلس.
ومن التحديات التي تواجهه أن المؤلف لا يكتب لطفل قصة تعليمية أو يوجه رسالة تربوية وأخلاقية، كما يفعل عند الكتابة للطفولة المبكرة أو لفئة الأطفال، لكنه يكتب لمُتلقين على أول درجات المسؤولية وتطور الذات ونمو الوعي، ناهيك عن التقلبات النفسية التي يعانيها المراهق، فلا يجب أن يقلل الكُتاب من احتياجاتهم العاطفية.
المراهقون وندرة المؤلفين
يخاطب أدب اليافعين هذه الفئة العمرية بحذر شديد، لكن هناك ما هو أخطر، فاليافعون ليسوا مثل كل جيل مر من قبل، فهم من يُطلق عليهم جيل “زد” أو Gen Z، والذي وُلد خلال الفترة من 1997 -2012، وهو أول جيل نشأ على التكنولوجيا والإنترنت، والصعوبة التي تقع على عاتق الكاتب أن يقدم لهؤلاء المنفتحين على الثقافات والتيارات الفكرية قضايا يفضلون قراءتها وتعبر عنهم.
يقول الكاتب المصري أحمد قرني، وهو من المهتمين بأدب اليافعين وله إسهامات فيه، من المهم في هذا الأدب أن يطرح القضايا التي تشغل عقول هذه الفئة العمرية، وتدور غالبا حول شاب أو فتاة في هذه المرحلة، وتختلف الموضوعات المطروحة، حسب سقف الحرية وثقافة كل مجتمع وما يحيط نفسه به من محرمات و”تابوهات”، والتي قد تحد من حرية الكاتب في اختيار الموضوع، وكيفية تناوله وطرحه.
أحمد قرني: قضايا اللاجئين والحروب أكثر جذبا للقراء اليافعين
ويضيف لـ”العرب” تتنوع الموضوعات التي تناقش حياة اليافعين بين الصداقة والحب والعلاقات الجنسية، والمال والثروة والطلاق والعلاقات الأسرية وتأثيرها عليه، وقد يكون أبطال روايات اليافعين من نفس عمر القراء، كي يتوحدوا معهم. ويؤكد قرني، الحاصل على جوائز مصرية وعربية عدة، منها جائزة كتارا والشارقة وساويرس، أن هناك تفاوتا بين الكتاب في قدرتهم على التعبير عن عالم اليافعين الواسع، حيث اتسعت قضاياهم، إذ يوجد اهتمام كبير باللاجئين والحروب والنزاعات المسلحة والتهجير القسري والحياة داخل المخيمات والإرهاب والعالم الرقمي.
إذا كان كُتاب أدب اليافعين، خاصة البارعين منهم يعرفون جيدًا القضايا التي يجب طرحها وتهم هذه الفئة، فماذا عن دور النشر، هل تجد مطلبها عند هؤلاء الكُتاب؟ تذكر الكاتبة السورية يمام خرتش، التي تم اختيار قصتها “استيقظت وأنا فراشة” لتدريسها في المنهج الفلسطيني المقرر على الصف الخامس الابتدائي، لـ”العرب” أنها لا تجد صعوبة فيما يتعلق بانتقاء الأفكار، فمعظم الموضوعات في أدب اليافعين لم تتم تغطيتها لأنه أدب ناشئ في الوطن العربي، لكن الفئة من 9 إلى 13 تحبّذ قصص المغامرات والخيال، وأن التحدي يكمن في قولبة أي موضوع في شكل مغامر ومشوّق، بحيث يشدّ الطفل، ومن السهل جدًا أن يضع الطفل الكتاب جانبًا ويتّجه إلى وسائل الترفيه المغرية أكثر.
وتوضح لـ”العرب” أنه بالنسبة إلى الفئة من 14 إلى 18 سنة تواجه تحوّلات كبرى حول الهوية والعلاقات والضغوط المجتمعية والمستقبل، وتفضّل القصص التي تحفزهم فكريًا وتثير تساؤلاتهم، وأن الكتابة لهذه الفئة تتطلّب فهمًا عميقًا للقضايا وتقديمها بواقعية، وأن تمثّلهم شخصيات القصص بصورة حقيقية، وتعبّر بالفعل عنهم.
تقول ياسمين سمير حماقي مدير تحرير للنشر ولها خبرة طويلة في دور نشر متعددة إن لكل مرحلة أهداف ومعايير تضعها دور النشر بخطتها التحريرية، وأن احتياجات فئة اليافعين متباينة وتتطور تطورًا سريعًا وتتغير اهتماماتهم بشكل واضح. وتشير في حديثها لـ”العرب” إلى أنها حينما تستقبل أعمال الكُتاب في أدب اليافعين تركز في اختيارها على حداثة موضوع الرواية وجاذبيته وتقديم قيم اجتماعية وثقافية ومتعة في القراءة، ومن المهم وجود حبكة قوية وسرد متماسك وجذاب يلائم هذه الفئة.
ويلفت أحمد البسطاويسي صاحب دار زهرة للنشر والتوزيع الإماراتية إلى أن الكتابة لليافعين تواجه تحديًا صعبًا في الوطن العربي، حيث هناك نقص في النصوص المناسبة، فالكتابة لهذه الفئة تتطلب توازنًا بين الترفيه والثقافة، وهو أمر ليس من السهل الوصول إليه، وبالفعل هناك ندرة في الكُتاب البارعين في هذا النوع الأدبي. ويضيف لـ”العرب” أن روايات اليافعين تتطلب لغة سلسة ومليئة بالتشويق ومعالجة قريبة من حياة المراهقين بطريقة ذكية، وبعض الكُتاب هم من يمتلكون مهارات تساعدهم على جذب تلك الفئة العمرية.
زيادة ملحوظة
على عكس كلام البسطاويسي، فإن الكاتب أحمد قرني يرى أنه لا توجد لدينا في العالم العربي ندرة في إنتاج أدبي حقيقي لليافعين، فقد انتشر هذا النوع من الكتابة وأقبلت بعض دور النشر على إصدار روايات للمراهقين، لأنه سوق رائج، كما أن من عوامل انتشاره أن بعض المؤسسات الكبرى رصدت جوائز ضخمة لكتاب أدب اليافعين، وهذا شجع الكثير من المؤلفين ودور النشر على زيادة الإصدارات.
أحمد البسطاويسي: تحويل روايات اليافعين إلى أعمال فنية ساهم في شهرتها
ومن الواضح أن روايات اليافعين لم تزدهر في الوطن العربي سوى في السنوات الماضية، وقد كانت ولا زالت متطلبات المراهقين تدور في فلك قراءة الروايات الأجنبية، المليئة بالغموض والتشويق والمغامرة، مثل “جزيرة الكنز” التي ألفها الكاتب الأسكتلندي روبرت لويس ستيفنسون، ونُشرت في نسختها الأولى عام 1883، وهناك روايات تحولت إلى أعمال فنية حققت نجاحًا عالميًا، مثل رواية”هاري بوتر”، التي تدور أحداثها في عالم السحر والغموض والفانتازيا، وهي لمؤلفة بريطانية اسمها جي كي رولينغ ونشرت أول جزء منها عام 1997، وتحصد هذه المؤلفة أرباحا سنوية مالية كبيرة من مؤلفاتها للبالغين، كذلك الرواية الخيالية “أليس في بلاد العجائب”، من تأليف لويس كارول، و”ألعاب الجوع ” للمؤلفة سوزان كولينز.
يؤكد الكاتب أحمد قرني لـ”العرب” أنه لم تكن المكتبات العربية تضم بين جنباتها قسمًا خاصًا بأدب اليافعين، لكن العقد الأخير شهد زيادة كبيرة في الإنتاج الأدبي الذي يخاطب المراهقين العرب، وبدايات الكتابة لليافعين متأصلة في تاريخ الكتابة العربية، ولعل كتاب “حي بن يقظان” لابن طفيل تجربة رائدة وشاهدة على الكتابة للفتيان، وحكايات الجاحظ عن الحيوانات في كتابه “الحيوان” تعد نواة أولى لكتابة اليافعين بمفهومها الواسع.
ويوضع كتاب “كليلة ودمنة” من تلك النماذج الناجحة على لسان الحيوان، فالعرب في تاريخهم من أكثر الأمم التي كانت مولعة بالحكي مثل حكايات أبوزيد الهلالي. وأوضح قرني أن الغرب بدأ في تجربة الكتابة لليافعين منذ ردح طويل من الزمن، بينما ابتعد العرب كثيرًا، واصفًا الأدب الموجه إلى اليافعين في الدول العربية بأنه أدب حديث نسبيًا، وأنه في العقود الماضية كانت القصص المتوفرة لليافعين في الدول العربية مترجمة في معظمها، مثل مغامرات “أرسين لوبين” البوليسية وسلسلة “المغامرون الخمسة” التي أصدرتها دار المعارف بمصر لمؤلفها محمود سالم، واقتبسها من سلسلة للكاتبة اينيد بلايتن، وأتبعتها دار المعارف بسلاسل مشابهة لكتاب آخرين، مثل “المخبرون الأربعة”، و ”المغامرون الثلاثة.”
ويرجع أحمد البسطاويسي إقبال اليافعين على الروايات الأجنبية إلى أنها أكثر جاذبية، فضلا عن ضعف التسويق والإنتاج العربي ما جعل الروايات المحلية أقل قدرة على المنافسة، وما يزيد شهرة الروايات الأجنبية هو تحويلها إلى أعمال فنية تمنحها شهرة مضاعفة حول العالم، وهذا لا يتوفر للروايات العربية بسبب قلة التمويل وضعف التعاون بين المؤلفين وصناع السينما، وغياب الدعم الكافي من المؤسسات الثقافية والوزارات التعليمية لتشجيع القراءة بين اليافعين.
وتشدد الكاتبة يمام خرتش في حديثها لـ”العرب” على تزايد إقبال دور النشر على روايات اليافعين أكثر من القصص المصورة أو تلك المخصصة للطفولة المبكرة، وأن المسابقات الأدبية أنعشت روايات أدب اليافعين.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
نجوى درديري
كاتبة مصرية